اللغة الشيشانية وتُسمى لغة النوختْشي لغة قوقازية بحتة، وهي ليست حكرًا على الشعب الشيشاني وحده كما يعتقد البعض؛ بل أنها تُعد من إحدى اللغات الرسمية في داغستان ويتحدث بهذه اللغة أيضا شيشانيو وادي بانكِتسي الواقع في جمهورية جورجيا والمهاجرون الشيشان في تركيا والأردن وسورية. وتنتسب اللغة الشيشانية إلى مجموعة لغات "الناخ" المتفرعة عن المجموعة الناخ-داغستاني. وهنالك عدد ليس بقليل من الأسماء الروسية التي امتزجت في القاموس الشيشاني، فالاشتقاق ولد مصطلحات شيشانية بديلة عن أخواتها الروسية، فكلمة словарь (معجم) مثلا يقابلها الكلمة الشيشانية дошам المشتقة من дош أيْ كلمة وкнишка (كتاب) يقابلها الكلمة الشيشانية жайна. بدأت الكتابة بهذه اللغة رسميا مطلع العهد السوفييتي في عشرينيات القرن الماضي وتم ذلك من خلال استخدام الحروف اللاتينية. ثم بعد مضي ما يُقارب عقدين من الزمن، استبدلت الأبجدية اللاتينية بأخرى روسية (سيرالية). في عهد الاستقلال في التسعينيات، قام الرئيس الشيشاني الراحل جوهر دوداييف بتكليف فريق ليعيد كتابة الأبجدية الشيشانية بحيث يستخدم الحروف اللاتينية. أُنجز المشروع واستُخدمت الأبجدية الجديدة على مستوى رسمي لكنها لم تلق رواجا كبيرا. اليوم، عاد رسميا استخدام الحروف الروسية (سيرالية) لكتابة اللغة الشيشانية. وأقرب اللغات إلى هذه اللغة هي لغة الأنغوش حتى إن بعض الشيشان يعتبرون أن اللغتين الشيشانية والأنغوشية لغة واحدة يسمونها لغة الوايناخ Вайнехан мотт. وللغة الشيشانية عدة لهجات منها: أكثر كلمات اللغة عدد أحرفها من حرفين إلى 3 أحرف وعدد أحرف اللغة 49 حرفا. الأرقام هي نظام العشرين مثال: 34، 20، 14، 75 60، 15. أبجدية. يبين الجدول الأبجدية الشيشانية السيريلية، مع مرادفاتها العربية والرومية، كلا مع أمثلة سيريلية ولاتينية مترجمة للعربية. بيضاء الثلج وجنون الحقيقة (بالسويدي: "Snövit och sanningens vansinne") هو عمل فني قام بصنعه الفنان السويدي إسرائيلي المولد درور فيلير بالتعاون مع زوجته غانيلا سكاود-فيلير وعرض في متحف ستوكهولم، حيث ملئ بركة بسائل أحمر ووضع به قارب أبيض ووضع صورة هنادي جردات على شراع القارب وقام بلصق وصيتها وجميع ونشرته الصحافة الإسرائيلية عن الموضوع. يذكر ان هنادي جردات هي محامية فلسطينية، قتل أخوها وابن عمها أمامها. كانت تشرب الشاي معهم عندما توقفت سيارة تحمل أرقام عربية وخرج منها عنصرين إسرائيليين وأطلقا النيران عليهم. ثم جاءت سيارة أخرى وساهمت في إطلاق النار عليهم. قتل ابن عمها على الفور. أخوها أصيب ووقع أرضا، نادى عليها طالبا المساعدة. حاولت هي سحبه لحمايته من النار. أوقعها الجنود وأمروها بتركه وإلا قتلوها هي الأخرى. أمر أحدهم الجنود بسحب الأخ. صرخت بكل صوتها. ضربت بعقب البندقية على رأسها وشتمت. تم سحب الأخ أمامها ورمي فوق جثة ابن عمها. وأطلق النار عليهما معا للتأكد من موتهما. عندما أعيدت الجثث. كان الجسمين يحملان عدد ضخما من ثقوب الرصاص. بعد فترة سجلت هنادي وصيتهاو وذهبت لتفجر نفسها في مطعم وليموت معها 21 شخص في واحدة من أضخم العمليات الاستشهادية. قام السفير الإسرائيلي تسفي مازيل بعد رؤيته للعرض بخلع أحد كشافات الضوء من الأرض وإلقائها في البركة وهاجم الفنان. وطالب بإزالة العمل الوحات والنصوص. حاول الفنان شرح أن النصوص مأخوذة من الصحافة الإسرائيلية. رفض السفير الاستماع. وإضطرت إدارة المعرض الطلب منه أن يغادر. رفض المغادرة إلا بعد أن يزال العمل. إضطر الأمن المرافق معه إلى إخراجه خوفا على سلامته. قامت إسرائيل فورا بعقد اجتماع على مستوى رئاسة الوزراء وأعلن رئيس الوزراء السابق شارون أنه يدعم كليا ما قام به السفير. تحركت مئات الجرائد من جميع أنحاء العالم وتحركت عواصم غربية لإجبار السويد على إغلاق المعرض وهددت إسرائيل بالمقاطعة. رفعت جمعيات محلية قضايا مستعجلة وتم على إثر هذه القضايا منع تداول أي دعاية لهذا العمل. وأزيلت جميع ملصقات الداعية من شوارع ستوكهولم. تمت الضغط بشتى الطرق لمنع العرض وصل الأمر لإرسال فرق صحية للتأكد من أن الماء لا يشكل مكرهة صحية. تم إغلاق موقع المؤسسة الراعية Making Differences وإغلاق موقعها على الإنترنت. تم وصف السويد بأنها منبع النازية وأنها بؤرة دمار أوروبا. تعليق السفير كان: "intolerable and an insult to the families of the victims" لا يحتمل ويمثل إهانة لعائلات الضحايا. "As ambassador of Israel I could not remain indifferent to such an obscene misrepresentation of reality" كسفير لإسرائيل لا يمكنني أن أبقى لا مبالي لتمثيل خاطئ عن الواقع. في مقابلة لها مع أحد الجرائد الأسترالية تعليقا على ما قام به السفير الإسرائيلي، قالت السفيرة الإسرائيلية في أستراليا: he got so mad, it was probably something that he felt that he had to react to very strongly and that is what he did لقد غضب جدا، ربما كان شيئا أحس بأنه يتوجب عليه التصدي بقوة له، وهذا ما فعله. I think that what the ambassador did, maybe he did it in the heat of the moment, he was angry and that was his reaction. أعتقد أن ما فعله السفير، فعله في ثورة تلك اللحظة، كان غاضبا، وما صدر منه كان ردة فعل. عقبة بن نافع الفهري القرشي (قبيل 8 هـ أو 10 هـ - 63 هـ) هو تابعي وقائد عسكري من أبرز قادة الفتح الإسلامي للمغرب في عهد الخلافة الراشدة ثم الدولة الأموية، ووالي إفريقية مرتين (47–55هـ) و(62-63هـ) في عهدي معاوية بن أبي سفيان ويزيد بن معاوية. يُلقَّب بفاتح إفريقية. ولد عقبة في بني فهر بن مالك من قبيلة قريش في مكة على عهد النبي محمد، لكن لم ير النبي ولم يسمع منه. فهو معدود من التابعين. شارك عقبة في الفتح الإسلامي لمصر، وسكن بها، ثم في فتح برقة، وزويلة والواحات، ثم ولاه عمرو بن العاص على برقة والمناطق التي افتتحها. وفي ولاية عبد الله بن سعد بن أبي السرح شارك عقبة في فتح سبيطلة. وبعدها عاد عقبة إلى مصر سنة 28 هـ وظل بمصر مدة ثلاث عشرة سنة حتى 41 هـ، وفي سنة 47 هـ ولاه معاوية بن حديج والي مصر على ولاية حرب إفريقية، وفي سنة 50 هـ فصل معاوية بن أبي سفيان ولاية إفريقية عن ولاية مصر، وولى على إفريقية عقبة بن نافع؛ فافتتح سرت وجرمة وقصطيلية ومجانة. وأمر ببناء القيروان لتكون معسكرًا لرباط المسلمين، واستمر بناؤها من سنة 51 هـ إلى سنة 55 هـ، وبنى بها المسجد الأعظم المعروف اليوم بجامع عقبة بن نافع. عُزلّ عقبة عن إفريقية سنة 55 هـ، ووُلّيَ أبو المهاجر دينار عليها، فأساء إلى عقبة واعتقله وسجنه وألبسه الحديد حتى أتاه كتابٌ من معاوية بتخلية سبيله وإرساله إليه، فسار عقبة إلى دمشق، وظل بها حتى وفاة معاوية. ثم ولاه يزيد بن معاوية مرة أخرى على إفريقية سنة 62 هـ، فدخلها وافتتح الجريد وتاهرت، وقاتل أوربة فهرب زعيمهم كسيلة. وصالح يُليان حاكم طنجة وسبتة، ثم افتتح السوس الأدنى والسوس الأقصى حتى وصل إلى المحيط. وفي طريق العودة صرف عقبة جل عساكره إلى القيروان، وبقي معه حوالي 300 رجل فقط، فاستغل كسيلة ذلك، وحشد جيشًا قوامه خمسون ألف مقاتلٍ تقريبًا، والتقى مع عقبة وأصحابه، فقتل عقبة وأبو المهاجر وأغلب الجيش، ووقع في الأسر قلة منهم. نسبه وأسرته. أسرته. ولد عقبة بن نافع عياضًا وأبا عبيدة وعبد الرحمن وعمْرًا لأمهات أولاد، وأمة الله وأمّ نافع. وأمهما بنت عميْرة بن موْهبة منْ بني سهْم بن عمْرو، ولنسله بقية في مصر والشام وإفريقية. ومن نسل حفيده حبيب بن أبي عبيدة الفهري العديد من القادة والولاة، منهم والي إفريقية عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع، وابنه يوسف بن عبد الرحمن الفهري والي الأندلس. مولده. ولد عقبة في بني فهر بن مالك من قبيلة قريش في مكة، واتفقت المصادر على أنه ولد في عهد النبي محمد، لكن لا تصح له صحبة. فعقبة بن نافع ليس معدودًا في الصحابة، لأنه لم ير النبي ولم يسمع منه، بل من كبار التابعين ممن أدرك زمان النبوة. وقد توسع بعض العلماء وقالوا بثبوت شرف الصحبة لكل من ولد مسلمًا في زمان النبي، وقد أشار إلى هذا المعنى السيوطي في قوله: . وقال ابن حزم: . كان أبوه نافع بن عبد القيس ممن نخس بزينب بنت النبي مع هبار بن الأسود لما توّجهت إلى المدينة، ومات أبوه قبيل فتح مكة. لذلك من المرجح ولادة عقبة قبل فتح مكة أي قبل 8 هـ. بينما ذكر ابن عذاري أن عقبة ولد قبل وفاة النبي محمد بسنة واحدة، أي حوالي عام 631م الموافق 10 هـ. مشاركته في المعارك الإسلامية. الفتح الإسلامي لمصر. اشترك عقبة -في عهد عمر بن الخطاب- في الجيش الذي توجه لفتح مصر بقيادة عمرو بن العاص، واختط بها. ولما فتح المسلمون مصر بعث عمْرو بن العاص إلى القرى حولها الخيل تطؤهم، فبعث عقبة بن نافع بن عبد قيس على رأس الجند، فدخلت خيولهم أرض النّوبة غزاة، فلقي المسلمون من النوبة قتالًا شديدًا، ففي أول يوم رشقوهم بالنّبل، وجرح منهم عامتهم، وانصرفوا بجراحات كثيرة، فلم تفتّح النوبة، ورجع عقبة بالجند. وظلت النوبة لم تفتّح حتى ولّي مصر عبد الله بن سعد بن أبي السرْح، فسأله أهل النوبة الصلح والموادعة، فأجابهم إلى ذلك واصطلحوا على غير جزية، على هدية ثلاثمائة رأس في كل سنة، ويهدي إليهم المسلمون طعامًا مثل ذلك. فتح برقة وطرابلس وفزان. بعث عمرو بن العاص نفرًا من جنده بقيادة عقبة بن نافع ليستطلعوا أحوال برقة ويوافوه بأخبارها قبل أن يتقدّم إليها، فسار عقبة إلى زويلة وأطراف برقة وما جاورها من البلاد، فتبيّن له أنّ قبائل البربر التي تقطن تلك النواحي كانت في سكونٍ شاملٍ وهدوءٍ كامل. أرسل عقبة المعلومات التي حصل عليها إلى عمرو بن العاص، الذي قرر مواصلة السير لفتح كامل بلاد إنطابلس التي تعرف اليوم ببرقة. ولم يكن الطريق إلى برقة آنذاك صحراويًّا، بل كانت عليه سلسلةٌ من المدائن والمنازل متصلة، وأكثره أرض خصبة ذات زرع. كانت الرحلة بمثابة نزهة للمسلمين، فلم يصادفوا مقاومةً تذكر، وانضمّت إليهم أثناء السير بضعة قبائل بربريّة معلنةً ولائها للإسلام والمسلمين. ولمّا بلغت خيل ابن العاص برقة، ضربوا الحصار عليها، وعرض عليهم عمرو بن العاص الثلاث خصال التي عرضها على المقوقس وأهل مصر ومن قبلهم الشّام، وهي: الإسلام أو الجزية أو القتال. ووجد أهل برقة أنه لا طاقة لهم بقتال المسلمين فقبلوا المصالحة على أن يؤدوا جزية للمسلمين قوامها 13 ألف دينار، وأن يبيعوا من أحبّوا من أبنائهم في جزيتهم، وقيل كذلك دينار عن كل شخصٍ بالغ. استمر عمرو بن العاص مسيره بالجند حتى أطرابلس فحاصرها شهرًا. وعلم المسلمون آنذاك أنّ الجهة البحريّة خالية من الدفاعات وغير محصنة، وأنهم يستطيعون النفاذ إليها من هناك، فرأوا استغلال حركة الجزر، وانتظار انحسار الماء عن المدينة من جهة البحر، فدخلت جماعة منهم بين أسوار المدينة والبحر وقاتلت الحامية المولجة بالدفاع عن هذه الجهة، وصاح أفرادها «الله أكبر»، فترددت أصداء التكبير في أزقّة المدينة وطرقاتها، فذعر المدافعون عنها، ودبّت الفوضى في صفوفهم، فحملوا ما استطاعوا من متاعهم وأسرعوا إلى السفن وأبحروا عليها هاربين، ولمّا رأى الحرّاس فرار الحامية البيزنطيّة، تركوا مراكزهم، فدخل عمرو وجيشه إلى المدينة. وفي اليوم التالي، فاجأ ابن العاص أهل سبرت بخيله، وكانوا مستأمنين على منعة طرابلس التي كانت تحول بينهم وبين المسلمين، فهاجمها صباحًا على حين غرّة. وذعر السكّان، وقد ظنّوا أنّ المسلمين لا يزالون يحاصرون طرابلس، فاضطرّوا إلى فتح أبواب المدينة عند أوّل هجمة إسلاميّة. واحتوى المسلمون على ما فيها لأنّها فتحت عنوة. ولما تمكّن ابن العاص من فتح سبرت، كاتب عمرَ بنَ الخطاب يعلمه بالنصر، وأن التالي بلاد إفريقية، ويستأذنه في افتتاحها، فأبى عمر قائلاً: ، ويروي البلاذري ما مفاده أنّ الخليفة لمّا سمع بأخبار إفريقية وأوضاعها السياسيّة وتاريخها عرف أنها ليست مأمونة الجانب ولا ميسورة الفتح ولا قريبة الطاعة، فعجّل بإيقاف عمرو. خلال الفترة ما بين تمام فتح برقة، وحصار المسلمين لطرابلس وفتحها، كان عمرو بن العاص قد وجّه عقبة بن نافع نحو الطريق الداخليّ بين برقة وزويلة لافتتاح الواحات حتّى لا تتحوّل إلى أماكن تجمّع للمقاومة البربريّة فتقطع طريق العودة على المسلمين، فافتتح أجدابية في طريقه صلحًا على أن تؤدّي 5 آلاف دينار جزية للمسلمين، ثم واصل عقبة حتى بلغ زويلة، فصالحه أهلها، وصار ما بين برقة وزويلة للمسلمين. وبعد أن تمّ فتح إقليمَي طرابلس وفزّان؛ شارك عقبة في الحملات التي تلت ذلك لإتمام إخضاع بقيّة قبائل الصحراء وإدخالها في الإسلام أو العهد. ولاية برقة. ولى عمرو بن العاص عقبة على برقة والمناطق التي افتتحها، وعاد عمرو إلى الفسطاط. وكتب عمرو إلى عمر بن الخطاب يخبره أنه قد ولى عقبة بن نافع الفهري، وأنه بلغ زويلة وأن ما بين زويلة وبرقة سلْمٌ كلهم، قد أطاع مسلمهم بالصدقة، ومعاهدهم بالجزية، وأنه بلغ طرابلس ففتحها، فكتب إلى عمر يطلب منه الإذن بفتح إفريقية فقال: . لكن عمر رفض ذلك وكتب إليه: . توفي عمر بن الخطاب، وتولى عثمان بن عفان الخلافة في ذي الحجة 23 هـ، وفي سنة 24 هـ عيّن عثمان عبد الله بن سعد بن أبي السرح على خراج مصر، مع بقاء عمرو على الجيش والإدارة في مصر، فاختلف عمرو وعبد الله، فكتب عبد الله بن سعد إلى عثمان يقول: «إن عمرا كسر الخراج»، وكتب عمرو: «إن عبد الله كسر على حيلة الحرب»، فكتب عثمان إلى عمرو أن ينصرف، وجعل عبد الله بن سعد واليًا لمصر. لم تتحدث المراجع عن شيءٍ ثابتٍ مما حصل خلال السنوات الأربع التي انقضت بين انصراف عمرو وإقبال عبد الله بن سعد، لكن يرجّح أنّ طرابلس وما يليها من البلاد ارتدّت عن طاعة المسلمين بعيد انصرافهم عنها، وتعتقد بعض المصادر أنّ عقبة بن نافع لبث في برقة خلال هذه الفترة، حيث وجده فيها عبد الله بن سعد حينما أقبل سنة 27هـ، وأنه كان يتردد بين القبائل حول برقة والواحات القريبة منها التي ظلّت على طاعة المسلمين طوال هذه الفترة. وتعتقد بعض المصادر أنّ إمدادات بيزنطيّة جديدة وصلت إلى طرابلس، فاستطاع أهلها أن يعوضوا ما خسروه حين فتح المسلمون مدينتهم، كما يظهر أنّ الحامية البيزنطيّة الجديدة التي أتتها اتعظت من الأخبار التي رواها الطرابلسيون عن غزوة المسلمين الأولى، فزادوا العناية بأسوار المدينة وتحصيناتها وأقاموها من جديد، وأخذت السفن الروميّة تصل مينائها بالمتاجر والجند وتقلع عنها، فعادت إلى ما كانت عليه قبيل الفتح الإسلامي ببضع سنوات. فتح إفريقية. موقعة سبيطلة. افتتح ابن أبي السرح ولايته بابتعاث السرايا إلى أطراف إفريقية، فنجحت تلك السرايا في مهمتها، وعادت مثقلة بالغنائم. وأرسل ابن أبي السرح إلى عثمان بخبر تلك السرايا، وليستأذنه في فتح إفريقية. شجّع نجاح السرايا عثمان، فوافق على مواصلة التقدّم نحو إفريقية رغم أنه كان في البداية على رأي عمر بن الخطّاب بالتوقف عن غزوها، لكنّ الأنباء المشجعة حول نجاح الحملات على أطراف إفريقية، بالإضافة إلى موافقة كبار الصحابة على هذا الأمر، جعلته يعقد العزم على التقدّم، فنادى بالجهاد في إفريقية، واجتمع خلقٌ كثيرٌ من المسلمين من كل القبائل، وخاصّةً تلك التي كانت تقطن حول المدينة المنوّرة. وقام عثمان فيهم خطيبًا وحثّهم على الجهاد، ووزّع عليهم السلاح، كما أمدّهم بألف بعير يحمل عليها ضعفاء الناس أي فقرائهم، فخرج المسلمون في جيشٍ عظيمٍ سنة 27 هـ يقوده الحارث بن الحكم بن أبي العاص، إلى أن يقدموا على ابن أبي السرح بمصر فتكون القيادة له. ضمّ الجيش العديد من الأسماء البارزة كمعبد بن العبّاس بن عبد المطلب ومروان بن الحكم بن أبي العاص وعبد الله بن الزبير والمسوّر بن مخزمة وعبد الرحمٰن بن زيد بن الخطّاب وعبد الله وعاصم وعبيد الله أبناء عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن عمرو بن العاص وبسر بن أبي أرطأة وأبي ذؤيب الهذلي والمطّلب بن السّائب وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب والحسن والحسين ابني عليّ بن أبي طالب وغيرهم. فخرج ابن أبي السرح من مصر بجيش قوامه 20 ألف مقاتل من الفسطاط إلى إفريقية. وما أن بلغ الجيش برقة، انضم عقبة بن نافع ومن معه من المسلمين إلى الجيش، وأثناء تقدمهم وجدت إحدى سرايا الاستطلاع مراكب للروم راسية بالقرب من طرابلس، فاشتبكت معها، واستولت على ما فيها، وأسروا 100 رجل من الروم، بينما تحصّن أهل طرابلس خلف أسوار مدينتهم ولم يخرجوا للقاء ابن سعد، ولم يهاجمهم هو الآخر. ولا شكّ في أنّ المسلمين، وخاصّةً أولئك الذين خبروا الحرب على حدود إفريقية، كانوا يعلمون أنّ أهل طرابلس يكتفون منهم بتركهم في أمان، وعلى ذلك رأى ابن سعد ألّا ينهك قواه في إعادة فتح طرابلس. فتركها خلف ظهره، واتجه نحو أرض إفريقية الحقيقيّة مبتعدًا عن الشاطئ إلى أن وصل إلى منطقة قمونية (في موضع القيروان حاليا). حينئذٍ، كانت إفريقية تحت ولاية البطريرك جرجير بن نيقيتاس بعد أن استقلّ بها عن الإمبراطوريّة البيزنطيّة واستأثر بحكم ما بين أطرابلس إلى طنجة، واتخذ من مدينة قرطاج عاصمةً لحكمه، ثمّ انسحب إلى سبيطلة كما أسلف. ولمّا بلغه خبر مسير جيش المسلمين، جمع 120 ألف مقاتل، وقبع ينتظر الموقعة الحاسمة. وكانت قمونية التي بلغها المسلمون غير بعيدة عن سبيطلة، فحطّ ابن سعد رحاله فيها ليستريح الجند من عناء الطريق وليأخذوا في الاستعداد للقاء الروم. وفي هذه الأثناء أخذ يرسل السرايا تستكشف البلاد في كل الجهات، وتأتي بالمؤن والعلف. وقبل أن يبدأ القتال بين القوّات الرئيسيّة، دارت مفاوضات بين الطرفين، وأرسل ابن أبي السرح رسلًا إلى جرجير يعرضون عليه -كما هي العادة- الإسلام أو الجزية أو الحرب، فاختار الحرب وأن تحدد القوّة من ستكون له اليد العليا. ووقف الجيشان الإسلامي والرومي وجهًا لوجه في موضعٍ أمام سبيطلة على بعد يومٍ وليلةٍ واحدةٍ من المدينة، والتحم الجيشان واستبسلا في معركةٍ هائلة، فتعقّد موقفهما، ولم يتمكنا من الحسم، فالروم كانوا يرهبون المسلمين وينهزمون أمامهم، والمسلمون كانوا يخشون كثرة الروم وعظم معداتهم. فكانوا يقتتلون نهارًا من الصبح إلى صلاة الظهر، ثمّ يعودون إلى معسكراتهم فلا يستأنفون القتال إلّا في اليوم التالي. وقتئذٍ، أراد جرجير أن يحفّز جنوده على القتال، فأعلن عن جائزة لمن يقتل أمير المسلمين ابن أبي السرح بأن يزوّجه ابنته ويعطيه ما معها من جواري وأموال، ويعلي من قدره. ولمّا علم المسلمون بأمر الجائزة، أعلن ابن أبي السرح أن من يقتل جرجير وهبه ابنته ومن معها. أشار ابن الزبير على ابن أبي السرح، أن يؤخّر بعض فرسان المسلمين عن القتال، ويقاتل بمن بقي، حتى ينهك الروم القتال، فيشرك هؤلاء الفرسان في القتال، ففعل. وجد ابن الزبير ثغرة في جيش الروم، فاخترق صفوفهم مع 30 فارسًا، حتى وصل إلى جرجير وقتله. فتشجّع المسلمون، وهُزم الروم هزيمة كبيرة، ثمّ حاصر ابن أبي سرح سبيطلة حتى فتحها، وغنم المسلمون يومئذٍ غنائم كثيرة. بعد ذلك، سار ابن أبي سرح فحاصر قرطاج حتى فتحها، ثم بثّ ابن أبي سرح السرايا إلى قفصة وحصن الأجم، فحاصرتهما حتى طلب أهلوهما الأمان فاستأمنوهما، فدبّ الرعب وتوافد أهل البلاد مسالمين، واصطلح المسلمون والرّوم على تأدية جزية للمسلمين قدرها 330,000 صرد، على أن يكف عنهم ويخرجوا من بلادهم فقبل ابن أبي السرح ذلك منهم، وأرسل ابن الزبير ببشارة الفتح إلى المدينة. وتهافت بطاركة إفريقية إلى ابن أبي السرح معلنين دخولهم ورعاياهم تحت ظل الخلافة، فأعطاهم المسلمون العهد المعتاد بأن لا يتعرّض لهم أحد في دينهم وأنفسهم ونسائهم وأولادهم وكنائسهم، وفي تلك الأثناء انسحب الروم إلى شبه جزيرة شريك (بين تونس وسوسة حاليًّا) واجتمعوا هناك في مدينةٍ تعرف بإقليبية ومنها انسحبوا بحرًا إلى جزيرة قوسرة. توقف الفتوحات. عاد عقبة إلى مصر مع الجند سنة 28 هـ وظل بمصر مدة ثلاث عشرة سنة حتى 41 هـ، وتوقفت حركة الفتوحات إلا قليل من الحملات العسكرية. وعكف عقبة على العبادة والتفقه خلال تلك الحقبة. وفي تلك الفترة حدثت الكثير من الأحداث، ففي سنة 33 هـ نقض أهل إفريقية عهدهم مع المسلمين، فغزاها ابن أبي السرح مرة أخرى. وفي 34 هـ، سار معاوية بن حديج التجيبي والي مصر الجديد إلى إفريقية لقتال المنتقضين. وفي 18 ذي الحجَّة سنة 35 هـ قُتِلَ عثمان بن عفان ووقعت الفتنة بين المسلمين، ولم تذكر المصادر شيئًا عن أحوال عقبة في تلك الفترة، ويبدو أنه اعتزل الفتنة ولم يشارك فيها. وفي 39 هـ تولى عمرو بن العاص ولاية مصر مرة ثانية، وفي 41 هـ استتب الأمر لمعاوية بن أبي سفيان بعد الصلح مع الحسن بن علي فيما يُعرف بعام الجماعة. في سنة 41 هـ، أرسل عمرو بن العاص معاوية بن حديج لِغزو إفريقية مرَّة ثانية، بعد أن نقض أهل إفريقية العهد مُجددًا، فسار على رأس جيش عدته عشرة آلاف، فالتقى عقبة في برقة. كما أرسل ابن العاص عقبة بن نافع إلى غدامس سنة 42 هـ، فافتتحها، ومنها سار إلى ودَّان وبعض النواحي المجاورة لها، فافتتحها أيضًا. وولى معاوية بن حديج ولاية إفريقية، وكان أول والٍ لها. وبعث مُعاوية بن حُديج رويفع بن ثابت إلى جربة، فافتتحها. ولاية عقبة على إفريقية. في سنة 47 هـ ولى معاوية بن أبي سفيان معاوية بن حديج على مصر، فعاد ابن حديج إلى مصر وأناب عقبة بن نافع على ولاية حرب إفريقية، وفي سنة 49 هـ غزا عقبة بن نافع الروم في البحر بأهل مصر. وفي سنة 50 هـ/670م عزل معاوية بن سفيان معاوية بن حديج عن إفريقية، وأقره على ولاية مصر، وولى على إفريقية عقبة بن نافع الفهري. ابتدأ عقبة ولايته بغزو سرت، ومنها سار إلى ودّان بعد أن نقض أهلها عهدهم معه حين افتتحها في ولاية عمرو بن العاص الثانية، فافتتحها مجددًا. وبعدها سار إلى جرمة كبرى مدن فزّان، فدعاهم إلى الإسلام، فأجابوا. ثم مضى على قصور فزّان، فافتتحها قصرًا قصرًا، ومنها إلى قصور خاوار، فحاصر قصبة كوار، فلم يتمكن منها، فمضى وافتتح قصورها، ثم عاد من طريق آخر إلى خاوار، فداهم أهلها وافتتح القصبة. بعد ذلك، انصرف عائدًا إلى زويلة، ومنها سار إلى أرض قبيلة مزاتة في ودّان، فافتتح قصورها، ثم إلى صفر فافتتحها، ثم بعث خيلاً إلى غدامس، فأعاد افتتاحها غدامس. ولما عادت إليه السرايا سار إلى قفصة فافتتحها، وافتتح قصطيلية، كما وجّه عقبة بسر بن أبي أرطأة إلى إحدى القلاع بالقرب من مجانة، فافتتحها. وازدادت قوّات المسلمين آنذاك وقدرتهم على الحرب بفضل البربر الذي دخل العديد منهم في الإسلام، فأصبحوا، وهم أهل البلاد، يقدمون النصح والمشورة ويرشدون الجيوش ويقاتلون معهم. ولم يلقَ عقبة مقاومةً تذكر في حملته وغزواته. تخطيط القيروان. بعدما استقر الأمر للمسلمين مع البربر في وسط إفريقية، رأى عقبة بناء مدينة لتكون مقرًا لرباط جند المسلمين، وحتى لا يتمرد أهلها مرة أخرى. فقال: ، فاتفق الناس على ذلك وأن يكون أهلها مرابطين وقالوا: ، فقال عقبة: . فلما اتفق رأيهم على ذلك قال: . فسار عقبة مع أصحابه فوقع اختياره على وادي كثير الشجر، اختطّ فيه مدينة دعاها «القيروان». ابتدأ عقبة بناء القيروان سنة 51 هـ، وأجابه العرب إلى ذلك ثم قالوا: ، وكان في عسكره ثمانية عشر رجلاً من الصحابة وسائرهم من التابعين. فأخذ عقبة يدعو الله مع أصحابه، ثم مضى إلى السبخة وواديها ونادى: ، فيروى أن أهل إفريقية بعد ذلك ظلوا أربعين عاما لا يرون فيها حيًا لا عقربًا ولا سبعاً. كما أمر بقطع أخشاب أشجار الزيتون البرّي لاستعمالها في البناء، وكانت تلك الأشجار كثيفة وعديدة، حتّى قيل أنّ القيروانيين كانوا يحتطبون الدهر من زيتونها فلا يتأثّر. وبعد قطع ما يلزم من الأشجار، أمر عقبة بإحراق الأرض المخصصة للبناء كي يظهرها من الأشواك والشجيرات. كان أوّل ما اختطّ من القيروان هو "دار الإمارة"، ثم أتى المسلمون إلى موضع "المسجد الأعظم"، فاختطّوه. ثم أخذ الناس في بناء الدور والمساكن والمساجد. استمرّت عمليّة البناء حتّى سنة 55 هـ، فعمرت القيروان بالأبنية وأقيمت فيها الأسواق وبتمام بناء المدينة أمن المسلمون واطمأنوا في إفريقية، وثبت الإسلام فيها. عزل عقبة. تولى مسلمة بن مخلد الأنصاري ولاية مصر، فسعى لعزل عقبة بن نافع وضم ولاية إفريقية إليه. فاستغل مسلمة بن مخلد إنفاق عقبة أموال الغنائم على تأسيس القيروان بأنه حرم بيت المال من الغنائم. فعزل معاوية عقبة سنة 55 هـ عن ولاية إفريقية وضمها إلى مسلمة الأنصاري، الذي بادر بدوره إلى تعيين خالد بن ثابت الفهمي التابعي على إفريقية. وسرعان ما توفى خالد، فعين مسلمة عليها مولاه أبا المهاجر دينار. فكان أول مولى يتولى ولايةً في الدولة الأموية. وصل أبو المهاجر إلى القيروان سنة 55 هـ الموافقة لسنة 674م، ومعه جيشٌ من مصر والشام مزودًا بأمرٍ من سيده مسلمة بعزل عقبة والإساءة إليه، فاعتقله وسجنه وألبسه الحديد حتى أتاه كتابٌ من الخليفة بتخلية سبيله وإرساله إليه، فخرج عقبة حتى أتى موضعًا يعرف بقصر الماء، فصلى، ثم دعا، وقال: . سار عقبة إلى دمشق وقابل معاوية بن أبي سفيان واشتكى له مما فعله معه أبو المهاجر، ومما قاله: . فاعتذر معاوية من عقبة قائلًا: . كره أبو المهاجر أن ينزل القيروان، أو أن يتخذها قاعدةً له، حقدًا على مؤسسها، فهجرها وهجرها الناس، واختط محلة أخرى بالقرب من القيروان لتكون قاعدته الجديدة، وهي قرية «دكرور» البربرية، فأقام فيها المسجد الجامع ودار الإمارة. وظل الأمر على ذلك حتى وفاة معاوية. ولاية عقبة الثانية على إفريقية. بعد وفاة معاوية بن أبي سفيان سنة 60هـ، رأى يزيد بن معاوية أن يرد عقبة بن نافع على إفريقية وأن يفصل ولاية إفريقية عن ولاية مصر فيجعلها ولاية مستقلة بذاتها، فأعاد عقبة عاملًا عليها سنة 62 هـ. فرحل عقبة من الشام ومعه خمسة وعشرون رجلاً من الصحابة، وعشرة آلاف فارس، ولما مر بمصر استقبله واليها مسلمة واعتذر منه وأقسم أن أبا المهاجر خالفه فيما صنع. ولما دخل عقبة إفريقية، اعتقل أبا المهاجر وألبسه الحديد، وخرب مدينته وأعاد إعمار القيروان. فتح الجريد والزاب. جهز عقبة جيشًا قوامه بين 10 آلاف، و15 ألف جندي، واستخلف زهير بن قيس البلوي على القيروان، وخرج للغزو. فزحف عقبة إلى الجريد أولًا، وفتحها فتحًا ثانيًا، كما فتح حصن لميس ومدينة باغانة حيث دار قتالٌ عنيفٌ مع الروم انتهى بانتصار المسلمين وحصولهم على الكثير من الغنائم. كذلك، صالح عقبة أهل فزان، وتابع تقدمه غربًا نحو الزاب واصطدم مع الروم في وادي المسيلة وهزمهم، وتقدم نحو تاهرت فهزم جموع البربر من زناتة ومكناسة وهوارة وغيرها. ولما اقترب من المدينة استغاث البربر بالروم الذين أسرعوا لنجدتهم لأنهم وجدوا الفرصة سانحة للانتقام من المسلمين وتجديد التحالف مع البربر. لما رأى عقبة كثرة العدو وقف خطيبًا في صفوف الجيش، فحمد الله وقال: . واشتبك المسلمون والروم في معركةٍ، انتهت بهزيمة الروم، وحاولوا الانسحاب مع حلفائهم من البربر والفرنجة إلى داخل تاهرت، فقطع عليهم المسلمون الطريق إلى باب المدينة وقتلوا كثيرًا منهم وغنموا أموالهم وسلاحهم. فتح طنجة. توجه عقبة بن نافع إلى بلاد المغرب الأقصى، قاصدًا مدينة طنجة. وتحول عقبة في سيره نحو الساحل عبر ممر تازة باتجاه طنجة، وانهزم البربر والأفارقة أمامه بعد أن كثر فيهم القتل فلاذوا بالحصون والقلاع. في هذه المعارك قتل الكثير من البربر وخاصةً بربر أوربة، فكان ذلك عاملًا مهمًا دفع زعيمهم كسيلة إلى الفرار من الجيش مترصدًا عقبة حتى يعود إلى الشرق من غزوته ليثأر منه لنفسه وللبربر، وأخذ يعد جيشًا بربريًا بالاتفاق والتنسيق مع الروم للتصدي لعقبة. لم يحاصر عقبة الحصون التي تتطلب جهدًا وقوةً لفتحها، وفضل مهاجمة غير البربر من سكان المغرب النصارى، وتوغل غربًا حتى وصل لجوار طنجة. عندما وصل المسلمون إلى أحواز إمارته، سارع يليان حاكم طنجة وسبتة لمقابلة عقبة وقدم إليه الهدايا طالبًا المهادنة، وعقد معه معاهدة صلح، وأرشده إلى مواطن الضعف عند البربر ووجهه نحوهم. وتجنب الصدام مع المسلمين. فقبل عقبة أن يبقيه أميرًا على بلاده، وتابع زحفه غربًا. فتوح السوس. فكر عقبة بعبور البحر لمتابعة الفتح في أيبيريا. فنصحه يليان بعدم اجتياز البحر حتى لا يترك الروم وراء ظهره، بينما البربر أمامه، وقال له إن هؤلاء ، ووصف له عاداتهم وتقاليدهم. فتوجه عقبة للقضاء على ما تبقى من قواعد الروم، ثم إخضاع بربر المغرب الأقصى، وبدأ بالسوس الأدنى (خلف طنجة) حيث مساكن قبائل مصمودة. سار عقبة جنوبًا إلى مدينة وليلي القديمة فافتتحها، وهناك التقى بجموع بربر الأطلس المتوسط وهزمهم واتبعهم جنوبًا إلى صحراء بلاد درعة، فقاتلهم مجددًا وهزمهم وتتبعهم في الصحراء حتى تارودانت. وبنى مسجدًا في مدينة درعة، ثم حول أنظاره نحو الشمال الغربي إلى منطقة تافلالت، فدار حول جبال الأطلس العليا، ودخل بلاد صنهاجة حيث أطاعه الناس دون قتال. وأتبع ذلك بدخول منطقة قبائل هسكورة في طريقه إلى مدينة أغمات، ولم يخرج أهل أغمات للقاء المسلمين بل اعتصموا بمدينتهم، ولكنهم لم يلبثوا أن نزلوا على حكم عقبة بعد أن ضرب عليهم الحصار مدة قصيرة. ومن أغمات اتجه عقبة غربًا إلى مدينة تفيس عاصمة منطقة الوادي، فضرب الحصار عليها حتى فتحها وبنى فيها مسجدًا. وبدخول المسلمين مدينة تفيس الحصينة فُتح أمامهم وادي السوس الأقصى، فقصد عقبة عاصمته وهي مدينة إيجلي التي بنى فيها مسجدًا هي الأخرى. ودعا عقبة قبائل المنطقة إلى الدخول في الإسلام فأجابته قبائل جزولة الذين أتوه فأسلموا ثم عادوا إلى منازلهم. ومن إيجلي سار إلى ماسة، ومنها إلى رأس إيغيران يطوف على المحيط الأطلسي. بعدما وصل للمحيط؛ اعتقد عقبة أنه أنهى فتح المغرب، ويقال أنه سار بفرسه في مياه المحيط حتى بلغت بطنه، وقال: . وورد في موضعٍ آخر أنه قال: . وأدخل عقبة فرسه في البحر حتى بلغ الماء السرج وقال: "اللهم إني أطلب السبب الذي طلب عبدك ذو القرنين"، فقيل له: "يا ولي الله وما السبب الذي طلبه؟" فقال: "ألا يعبد في الأرض إلا الله وحده". مقتله. وصل عقبة إلى بلاد جزولة في السوس الأقصى، واتصل بقبائلها فأسلمت. ثم قرر عقبة العودة إلى القيروان، وفي طريق العودة استمعت له الكثير من القبائل ودخلت في الإسلام، وانضم بعض رجالها إلى الجيش الإسلامي. وترك عقبة أحد أصحابه في منطقة وادي تنسيفت -في منتصف المسافة بين مدينتي مراكش والصويرة حاليًا- يدعى «شاكر» لتعليم البربر أصول الإسلام. وهذا الموضع عرف باسم هذا التابع، فهو «رباط شاكر» أو «رباط سيدي شاكر» أو «سيدي شيكر» حسب النطق الدارج بتلك الأنحاء. وحتى ذلك الوقت لم يجد عقبة مقاومة جدية، لكنه عندما دخل بلاد دكالة ودعا أهلها إلى الإسلام امتنعوا عليه ودبروا الغدر به بحسب الظاهر، فقاتلهم وهزمهم، لكن ذلك كلف المسلمين غاليًا، إذ قتل الكثير منهم بما فيهم عددٌ من القادة، فسمي ذلك الموضع بـ«مقبرة الشهداء». ثم تابع سيره حتى وصل إلى بلاد هسكورة، حيث يقول بعض الباحثين أن معركةً أخرى جرت بين المسلمين وأهل تلك الأصقاع انتهت بهزيمتهم، فيما قال آخرون أن بربر هسكورة فروا من أمام عقبة، وأنه لم يقاتله أحد بعد ذلك من أهل المغرب. ولما بلغ عقبة مدينة طبنة، صرف جل عساكره إلى القيروان حتى بقي في قلةٍ من جنده، يقدر عددهم بحوالي 300 رجل فقط، معظمهم من الصحابة والتابعين. فاستغل كسيلة ذلك للثأر من المسلمين، واتصل بالروم والفرنجة وحشد منهم ومن قبائل البربر غير المسلمة جيشًا قوامه خمسون ألف مقاتلٍ تقريبًا، واعترض عقبة ومن معه عند تهودة في الزاب جنوب جبال الأوراس. فلما رأى عقبة جيش العدو أيقن بالنهاية، فأخلى سبيل أبي المهاجر وطلب منه الانصراف إلى المشرق، وكذلك من المسلمين الذين يرغبون في العودة، وصمم هو على أن يقتل في سبيل الله. لكن أبا المهاجر رفض وأفراد الجيش، بل أن أبا المهاجر رفض أن تفك قيوده كي لا يغرى بالانسحاب، ونزل هو والجنود عن خيولهم وكسروا أغماد سيوفهم كي لا تعاد فيها. وسرعان ما اشتبك عقبة ورجاله مع جيش كسيلة في معركةٍ غير متكافئة، فقتل عقبة وأبو المهاجر وأغلب الجيش، ووقع في الأسر قلة منهم محمد بن أوس الأنصاري ويزيد بن خلف العبسي، افتداهم ابن مصاد البربري المسلم صاحب قفصة، وأرسلهم إلى زهير بن قيس البلوي نائب عقبة على القيروان. موقع مقتله. ذكرت أغلب المصادر أن المكان الذي قُتل فيه عقبة ورفاقه هو بلدة تهودة من بلاد الزاب بالقرب من بسكرة، ورُوي عن شهر بن حوشب أن النبي نهى عن سكن تهودة وقال: ، وجاء عن شهر أنه قال: . وحكم علماء الحديث على هذا الحديث بالوضع، لأن راويه إِسحاق بن أبي عبد الملك الملشوني كان يضع الأحاديث. وسُمِّيت المنطقة المجاورة بسيدي عقبة، ويقع اليوم مسجد وضريح يُنسب لعقبة بن نافع في مسجد "عقبة بن نافع" بمدينة سيدي عقبة التي تبعد عن مدينة بسكرة بحوالي 20 كلم، وهو المسجد ذكره ابن خلدون وقال فيه: . ويعد ثالث أقدم المساجد في المغرب العربي بعد مسجد القيروان ومسجد أبي المهاجر دينار. صفاته. قال شمس الدين الذهبي: كان ذا شجاعة، وحزم، وديانة، قال مفضل بن فضالة: كان عقبة بن نافع مجاب الدعوة، فذكر الواقدي أن القيروان كانت غيضة لا يرام من السباع والأفاعي، فدعا عليها، فلم يبق فيها شيء، وهربوا حتى إن الوحوش لتحمل أولادها. وروى عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: لما افتتح عقبة إفريقية، قال: يا أهل الوادي! إنا حالون إن شاء الله، فاظعنوا، ثلاث مرات، فما رأينا حجرًا ولا شجرًا إلا يخرج من تحته دابة حتى هبطن بطن الوادي. ثم قال للناس: انزلوا بسم الله. ويُروى أنه سلك طريقًا وعرة ليس فيها ماء، فأصابه وأصحابه العطش، فجعل فرس عقبة ينبش برجليه في الأرض حتى ظهرت صخرة، فانفجر الماء من حولها، فأمر عقبة بحفرها فخرج الماء وشربوا جميعًا، وسُمَّى هذا المكان بـ "ماء فرس". فكان عُقبة يُلقَّب بـ «عقبة المُستجاب». آثاره وتأثيره. الآثار المعمارية. أشهر آثار عقبة الإنشائية تخطيطه لمدينة القيروان، والتي تُعتبر من أقدم وأهم المدن الإسلامية، بل هي المدينة الإسلامية الأولى في بلاد المغرب، واستمرّ في بنائها قرابة خمس سنوات، فبنى بها عقبة الأبنية والأسواق، وبلغت مساحتها 13,600 ذراع، وأصبحت قاعدة انطلاق الفتوح ناحية المغربين الأوسط والأقصى، وبتمام بناء المدينة أمن المسلمون واطمأنوا في إفريقية، وثبت الإسلام فيها، وأقبل الأفارقة والبربر والسودان على السكن في القيروان، واعتنقوا الإسلام وامتزجوا مع العرب بمرور الوقت. وأصبحت القيروان بعد وفاة عقبة أولى المراكز العلمية في المغرب العربي، ولقد قصدها أبناء المغرب وغيرها من البلاد المجاورة. وسكن بالمدينة العديد من التابعين، ومنها خرجت علوم المذهب المالكي، وإلى أئمتها كل عالم ينتسب وكان قاضي القيروان يمثل أعلى منصب ديني في عموم البلاد المغربية. كما كان مسجد عقبة الجامع ومعه بقية مساجد القيروان تعقد فيه حلقات للتدريس وأنشئت مدارس جامعة أطلقوا عليها (دور الحكمة). فكان عقبة بن نافع قد وضع محراب المسجد الجامع في متجه القبلة، وقال له أصحابه: "إن أهل المغرب يضعون قبلتهم على قبلة هذا المسجد فأجهد نفسك في تقويمه". واجتهد عقبة بن نافع، فأصبح محراب القيروان أسوة وقدوة لبقية مساجد المغرب الإسلامي. الفهريون. استمر نسل عقبة بن نافع في بلاد شمال إفريقيا والأندلس بعد وفاته، وسُميت سلالته بالفهريين، واستمر دورهم من منتصف القرن الأول إلى منتصف القرن الثاني الهجريين، وإذا استطاع الفهريون السيطرة على السلطة فترة تفوق عشر سنوات (129 هـ- 140 هـ)، وتأسيس سلالة مستقلة فعليًا في إفريقية. وكان حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة الفهري من أبرز القادة المسلمين في المغرب حتى قُتل في معركة بقدورة. وتولى بعده عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة الفهري، والذي حكم كأمير مستقلّ وبقوّة نادرة. فسيطر على النظام العام مدةً تزيد على عشر سنوات. وحكم ابنه يوسف بن عبد الرحمن الفهري ولاية الأندلس والذي كان شبه مستقل عن الخلافة، فاجتمع عليه أهل الأندلس لأنه قرشي، بعد موت أميرهم ثوابة بن سلامة، ورضي به الخيار من مضر واليمن، فدانت له الأندلس تسع سنين وتسعة أشهر، وكان آخر الأمراء بالأندلس، وعنه انتقل سلطانها إلى بني أمية. كما استمرت سلالته في الأندلس وعُرفوا باسم "آل ابن الجد"، فكان منهم القضاة والعلماء والفقهاء والمؤرخون. عبد الحليم رضوي (1939- 2006)، فنان سعودي، ورائدًا للفن التشكيلي في السعودية وأحد أهم مؤسسيه، ومن أبرز فناني الفن العربي المعاصر، وهو أول من أقام معرضًا فنيًا في تاريخ المملكة، إذ أقامه في جدة عام 1965، كما أنه أول فنان سعودي تشكيلي يبتعث للدراسة خارج السعودية، ويكون مؤهلًا أكاديميًا من كلية أوروبية، أسس أول مركز خاص يُعنى بالفن وأهله وهو (مركز الفنون الجميلة) الذي افتتحه في جدة عام 1968، وكان لهذا المركز أثر كبير على بعض الفنانين السعوديين البارزين أمثال ضياء عزيز وطه الصبان، وقد جابت لوحاته العديد من الدول العربية والغربية عبر معارضه التي أقامها، فيما بلغ عدد أعماله نحو 3500 عمل متنوعة ما بين النحت والكولاج والرسم والجداريات، ورغم أن أسلوبه الفني كان مزيجًا من الأساليب المختلفة التكعيبي، التجريدي، التعبيري والسريالي، إلا أن الموروثات الشعبية ظهرت في معظم أعماله بشكل أصيل ولافت، والموروث الحجازي بشكل خاص، إلى جانب الطابع الإسلامي بشموليته والذي كان له نصيب من الحضور في أعماله،وقد حُفظت بعض لوحاته في متاحف حول العالم مثل متحف الفن الحديث في المغرب، ومتحف كير جاس في زيورخ. نشأته. ولد في مكة عام 1939م، وفيها أكمل تعليمه العام، وعاش يتيم الأب منذ أن كان في الخامسة من عمره، ونشأ في أسرة فقيرة تعيش حياة صعبة، ولما كان هو الأخ الأكبر بين أسرته فقد تحمل المسئولية منذ أن كان في التاسعة من عمره، فعمل في بيع البليلة (أكلة حجازية) والطوافة وتلبية حاجيات الحجاج وغيرها من الأعمال المتوفرة في مكة المكرمة ذلك الوقت، وتخرج في المدرسة العزيزية سنة 1960، وقد بدأت موهبته بالظهور في وقت مبكر، وعبر عن هذه الموهبة في المعهد العلمي السعودي عام 1958، قبل أن يُلح عليه طموح السفر إلى الخارج وإستكمال دراساته العليا في إيطاليا، وتحديدًا أكاديمية الفنون الجميلة في روما. مسيرته الفنية. بدأت مسيرة الفنان رضوي بحصوله على الثانوية العامة عام 1958م، ثم توجهه إلى إيطاليا لدراسة الفنون، وحصل هناك على الليسانس في فنون الديكور من كلية الفنون الجميلة في روما عام 1964م، ثم عاد إليها أيضاً ليحصل على درجة بروفيسور عام 1979م، وأصبح بعد ذلك فناناً محترفاً، وقد سجل عبد الحليم رضوي رقماً قياسياً في عدد المعارض الشخصية، حيث عرضت أعماله في معارض تجاوز عددها المئة معرض شخصي في الولايات المتحدة، وهولندا، والبرازيل وبريطانيا، والسويد، واليابان، وإندونيسيا، وفرنسا، وإسبانيا، وإيطاليا، وسويسرا، وبلجيكا، وحفظت بعض أعماله في متحف الفن الحديث في إسبانيا، ومتحف الفن الحديث في الأردن، ومتحف الفن الحديث في ريو دي جانيرو، ومتحف الفن الحديث في المغرب، ومتحف الفن الحديث الوطني في تونس، ومتحف كير جاس في زيورخ، وصالة الفن في سان ماركو في روما، إضافة إلى متحفه الخاص في مدينة جدة. أسلوبه الفني. كان يتنوع إنتاجه الفني ما بين التصوير، النحت، الجداريات، والرسم والكولاج، وكانت الخامات التي يستخدمها عادةً الألوان الزيتية وألوان الايكريلك، فيما اتخذ المنازل، الرقصات الشعبية، التراث، والزخارف الشعبية موضوعات لأعماله، وكانت الأشكال التي تغلب على أسلوبه الدوائر والمثلثات الشعبية والأشكال التجريدية، وكان يرى فضل الاستفادة من تقنيات المدارس الغربية في إطار الحفاظ على الطابع المحلي. وفاته. توفي عام 2006 م، في مدينة جدة إثر نوبة قلبية. يوشيهيرو فرانسيس فوكوياما (إنجليزية : Yoshihiro Francis Fukuyama) (ولد 27 أكتوبر 1952) هو عالم وفيلسوف واقتصادي سياسي، مؤلف، وأستاذ جامعي أميركي. اشتهر بكتابه نهاية التاريخ والإنسان الأخير الصادر عام 1992، والذي جادل فيه بأن انتشار الديمقراطيات الليبرالية والرأسمالية والسوق الحرة في أنحاء العالم قد يشير إلى نقطة النهاية للتطور الاجتماعي والثقافي والسياسي للإنسان. ارتبط اسم فوكوياما بالمحافظين الجدد، ولكنه أبعد نفسه عنهم في فترات لاحقة. يعمل فوكوياما في مركز الديمقراطية والتنمية وسيادة القانون بجامعة ستانفورد منذ 2010. قبل ذلك، عمل أستاذاً ومديرًا لبرنامج التنمية الدولية في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز وأستاذ السياسة العامة بجامعة جورج ماسون. تتمحور أطروحات ومؤلفات فوكوياما حول قضايا التنمية والسياسة الدولية. من مؤلفاته (2014)، (2006)، (2002)، (1995)، (1999)، وأصول النظام السياسي. بالإضافة لعمله الجامعي، عمل فوكوياما في قسم العلوم السياسية بمؤسسة راند ولا يزال عضواً في مجلس أمنائها، مجلس إدارة الصندوق الوطني للديمقراطية، ومؤسسة أمريكا الجديدة. كما عمل في هيئة تخطيط السياسات بوزارة الخارجية الأمريكية في الثمانينيات. شارك في تأسيس مجلة آميركان إنترست عام 2005 وهو رئيس هيئة التحرير. فوكوياما زميل في معهد السياسة الخارجية بجامعة جونز هوبكنز، وزميل غير مقيم في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ومركز التنمية العالمية، عضو في مجلس الرئيس الأميركي للأخلاقيات البيولوجية، جمعية العلوم السياسية الأمريكية، ومجلس العلاقات الخارجية، والمجلس الباسيفيكي للسياسة الدولية. خلفية. ولد يوشيرو فرانسيس فوكوياما في حي هايد بارك بمدينة شيكاغو في 27 أكتوبر 1952 لكل من يوشيو فوكوياما وتوشيكو كواتا. هرب جد فوكوياما من الحرب الروسية اليابانية عام 1905 وافتتح متجراً في لوس أنجلوس كاليفورنيا قبل الاعتقال الادراي للأميركيين اليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية. والده كان أوفر حظاً من جده وتفادى الاعتقال لأنه حصل على بعثة دراسية في جامعة نبراسكا. هذه التجربة التي مرت بها عائلة فوكوياما جعلته ناقداً لما يسمى بالإسلاموفوبيا. والده يوشيو فوكوياما كان أميركيا يابانيا من الجيل الثاني، حصل على الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة شيكاغو حيث قام بتدريس الدراسات الدينية. والدته توشيكو كواتا ولدت في كيوتو باليابان وهي إبنه شيرو كواتا، مؤسس قسم الاقتصاد بجامعة كيوتو وأول رئيس لجامعة مدينة أوساكا. قدمت إلى الولايات المتحدة حيث التقت زوجها للدراسة الجامعية. انتقلت عائلة فرانسيس إلى مانهاتن بمدينة نيويورك حيث عاش سنينه الأولى قبل الانتقال إلى بنسلفانيا عام 1967. حصل فوكوياما على درجة البكالوريوس في الكلاسيكيات من جامعة كورنيل، حيث درس الفلسفة السياسية وكان آلن بلوم من مدرسيه. ذهب إلى جامعة ييل لاستكمال دراساته العليا في الأدب المقارن، لكنه غير تخصصه وقرر دراسة العلوم السياسية في جامعة هارفارد. في هارفارد، تأثر بصموئيل هنتنغتون وهارفي مانسفيلد. حصل على الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة هارفارد لأطروحته عن التهديدات السوفيتية الناتجة عن التدخل في الشرق الأوسط. في عام 1979، انضم إلى مؤسسة راند ومهمته عندما كان في الـ 27 من عمره الخروج باستراتيجية لمواجهة التوسع السوفييتي في جنوب آسيا. عمل أستاذاً للسياسة العامة بجامعة جورج ماسون في الفترة من 1996 إلى 2000. وحتى 2010، عمل أستاذاً للاقتصاد السياسي ومدير برنامج التنمية الدولية بجامعة جونز هوبكنز. يعمل حالياً في مركز الديمقراطية والتنمية وسيادة القانون بجامعة ستانفورد. الابن الوحيد لوالديه، يقول فرانسيس أن اللغة اليابانية كانت متسخدمة داخل المنزل لكنه لم يتعلمها. والده كان من الأبرشانيين، خط بروتستانتي قديم يميل إلى اليسار، يقول فوكوياما أن الدين بالنسبة لوالده كان نشاطاً وسياسة. متزوج من لورا هولمغرن التي التقاها عندما كان يعمل في مؤسسة راند وكانت هي طالبة دراسات عليا في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس. انضم وزوجته إلى كنيسة مشيخية ولكنه ليس عضواً فاعلاً فيها ويقول أنه يواجه صعوبة في اعتبار نفسه مؤمناً. لديه اهتمام بالتصوير والأثاث الأميركي القديم الذي يقوم باعادة إنتاجه بنفسه. يعيش في كاليفورنيا مع زوجته وأبنائه الثلاث جون وجوليا وديفيد. أعلن فرانسيس تأييده لباراك أوباما خلال حملاته الانتخابية. أعماله. نهاية التاريخ. تعد أطروحة نهاية التاريخ والإنسان الأخير التي نشرها في مجلة ناشيونال إنترست عام 1989 قبل أن يتوسع فيها ويؤلف الكتاب، من أشهر أطروحات فوكوياما والتي جادل فيها بأن تطور التاريخ البشري كصراع بين الأيديولوجيات إنتهى إلى حد كبير، مع إستقرار العالم على الديمقراطية الليبرالية بعد الحرب الباردة وسقوط جدار برلين عام 1989، وتوقع فوكوياما انتصار الليبرالية السياسية والاقتصادية في نهاية المطاف. فوكوياما يقصد نهاية التاريخ كاتجاه وليس كأحداث، الديمقراطية الليبرالية هي تتويج التطور الأيديولوجي للإنسان، وعدم وجود بديل غير بربري وخطير يعني أن الحجج الآيديولوجية للآخرين لا ترقى لمقارعة الديمقراطية الليبرالية. مثل هيغل وماركس، لا يعتقد فوكوياما أن تطور المجتمعات البشرية بلا نهاية، لكنه يكتمل عندما تجد البشرية التنظيم الاجتماعي الذي يشبع احتياجاتها الطبيعية والأساسية : شهد القرن التاسع عشر فترات سلام طويلة وتزايدت معدلات الرفاه والتفاؤل لسببين: فكان هناك إحساس طاغٍ أن الثورتين الفرنسية والأميركية حطمتا عروش الطغاة والأوتوقراطيين وكهنة "الخرافات الدينية" واستبدلتهم بسلطة عقلانية يتساوى فيها جميع الناس في الحقوق. من طفرة التفاؤل، كُتب أن حرية التجارة تجعل فكرة التوسع بالحروب غير منطقية، حتى الموسوعة البريطانية الصادرة تلك الفترة كتبت أن التعذيب موضوع تاريخي وهذه أهميته الوحيدة ما تعلق الأمر بأوروبا. الحرب العالمية الأولى شكلت صدمة قوية وقاسية لتلك التوقعات وهدمت فكرة التقدم الإنساني في الوجدان الأوروبي. فكل القيم التي أوجدها البرجوازيون من الإخلاص والعمل والمثابرة والقومية أُستخدمت في مجازر وحشية كان يموت فيها عشرات الآلاف يومياً للسيطرة على بضعة أمتار مربعة. صعود الفاشية والنازية والستالينية والحرب العالمية الثانية أظهرت أن السياسة الحديثة خلقت دولاً بالغة القوة بأجهزة أمنية فعّالة وهو ما أدى إلى صياغة مصطلح الشمولية لرغبة تلك الدول السيطرة على كافة أوجه الحياة العامة والخاصة. عرف العالم طغاة في السابق، ولكنهم لم يستطيعوا تحقيق ما حققه أدولف هتلر وجوزيف ستالين لأن إبادة قطاعات مجتمعية بأكملها مثلما حدث في الغولاغ والهولوكوست، لم يكن ليحدث لولا الحداثة وتسخير تلك القوى للتكنولوجيا والتنظيم السياسي الحديث لخدمة أهدافها. فنظريات القرن التاسع عشر كانت تربط المآسي الإنسانية بالتخلف الاجتماعي ولكن مجازر النازيين وقعت في أكثر أمم أوروبا تقدماً صناعياً وأنجبها ثقافة وتربية. هذه الأحداث وغيرها خلال القرن العشرين، بددت أوهام التفوق الأخلاقي والعقلاني لأوروبا وبدأوا بمراجعة فرضية ما إذا كان الاعتقاد الرابط بين التقدم والديمقراطية الليبرالية يعبر عن مركزية إثنية ضيقة. فتعزز التشاؤم الغربي من إمكانية انتشار الديمقراطيات وإزدهارها، بل قبلوا بوجود بديل قوي للديمقراطية الليبرالية وهي الشيوعية. كانوا يعرفون عن الفشل الذي أصاب الدول الاشتراكية ويدركون أنها لم تحظى بأي درجة من الشرعية أمام الشعوب، ولكن قدرة الشيوعيين على التحكم بشعوبهم عن طريق الرقابة على أسس المجتمع لم يقدم أي أمل بقدرة الأنظمة الشمولية على التغيير من تلقاء نفسها. تلك الأنظمة لم تخف شعوبها فحسب، بل أجبرتها على تبني نفس قيم أسيادها الدكتاتوريين. لم يشهد العالم بمجمله كوارث جديدة خلال النصف الثاني من القرن العشرين وبدأت الأنطمة السلطوية بالانكشاف والانهيار شيئاً فشيئاً، وتلى انهيارها قيام أنظمة ديمقراطية ليبرالية، وبعضها انزلق إلى اللا استقرار السياسي أو شكل آخر من أشكال الديكتاتورية. إذا كان التحديث السياسي أدى إلى قيام دول شمولية وسلطوية، فان أواخر القرن العشرين كشفت الضعف البنياني لتلك الأنظمة وهو ما تطلب مراجعة النظرة المتشائمة لسيرورة التاريخ وفقاً لفوكوياما. انكشاف ضعف الديكتاتوريات سواء كانت يمينية عسكرية سلطوية أو يسارية شمولية أبقى الديمقراطية الليبرالية النموذج السياسي الوحيد الذي نجح في انتاج مستويات عالية وغير مسبوقة من الثروة في تاريخ البشرية سواء في البلدان الصناعية أو تلك التي كانت تُصنف بالفقر. كانت أزمة الدكتاتوريات سواء السلطوية منها أو الشمولية هي الاعتقاد أن الدولة بالغة القوة قابلة للحياة. حاولت الأنظمة الدكتاتورية استخدام هيمنة الدولة للسيطرة على مجال المصالح الفردية لبناء قوة عسكرية قاهرة أو تطوير نظام اجتماعي قائم على المساواة. الضعف الذي أصاب تلك الأنظمة متعلق بضعف شرعيتها، أي أنها أزمة في الأفكار والمبادئ السياسية. الشرعية السياسية ليست تطبيق العدالة أو الحق المطلق، فهي مفهوم نسبي يوجد في الإدراك الذاتي للشعوب. الدكتاتوريون لا يحكمون بلداناً باعتمادهم المطلق على القوة، فكل فعل سياسي إلزامي يتطلب قدراً معيناً من الشرعية. عندما يقال أن دكتاتوراً يحكم بالقوة، يعني ذلك أن أجهزته الأمنية قادرة على ترويع أكبر قسم ممكن من السكان. هذه الأجهزة لا تخشى ترويعاً من الدكتاتور فمن غير المرجح قدرته الشخصية على إرهابهم جسدياً، لكن أعضائها مؤمنون بشرعية قائدهم السياسية تماماً. يقول فوكوياما أن هذه هي حالة أنظمة الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، فهي أوليغاركية لا تحتاج شرعيتها إلى القسم الأكبر من السكان وتنجح في البقاء لسنوات طويلة. انعدام الشرعية أمام الشعب بالمجمل لا يهم مثل هذه الأنظمة ولكنها تنهار عندما تتضارب مصالح النخب المرتبطة بالنظام نفسه وبالذات بين أولئك المسيطرين على وسائل الإكراه مثل القوات المسلحة، الشرطة، أو الحزب الحاكم. الانظمة اليمينية في جنوب أوروبا من اليونان والبرتغال إلى إسبانيا، وجنوب أفريقيا وأميركا اللاتينية أظهرت ضعفاً واضحاً في التعامل مع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما دفع أعضاء تلك الأنظمة أنفسهم إلى التنازل لصالح أنظمة حكم ديمقراطية. لأن قدرات الأنظمة السلطوية العسكرية محدودة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي وتسقط من تلقاء نفسها فور زوال الذرائع المحدودة التي حددتها لنفسها مثل محاربة الإرهاب أو وضع حد للفوضى الاقتصادية. الأنظمة الشمولية اليسارية في المقابل لم تكن أفضل حالاً، الأزمة الحقيقية لليسار كانت ولا زالت اقتصادية. في كثير من الدول الاشتراكية، تم إجبار ملايين الفلاحين الغير أقرباء على العمل في مزارع جماعية، وهو ما كسر الرابط بين الجهد الفردي والمكافأة لأن الجماعية تثبط دوافع العمل، فانتشرت المجاعات وانخفضت الانتاجية بشكل كبير. الـ 4% من أراضي الاتحاد السوفييتي التي لم تكن مملوكة من الدولة، أنتجت 25% من إجمالي الإنتاج الزراعي. تخلت الصين عن المزارع الجماعية عام 1978 فتضاعف انتاجها الزراعي أربعة أضعاف خلال أربعة أعوام فقط. ولكن الأزمات الاقتصادية ينبغي أن توضع في سياق أزمة أكثر إتساعاً، وهي شرعية النظام السوفييتي نفسه. اللجوء المفرط إلى العنف كان أحد أسباب ضعف الاتحاد السوفييتي، إذ أُغلقت معسكرات الغولاغ وتوقفت الاعدامات الاعتباطية بعد وفاة جوزف ستالن بفترة قصيرة، بسبب أن النخبة السياسية لم تعد تأمن على نفسها. سياسات التأميم التي وعدت بالمساواة أظهرت طبقية جديدة من موظفي الحزب الشيوعي، وفشلت الحكومة في السيطرة على الفكر سواء على صعيد المواطنين أو النخب. فالتشكيك في شرعية النظام أتى من داخل الطبقة الروسية الحاكمة نفسها، فزال الطابع الأسطوري عن البنية الآيديولوجية الحاكمة للاتحاد. ترك الصينيون السعي للدفاع عن الماركسية عام 1978 وأعادوا الملكية الخاصة في الأرياف وفتحوا مجمل البلاد أمام الاقتصاد الرأسمالي العالمي، وهو اعتراف بفشل الاقتصادات المخططة مركزياً. منطق العلم الطبيعي الحديث هو تفسير أو تأويل اقتصادي للتغيرات التاريخية ولكنه بخلاف نسخته الماركسية، يؤدي إلى الرأسمالية بدلا من الاشتراكية كنتيجة نهائية. منطق العلم الطبيعي الحديث يفسر الكثير من سمات العالم المعاصر، عن أسباب عمل سكان الديمقراطيات المتقدمة في أعمال مكتبية عوضاً عن كونهم فلاحين، انضمامهم لإتحادات عمالية ومنظمات محترفة بدلاً عن القبائل أو العشائر، وامتثالهم لسلطة بيروقراطية عوضاً عن رجال الدين. ولكن هذه التأويلات الاقتصادية لا توفر إجابات مرضية لأن الإنسان ليس حيواناً اقتصادياً بسيطاً. ولهذا السبب عاد فوكوياما لأطروحة هيغل عن الصراع من أجل الاعتراف. رغبة الاعتراف قد تكون غير مفهومة ولكنها قديمة قدم الفلسفة السياسية وجزء أصيل من الإنسان. أشار أفلاطون إلى رغبته بالاعتراف في جمهوريته وبالنسبة لهيغل، الرغبة بالاعتراف قادت الانسان وأدخلته في صراعات حتى الموت وهو ما أدى لانقسام المجتمع الإنساني لطبقتين: هذه العلاقة اتخذت أشكالاً مختلفة في كل المجتمعات طيلة القسم الأكبر من التاريخ البشري، ولكنها فشلت في الإيفاء برغبات الاعتراف لكلا الطبقتين. فالعبد لم يكن معترفاً به كانسان ولم يُعترف بالسيد من قبل أقرانه بل من العبيد "ناقصي الإنسانية" أساساً. هذا التناقض هو ما ولد مراحل جديدة من التاريخ مثل الثورة الفرنسية والثورة الأميركية التي ولدت مبادئ السيادة وسيادة القانون وأُستبدل الاعتراف غير المتساوي باعتراف شامل ومتبادل تعترف به الدولة بضمانها الحقوق، وفقاً لهيغل. تفسير هيغل لمغزى الديمقراطية الليبرالية يخالف تفسير الآباء المؤسسون للولايات المتحدة والفلاسفة الإنجليز، حيث آمن توماس جيفرسن وجيمس ماديسن بأن الحقوق وسائل للمحافظة على المنزلة الاجتماعية أو فلك شخصي يسمح للرجال باثراء أنفسهم وإرضاء رغباتهم، فالاعتراف عند الأنجلو ساكسون ارتبط بالمصلحة الشخصية على عكس هيغل الذي اعتبر الحقوق غايات بحد ذاتها، لأن الرفاهيات المادية لا توفر الرضا الكامل للانسان قدر الاعتراف بكرامته. يقول فوكوياما بأن هذه الرغبة بالاعتراف هي حلقة الوصل بين الليبرالية الاقتصادية والليبرالية السياسية. فكلما ازدادت معدلات التعليم والكوزموبوليتانية بين الأفراد، يزداد احترامهم لذاتهم ويطالبون بمزيد من السلطة والاعتراف بشكل لا يحدث بين الفقراء والمجتمعات المتخلفة ثقافياً. هذا الاحترام المتولد للذات يدفع الناس لاختيار أو تفضيل أشكال الحكم الديمقراطية في نهاية المطاف. باستيعاب مفهوم الرغبة بالاعتراف، يقول فوكوياما أنه بالإمكان إعادة تفسير الكثير من الظواهر مثل الدين والقومية والعمل والسياسة الدولية والحرب. شغلت هذه الظواهر وتقاطعها مع الصراع من اجل الاعتراف أجزاء كبيرة من الكتاب. تاريخياً، تم تقديم هذه الظواهر أو مجمل العادات والقواعد الأخلاقية للشعوب كعوائق أمام بناء مؤسسات ديمقراطية تعمل لأن المتدين المطالب بالاعتراف بآلهته وأخلاقياته يطالب باعتراف يستند على تمايز اعتباطي غير عقلاني. ولكن الواقع أكثر تعقيداً، لأن نجاح الليبرالية الاقتصادية والسياسية تطلب أشكالاً لا عقلانية من الاعتراف كذلك. الديمقراطية الناجحة تحتاج إلى فخر واعتزاز غير عقلاني من المواطنين بمؤسساتهم الديمقراطية، وتنمية ما وصفه ألكسيس دو توكفيل بفن التجمع القائم غالباً على مجموعات صغيرة ترتكز على الدين وجوانب قومية. لا يوجد تعارض بين القومية والليبرالية من حيث المبدأ، بدلالة أنهما كانا حليفان في المقاومة وتحقيق الوحدة الألمانية والإيطالية خلال القرن العشرين، وخلال النضال البولندي والبلطيقي للاعتراف القومي من الاتحاد السوفييتي. فالاستقلال والسيادة والتحرر مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالاعتزاز القومي شريطة ألا يتحول الانتماء الإثني القاعدة الوحيدة للمواطنة والحقوق المتولدة عنها. فالشعور القوي بالانتماء القومي شرط ضروري وأساسي قبل كل ديمقراطية مستمرة وناجحة. الدين في المقابل، هو بحد ذاته لا يتعارض مع الديمقراطية الليبرالية ولكنه بالتأكيد سيكون عائقاً عندما يتوقف عن البقاء متسامحاً. المسيحية مهدت الطريق أمام الثورة الفرنسية ولكنها لم تنشئ مجتمعاً حراً بحد ذاتها، فعلمنة المسيحية إلى حد كبير كان نتيجة الاصلاح البروتسانتي الذي تجاوز الحاجة إلى رجال الدين وجعل مسألة فهم الإنجيل شخصية وقائمة على ضمير الفرد. الإسلام الأصولي واليهودية الأرثوذكسية أديان شمولية تريد التحكم بكافة مظاهر الحياة العامة والخاصة، قد لا تعارض الديمقراطية الانتخابية على الطريقة الإيرانية، ولكن اعترافهم بالحقوق المرتبطة بالليبرالية مثل حرية الفكر والدين قد تكون تحدياتٍ بالغة الصعوبة. ولكن أحد الأخطاء الشائعة، يقول فرانسيس، هي الاعتقاد بأن العوامل الثقافية تشكل شروطاً كافية لاقامة أو عرقلة الديمقراطية الليبرالية. الديمقراطيات لا تتسلل من الباب الخلفي دون قرار سياسي صريح يؤسسها. فالمجال السياسي حر ومستقل عن ذلك الثقافي، والديمقراطية الليبرالية لا تظهر دون سياسيين عقلانيين قادرين على تشكيل الشعوب بخلق لغة خير وشر خاصة بها، وتحويل ميولها إلى مؤسسات مستدامة. إذن عوامل نجاح الديمقراطية سياسية بالدرجة الأولى، فقد توفرت جميع الشروط الثقافية المسبقة التي حددها ماكس فايبر للديمقراطية في ألمانيا النازية، ولكن المبالغة في تأكيد الذات والغضب الذي كان السمة الأبرز في الاشتراكية القومية طغى على الرغبات العقلانية بالاعتراف المتبادل والمعاملة بالمثل. أبرز الدول التي خالفت الشروط الثقافية المفترضة للديمقراطية الليبرالية هي الهند والدول الكاثوليكية مثل إسبانيا والبرتغال والبرازيل وكثير من دول أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية. حجة تعذر إقامة ديمقراطية لأن بلداً ما يفتقر إلى تقليد ديمقراطي مسبق ليست منطقية يقول فوكوياما. فلو كان هذا الشرط ضرورياً بالفعل، لما تمكن أي بلد من أن يصبح ديمقراطياً لأن معظم بلدان العالم عرفت تقاليداً تسلطية في مرحلة ما من تاريخها. هذه الدولة الليبرالية العقلانية لن تنجح دون تعلق غير عقلاني من قبل المواطنين بأوطانهم، التجمعات القومية والدينية ليست قيماً ليبرالية ولكن نجاح الليبرالية يتطلب تجاوزها لبعض مبادئها الخاصة وذلك بتحديث سياسي ومؤسسي يحتفظ بحق الشعوب في الاعتزاز القومي والإيمان الديني في إطار حقوقي واتفاقات دستورية. بما أن الرأسمالية قوة ديناميكية تستبدل العلاقات الاجتماعية التقليدية بأخرى تستند على العمالية الاقتصادية، تعمل على نحو فعال في مجتمع بحراك اجتماعي عال ومهن مفتوحة أمام الكفاءات بدلا عن الامتيازات، تميل الرأسمالية نحو طبقة متوسطة قوية. بقدرة الديمقراطية الليبرالية على احتواء هذه العوامل، يمكن اعتبارها نقطة النهاية للتطور السياسي، لأنها النظام الحكومي الوحيد الذي يتمتع بالشرعية على المدى الطويل أمام المحكومين. أشكال الحكومات الأخرى سواء الأنظمة الديكتاتورية العسكرية، الملكيات المطلقة، والشمولية الشيوعية، لم تكن قادرة على حشد إجماع بشرعيتها المستدامة ولا تتمتع بالرضا الاحتياطي للشعوب خلال الأزمات. عانت من عيوب خطيرة وغير عقلانية أدت وستؤدي إلى انهيارها عكس الديمقراطية الليبرالية الخالية من ذات التناقضات من حيث المبادئ والأساسيات. لا يعني ذلك انتهاء المظالم وأشكال عدم المساواة في أي بلد، ولكنها مشاكل متعلقة بقصور تطبيق مبدأي الحرية والمساواة وليس في المبدأين الرئيسين اللذان تقوم عليهما الديمقراطية الحديثة. نحن في نهاية التاريخ يقول فرانسيس، ليس باعتباره توقفا للأحداث، بل لعدم وجود نظام في المستقبل لما بعد الديمقراطية الحديثة والرأسمالية. مستقبلنا بعد البشري: عواقب ثورة التقنية الحيوية. صدر هذا الكتاب عام 2002 وفيه يجادل فوكوياما بأن التكنولوجيا الحيوية تسمح للبشر بسيطرة مباشرة على تطورها الطبيعي، وقد تسمح بتعديل طبيعة الإنسان وهو ما يعرض الديمقراطية الليبرالية للخطر. وصف فوكوياما البعد إنسانية بأنها من أخطر الأفكار في العالم. نمت حركات تحررية كثيرة في العالم المتقدم، من المدافعين عن الحقوق المدنية والحركات النسوية إلى المدافعين عن حقوق مثليي الجنس. ولكن هناك حركات "غريبة" كما يصفهم فوكوياما، لا يريدون أقل من تحرير الجنس البشري من قيوده البيولوجية. البعد إنسانية موجودة ضمناً في كثير من جداول أعمال البحوث البيولوجية المعاصرة. التكنولوجيات الجديدة الناشئة من مختبرات الأبحاث والمستشفيات سواء عقاقير تغيير المزاج، مواد زيادة كتلة العضلات، عقاقير محو الذاكرة الانتقائية، الفحص الجيني قبل الولادة، يمكن بسهولة أن تستخدم لتعزيز القدرات البيولوجية للبشر وتخفيف حدة الأمراض. الجنس البشري هو جنس ضعيف في نهاية المطاف، أمراضه تتطور باستمرار، يعاني من القيود المادية، ويعيش حياة قصيرة والمحظوظ من يعيش إلى سن الـ 100. بالإضافة إلى الغيرة، العنف، والقلق المستمر، تبدو مشاريع البعد إنسانية منطقية وجذابة. ولكن فوكوياما لديه نظرة مختلفة ويجادل بأن المجتمعات قد لا تقع فريسة سهلة لنظرة دعاة بعد الإنسانية ولكنهم قد يقعون في شراكها دون إدراك، نظرا للمغريات البيولوجية التي يقدمونها بثمن أخلاقي فادح. أول ضحايا البعد إنسانية هي المساواة. يقول فوكوياما بأن الولايات المتحدة شقت طريقاً صعباً في هذا الجانب فأكثر الصراعات السياسية جدية في تاريخ أميركا كانت تتمحور حول من هو الذي يمكن اعتباره إنساناً. إعلان الاستقلال الأمريكي شدد أن "كل الناس خلقوا سواسية" ولكن مع ذلك، السود والنساء لم يعتبروا كذلك وفق تفسيرات معظم الأميركيين عام 1776. الفكرة الكامنة وراء المساواة في الحقوق هو الاعتقاد بأن جميع البشر يمتلكون جوهر الإنسان الذي يقزم ويقلل من قيمة الاختلافات السطحية مثل لون البشرة، الجمال، وحتى مستوى الذكاء. هذا الجوهر الذي يفيد بأن لكل البشر قيمة متأصلة، هو قلب الليبرالية السياسية ولكن تعديل هذا الجوهر هو أساس مشروع بعد الإنسانية. إذا ما حاول الإنسان أن يجعل من نفسه أكثر تفوقاً بيولوجياً، تتراود أسئلة عن نوعية الحقوق التي سيطالب بها هولاء البشر المتحولون مقارنة بالذين لم يحظوا بنفس الفرص ليجعلوا من أنفسهم بشراً خارقين. إضافة إلى الآثار المترتبة على المواطنين في دول فقيرة حيث عجائب التكنولوجيا الحيوية على الأرجح ستكون بعيداً عن متناول الناس، تهديد فكرة المساواة يصبح أكثر إزعاجاً من الدول المتقدمة. فالفكرة هي أن تكنولوجيا كهذه ستجعل من الأقوياء حالياً أقوى وتخلق طبقة اجتماعية تدعي لها حقوقاً أكثر استناداً على تفوقها الجسماني أو الجيني. يجادل فوكوياما بأن البشر هم أعجوبة منتجات معقدة لعملية تطورية طويلة، خصائصهم الجيدة مرتبطة ارتباطا وثيقا بتلك السيئة. العنف والعدوانية هما السبب وراء قدرة الإنسان على الدفاع عن نفسه. مشاعر الإحساس بالتفرد والتميز، هي الدافع وراء الإخلاص للمقربين. الغيرة هي الدافع الحقيقي خلف الحب. حتى الوفاة تلعب وظيفة هامة في السماح للجنس البشري ككل في البقاء والتكيف، فآخر ما يريده الناس هو دكتاتور يعيش طويلاً ولا يموت. تعديل أي من الخصائص الرئيسية لدى البشر يستلزم لا محالة تعديل حزمة معقدة ومترابطة من الصفات الإنسانية، ولا يوجد أحد قادر على التنبؤ بالنتيجة النهائية لهكذا تعديلات. بالنسبة لفوكوياما، لا يمكن الوثوق بعلماء البيولوجيا لأن هدفهم الرئيسي هو التغلب على الطبيعة وغالبهم لا يهتم لأي اعتبارات أخلاقية، وهناك الأخلاقيون البيولوجيين وهدفهم الأساسي هو تبرير وتقديم المسوغات لكل ما يريد أن يقوم به العلماء. الجدال حول هذه القضية ليس حكرا على الجانب الذي تحدث عنه فوكوياما وهو الجانب السياسي فهناك جوانب أخرى ولكن هناك من رد على الجانب الذي أشار إليه فوكوياما. الانتقادات لنظرة فوكوياماتجادل بأن الليبرالية السياسية هي ما سينظم الحياة في مجتمع ما بعد الإنسانية، لأن البيولوجيا لم تكن العامل المحدد أو المحرك للحقوق السياسية والمدنية. الليبرالية لم توجد على أساس المساواة الفعلية بين البشر، بل بالمساواة في الحقوق وأمام القانون. كما أن الهندسة الوراثية قد تخفف من الفوارق بين البشر بدلا من تفاقمها، فهي تتيح لكثيرين امتيازات كانت في السابق حكراً على قلة. الليبرالية السياسية ليست في خطر بل هي من سيضمن حقوق الأفراد في مجتمع ما بعد الإنسانية لجوهرها القائم على تطبيق القانون على الجميع مهما كانوا أغنياء أو فقراء، جهلة أو متعلمين، أقوياء أو عاجزين، معززون بيولوجياً بفضل الأبحاث أو غير معززين. والجدل لا يزال مستمراً. الفضائل الاجتماعية وتحقيق الازدهار. صدر كتاب الثقة : الفضائل الاجتماعية وتحقيق الازدهار عام 1995. تشرح نظرية الاقتصادات التقليدية الحديثة 80% من الأحداث الاقتصادية، والباقي يعتمد على دور الدولة والتنظيم الاجتماعي للمجتمع. مالت البنية الفكرية والاجتماعية في غالب المجتمعات الغربية لتهميش المجالات الاجتماعية والأنثروبولوجية للاقتصاد، ولكن الاقتصاد بحد ذاته لا يمكنه تفسير لماذا بعض المجتمعات أكثر إزدهاراً من غيرها. يقول فوكوياما أن البلدان المزدهرة تميل إلى أن تكون تلك التي يمكن أن تتم فيها العلاقات التجارية بين الناس بشكل غير رسمي ومرن على أساس الثقة، مثل ألمانيا واليابان والولايات المتحدة. في مجتمعات أخرى، مثل فرنسا وإيطاليا وكوريا، تخضع السندات الاجتماعية للعلاقات الأسرية وغيرها من وجوه الولائات المختلة، وهو ما يخلق الجمود ويستفز الدولة للتدخل بما يثبط النمو الاقتصادي. الفكرة الرئيسية للكتاب هو الأداء الاقتصادي للمجتمعات متعلق بشكل كبير بوجود درجة عالية من الثقة في المجتمع المدني، في العلاقات الغير العائلية والغير الحكومية. جميع أشكال الجماعات الثقافية الاجتماعية التقليدية مثل القبائل والجمعيات القروية، والطوائف الدينية وما إلى ذلك، تقوم على أساس تقاليد مشتركة وتستخدام هذه المعايير لتحقيق غايات تعاونية. الأدبيات حول التنمية لم تعتبر هذه العلاقات مفيدة لرأس المال الاجتماعي. القدرة الثقافية على تشكيل منظمات وشركات غير أسرية وغير حكومية هي المفتاح لتشكيل منظمات تجارية كبيرة، ناجحة وحديثة. في المجتمعات ذات الروابط الأسرية القوية أكثر من اللازم أو حيث كانت الكاثوليكية أو الشيوعية قوية، يجد الأفراد صعوبة في تشكيل روابط اجتماعية يمكن أن تؤدي إلى علاقات فعالة على صعيد الاقتصاد الجزئي. المجتمعات ذات الثقة المنخفضة تقلل قدرة أعضائها على التضامن وتقلل من فعالية التعاون مع الغرباء. في الأجزاء الصينية من شرق آسيا والعديد من بلدان أميركا اللاتينية على سبيل المثال، رأس المال الاجتماعي يتواجد داخل دائرة ضيقة من الأسر، فتلك المجتمعات لا تثق بالغرباء من خارج دوائرهم الضيقة غالباً لأن الغرباء يصنفون ضمن فئة مختلفة عن الأقارب في ثقافة العمل وهو ما يؤدي إلى انخفاض مستوى السلوك الأخلاقي للمواطنين وتبرير المعايير المزودجة. في مثل هذه المجتمعات، يشعر الموظف العمومي أن من حقه السرقة أو الاختلاس طالما أنها تصرفات ستصب في مصلحة عائلته أو عشيرته، فحسن السيرة والسلوك محفوظ للعائلة والمعارف فقط. تعاني المجتمعات التقليدية من عدم وجود أفراد على أطراف الشبكات الاجتماعية، أفراد قادرين على التنقل بين المجموعات المختلفة وبالتالي يصبحون حملة لأفكار ومعلومات جديدة. المجتمعات التقليدية غالباً ما تكون قطعية، أي أنها تتألف من عدد كبير من الوحدات الاجتماعية المتطابقة والقائمة بذاتها مثل القرويين أو القبائل. المجتمعات الحديثة على النقيض من ذلك، فهي تتألف من عدد كبير من الفئات الاجتماعية المتداخلة التي تسمح بعضويات وهويات متعددة ولذلك يكون تبادل المعلومات والابداع والابتكار أصعب وإستغلال الموارد البشرية أسوأ في المجتمعات التقليدية مقارنة بالحديثة. لا يقترح فوكوياما بأن المنظمات أو الشركات العائلية غير منتجة فمن الواضح أنها ليست كذلك، ولكن نمو وتطور الشركات الأكبر حجماً لا يحدث في المجتمعات "العائلية" دون تدخل مكثف من جانب الدولة، وهو ما يعرقل قدرة القطاع الخاص على إيجاد شركات ضخمة وقوية وديناميكية مثل المجتمعات ذات الثقة العالية، فالملاحظ بشأن المجتمعات التقليدية أن الشركات الكبرى في الغالب ما تكون ضمن القطاع الحكومي مع كل ما يصاحب ذلك من لا فعالية وانعدام في الكفاءة. لافتقارها القدرة على إيجاد علاقات اجتماعية عفوية، تقع هذه المجتمعات فريسة عدم الكفاءة أو المحسوبية أو تكلفة العقود الرسمية وتدخل الدولة. عندما توجد الثقة بين العمال ورؤسائهم، وبين الموظفين ومدرائهم من خارج العائلة، وبين الموردين والمنتجين، تزدهر الترتيبات الغير الرسمية منخفضة التكلفة. من المصادر الأساسية لرأس المال الاجتماعي وجود مجتمع مدني، فوجود المجتمع المدني شرط ضروري للديمقراطية الليبرالية كما قال إرنست غيلنر : المصلحة الذاتية والعقود وأتعاب المحامين كلها مصادر مهمة للارتباط الاقتصادي، ولكن أكثر المنظمات فعالية هي تلك القائمة على مجتمعات تمتلك قيماً أخلاقية مشتركة. الديمقراطية الليبرالية تعني وجود مجال لحماية الحرية الفردية بتقييد الدولة عن التدخل، ولكن يجب على المجتمع أن يكون قادراً على تنظيم نفسه حتى لا يتحول النظام السياسي إلى أناركية. بغياب المجتمع المدني، تتدخل الدولة لتنظيم الأفراد الذين لا يستطيعون تنظيم أنفسهم والنتيجة غياب الحرية بتصرف الدولة كأب للمواطنين مسؤول عن تلبية كافة احتياجاتهم. انخفاض رأس المال الاجتماعي يؤدي إلى العديد من الاختلالات السياسية مثل ما حدث في فرنسا وإيطاليا حيث تشكلت أنظمة مركزية صارمة بشكل مفرط وغير قادرة على الاستجابة الشعبية، وهو ما جعلها أنظمة غير قابلة للتغيير والإصلاح إلا من خلال الثورات والانتفاضات الشعبية أو الاضرابات العامة بصورة أدق كما حدث خلال أحداث مايو 1968 في فرنسا. فوكوياما قدم نظريته بشكل جيد لدرجة أن النقاد كانوا على إستعداد لتجاوز تعميمه للمجتمعات التي درسها بالتفصيل في كتابه وهي الولايات المتحدة واليابان وألمانيا (مجتمعات ثقة عالية)، وكوريا الجنوبية وفرنسا وإيطاليا والصين (مجتمعات ثقة منخفضة). ويؤكد فوكوياما ويشدد أن كتابه لا يتبنى دعوة رومانسية للـ"عودة إلى الأيام الذهبية" ما قبل المجتمعات والتقاليد الرأسمالية، فالديمقراطية الليبرالية والرأسمالية يظلان الجوهر، والتنظيم والإطار السياسي والاقتصادي الوحيد للمجتمعات الحديثة. الانتقاد يركز على الاستثنائات والشذوذ التاريخي، وهي تحديات للهيكل الاساسي للكتاب. ما افتقده فوكوياما وفقا لنقاد كان ربط جداله الرئيسي بحالات تاريخية سابقة من النهوض والصعود الاقتصادي، بما في ذلك الثورة الصناعية في أوروبا الغربية وبريطانيا والولايات المتحدة. التدابير والاختبارات التي أجراها فوكوياما لقياس دور الثقافة والثقة المجتمعية في التنمية الاقتصادية شابتها المراوغة. وصف فوكاياما لكوريا الجنوبية بأنها مجتمع "ثقة منخفضة" تلقى ردوداً مختلطة من علماء كوريين، لأن بعض الدراسات الكورية وجدت خصائص تدعم جدال فوكوياما وبعضها وجد أن مستوى الثقة المجتمعية لا يقل عن ذلك في اليابان. والبيانات الاحصائية لا تدعم وضع كوريا الجنوبية في سلة واحدة مع أميركا اللاتينية كـ"مجتمع ثقة منخفضة". الأزمة الاقتصادية الآسيوية انتهكت جداله عن أقوى نماذج المجتمعات ذات الثقة العالية وفقا لنقاد ولكن في الحقيقة، الأزمة المالية عام 1997 كانت نتيجة ضغوطات من وول ستريت فالكوريون يسمونها بـ"أزمة صندوق النقد الدولي" ولم تكن أزمة اقتصادية أصيلة، يعتقد الكوريون أن صندوق النقد الدولي استغل أزمة السيولة لفرض أسواق رأس مال مفتوحة في كوريا لصالح غولدمان ساكس وسيتي غروب وغيرهم لأنه مهما ادعى صناع سياسة أميركيين أن نواياهم كانت صادقة، لا يمكن اغفال الضغط السياسي من جانب البنوك الاميركية الكبرى التي لديها مصلحة ذاتية مباشرة من التحرير المالي الآسيوي. في كل الأحوال، هذا الكتاب وفقا لفورين آفريز سيثري ويزيد من تعقيد الجدل السياسي حول التنمية الاقتصادية لأنه يتحدى كافة النظريات التقليدية الحديثة وغيرها من النظريات التي تركز على دور الدولة. هو صوت ونداء إلى المجتمع المدني للاضطلاع بدور أكبر في صياغة شروط الحياة السياسية والاقتصادية الحديثة. الطبيعة البشرية وإعادة بناء النظام الاجتماعي. صدر هذا الكتاب عام 1999 ويجادل فيه أنه منذ الستينات وحتى التسعينات، معظم الدول الغربية شهدت خللا في نظامها الاجتماعي. يظهر هذا الخلل في ثلاث محاور : على مدى نصف القرن الماضي، تحولت الولايات المتحدة وغيرها من البلدان المتقدمة اقتصاديا إلى ما يسمى "مجتمع المعلومات" أو عصر المعلومات، أو العصر ما بعد الصناعي. هذه المرحلة الانتقالية تسمى بـ"الموجة الثالثة "، يعني أنها ستكون في نهاية المطاف تتبع موجتي سابقة في التاريخ البشري : من البدائية إلى المجتمعات الزراعية ومنها إلى الصناعية. المجتمع المتمحور حول المعلومات يميل إلى إنتاج أكثر شيئين قيمة للناس في معظم الدول الديمقراطية الحديثة، وهي الحرية والمساواة. انفجرت حرية الاختيار في كل شيء من قنوات التلفزيون إلى مجمعات التسوق منخفضة التكلفة والتقاء الأصدقاء على شبكة الإنترنت. الهرمية بجميع أنواعها السياسية والمؤسسية، أصبحت تحت ضغط متزايد وبدأت في التآكل. الناس يربطون عصر المعلومات بظهور شبكة الإنترنت في التسعينات ولكن التحول من العصر الصناعي بدأ في وقت أقدم من ذلك، تميزت الفترة منذ ما يقرب من منتصف الستينات إلى التسعينات بتدهور خطير في الأوضاع الاجتماعية في معظم دول العالم الصناعي. بداية بالجريمة وتزايد الفوضى الاجتماعية بشكل جعل وسط المدينة في أغنى المجتمعات على الأرض غير صالح للسكن تقريبا. تراجع الأسرة كمؤسسة اجتماعية والتي ظلت مستمرة لأكثر من 200 سنة بشكل متسارع في النصف الثاني من القرن العشرين. تراجع الزيجات والولادات وارتفاع معدلات الطلاق. واحد من كل ثلاثة أطفال في الولايات المتحدة وأكثر من نصف الأطفال في الدول الاسكندنافية ولدوا خارج إطار الزواج. وأخيرا انخفاض الثقة في المؤسسات الحكومية فبرغم أن الغالبية العظمى من المواطنين في الولايات المتحدة وأوروبا أعربوا عن ثقتهم في حكوماتهم ومواطنيهم في الخمسينيات، أقلية صغيرة بقت على موقفها بحلول التسعينات. برغم عدم وجود ما يثبت أن العلاقات الإنسانية أصبحت أقل، إلا أنها لم تعد بذات الديمومة والمرونة وتقتصر على مجموعة أقل من الأصدقاء والمعارف. اليابان وبعض الدول ذات الأغلبية الكاثوليكية استمرت بالتمسك بالقيم العائلية التقليدية بشكل أوضح من الدول الاسكندنافية أو العالم الناطق باللغة الإنجليزية، وهو ما وفر عليهم الكثير من التكاليف الاجتماعية السلبية. ولكن من الصعب تصور أنها ستكون قادرة على الصمود على مدى أجيال قادمة، ناهيك عن إعادة تأسيس أي شيء مثل الأسرة النواة في العصر الصناعي. هذه التغييرات كانت دراماتيكية ووقعت على نطاق واسع في بلدان متشابهة؛ وكلها ظهرت في نفس الفترة من التاريخ تقريبا. هذه التغيرات أحدثت اضطراباً كبيراً في القيم الاجتماعية التي كانت سائدة في مجتمع العصر الصناعي خلال القرن العشرين. وبرغم الانتقادات الموجهة للمحافظين لتركيزهم على فرضية الانحطاط الأخلاقي، يقول فوكوياما بأن المحافظين محقون مبدئياً. يشدد فوكوياما أن جداله ليس من الحنين إلى الماضي، ولا هو نتاج ضعف في الذاكرة، أو محاولة للتقليل من آثار الجهل والنفاق الاجتماعي في العصور السابقة، بقدر ماهو تراجع اجتماعي حقيقي قابل للقياس بسهولة بالنظر إلى إحصائيات الجريمة، والأطفال الغير شرعيين واليتامى، وانخفاض فرص التعليم وتحقيق النتائج المرجوة منه وما شابه ذلك أشكال الاضطراب. هذا الاضطراب يفسره فوكوياما بترادف انتقال تلك المجتمعات من العصر الصناعي إلى عصر المعلومات، كثيرة هي الايجابيات التي يصدرها الاقتصاد القائم على المعلومات، ولكن هناك تأثيرات سيئة أيضا على الحياة الاجتماعية والأخلاقية. الطبيعة المتغيرة أدت إلى استبدال عقلية العمل البدني ودفعت الملايين من النساء إلى أماكن العمل، الابتكارات في مجال التكنولوجيا الطبية مثل حبوب منع الحمل وزيادة طول العمر أدت إلى تراجع دور الأسرة، تنامي الثقافة الفردية يؤدي إلى الابتكار والنمو وهو ما امتد إلى المعايير الاجتماعية حيث تآكلت تقريبا جميع أشكال السلطة الاجتماعية، كل هذه العوامل المذكورة آنفاً ساهمت في هذا "الاختلال الاجتماعي". ولكن هناك جانب مشرق، فتعطل أو اختلال النظام الاجتماعي يعني العمل على تجديده. البشر بطبيعتهم حيوانات اجتماعية، وغرائزهم الأساسية تدفعهم إلى إنشاء قواعد أخلاقية متجددة تربطهم ببعضهم البعض كمجتمعات، فهم حيوانات عقلانية وهذه العقلانية تدفعهم إلى إيجاد سبل عفوية للتعاون مع بعضهم البعض. الدين برغم أنه قد يكون مفيداً في هذه العملية، لكنه ليس شرطاً أساسياً لا غنى عنه كما يروج المحافظون، ولا الدولة القوية والتوسعية ضرورية كما يعتقد بعض اليساريين. الحالة الطبيعية للإنسان ليست "كل رجل ضد رجل آخر" كما تصور توماس هوبز بل هي في مجتمع مدني منظم تحكمه قواعد أخلاقية. حقيقة تؤكدها الأبحاث الجديدة في علم وظائف الأعصاب، وعلم الوراثة السلوكي وعلم الأحياء التطوري، والأنثروبولوجي. إذا كانت التكنولوجيا تصعب من عملية الحفاظ على تقاليد مجتمعية قديمة للمجتمع، سيسعى الجنس البشري تلقائياً للخروج بمنظومة أعراف وتقاليد جديدة لتتناسب مع مصالحهم الأساسية. العديد من المناقشات حول مفهوم الثقافة تعامل النظام الاجتماعي كما لو كان مجموعة ثابتة من القواعد المتوارثة عن الأجيال السابقة. السياسة العامة محدودة نسبيا في قدرتها على التلاعب بالثقافة، فأفضل السياسات العامة هي تلك التي تتشكل عبر الوعي المجتمعي الواسع بقيوده الثقافية المعرقلة. الثقافة قوة ديناميكية متجددة باستمرار، إن لم يكن التجديد عن طريق الحكومات فهو عن طريق تفاعلات الآلاف من الأفراد الذين يشكلون المجتمع. على الرغم من أن الثقافة تميل إلى التطور ببطء مقارنة بالمؤسسات الاجتماعية والسياسية الرسمية، إلا أنها تتكيف مع الظروف المتغيرة. دراسة كيفية نشوء النظام الاجتماعي ليس نتيجة وجود وصاية سلطة هرمية من أعلى إلى أسفل سواء كانت سياسية أو دينية قدر ماهو نتيجة للتنظيم الذاتي من جانب الأفراد، يعد أحد أكثر التحولات الثقافية إثارة للاهتمام في العصر الحديث وفقا لفوكوياما. مال فوكوياما إلى تعميم التاريخ بأسلوب هيغلي فوفقا لنقاد، هو يميل إلى اعتبار كل تطور في فترة تاريخية متقاربة نتيجة لظاهرة واحدة. إذا كانت اليابان وكوريا الجنوبية نجت من ما يسميه بالـ"خلل الاجتماعي" برغم أنها مرت بنفس التغيرات الاقتصادية التي يقول فوكوياما أنها تسببت بهذا "الخلل" في أمكنة أخرى، فهو يخلق معضلة غير مريحة للهيكل الأساسي لنظريته. يعترف فوكوياما في نهاية كتابه بأن هذا "الخلل الكبير" في طريقه نحو الزوال، بدلالة انخفاض معدلات الجريمة والطلاق ومشاكل شرعية الأطفال منذ التسعينات، تزايدت معدلات الثقة والآثار السلبية للفردية تقترب من نهايتها وهو ما يطرح السؤال عن فائدة أول مئة صفحة من الكتاب. ومع ذلك، فإن الكتاب قيم لدارسي تقلبات النظام الاجتماعي وبرغم أن القضايا والحلول التي قدمها أميركية خالصة، من السهل رسم أوجه التشابه مع مجتمعات أخرى، تواجه نفس المشاكل أو قد تواجهها في المستقبل. أميركا على مفترق طرق. صدر كتاب عام 2006 ويتمحور حول سياسة الولايات المتحدة الخارجية منذ أحداث 11 سبتمبر. يعد هذا الكتاب أحد أكثر كتب فوكوياما شخصنةً بسبب إرثه الشخصي كأحد المحافظين الجدد سابقاً. شارك فوكوياما العديد من العاملين في إدارة الرئيس جورج دبليو بوش نظرتهم للعالم، عمل مع بول ولفويتس في أكثر من مناسبة وكان مسؤولاً عن توظيف فوكوياما في جامعة جون هوبكنز عندما كان عميداً فيها، عمل مع ألبرت ولستيتر ومثله تماماً كان محللاً لمؤسسة راند لعدة سنوات، كان فوكوياما تلميذاً لآلن بلوم الذي كان بدوره تلميذاً لليو شتراوس، فكان من السهل على فوكوياما أن يشعر بالراحة كما لو كان في منزله خلال أي مؤتمر أو ندوة يقيمها المحافظين الجدد ولكنه مع كل هذا، لم يشاركهم رؤيتهم حول حرب العراق. عام 1998، اقترح فوكوياما على الرئيس بيل كلينتون تبني إجرائات أكثر حدة وصرامة إتجاه صدام حسين لعرقلته عمل مفتشي الأمم المتحدة، ولكن ورقة الحرب لم تكن موضوعة على الطاولة، وبعد أحداث 11 سبتمبر طُلب من فوكوياما أن يشارك في وضع إستراتيجية طويلة المدى للحرب على الإرهاب فقرر حينها أن الحرب ليست جواباً منطقياً. بحلول 2004 بدأ يتسائل ما إذا كان قد غير قناعاته بشكل يمنعه من أن يكون من المحافظين الجدد، أو أن مؤيدي غزو العراق أساءوا تطبيق المبادئ التي يؤمنون بها. في مقال له عام 2004 بمجلة "ناشيونال إنترست"، كتب فوكوياما أن المحافظة الجديدة تحولت إلى شيء لا يمكنه تأييده. بالنسبة لفوكوياما، استندت المحافظة الجديدة على مجموعة من المبادئ المتماسكة خلال الحرب الباردة التي ولدت سياسات حكيمة سواء في الداخل الأميركي أو الخارج. يمكن تفسير هذه المبادئ بعدة طرق، فخلال التسعينات كانت تستخدم لتبرير سياسة خارجية أميركية أكثر إستخداما للقوة وهو ما أدى منطقياً لتبرير حرب العراق في نظر المحافظين الجدد. أصبحت المحافظة الجديدة مرتبطة بشكل لا رجعة فيه مع سياسات إدارة جورج دبليو بوش، وأي محاولة لاعادة تعريفها بشكل مخالف من المحتمل أن يكون غير مجدياَ. لذلك، هدف فوكوياما من الكتاب كان إعادة تعريف وتوجيه السياسة الخارجية الأميركية بطريقة تتجاوز إرث جورج دبليو بوش ومؤيديه من المحافظين الجدد. خلال الفترة الأولى من رئاسة جورج دبليو بوش، هوجمت الولايات المتحدة على أراضيها من قبل جماعة إسلامية متشددة تسمى بتنظيم القاعدة، وهو عمل إرهابي يعد الأكثر تدميرا في تاريخ أميركا. ردت إدارة الرئيس بوش بأربعة إجرائات : المبادرتين الأولى، كانت ردوداً حتمية لأحداث 11 سبتمبر، وحصلت تأييد الأغلبية الساحقة من السياسيين والشعب الأميركي. المبادرتين الثانية، لم تكن ردوداً واضحة لأحداث 11 سبتمبر. ما جعلها مثيرة للجدل، كان التركيز لحد الهوس تقريبا على تغيير النظام في العراق وتأكيد الاستثنائية الأمريكية التي أعطت واشنطن ليس فقط الحق، بل واجب رعاية هذه المسألة. ينتقد فوكوياما جذور وفروع سياسة بوش الخارجية. ويرى أن صعود المحافظين الجدد استجابة مفرطة لهزيمة الاتحاد السوفيتي، بالاعتقاد أن مثل هذا الحدث الذي أدى إلى تغيير أنظمة أوروبا الشرقية بالجملة، يمكن أن يحدث في أماكن أخرى. رافق ذلك اعتقاد مبالغ فيه عن فعالية العمل العسكري خصوصا مع فكرة أن الخسائر الأمريكية في حقبة الأسلحة ذات التقنية العالية يمكن أن تبقى في أدنى حد ممكن، كما كانت في حرب الخليج الأولى وكوسوفو. يشرح فوكوياما كيف فشلت إدارة الرئيس بوش في توقع ردود فعل بقية العالم عقب غزو العراق. يعتقد فوكوياما أنه لن يكون من السهل على الولايات المتحدة استعادة الأرض التي فقدتها، فقد تغيرت المواقف الأوروبية بشكل دائم، في حين أن أمريكا اللاتينية انحرفت إلى اليسار بشكل كبير، جزئياً كرد فعل على الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، هاجس الأحداث في الشرق الأوسط، شغل الأميركيين بعيداً عن الشؤون الآسيوية، وهي ستشكل تحديات إستراتيجية أكبر على المدى البعيد. هدف هذا الكتاب تسليط الضوء على إرث المحافظين الجدد، أخطاء الرئيس بوش، وتحديد وسيلة بديلة للولايات المتحدة لربطها ببقية العالم. يقدم فوكوياما نموذجاً غير معروف في أي من مدارس السياسة الخارجية الأميركية ويسميها بالـ"واقعية الويلسونية" نسبة لوودرو ويلسن، الرئيس الثامن والعشرين للولايات المتحدة. الواقعية الويلسونية تختلف عن الواقعية الكلاسيكية من خلال أخذ ما يدور داخل الدول المتسهدفة بالاعتبار عوضا عن التركيز عما تنتجه أو تصدره للخارج. القول بأن بناء الدولة والانتقال الديمقراطي عمليات صعبة لا يعني أنها مستحيلة، الدول الضعيفة والفاشلة هي أكبر مصادر التهديد في العالم اليوم، ولا يمكن للقوة العظمى الوحيدة في العالم أن تتجاهلها لأسباب متعلقة بالأمن والأخلاقيات، ولكن الواقعيين الكلاسيكيين والمحافظين الجدد لا يبدون اهتماما كبيراً بقضية التنمية داخل تلك الدول والمجتمعات، حيث التطور المؤسسي والسياسي والاقتصادي مشكلة حقيقية. الواقعية الكلاسيكية تقول أن طبيعة النظام سواء كان ديمقراطياً ليبرالياً أو إستبدادي ليس ذي أهمية كبيرة للأمن القومي الأميركي، وإن كانت الولايات المتحدة تفضل ازدياد عدد الديمقراطيات الليبرالية في العالم لأن الديمقراطيات الليبرالية لا تدخل في حروب ضد بعضها البعض وتسهل عمل الأميركيين كثيراً مع شركاء أجانب، ولكن الواقعية الكلاسيكية تقترح اللعب بالأوراق المطروحة على الطاولة، ويعد هنري كيسنجر أبرز هولاء "الواقعيين". المحافظين الجدد وفوكوياما والليبراليين يعارضون هذا التوجه وإن اختلفت الأساليب. المحافظون الجدد لم يكونوا سعداء بالواقعية الكلاسيكية وأيدوا رونالد ريغان عندما قام بالتدخل في نيكاراغوا لأنهم يؤمنون باستخدام القوة لغايات أخلاقية. ليبراليوا الحرب الباردة كانوا مؤمنين بالقوة الأميركية لاحتواء التوسع السوفييتي - دون تغيير الأنظمة - ولذلك علقت الولايات المتحدة في فيتنام. الفرق بين الليبراليين والمحافظين الجدد هو أن المحافظين لا يؤمنون بالهندسة الاجتماعية ويرون فيها أوجه تشابه مع الشيوعية ولديهم شكوك حول فعالية القانون الدولي والأمم المتحدة التي يعتبرونها تمثيلية ليبرالية عن التعاون والسلام الدولي، فهناك دول جيدة وسيئة ولا منطق في معاملة كل الدول باحترام لأنه يخلق مشكلة أخلاقية، مثل ترأس ليبيا معمر القذافي لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عام 2003. عندما تفكك الاتحاد السوفيتي، أثبت العديد من المحافظين الجدد أن "الواقعيين" كانوا على خطأ، فأصبح "تحرير المجتمعات" هدفاً مشروعاً وممكناً في السياسة الخارجية الأميركية وبعد أحداث 11 سبتمبر، أصبحت وجهة التحرير القادمة واضحة. تختلف الواقعية الويلسونية عن المحافظين الجدد و"القومية الجاكسونية" نسبة للرئيس السابع للولايات المتحدة آندرو جاكسون، فالواقعية الويلسونية تأخذ المؤسسات الدولية على محمل الجد. لا يريد فوكوياما استبدال السيادة القومية بمنظمات دولية غير خاضعة للمسائلة مثل الأمم المتحدة لأنها ليست ولن تصبح أبداً فعالة وشرعية كمقر للحكم العالمي. ولكن العالم يفتقر لآليات المسائلة بين الدول، تناسب التداخل الاجتماعي والاقتصادي المكثف الذي يسمى بالعولمة. تحتفظ الدولة القومية بميزة لا يمكن إستبدالها بأي جهة دولية عابرة للقوميات، لأنها المصدر الوحيد لسيادة القانون. ولكن هذه الدولة لن تكون فعالة بدون شرعية مستدامة تتطلب طابعاً مؤسسيا أعلى بكثير مما هو موجود حالياً. عالم متعدد المؤسسات من شأنه تلبية هذه الاحتياجات بصورة تدريجية، ولكن العالم لم يصل إلى هذ المرحلة بعد، ولا توجد مدرسة من مدارس السياسة الخارجية الحالية يمكن لها أن تقدم إرشادات كافية وترسم طريقاً واضحة للوصول بالعالم إلى تلك النقطة. الواقعية الويلسونية هي طريقة أو وسيلة مختلفة للولايات المتحدة لترتبط ببقية العالم، طريقة ليست مستوحاة من قومية آندرو جاكسون ولا المحافظين الجدد ولا الليبراليين العالميين، طريقة أكثر واقعية للولايات المتحدة لتعزيز التنمية السياسية والاقتصادية للدول الفاشلة أو الضعيفة دون شن حروب وقائية وتفتح الأبواب أمام مؤسسات دولية متعددة مناسبة لواقع العالم الحقيقي المتمثل بالعولمة. ويلسونية لأن فوكوياما جادل بضرورة الحفاظ على روح الليبرالية العالمية ولكنها واقعية في نفس الوقت، "لنستمر في تشكيل العالم ولكن لا ينبغي لنا أن نكون أغبياء حيال ذلك" هي الفكرة المبدئية. هذا الكتاب يعد من أهم الكتب حول السياسة الخارجية للولايات المتحدة وعن المحافظين الجدد كذلك، لأنه يوفر أحد أفضل التاريخيات الموجودة حالياً عن هذه الحركة. فرانسيس فوكوياما أثبت أنه أقدر من يستطيع رسم الخطوط الأساسية لقطب جديد في الخطاب السياسي الأميركي. أصول النظام السياسي. صدر كتاب أصول النظام السياسي عام 2011، يشرح فوكوياما جذور المؤسسات السياسية من عصور ما قبل التاريخ وحتى الثورة الفرنسية وهو الجزء الأول من كتاب آخر صدر عام 2014 بعنوان النظام السياسي والاضمحلال، والذي استمر فيه بتحليل المؤسسات السياسية منذ الثورة الفرنسية وحتى الوقت الحالي. كان كتاب صامويل هنتجتون النظام السياسي في المجتمعات المتغيرة الصادر عام 1968 الإلهام خلف كتاب فوكوياما. يقول فرانسيس بأن أطروحة هنتغتون تعد أحد الجهود الأخيرة في مجال التنمية السياسية. فقد أسست الأفكار الأساسية للسياسة المقارنة بما في ذلك نظرية الاضمحلال، ومفهوم التحديث السلطوي، وحقيقة أن التنمية السياسية مجال منفصل عن غيره من جوانب التحديث. صدر كتاب صامويل هنتغتون عام 1968 أي بعد عقد أو اثنين تقريباً من بدء موجة التحرر من الاستعمار الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية، والكثير من استنتاجاته عكست اضطرابات تلك الفترة بكل ما فيها من حروب أهلية وانقلابات. ولكن بعد سنوات، شهد العالم تغيرات هامة ومفصلية مثل النهضة الاقتصادية في شرق آسيا، انهيار الشيوعية، تسارع وتيرة العولمة، وما سماه هتنغتون نفسه بالموجة الثالثة من عملية الدمقرطة حول العالم وهي الديمقراطية الليبرالية كنموذج حكم مقبول من كافة أطراف الساحة السياسية في أي بلد. ولكن النظام لا يزال هدفاً صعب المنال في كثير من المناطق، فشعر فوكوياما بضرورة العودة إلى كتاب هتنغتون حول "النظام السياسي في المجتمعات المتغيرة" والتوسع فيه ومحاولة تطبيق أفكاره الأساسية في عالم اليوم. يرى فوكوياما بأن صامويل هنتغتون ناقش قضية التحديث السياسي في الدول النامية ولكنه لم يأخذ المرحلة المتقدمة للتاريخ البشري بعين الاعتبار، فكثير من الدول النامية التي تعاني من التخلف السياسي يوجد بها أحزاب سياسية، هيكل للدولة، جيش، ومنظمات. لم يشرح هنتغتون من أين يأتي النظام في المقام الأول بالنسبة لمجتمعات متخلفة كثير منها قديم بالفعل، الدول ليست حبيسة ماضيها ولكن الكثير من الأحداث التي وقعت قبل مئات وربما آلاف السنين لا تزال تؤثر على طبيعة ثقافتها السياسية. فإن كان ولابد من دراسة وفهم عمل المؤسسات السياسية الحديثة، يجب دراسة أصولها والظروف التي ساعدت على تشكيلها. يقول فوكوياما : يناقش فوكوياما الأسباب التي جعلت الكثير من الدول حيث قامت ثورات أو انقلابات أو أي نوع من الاضطرابات المصاحبة لتغيير النظام السياسي، تقف في "منطقة رمادية" فلا هي بالسلطوية ولا بالديمقراطية. قادتها "منتخبون" ولكنهم مشغولون بشراء وسائل الإعلام أو إغلاقها، التضييق على المعارضة، التلاعب بالانتخابات، والاستيلاء على مؤسسات الدولة وشخصنة شروط الحياة السياسية. وهو ما خلق قلقاً إزاء قدرتها على تقديم الخدمات الأساسية التي يتوقعها المواطنون عادة من حكوماتهم، لأن الفشل في تطبيق وعود أي نظام سياسي هي أكبر تحدياته الوجودية قبل أي شيء آخر. الديمقراطية الليبرالية يقول فرانسيس، ليست مجرد صندوق إقتراع بل حزمة معقدة من المؤسسات التي تقيد وتنظم السلطة بالقانون وبنظام من التوازنات والضوابط. هذه الاضطرابات مشاهدة في الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية وأجزاء من أوروبا الشرقية وجنوب شرق آسيا وآسيا الوسطى والجزر الصغيرة في المحيط الهادي. مثل ما حدث في أوكرانيا عقب الثورة البرتقالية عام 2004 التي اندلعت ضد فساد رئيس الوزراء فيكتور يانكوفيتش وتلاعبه بنتائج الانتخابات، وهو ما أدى إلى صعود فيكتور يوشتشينكو خلفاً له. ولكن تحالف البرتقاليين أثبت أنه غير مسؤول وخيب آمال مؤيديه فكانت النتيجة إعادة انتخاب يانكوفيتش مجدداً عام 2010. أميركا اللاتينية لديها أكبر نسب من عدم المساواة الاقتصادية في العالم وغالباً ما يأخذ التفاوت الطبقي أشكالاً إثنية، فصعود شعبويين مثل هوغو تشافيز وإيفو مورالس ما هو إلا عرض من أعراض عدم المساواة التي يشعر بها كثير من المواطنين إسمياً في القارة اللاتينية، سواء في الأوضاع أو الفرص المتاحة. تفاوت المداخيل أمر طبيعي شريطة إدراك الناس أن الفرصة متاحة لهم ولأبنائهم لتحسين ظروفهم الاقتصادية وضرورة التحقق الدائم من شرعية الوسائل التي جمع بها الأثرياء ثرواتهم، هكذا يفكر الأميركيون العاديون على الأقل. الهند دولة ديمقراطية ناجحة منذ تأسيس الدولة القومية عام 1947، وهو نجاح مبهر نظراً لتنوعها الديني والإثني وحجم مساحتها الجغرافية. مع ذلك، الديمقراطية الهندية تعاني من اختلالات جوهرية مثل حقيقة أن ثلث المشرعين الهنود تحت شكل من أشكال الاتهام الجنائي وبعضهم لجرائم خطيرة مثل القتل والاغتصاب. ذلك لأن السياسيين الهنود يمارسون سياسات زبائنية، حيث يحصلون على الأصوات الانتخابية مقابل خدمات ومنافع مباشرة للناخبين أو ممثليهم الاجتماعيين. ودائماً ما تتم مقارنة سياسات الفساد الهندية بالعملية والفعالية الصينية، فالصينيين ليسوا ملزمين بسيادة قانون أو مساءلة للحكومة ما أرادوا بناء سد جديد أو تجريف حي سكني بأكمله لبناء مشروع إستثماري، تمهيد طريق أو بناء مطار. هذه كلها تحديات للديمقراطية وتؤكد حقيقة أن المؤسسات السياسية تتطور بشكل بطيء ومؤلم أحياناً حتى تتعلم المجتمعات التغلب على بيئتها. هذا الكتاب في جزء كبير منه وإن كان توسعة لأفكار صامويل هنتغتون عن التنمية السياسية وضرورة اعتبارها مجالاً رئيسياً وليست مجرد ظاهرة ثانوية للهياكل الاقتصادية، هو تكملة لكتاب نهاية التاريخ والإنسان الأخير. يقول فوكوياما أن الخلل ليس في مفهوم الديمقراطية نفسه، فعدد قليل من الناس حول العالم معجب بالـ"قومية البترولية" لفلاديمير بوتين، إشتراكية هوغو تشافيز، إسلامية النظام في إيران، أو الرأسمالية التسلطية في الصين التي ليس من السهل توصيفها أو محاكاتها. فكل هذه النماذج وغيرها كثير، حريصة على تبني مظاهر ديمقراطية سطحية مثل الانتخابات الصورية والتلاعب بالاعلام لشرعنة أنظمتها أمام مواطنيها. فهذه هي قوة الديمقراطية الليبرالية، تجبر السلطويين على مجاملتها بالتظاهر أنهم ديمقراطيين. يقول أمارتيا سن : معظم الناس تفضل العيش في مجتمعات ديمقراطية حيث يمكنهم مساءلة حكومة فعّالة تقدم الخدمات التي يطالبون بها في وقت قياسي ومنخفض التكلفة. إذن المشكلة في ضعف وفساد المؤسسات السياسية وافتقارها للقدرات والكفاءة. احتجاجات الربيع العربي التي نادت بتغيير الأنظمة وإستبدالها بديمقراطيات متجاوبة لم يكن لها لتنجح دون إدراك المحتجين أن أمامهم طريقاً طويلاً وشاقاً لبناء مؤسسات سياسية تستطيع توفير الديمقراطية والحفاظ عليها، فالنظام السياسي لا يتشكل تلقائياً فور إسقاط أشكال الحكم الغير مرغوبة. اعتبار المؤسسات السياسية من المسلمات أمر شائع ولم يتحدث عن ضرورة تحديثها سوى قلة من علماء السياسة، بل إن العديد من المنظرين السياسيين سواء في اليسار أو اليمين، روادتهم العديد من الأوهام بانتهاء السياسة كلياً. كارل ماركس تنبأ بـ"ذبول الدولة" فور نجاح ثورة البروليتاريا في إلغاء الملكية الخاصة. اليساريين الأناركيين أو الثوريين منذ القرن التاسع عشر وهم يروجون لتدمير هياكل السلطة القديمة دون تفكير جدي عن البديل الذي سيأخذ مكانها. بالتأكيد، الأنظمة الشيوعية الحقيقية فعلت عكس ما تنبأ به ماركس تماماً، فقد بنو هياكل دول إستبدادية كبيرة قادرة على إجبار الناس التصرف بشكل جماعي ما فشلوا في تحقيق ذلك من تلقاء أنفسهم. أوهام إلغاء السياسة والسيادة أكثر وضوحاً في اليمين، حيث يعتقد بعض هولاء أن اقتصاد السوق سيقلل من لزمة الحكومات أو يجعلها غير ذي صلة بالمرة. الاقتصاد الرأسمالي العالمي يلغي سيادة الحكومات الديمقراطية ويستبدلها بسيادة السوق، إذا صوت مجلس تشريعي لصالح فرض قيود مشددة على التجارة، سيعاقب ويُجبر على تبني سياسات يعتبرها اقتصاد السوق العالمي عقلانية. أحلام اليمين التقليدية بالغاء الدولة أو تقليصها إلى أقصى درجة ممكنة غالباً ما تجد لها أنصاراً متعاطفين في الولايات المتحدة مثل الليبرتاريين الذين جادلوا بضرورة التخلص من مجلس المحافظين للنظام الاحتياطي الفيدرالي وإدارة الغذاء والدواء وحتى وكالة الاستخبارات المركزية. يقول فوكوياما أن الجدال حول حجم الحكومات الحديثة مشروع، فقد نمت بشكل كبير يحد من النمو الاقتصادي والحرية الفردية. من حق الناس أن يشتكوا من البيروقراطية الغير متفاعلة، فساد السياسيين، وطبيعة السياسة التي أصبحت بلا مبادئ بشكل متزايد، كل هذه جدالات مشروعة ولكنه دليل على اعتبار مؤسسات الدولة من المسلمات في الغرب، وشاهد على عدم إدراك كيفية وجودها بالشكل التي هي عليه حالياً. لا يدرك هولاء أن أحلامهم بتقليص الدولة ممارسة فعلياً في مناطق كثيرة من الشرق الأوسط وأفريقيا، من الصومال إلى ليبيا واليمن ودول أفريقيا جنوب الصحراء، حيث لا تستطيع الدول جمع أكثر من 10% من عوائد الضرائب في الناتج المحلي الإجمالي. عوضاً عن "إطلاق روح المبادرة"، هذا المعدل المنخفض من الضرائب يعني أن الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم إلى مجرد ملء الحفر في الطرقات بحاجة ماسة إلى التمويل، البنية الأساسية للاقتصاد الحديث مثل الطرق وأنظمة المحاكم والشرطة في عداد المفقودين. المؤسسات السياسية ضرورية وليست أمرا مفروغا منه. اقتصاد السوق والمستويات العالية من الثروة لا تظهر بطريقة سحرية لأنها تستند على أساس مؤسسي خفي مبني على حقوق الملكية، سيادة القانون، ونظام سياسي.السوق الحرة والمجتمع المدني القوي، كلها عناصر هامة لديمقراطية تعمل، ولكن لا شيء يمكن أن يحل محل وظائف الحكومة الهرمية القوية. يتزايد اعتراف الاقتصاديين سنة تلو الأخرى أن مشكلة الدول الفقيرة ليس في افتقارهم إلى الموارد، بل في فقرهم إلى مؤسسات سياسية فعالة. لذلك، هذا الكتاب يوفر فهماً أفضل حول أصل هذه المؤسسات وكيفية الانتقال من الصومال إلى الدنمارك. جاك دريدا (1930 - 2004)، هو فيلسوف وناقد أدب فرنسي ولد في مدينة الأبيار بالجزائر يوم 15 يوليو 1930 - وتوفي في باريس يوم 9 أكتوبر 2004. يعد دريدا أول من استخدم مفهوم التفكيك بمعناه الجديد في الفلسفة، وأول من وظفه فلسفياً بهذا الشكل وهو ما جعله من أهم الفلاسفة في القرن العشرين يتمثل هدف دريدا الأساس في نقد منهج الفلسفة الأوربية التقليدية، من خلال آليات التفكيك الذي قام بتطبيقها إجرائيا من أجل ذلك . بالنسبة لدريدا فإن للتفكيك تأثيرا ايجابيا من أجل الفهم الحقيقي لمكانة الإنسان في العالم فقد أزاحه عن موقعه المركزي بعيدا، كان دريدا بأفكاره الفلسفية مختلفا تمام الاختلاف ومغايرا للسائد الفلسفي لذا كان يتلقى دائما اتهامات في قضايا عدة فأحياناً كان يُتهم بالمبالغة في التحليل وأحياناً كان يُوصف بالظلامية والعبثية وتعمد الغموض، حاول دريدا الإجابة على أسئلة خصومه الذين كان من أشدهم وطأة عليه هابرماس . عالج دريدا مجموعة واسعة من القضايا والمشاكل المعرفية السائدة في التقاليد الفلسفية (المعرفة، الجوهر، الوجود، الزمن) فضلا على معالجاته المستمرة حتى وفاته لمشاكل : اللغة، والأدب، وعلم الجمال، والتحليل النفسي، والدين، والسياسة والأخلاق. لكنه في فتراته الأخيرة ركز على القضايا السياسية والأخلاقية . شذرات من سيرته. في عام 1942 طُرد من المدرسة بسبب جنسيته (عندما انشأت حكومة فيشي صفاً خاصاً لليهود) وفي عام 1948 أصبح مهتماً بشكل جدّي بفلسفة روسو ونيتشيه وكامو ، وفي سن التاسعة عشر انتقل دريدا للعيش في فرنسا، حيث استطاع التسجيل في المدرسة العادية العليا، وهناك بدأ يعد لمحاضرات فوكو وتعرف عليه شخصياً كما تعرف على العديد من المفكريين الفرنسيين المشهورين في وقت لاحق ومنذ عام 1960 حتى عام 1964 كان مساعداً في جامعة السوربون، قبل أن يصبح مدرساً للفلسفة في غراندس ايغولوسGrandes Ecoles في باريس وفي عام 1966 شارك في الندولة الدولية (انقاذ اللغات والسانيات) في جامعةJohns Hopkins University(التيمورBaltimore) في الولايات المتحدة الأمريكية ومنذ عام 1968 حتى 1974 درس في جامعة جونس هوبكينز(Johns Hopkins University) وجدير بالذكر أن دريدا في وقت سابق وفي هذه الجامعة أذاع بيانه الهام الذي كان إيذانا بنهاية البنيوية وولادة ما بعد البنيوية وفي عام 1974 أصبح مدرساً في جامعة بيل وقد توفي دريدا في 9 أكتوبر عام 2004 في باريس بعد اصابته بسرطان البنكرياس . أعماله. نشر دريدا عمله الأول وكان بعنوان (بداية الهندسة) مع مقدمة خاصة في عام 1962 ، وبين الأعوام 1963 - 1967 نشر دريدا مقالات في المجلات الدورية قبل أن يتم تضمينها في أعماله (في علم الكتابة) و (الكتابة والاختلاف). في عام 1967 انتشرت الكتب التي جعلت من دريدا شخصية مشهورة وهي كتب في علم الكتابةDe la grammatologie و الكتابة والإختلافÉcriture et différence أول كتب تم نشره وأكثر كتاب تمت قراءته. كما وأكمل مقال (الصوت والظاهرة) . كتابه في علم الكتابة كان مخصصا لتحليل اللغة الفلسفية عند روسو وآخرين، لكن محتوى الكتاب كان أضخم بكثير حيث احتوى على المبادئ التي وضعها دريدا، كان الموضوع العام للكتاب تاريخ تطور مفهوم الكتابة الذي تم تجاهله والاعلاء من أهمية الصوت . أما كتابه الكتابة والإختلاف فقد كان عبارة عن مجموعة من المقالات المخصصة لمختلف جوانب نظرية اللغة، يستكشف هذا الكتاب أعمال ديكارت وفرويد وأرتو وغيرها. ويوفر تعريفات لمفاهيم هامة لدريدا كالبنية والاختلاف والعقار وغيرها. كان مقال "كوجيتو ومشكلة الجنون" بداية مناقشة دريدا وفوكو حول دور الجنون في تطوير العقلانية الغربية. لابد من الإشارة إلى أن الأديب العراقي المغترب كاظم جهاد يعد أول من قام بجهد مثمر في ترجمة التراث الدريدي إلى اللغة العربية فضلا على براعته في نقل عدد من المصطلحات الدريدية إلى العربية بطريقة غير مسبوقة كما في ترجمته لمصطلح الاختلاف فقد وضع حرف التاء في هذه المفردة بين قوسين لتؤدي معنى الإخلاف بدون النطق به ومعنى الاختلاف مع النطق به وهو ما أراده دريدا أصلا حين سن هذا المصطلح الجديد على اللغة الفرنسية . فلسفته. دريدا: فيلسوف اللغة. يُعد دريدا فيلسوف لغة لذا يرى أن اللغة ليست موجودة للتعبير عن الحقيقة أو للتعبير عن افكار فلسفية، لأنها أولا لا تملك أساسا علميا يجعلها مرتبطةً بالعالم الخارجي، فهي لا تخضع للقوانين المنطقية المتناقضة أساسا في طبيعتها لذا فإن اللغة ليس لديها ثبات في المعاني ويمكن أن تحتوي على نسبة كبيرة من الغموض والكلمات الدلالية والمصطلحات التي لا تؤكد جميعا، أنها وببساطة غير مستقرة أبدا فهي مجموعة دالات ليس إلا، دالات في عملية بحث مستمرة عن مدلولات لا تعثر عليها أبدا، إنها تشبه أشياء تنزلق على سطح أملس دون قرار ...الخ. لكننا مع ذلك نحن من يخلق العالم ونحن من يوجده باللغة، فاللغة هي التي تصنع أراء الأشخاص حول العالم من جهة أخرى يرى دريدا أن هناك تناقضاً واضحاً بين اللغة الأصلية القبل منطقية واللغة التي شوهها المنطق وفرض قوانينه عليها وخطأ التقليد الفلسفي الغربي منذ اليونان يقوم ضمنياً على افتراض أن هذه القوانين تصف للعالم الخارجي حقيقة، موقف الفلسفة التقليدية الغربية هذا أدى لظهور اشكاليات لا منطقية تمثلت بالثنائيات اللا معقولة كثنائيات الخير والشر والرجل الأسود والرجل الأبيض. يشير دريدا إلى نفسه بوصفه مؤرخًا. طرح دريدا عددًا من التساؤلات حول افتراضات تراث الفلسفة الغربية والثقافة الغربية بصورة عامة. انصبت محاولات دريدا على دمقرطة المشهد الجامعي وتسييسه، من خلال التساؤل حول الخطابات السائدة، ومحاولة تعديلها. يُطلق دريدا على تساؤلاته بشأن الفلسفة الغربية مصطلح «التفكيك». يشير دريدا إلى التفكيك بوصفه فلسفة راديكالية تتسم بروح ماركسية. يطرح دريدا، بناءً على قراءة متعمقة في أعمال التراث الفلسفي الغربي بدايةً من أفلاطون إلى روسو وهايدغر، أن الفلسفة الغربية سمحت لنماذج مجازية بالتحكم في مفاهيمها عن اللغة والوعي، دون محاولات نقدية جادة. يرى دريدا أن هذه الافتراضات غير المعلومة جزء من «ميتافيزيقا الحضور»، التي ربطت الفلسفة نفسها بها. يطرح دريدا أن «مركزية اللوغوس» تنشئ تقابلات ثنائية «تراتبية»، لها أثر على كل شيء، بدايةً من مفهوم الحديث المنطوق وعلاقته بالكتابة، إلى فهمنا عن الاختلافات العرقية. يُعد التفكيك محاولة لعرض هذه «الميتافيزيقا» وتقويضها. تتمحور مقاربة دريدا للنصوص بوصفها مبنية على تقابلات ثنائية يصيغها الحديث المنطوق إذا أراد أن يتسم بالمعنى. تتأثر مقاربة قراءة النصوص بهذا الشكل، على نحو عام، بعلم العلامات ورائده فرديناند دو سوسور. يُعتبر سوسور واحدًا من آباء البنيوية، التي تطرح أن المصطلحات تكتسب معناها بعلاقتها مع غيرها من المصطلحات داخل اللغة. ثمة عبارة شهيرة يتناولها دريدا وتُقتبس منه في العديد من المواضع، تظهر في مقالته عن روسو في كتابه «في علم الكتابة 1967»، تنص هذه العبارة على الآتي: «ليس ثمة خارج-السياق». يُتهم نقاد دريدا بسوء ترجمة هذه العبارة من الفرنسية والتي كتبها كالآتي (il n'y a pas de hors-texte) فاقترحوا أنه كتبها كالآتي (Il n'y a rien en dehors du texte) وتعني «لا يوجد شيء خارج النص»، وأنهم نشروا هذه الترجمة لإظهار أن دريدا يقترح عدم وجود أي شيء إلا الكلمات. شرح دريدا مقولته ذات مرة قائلًا إنها «أصبحت نوعًا من الشعارات، بترجمة رديئة عن التفكيك [...] وتعني: ليس ثمة خارج-السياق. بهذا الشكل، ستكون الصيغة أقل فزعًا بالتأكيد. التفكيكية. المفاهيم الأساسية. كان كتاب دريدا في علم الكتابة الذي نُشر في عام 1967 نقدا عنيفا للفلسفة الأوربية، وفي هذا الكتاب استخدم دريدا مفاهيم مثل : التواجد أو الوجود، ميتافيزيقيا الحضور، الاختلاف، المغايرة، التجديد، الخ. الوجود يمثل المفهوم الأساسي في الفلسفة الغربية، يعني دائما اكتمال الهوية، الهوية الذاتية، الاكتفاء الذاتي وهو يشير إلى الأساس والسبب الجذري أو ما يسميه دريدا المركز، ويمكن أن يعبر عنه في المتن الفلسفي السائد بأشكال مثل الجوهر، الوجود، المادة، الموضوع، السمو، الوعي، الله، الإنسان، إلخ. ومصطلح اللوغسكرينتية(التمركز على العقل) الذي سنه دريدا منتقدا من خلاله الفلسفة الغربية كان يمثل على مدى التاريخ حقيقة ثابتة في الفلسفة الغربية رغم أن المعنى ليس هو العقل فقط بقدر ما هو الأصوات والكلمات التي تمثل دالات فقط تبحث عن مداليل، لذا يقترح دريدا ايجاد طريقة لاحتواء عدد من المفاهيم أو تقريبها بما يشكل تسلسل هرمي لوصف حالة الفكر الأوربي، ويمكن أن تأخذ المركزية الأخلاقية شكل (المركز) ، أو ربما المركزية (العرقية). وميتافيزيقيا الحضور مصطلح أساس آخر عند دريدا رغم أنه استعاره من هيدجر، يقوم هذا المصطلح على التمركز حول العقل(اللوغسكرينتية) أو الذات أو الأنا أو النحن لذا كان التقسيم الذي انتقده دريدا دائما يفرق بين مركز وهامش والغلبة دائما للطرف الأول في هذه الثنائية (معقول - مفهوم / الحقيقة - الأكاذيب / الخير - الشر / الروح، الجسد / الكلام - الكتابة / الثقافة - الطبيعة، الخ)، دائماً هناك واحدة من هذه المفاهيم تميل دائماً للسيطرة وغالبا ما تكون الطرف الأول، ونقد هذه التمركز وهذه الثنائيات أساس مفهوم التفكيك عند دريدا وعليه أنصب كتابه (في علم الكتابة). التفكيك عند دريدا يكشف المواقف الأولية للفلسفة (والثقافة الأوروبية بشكل عام) ، تلك المواقف التي تستند إليها جميع الفرضيات والحواجز الأخرى، مما يدل على نسبيتها. الكتابة والكلام. يرى دريدا أن كل ما أنتجه الغرب من حضارة وثقافات وعلوم وفلسفة يعتمد على الكتابة الأبجدية، لذا تطوع دريدا لنسف هذا التقليد من خلال العودة إلى بيان أسبقية الكلام وبهذا أخذ دريدا ينقض مفهوم الكتابة وعلم الكتابة مرتدا به إلى نزعة التمركز على العقل وميتافيزيقيا الحضور فالكتابة ثابتة وسلبية وغير متجددة أما الكلام فقابل للاختلاف وايجابي ويشير إلى التمييز وغياب الدلالة وتعددها . الأعمال المبكرة. بدأ دريدا حياته المهنية بفحص حدود الفينومينولوجيا. تتعلق كتاباته الأكاديمية الأولى بأعمال إدموند هوسرل، المكتوبة في دراساته الخاصة بدبلومة الدراسات العليا، المقدَّمة في 1945. نشر دريدا "إدموند هوسرل: مقدمة عن أصول علم الهندسة" في عام 1962، واحتوى العمل على ترجمته لمقالة هوسرل. ورد عدد من أفكار دريدا بالفعل في هذا العمل. يقول دريدا في مقابلات مجمعة في كتاب "مواقف" (1972): «وردت إشكالية الكتابة في هذه المقالة بالفعل، مرتبطة ببنية [التأجيل] غير القابلة للاختزال، وعلاقتها بالوعي والحضور والعلم والتاريخ وتاريخ العلم والاختفاء أو تأجيل الأصل... إلخ [...] يمكن قراءة هذه المقالة بصفتها الجانب الآخر من "الحديث والفينومينولوجيا"». سُلطت الأضواء على دريدا للمرة الأولى خارج فرنسا من خلال محاضرته «البنية والعلامة والخفة في خطاب العلوم البشرية»، التي ألقاها في جامعة جونز هوبكينز في عام 1966 (وأُدرجت بعد ذلك في "الكتابة والاختلاف"). تعلق المؤتمر الذي قُدمت فيه هذه الورقة بالبنيوية، التي بلغت ذروة تأثيرها في فرنسا في تلك الفترة، ولكنها كانت في مهدها في الولايات المتحدة. اختلف دريدا عن الآخرين بعدم التزامه الصريح بالبنيوية. أثنى دريدا على منجزات البنيوية، ولكن كان لديه بعض التحفظات بشأن حدودها الداخلية، ما دفع الأكاديميين الأمريكيين لإطلاق مصطلح «ما بعد البنيوية» على فكره. بلغ تأثير ورقة دريدا أشده، لدرجة أن وقائع المؤتمر نُشرت بعنوان "جدلية البنيوية" في عام 1970. التقى دريدا في المؤتمر أيضًا بول دي مان، الذي أصبح صديقًا مقربًا ومصدر جدل كبير، وحيث التقى أيضًا المحلل النفسي الفرنسي جاك لاكان، الذي استمتع دريدا بإقامة العلاقات المختلطة مع أعماله. المناظرة بين الفينومينولوجيا والبنيوية. شرع دريدا بالحديث والكتابة في بواكر ستينيات القرن الماضي، مخاطبًا أغلب المواضيع الإشكالية في عصره. كانت البنيوية موضوع إحدى هذه المناظرات التي اشترك فيها دريدا، الرائجة عن سابقتها الفينومينولوجيا، التي بدأها هوسرل قبل ستين عامًا. أعاد تناول دريدا المؤثر للقضية تأطير المناقشات حولها، من الاحتفاء بانتصار البنيوية إلى «مناظرة البنيوية مقابل الفينومينولوجيا». تُمثل الفينومينولوجيا، كما يراها هوسرل، منهجية للتساؤل الفلسفي ترفض الانحياز العقلاني السائد في الفكر الغربي منذ أفلاطون، لصالح منهجية التيقظ التأملي والإحاطة بـ«التجربة الحية للفرد»، فالهدف بالنسبة للفينومينولوجيا يكمن في فهم التجربة باستيعاب منشأها، أي السيرورة التي تنشأ بها التجربة من أصل أو حدث ما. كانت تلك مشكلة زائفة بالنسبة للبنيويين، إذ يعتقدون أن «عمق» التجربة ما هو إلا أثر للبنية، التي ليست تجريبية بذاتها. طرح دريدا سؤالًا في هذا السياق، في عام 1959، قائلًا: ألا يجب أن يكون للبنية أصل، وألن يكون الأصل، نقطة المنشأ، مبنية "بالفعل"، لكي تكون منشأ شيء ما؟ أو بعبارة أخرى، لكل ظاهرة بنيوية أو «تزامنية» تاريخ، ولا يمكن فهم البنية دون فهم منشأها. وفي نفس الوقت، لنشوء حركة أو احتمال، لا يمكن أن يكون أصلها وحدة محضة أو بسيطة، بل يجب أن يكون معقدًا، كي تنشأ منه العملية التعاقبية. لا يجب فهم تعقُّد الأصل بصفته "مفترضًا موضعيًا"، بل بصفته الحالة الافتراضية للأصل، التي يشير إليها دريدا بمصطلحات التكرارية، الكتابية، أو النصية. كانت تلك الفكرة عن تعقُّد الأصل مهد أعمال دريدا، واشتُقت منها كل المصطلحات الأخرى، ومنها مصطلح «التفكيك». تتكون منهجية دريدا من إيضاح أشكال تعقُّد الأصل المختلفة، وعواقبها المتعددة في عدد من المجالات. حقق دريدا ذلك من خلال قراءة النصوص الفلسفية والأدبية قراءة دقيقة يقظة حساسة تحويلية؛ لتحديد جوانب تلك النصوص التي تتعارض مع نسقيتها الظاهرية (الوحدة البنيوية) أو المعنى المقصود (المنشأ التأليفي «المنسوب للمؤلف»). يأمل دريدا، من خلال إيضاح مواطن الإلغاز واللاحسمية في الفكر، أن يظهر الطرائق الرفيعة اللانهائية التي يعمل بها تعقُّد الأصل، الذي لا يمكن معرفته ابتداءً، على إحداث الأثر البنائي والتفكيكي. الكتابة المروية هي أبجدية من أصول مصرية هيروغليفية وديموطيقية تم تطويرها في مملكة نبتة في الفترة ما بين (700 إلى 300 قبل الميلاد) وكانت تستخدم لكتابة اللغة المروية في مملكة مروي منذ القرن الثاني قبل الميلاد، ويحتمل انه تم أستخدامها من قبل الملوك النوبيين المتعاقبين لكتابة اللغة النوبية القديمة في مملكة كوش النوبية التي تلتها والتي استخدمت الأبجدية القبطية في القرن السادس الميلادي بعد دخول النوبيين في الديانة المسيحية، لكن احتفظ النوبيين بثلاثة أحرف من الأبجدية المروية. وقد تم وصفها بواسطة المؤرخ الأغريقى ديودورس سيكلس في عام 50 قبل الميلاد. نتيجة لتكونها أساسا من حروف هجائية فقد كانت هذه اللغة تختلف تماما عن الهيروغليفية المصرية. بعض العلماء يعتقد أن الأبجدية اليونانية لعبت -إلى حد ما- دورا في تشكيل المروية بسبب احتواء هذه الأخيرة على أحرف للأصوات اللينة، ما يعرف بحروف العلة، على الرغم من أن المروية لم تعمل كما كانت تعمل اليونانية. تكونت الكتابة المروية في الأساس من أبجدية، إلا أن حرف العلة /a/ كان يضاف تلقائيا ما لم يكتب حرف علة آخر. أما الحروف الساكنة فيشار إليها باتباع الحرف الساكن بحرف العلة /e/ -وهو ما يعرف بصوت الشوا-. فعلى سبيل المثال، يمثل الحرفان me المقطع الصوتي /me/ كما يمثلان الحرف الساكن /m/ بمفرده، في حين أن المقطع /ma/ كان يكتب باستخدام حرف واحد والمقطع /mi/ بحرفين. وكان لبعض المقاطع الأخرى رموز خاصة بها. تبعا لذلك لهذه الكتابة بأنها شبه مقطعية، بشكل يشبه نوعا ما حروف الأبجدية الهندية التي ظهرت في نفس الوقت. وفي عدد من الحروف الساكنة التي تأتي في آخر المقاطع الصوتية، مثل /n/ و/s/، كانت غالبا ما تحذف. كان عدد الرموز المستخدمة في الكتابة 23 رمزا. من ضمن هذه الرموز كان هنالك أربعة حروف علة: وبالإضافة، فقد احتوت الكتابة على مقاطع أخرى عديدة مثل: ne أو ny(a), و se أو s(a), و te, to, و t(a) أو ti. هنالك بعض الخلاف حول كون se ممثلة بمقطع أم بحرف ساكن /s/، لتمييزها عن s كما في /š/ -صوت حرف ش-، كما هو الحال في كون ne تمثل كمقطع أم حرف ساكن /ñ/، وفي أن الحرف t من المحتمل أنه كان الصوت المقطعي ti. وثمة اقتراح بأن استعمال المقاطع بدلا من الحروف الأبجدية لبعض الأصوات قد يكون ناتجا عن الحاجة لتمثيل بعض الاختلافات في اللهجات المروية في كتابة موحدة. كانت للمروية شكلين من الرموز يمكن استخدامها، أحدهما شكل فني أخذ من المصرية الهيلوغريفية والآخر شكل حروف مشتبكة أخذت من الديموطيقية، وكانت أغلب النصوص تكتب بهذا الشكل الأخير. وبعكس الكتابة المصرية كان هنالك نظير مباشر بين كل رمز من الكتابة الفنية والمتشابكة باستثناء أن الشكل المتشابك من الكتابة حيث يوصل الحرف الساكن إذا تبعه i. أما اتجاه الكتابة فكان من اليمين إلى اليسار ومن الأعلى إلى الأسفل في الشكل المتشابك، أو من الأعلى إلى الأسفل في أعمدة تكتب من اليمين إلى اليسار كما في الشكل الهيلوغريفي. وكانت الكتابة تحتوي أيضا على رمز من ثلاث نقاط أفقية أو عمودية تستعمل للفصل بين الكلمات أو الجمل، وهذا هو الشكل الوحيد من علامات الترقيم التي كانت تستخدم. ولو صح أن المروية كانت تستخدم من قبل المملكة النوبية لكانت استبدلت بالأبجدية القبطية عند دخول المسيحية للنوبة في القرن السادس الميلادي. فكت رموز هذه الكتابة في عام 1909 م من قبل عالم الآثار المصرية البريطانية فرانسيس للولين غريفيث. غير أن اللغة ذاتها لا تزال غير مفهومة بالكامل حتى اليوم. القرنة مدينة عراقية ومركز قضاء تتبع إدارياً إلى محافظة البصرة تعتبر واحد من أغنى مدن العالم من حيث الموارد النفطية، تقع المدينة عند التقاء نهري دجلة و الفرات وتبعد عن مدينة البصرة 74 كم2. ويبلغ عدد سكانها نحو 450 الف نسمة حسب إحصائيات عام 2014م. من أهم المناطق الإدارية التابعة لقضاء القرنة منطقة الشرش وطلحة و النهيرات و مزيرعة والسويب و النصير وحي السلام و الثغر و النهيرات الشمالية كما يوجد حقل نفط غرب القرنة وهو من أكبر حقول النفط في العراق ويبلغ الاحتياطي المؤكد له 12 مليار برميل من النفط والتي كانت تستثمر من قبل الشركات الروسية في عهد نظام صدام حسين، ومن الشرق حقول نفط مجنون ومن الجنوب حقول نهران عمر ويبعد مركز قضاء القرنة مسافة تصل إلى 40 كم عن الحدود الإيرانية وأدى هذا القرب من إيران إلى تدمير هذه المدينة إبان الحرب العراقية - الإيرانية. يحيط المدينة من الغرب هور الحمار ومن الشرق هور الحويزة. وتوجد فيها مناطق خلابة تصلح لتكون محميات طبيعية وسياحية حيث الماء والبساتين وغابات القصب والثروة السمكية والأرياف الجميلة الواسعة. ضواحي القرنة. تمتاز المنطقة أيضاً بكونها منطقة ذات طابع ومناخ زراعي جميل وكثرة النخيل فيها. من أهم ضواحيها: نواحي القرنة الامام القائم (الثغر سابقا) وتشمل مناطق العلوة وابوعران والنخلات وحريبة والصخريجة وحميان والنجيرة وبيت غزيل ونهر العز وغيرها ناحية الدير وتضم مناطق الشافي وغيرها التسمية. وسميت بالقرنة لأن الرافدين يقترنان أي يلتقيان فيها، والقرنة، أو القورنة مفردة سامية ويعتقد أن أصل كلمة قرنة تأتي من قرين (أي المثيل) حيث يلتقي فيها نهري دجلة والفرات في طرفها الجنوب شرقي المركزي، وهناك من يقول إن أصل الكلمة هي قرن حيث المتتبع لخريطتها جغرافياً يرى أنها تشكّل قرنا ثور في أقرب تصوّر، ومنهم من قال أنها تعني (قرن) أي الاقتران حيث يجتمع النهران معاً. تعتبر إحدى المعالم الحضارية والسياحية المهمة في العراق والبصرة تحديداً. تعرّضت خلال فترة النظام السابق والحرب العراقية الإيرانية للعديد من الضربات الموجعة وتمكّنت القوات الإيرانية من التوغّل لحدود منطقة حقول مجنون (المجنون) النفطية الحدودية ولكن تمكن الجيش العراقي من استعادة كافة المناطق المحتلة فيما بعد وفي وقت قصير. وتعتبر من المناطق النفطية المهمة حيث توجد فيها (حقول نفط مجنون وغيرها من الآبار والحقول غير المستثمرة لحد الآن). الأماكن السياحية. وهي شجرة يعتقد أهل المنطقة أنها نبتت في المكان الذي هبط فيه آدم عليه السلام إلى الأرض وصلى فيه نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام. وذلك ليس ناشئا من المعتقدات الإسلامية، بل يرتاد هذا المكان الكثير من اليهود والنصارى الأجانب ويبدو أنه يشكل أحد الأماكن المقدسة لديهم. بني على طول نهر دجلة بامتداد 2 كيلو متر وتقع عليها العديد من المطاعم والكازينوهات السياحية وأماكن الترفيه الأهوار باختصار هي بقايا من حضارة سومر، وجنة عدن، وهي أماكن سياحية جذابة بطبيعتها الخصبة حيث المسطحات المائية التي تتخللها الكثير من الجزر، وهي تسمح للزائر بالإطلاع على العديد من أنواع النباتات المائية الفريدة ومنها القصب والبردي حيث كان السومريون يستخدمونه في الكتابة، والتعرف على العديد من أنواع الطيور، سواء الطيور الجارحة أو المغردة أو لممارسة هواية الصيد حيث طيور الحر، البط البري، الوز البري، البرهان، وعشرات الأنواع الأخرى. كما تشتهر الأهوار بأنواع عديدة من الأسماك النهرية مثل البني والشبوط والقطان، والبياح، والسمتي، والشلك، وأنواع أخرى منها ما هو قريب من الأسماك البحرية مثل الشانك، والصبور. إن زرت العراق ولم تزر الأهوار فكأنك لم تزر العراق. وتتوفر بها أراضي خصبة للزراعة. ومحلات تجارية بكافة الأنواع. جون باردين ء، (23 مايو 1908 - 30 يناير 1991)، هو فيزيائي أمريكي حاصل على جائزة نوبل في الفيزياء مرتين عامي1956 و1972. (هو الوحيد الذي حصل على جائزة نوبل للفيزياء مرتين في تاريخه). ولد في 23 مايو 1908 في مدينة ماديسون في ولاية ويسكنسن. هو الوحيد الذي حصل على جائزة نوبل للفيزياء مرتين في تاريخه، الأولى كانت لأعماله في ترانزستورات عام 1956، والثانية كانت لأبحاثه في مجال المواد فائقة التوصيل عام 1972. وقد شاركه العالمان ليون كوبر وجون روبرت شريفر في الجائزة. حصل على شهادة الماجستير من جامعة ويسكنسن في الهندسة الكهربائية ثم التحق بجامعة برينستون للحصول على شهادة الدكتوراة في علوم الفيزياء الرياضية. بداية حياته. ولد جون باردين في ماديسون بولاية ويسكونسن في 23 مايو 1908. وكان الابن الثاني للدكتور تشارلز راسل باردين وألثيا هارمر باردين. وكان واحدا من خمسة أطفال. وكان والده، تشارلز باردين، أستاذ علم التشريح وأول عميد لكلية الطب في جامعة ويسكونسن-ماديسون. ألثيا باردين، قبل الزواج، كانت تدرس في مدرسة مختبر ديوي، وبعد الزواج كانت شخصية مشهورة في عالم الفن. ظهرت موهبة باردين في الرياضيات في وقت مبكر.وكان مدرس الرياضيات في الصف السابع يحثه ويشجعه علي متابعة مسائل متقدمة في الرياضيات، وحتي بعد سنوات عديدة كان باردين ما زال يدين لمدرسه بالفضل في حثه علي الاهتمام بالرياضيات. حضر باردين المدرسة الثانوية الجامعية في ماديسون لعدة سنوات، ولكن تخرج من مدرسة ماديسون الثانوية الوسطى في 1923. وتخرج من المدرسة الثانوية في سن الخامسة عشر، على الرغم من انه كان من الممكن ان يتخرج قبل عدة سنوات. وكان تخرجه تأجل بسبب أخذ دورات إضافية في آخر المرحلة الثانوية، وأيضا بسبب وفاة والدته. دخل جامعة ويسكونسن ماديسون في عام 1923.واختار باردين الهندسة لأنه لم يرد أن يصبح أكاديميا مثل أبيه أستاذ علم التشريح وأيضا بسبب علاقة الهندسة الوثيقة بالرياضيات، كما شعر أن فرص الاشتغال بالهندسة ذات آفاق جيدة. حصل باردين علي درجة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية من جامعة ويسكونسن- ماديسون عام 1928.وقد تخرج في 1928 على الرغم من تركه الجامعة لسنة ليعمل في شيكاجو.وكان قد اخذ جميع مقررات الفيزياء والرياضيات التي اثارت اهتمامه.كان بتردين قد اخذ سنة إضافية خلال دراسته في الجامعة مما اتاح له إكمال أطروحته في الماجستير والتي حصل عليها عام 1929 من جامعة ويسكونسن.كان باردين قد تأثر خلال دراسته بالكثير من علماء الرياضيات والفيزياء منهم بول ديراك(صاحب دالة ديراك-دلتا الشهيرة) وفرنر هايزنبرج(صاحب مبدأعدم التأكد في ميكانيكا الكم) وارنولد سومر. فشل باردين في التقدم للحصول علي زمالة جامعتي ترينيتي وكامبريدج. بقي باردين لبعض الوقت في ولاية ويسكونسن لإكمال دراساته، لكنه ذهب في نهاية المطاف للعمل في مختبرات الخليج للأبحاث، الفرع البحثي لشركة نفط الخليج، ومقرها في بيتسبرج.، عمل باردين هناك على تطوير طرق لتفسير المسوحات المغناطيسية والجاذبية من 1930 حتي 1933، وقد عمل كجيوفيزيائي. ثم ترك العمل وقدم طلبا وتمت الموافقة على برنامج الدراسات العليا في الرياضيات في جامعة برنستون. درس باردين كلا الرياضيات والفيزياء كطالب دراسات عليا، وانتهى بكتابة اطروحته حول مشكلة في الفيزياء الحالة الصلبة، تحت إشراف الحائز على جائزة نوبل الفيزياء يوجين ويغنر. قبل إكمال رسالته، عرض عليه منصب زميل جديد لجمعية الزملاء في جامعة هارفارد في عام 1935. وأمضى السنوات الثلاث التالية هناك، من 1935 حتى 1938، عمل هناك مع الحائز علي جائزة نوبل هاسبروك فيلك وبيرسي بريدجمان –الذي حاز على جائزة نوبل فيما بعد- في دراسة التوصيل الكهربي في المعادن. حصل باردين على شهادة الدكتوراه في الفيزياء الرياضية من جامعة برينستون في 1936. حياته المهنية الأكاديمية. في خريف عام 1938، بدأ باردين في منصبه الجديد كأستاذ مساعد في جامعة مينيسوتا. في عام 1941، بدأت بوادر الحرب العالمية الثانية، ومن ثم أخذ باردين إجازة من عمله والتحق بالعمل في مختبر المعدات الحربية البحرية. وكان عليه البقاء لمدة أربع سنوات. في 1943 دعي للانضمام إلى مشروع مانهاتن، لكنه رفض، لأنه لا يريد الابتعاد عن عائلته. حصل على جائزة الاستحقاق الخدمة المدنية لخدمته في مختبر المعدات الحربية البحرية. بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، بدأ باردين السعي إلى العودة إلى الأوساط الأكاديمية ولكن جامعة مينيسوتا لم تدرك أهمية مجال فيزياء الحالة الصلبة، وفي نفس الوقت كانت مختبرات بل قد بدأت في تكوين شعبة لفيزياء الحالة الصلبة بقيادة ويليام شوكلي وكان اسم باردين مرشحا بشدة للالتحاق بهذه الشعبة، ولأن باردين لم يلق الترحيب الكافي والدعم المادي والمعنوي في جامعة مينيسوتا، فقد قرر قبول عرض مختبرات بل المغري في عام 1945. مختبرات بل. في أكتوبر عام 1945، بدأ جون باردين العمل في فريق فيزياء الحالة الصلبة بقيادة ويليام شوكلي والكيميائي ستانلي مورجان مع والتر براتين وخبير الإلكترونيات هيلبرت مور. وكان باردين قد انتقل بعائلته إلى نيوجيرسي. سبق لباردين لقاء كلا من شوكلي في مدرسة ماساتشوستس وبراتين أثناء دراساته العليا في برنستون. ومن هنا نشأت علاقة صداقة قوية بين باردين وبراتين. كانت مهمة الفريق إيجاد مكبر للتيار وللقدرة في الحالة الصلبة كبديل للصمامات المفرغة التي كانت تستخدم كمكبرات آنذاك وكانت تحتاج نحو 200 فولت تيار مستمر لبدء تشغيلها وكذلك كانت تحتاج لدوائر للتبريد. واستندت محاولاتهم الأولى على أفكار شوكلي حول استخدام مجال كهربي خارجي على أشباه الموصلات الكهربائية يؤثر على توصيلها للكهرباء. هذه التجارب فشلت في ظروف غامضة برغم استخدامهم العديد من المواد. كان الفريق في حالة جمود إلى أن اقترح باردين نظرية مفادها وجود مستويات للطاقة للالكترونات عند سطح شبه الموصل تمنع المجال الكهربي الخارجي من اختراق شبه الموصل، فغير الفريق تركيزه إلى دراسة هذه المستويات السطحية للطاقة وكانوا يجتمعون بشكل شبه يومي لمناقشة ما وصلوا إليه. كانت العلاقات داخل الفريق ممتازة وكانوا يتبادلون الأفكار بحرية. بحلول شتاء عام 1946 كان الفريق قد وصل إلى ما يكفي من النتائج وقام باردين بتقديمها في ورقة علمية عن مستويات الطاقة السطحية. براتين بدأ في تجارب تهدف إلى دراسة هذه المستويات السطحية عن طريق تسليط ضوء ساطع على سطح شبه موصل. أدت هذه التجارب إلى عدة ورقات علمية منهم واحدة شارك فيها شوكلي والتي بين فيها أن كثافة سطح شبه الموصل كانت أكثر من كافية لإفشال تجارب الفريق. ثم ارتفعت وتيرة العمل بشكل ملحوظ عند اكتشاف الفريق همزة الوصل بين أشباه الموصلات والأسلاك الموصلة والإلكتروليتات، وفي النهاية وصل الفريق إلى نتائج على تكبير القدرة الكهربية. اختراع الترانزستور. في ربيع 1947، كلف شوكلي كلا من باردين وبراتين بمهمة وهي اكتشاف سبب عدم عمل المكبر الذي صنعه شوكلي. في قلب الترانزستور كان يوجد بلورة من السيليكون -استبدلت فيما بعد ببلورة من الجرمانيوم- لمعرفة ما كان يجري، كان لزاما على باردين تذكر البحث الذي قدمه عن ميكانيكا الكم عندما كان يكمل رسالته للدكتوراه في جامعة برنستون. كما استنتج باردين عددا من النظريات الجديدة بنفسه. اكتشف باردين، بعد ملاحظة تجارب براتين، إن كل العلماء السابقين افترضوا خطأ أن التيار الكهربي يسري بصورة متماثلة في كل أجزاء الجرمانيوم، في حين أن الإلكترونات تتصرف بصورة مغايرة عند السطح. ومن هنا استنتج باردين أنه إذا استطاع التحكم فيما يحدث عند السطح، فإنه من الممكن تشغيل المكبر. في 23 ديسمبر عام 1947، تمكن باردين وبراتين-من دون شوكلي- من تخليق نقطة اتصال تعمل كترانزستور مما حقق التكبير في التيار والقدرة الكهربية. وبحلول الشهر التالي، بدأ محامي مختبرات بل لبراءات الاختراع العمل على تقديم براءة اختراع الترانزستور. وسرعان ما اكتشف محامو مختبرات بل أن مبدأ شوكلي لتأثير المجال قد سجل من قبل كبراءة اختراع عام 1930 من قبل جوليوس ليلنفيلد. وعلى الرغم من أن تلك البراءة يمكن التغاضي عنها نظرا لأن الاختراع الشبيه باختراع شوكلي لم يعمل بصورة صحيحة، إلا أن المحامين قدموا أربع براءات، واحدة عن تصميم نقط الاتصال (الترانزستور النقطي) لباردين وبراتين والثلاثة الآخرين قدموا في نفس الوقت عن الترانزستور ذو الأساس الإلكتروليتي ووضع اسم كل من باردين وجيبني وبراتين كمخترعين. لم يذكر اسم شوكلي على أيا من الأربع براءات مما أغضبه لأن العمل كان أساسا عن فكرته عن تأثير المجال الكهربي. حتى أنه بذل جهدا لجعل البراءة باسمه فقط وأخبر كلا من باردين وبراتين بنواياه. وفي ذات الوقت، واصل شوكلي سرا عمله لبناء نوع مختلف من الترانزستور على أساس الوصلات بدلا من نقاط الاتصال؛ وكان قد توقع أن يكون هذا التصميم أكثر قابلية للتطبيق التجاري. عمل شوكلي بشراسة على أعظم إبداعاته، الالكترونات والفجوات في أشباه الموصلات، والتي نشرت أخيرا باعتبارها أطروحة من 558 صفحة في عام 1950. وفيها استنبط شوكلي الأفكار الأهم في الانجراف والانتشار والمعادلات التفاضلية التي تحكم سريان الالكترونات في بلورات الحالة الصلبة. أيضا وضح شوكلي معادلته للدايود (الوصلة الثنائية). أصبح هذا العمل ركن الأساس لجيل كامل من العلماء الذين يعملون على تطوير وتحسين متغيرات جديدة من الترانزستور والأجهزة الأخرى التي تعتمد على أشباه الموصلات. كان شوكلي غير راضي عن أجزاء معينة في شرح كيفية عمل الترانزستور النقطي وقدم تصورا عن إمكانية حقن النوع الموجب من البلورة بالكترونات والنوع السالب بفجوات، ما يسمى بحقن الاقليات الحاملة. قاد ذلك شوكلي لأفكار عن ما أسماه «الترانزستور الساندوتش». أدى هذا إلى اختراع الترانزستور الوصلة، والذي أعلن عنه في مؤتمر صحفي في الرابع من يوليو عام 1951. وحصل شوكلي على براءة الاختراع في 25 سبتمبر عام 1951. وسرعان ما طغى هذا الاختراع على الترانزستور النقطي وأصبح المهيمن بأغلبية ساحقة في السوق لسنوات عديدة. واصل شوكلي قيادة فريقه للمزيد من الإبداع في مختبرات بل في مجال الترانزستور لسنتين أخريين. أخذ شوكلي نصيب الأسد في الفضل في اختراع الترانزستور بين العامة من الناس، مما أدى إلى تدهور العلاقة بينه وبين باردين. ومع ذلك أصرت إدارة مختبرات بل على تقديم المخترعين الثلاثة كفريق واحد. في النهاية غضب شوكلي ونفر من باردين وبراتين ومنعهما من العمل على الترانزستور الوصلة. بدأ باردين ملاحقة نظرية في مجال الموصلات الفائقة وترك مختبرات بل في عام 1951. رفض براتين العمل مع شوكلي مرة أخرى وحول لفريق اخر. لم يعمل كلا من باردين وبراتين على تطوير الترانزستور في الفترة ما بعد اختراعه بسنة. وكان الترانستور (الناقل المقاوم أو المقحل) أصغر من الصمامات المفرغة بنسبة 1/50. وقد حل محلها في التلفاز والمذياع وسمح للأجهزة الكهربية أن تصبح أقل حجما وأكثر كفاءة وأقل بعثا للحرارة. جامعة إلينوي في أوربانا- شامبين. بحلول عام 1951، كان باردين يبحث عن وظيفة جديدة. أقنع فريد سيتز -صديق لباردين- جامعة إلينوي في أوربانا- شامبين بأن تعرض على باردين عرضا بقيمة 10,000 دولار في السنة. وافق باردين وترك مختبرات بل. والتحق بكليتي الفيزياء والهندسة في جامعة إلينوي في أوربانا- شامبين عام 1951. كان أستاذا في الهندسة الكهربية والفيزياء وكان أول طالب دكتوراه لديه هو نيك هولنياك عام 1954 والذي اخترع أول دايود باعث للضوء في عام 1962. في جامعة إلينوي، أسس اثنين من برامج البحوث الرئيسية، واحد في قسم الهندسة الكهربائية وواحد في قسم الفيزياء. تناول برنامج البحوث في قسم الهندسة الكهربائية التعامل مع كل من الجوانب النظرية والتجريبية لأشباه الموصلات، وبرنامج البحوث في قسم الفيزياء التعامل مع الجوانب النظرية لنظم الكم العيانية، ولا سيما الموصلية الفائقة. كان باردين أستاذا نشطا في إلينوي من عام 1951 حتى عام 1975 ثم أصبح أستاذا فخريا. جائزة نوبل في الفيزياء عام 1956. في عام 1956، تقاسم باردين جائزة نوبل في الفيزياء مع ويليام شوكلي ووالتر براتين «لأبحاثهم على أشباه الموصلات واكتشافهم لتأثير الترانزستور». سمع باردين هذا الخبر أول مرة عندما كان يصنع الإفطار ويستمع إلى الراديو في صباح 1 نوفمبر 1956. أقيم حفل جوائز نوبل في ستوكهولم عاصمة السويد، في مساء يوم الاثنين 10 ديسمبر، وتسلم الثلاثة جوائزهم من الملك غوستاف السادس أدولف. في هذه الليلة اجتمع المخترعين الثلاثة معا وتذكرا الايام الخوالي عندما كانوا أصدقاء وجزءا من فريق بحثي عظيم. أحضر باردين واحد فقط من أبنائه الثلاثة لحضور حفل جائزة نوبل. وكان ابنيه الأخريين يدرسون في جامعة هارفارد، ولم يرد باردين تعطيل دراستهم. الملك غوستاف وبخ باردين بسبب هذا، وباردين أكد للملك أن في المرة القادمة سيحضر كل أولاده للحفل. وهو ما حدث بالفعل! نظرية باردين-كوبر. في عام 1957، توصل باردين بمعاونة ليون كوبر جون روبرت شريفر -طالب الدكتوراه تحت إشراف باردين- أدولف النظرية القياسية للمواد فائقة التوصيل أو كما تعرف ب. تشرح نظرية باردين-كوبر المواد فائقة التوصيل، حيث تمتلك بعض المواد القدرة على توصيل التيار الكهربي دون مقاومة كهربية عند خفض درجة حرارة تلك المواد. وتوضح هذه النظرية فائقية التوصيل كتأثير كمي ميكانيكي ماكروسكوبي. وتعد هذه النظرية إضافة إلى ماقدمه نيكولاي بوجوليوبوف من شرح لظاهرة فائقية التوصيل. جائزة نوبل في الفيزياء عام 1972. في عام 1972، تقاسم جون باردين جائزة نوبل في الفيزياء مع ليون نيل كوبر من جامعة براون وجون روبرت شريفر لتطويرهم نظرية فائقية التوصيل بشكل مشترك، والتي عادة ما تسمى نظرية باردين-كوبر. جوائز أخرى. في عام 1952، حصل على وسام ستيوارت بلنتين من معهد فرانكلين. في عام 1959، انتخب زميلا للأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم. في عام 1965، حصل على الميدالية الوطنية للعلوم. في عام 1971، تلقى باردين على وسام الشرف من IEEE «لإسهاماته العظيمة لفهم توصيل المواد الصلبة، واختراع الترانزستور، ونظرية فائقية التوصيل». في عام 1975 حصل على وسام فرانكلين. في 10 يناير 1977، حصل جون باردين على الوسام الرئاسي للحرية من الرئيس جيرالد فورد. وكان يمثله في الاحتفال ابنه، ويليام باردين. وفاته. في 30 يناير عام 1991 توفي جون باردين متأثرا بمرض في قلبه في مستشفى بريجهام في بوسطن ماسوشستس. من يريد أن يكون مليونيراً؟ أو كما يُعرف في العالم العربي من سيربح المليون؟ (ويُعرف بشكل غير رسمي المليونير)، هو برنامج تلفزيوني عالمي من أصل بريطاني تم إنشاؤه بواسطة ديفيد بريجز ومايك ويتهيل وستيفن نايت. المملوكة حالياً والمرخصة من قِبل تلفزيون سوني بيكتشرز. يتمحور البرنامج حول استضافة متسابقين للإجابة على أسئلة معلومات عامة يقدم جوائز مالية كبيرة لمن يجيب بشكل صحيح ومتتالي على أسئلة البرنامج. وتزداد صعوبة الأسئلة كُل ما زاد التقدم في المراحل. تم عرض النسخة البريطانية الأصلية لأول مرة في 4 سبتمبر 1998 على شبكة آي تي في وتم بثها حتى آخر حلقة لها في 11 فبراير 2014. تم إعادة بث سلسلة جديدة من سبع حلقات لإحياء ذكرى مرور 20 عامًا على بثها من 5 إلى 11 مايو 2018. تلقى ذلك مراجعات إيجابية في معظمها من النقاد والمعجبين، بالإضافة إلى مشاهدة عالية، مما دفع آي تي في إلى تجديد العرض لسلسلة أخرى. منذ ظهورها لأول مرة، تم بث النُسخ الدولية للعرض في حوالي 160 دولة حول العالم. عرض في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على قناة إم بي سي 1 ولاحقاً على قناة أو أس أن يا هلا. قدم المسابقة الإعلامي اللبناني جورج قرداحي. انطلق البرنامج في 27 نوفمبر 2000، أولى أيام شهر رمضان وأستمر لعدة مواسم. المسابقة. القوانين. في أغلب النُسخ تبدأ المسابقة باستضافة المتسابقين وطرح عليهم ما يُسمى "بسؤال السرعة" وهو ترتيب الجواب من أربعة خيارات لأسئلة عامة، والأسرع هو الذي يجلس على الكرسي ليُجيب على الأسئلة، بعد ذلك، يتم طرح الأسئلة عليه تباعاً حتى يصل للسؤال الأخير ولديه أيضاً وسائل مساعدة، في أغلب النُسخ كانت تتكون الأسئلة من 15 سؤال قمة الجائزة في أغلبية الإصدارات هي مليون من العملة المحلية. ويحق للمُتسابق الانسحاب في أي وقت يريد. الفائزين بالجائزة الكبرى. من بين جميع المتسابقين الذين خاضوا المسابقة في جميع الإصدارات، لم يتمكن سوى عدد قليل منهم من الفوز بالجائزة الكبرى. أول فائز كان جون كاربنتير، الذي فاز بالجائزة الكبرى في النسخة الأمريكية في 19 نوفمبر 1999. لم يستخدم كاربنتر أي وسيلة مساعدة حتى السؤال الأخير، مستخدماً "الاتصال بصديق" ليس للمساعدة ولكن للاتصال بأبيه لإخباره بأنه على وشك الفوز بالمليون. الإصدارات. الإصدار الأصلي (البريطاني). "من الذي يريد أن يكون مليونيرًا؟" عُرض لأول مرة في بريطانيا في 4 سبتمبر 1998، وبُثت حلقاته على شبكة ITV. عندما بدأ البث، حلَّ كريس تارانت كمُقدم لهذا البرنامج، ونجح نجاحًا فوريًا، وشاهد البرنامج أكثر من 19 مليون مشاهد. وعلى الرغم من أن معظم المتسابقين كانوا في الغالب من عامة الناس الذين تقدموا للمشاركة، إلا أن العرض تميز لاحقًا بإصدارات المشاهير خاصة خلال سنواته الأخيرة، وغالبًا ما تزامن ذلك مع الإجازات والمناسبات الخاصة. في 22 أكتوبر 2013، قرر تارانت إنهاء مسيرته بهذا البرنامج بعد تقديمه لمدة 15 عامًا. جعل قراره ITV في وقت لاحق إلى وضع خطط لإلغاء البرنامج في نهاية عقده، مع عدم تقديم عروض خاصة أخرى بخلاف تلك التي تم التخطيط لها بالفعل. حلقة تارانت الأخيرة كانت عبارة عن عرض كليب خاص بعنوان "الجواب النهائي لكريس"، والتي بُثت في 11 فبراير 2014. الإصدار العربي. عُرض في العالم العربي، تحت اسم "من سيربح المليون؟" وابتدا عرضه في تاريخ 27 نوفمبر 2000 في أول أيام شهر رمضان على قناة إم بي سي وكان من تقديم الإعلامي اللبناني جورج قرداحي، استمر البرنامج على مدى عشرة أعوام منذ العام 2000 وحتى 2010، وكانت الجائزة الكُبرى عبارة عن مليون ريال سعودي حتى العام 2005 حين تم رفع الجائزة بـ مليونين ريال سعودي، ثم عاد الجائزة إلى مليون ريال سعودي في الموسم الأخير عام 2010 ولكن هذه المرة مقابل 12 سؤالاً. عاد البرنامج مرة أخرى وعُرض في 2015 حتى عام 2016 على قناة أو أس أن يا هلا، وكانت الجائزة عبارة عن مليون ريال سعودي. عُرض أيضاً برنامج باسم المليونير في العام 2012 على قناة الحياة وكانت الجائزة الكبرى بقيمة مليون جنيه مصري. الإصدارات الأخرى. عُرض أكثر من خمسين إصدار في 160 دولة، منها الأمريكية والإيطالية والهندية والإسبانية والفرنسية والألمانية والتركية واليابانية وغيرها. الرمزيات. الموسيقى. كانت الموسيقى التصويرية الأكثر شيوعًا في المسابقة من تأليف الأب كيث ستراتشان والابن ماثيو ستراتشان. توفر الموسيقى بعضاً من الدراما والتوتر، تستلهم مقطوعة ستراتشان الرئيسية من معزوفة "المريخ" لغوستاف هولست في مؤلفته "الكواكب" ، توصف مقطوعات ستراتشان بأنها "تحاكي صوت القلب النابض"، وتزداد توترها كلما تعمق المتسابق في المسابقة. تم تكريم الموسيقى التصويرية للبرنامج من قبل الجمعية الأمريكية للملحنين والمؤلفين والناشرين واكتسبت العديد من الجوائز. الاستديو. تم تصميم الاستديو الأساسي المستخدم في البرنامج من قبل مصمم الإنتاج البريطاني ، ويُعتبر من أكثر التصميمات الخلابة في تاريخ التلفزيون. بخلاف برامج الألعاب القديمة التي تم تصميم مجموعاتها لجعل المتسابق أو المتسابقين يشعرون بالراحة، إذ تم تصميم استديو البرنامج لجعل المتسابق يشعر بعدم الارتياح، بحيث يشعر بالبرنامج وكأنه في فيلم سينمائي أكثر من كونه في عرض برنامج مسابقات. الأرضية مصنوعة من زجاج شبكي أسفلها يوجد طبقة ضخمة مغطى بورق المرآة. تحتوي اللعبة الرئيسية عادة على كرسي للمتسابق ويجلس هو والمذيع وجهاً لوجه في المقاعد، ويبلغ طولها 3 أقدام (0.91 م) وتُعرض شاشة كمبيوتر إل جيالتي تواجه كل مقعد مباشرةً أسئلة ومعلومات أخرى المتعلقة بالمسابقة. نظام الإضاءة مبرمج لتغميق المشهد مع تقدم المتسابق بشكل أكبر في اللعبة. توجد أيضًا مصابيح موضعية في الجزء السفلي من المنطقة المحددة والتي تعمل على تكبير المتسابق عندما يجيب على سؤال رئيسي؛ لزيادة وضوح أشعة الضوء المنبعثة من هذه الأضواء. الشعار. صنع برنامج "من يريد أن يكون مليونيراً؟" شعاراً دائرياً باللون البنفسجي داخلها دائرة مُحاطة باللون الوردي ومكتوب في الفراغ اسم البرنامج، ثم في داخل الشعار تكون هناك حلقات دائرية مُتداخلة وعلامات العملات مثل $ الدولار. فضيحة الغش. بالرغم من أن البرنامج استخدم العديد من الطرق لمنع الغش، إلا أنه كان هناك محاولة غش قامت على أسلوب فريد استخدمه متسابق واحد وهو الرائد في الجيش البريطاني تشارلز إنغرام. في يوم 10 سبتمبر عام 2001 شارك تشارلز انغرام في برنامج من سيربح المليون وكانت قد رافقته زوجته ديانا في البرنامج، استطاع تشارلز الفوز بمليون باوند (جنيه إسترليني) بعد أن أجاب بخمسة عشر سؤالاً بشكلٍ متتالي وهي الطريقة الوحيدة للفوز بهذا المبلغ المادي حسب قانون البرنامج، تمت إدانته فيما بعد بالغش في المسابقة بالاتفاق مع زوجته ومُسابق آخر يُدعى تيكوين وينتوك وذلك عن طريق السعال المتعمد (الكحكحة) عند ذكر تشارلز للإجابة الصحيحة أثناء تفكيره بحل السؤال، وظهرت الأصوات بشكلٍ واضح في البرنامج لاسيما عند وقت الإجابات، سبق لزوجته ديانا أن شاركت في البرنامج وفازت بمبلغ 32 ألف باوند، كما سبق لشقيقها أيضاً أن شارك في البرنامج وفاز بنفس المبلغ. في 7 أبريل عام 2003 أقرّت المحكمة بحكم السجن مع وقف التنفيذ لمدة عامين (حُكم على الزوجين بـ 18 شهراً، وحكم على وينتوك بـ12 شهراً) مع غرامات ماليّة بلغ مجموعها 115 ألف باوند. وفي 19 أغسطس من نفس العام أمر القاضي بإقالة تشارلز من عمله كرائد في الجيش البريطاني بعد 17 عاماً من الخدمة مع عدم التأثير في استحقاقه في المعاش التقاعدي. مارسيل بانيول هو كاتب فرنسي، ولد بمدينة أوباني (Aubagne) بتاريخ 28 فبراير 1895، وتوفي بمدينة باريس في 18 أبريل 1974. بداية حياته. ولد مارسيل بانيول في ال 28 من شهر فبراير في عام 1895. إن إتش كي وورلد هي الخدمات الإذاعية والتلفزيونية الموجهة إلى خارج والتي تقدمها هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية NHK. تهدف NHK WORLD إلى تعزيز التفاهم الدولي بين اليابان والعالم بتقديم تحليل للأوضاع الراهنة ووجهات النظر في اليابان وسائر أرجاء آسيا فضلا عن بث نطاق واسع من المعلومات للمواطنين اليابانيين المقيمين في الخارج. وتضم NHK WORLD ثلاث خدمات هي: تلفزيون NHK WORLD و Premium NHK WORLD وNHK WORLD راديو اليابان الدولي. تلفزيون NHK. يبث تلفزيون NHK WORLD نشرات إخبارية وبرامج تلفزيونية معلوماتية على مدار الساعة لمعظم أنحاء العالم عبر ثلاثة أقمار اصطناعية. ويمكن استقبال هذه الخدمات غير المشفرة بواسطة أي شخص لديه طبق استقبال مناسب وجهاز مولف رقمي. NHK World Premium. عبارة عن خدمة توزيعية لبرامج NHK على مدار الساعة لمحطات التلفزيون الكابلية والقنوات الفضائية الأجنبية وغيرها، وفضلا عن الأخبار والبرامج المعلوماتية فإن خدمة NHK WORLD Premium تتضمن مواد ترفيهية مثل الأعمال الدرامية والعروض الموسيقية اليابانية الشعبية وبرامج الأطفال والرياضة وغيرها. ويمكنك مشاهدة خدمة NHK WORLD Premium بالتعاقد مع قنوات فضائية أو كابلية. راديو اليابان الدولي. خدمة إذاعية على الموجات القصيرة تبث إلى أنحاء العالم باثنتين وعشرين لغة، من بينها اليابانية والإنغليزية، ما مجموعه خمسة وستون ساعة في اليوم من الأخبار والبرامج المعلوماتية والمواد الثقافية ودروس تعلم اللغة اليابانية وغيرها. كما يقدم راديو اليابان الدولي في أوقات الطوارئ، مثل الكوارث الطبيعية أو الصراعات، المعلومات الضرورية للمناطق المعنية. عن الخدمة العربية في راديو اليابان. منذ بدء البث العربي من القسم الدولي بهيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية NHK World، في الأول من يناير كانون الثاني عام 1941، وأنتم دائماً معنا في العين والقلب، إذ نسعى لكي تكون برامجنا وفقراتنا إحدى قنوات تعميق التفاهم والصداقة بين الشعبين الياباني والعربي. ونلتقي بكم يومياً عبر الأثير من خلال فترتين إذاعيتين تغطيان دول الشرق الأوسط وشمال وغرب أفريقيا حيث نوافيكم بأحدث الأنباء عن اليابان وآسيا والعالم، ونقدم كذلك مجموعة متنوعة من الفقرات التي ترسم صورة حية عن اليابان، تتعرفون من خلالها على اليابان سياسياً واقتصادياً وثقافياً. في المجلات الأسبوعية التي نقدمها لكم في الأيام من الاثنين إلى السبت، نستعرض أحدث المستجدات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية في اليابان، كما نسلط الضوء على أحدث التطورات في الشرق الأوسط ومنطقة آسيا والعالم. وستستمتعون بتشكيلة من الفقرات أكثر تنوعاً من ذي قبل في "مجلة السبت" حيث نقدم لكم برامج جديدة مثل "حكايات شعبية" والبرنامج الشهري "دعوة إلى الغناء باليابانية" الذي نتدرب معاً من خلال كل حلقة منه على أداء أغنية يابانية شهيرة. كما يواصل تقديم دروس "تعلم اللغة اليابانية"، ثلاث مرات أسبوعياً في أيام الاثنين والخميس والسبت. ونواصل مع الأصدقاء اللقاء الأسبوعي من خلال "ندوة الصداقة". دانييل برنولي (8 فبراير 1700 – 17 مارس 1782)، عضو في الجمعية الملكية، عالم رياضيات وفيزيائي سويسري من اصل هولندي، وواحدا من أبرز علماء الرياضيات في عائلة بيرنولي. يعرف دانييل بدوره الكبير في تطبيق مبادئ الرياضيات في الميكانيكا ولا سيما ميكاينكا الموائع، ولإسهاماته في الإحصاء والإحتمالات. أشهر عمل له كان كتابه الموائع المتحركة "الهيدروديناميكا" الذي نشر عام 1738 م ووضع فيه دراسة نظرية وعملية لاتزان المائع وسرعته وضغطه، وبين أن ضغط المائع يقل إذا زادت سرعته، وهو ما يعرف حاليا بمبدأ برنولي. إحدى مشتقات قانون انحفاظ الطاقة، الذي يصف طريقة عمل اثنين من أهم آلات القرن العشرين الخلاط وجناح الطائرة بطريقة رياضية. الحياة المبكرة. ولد دانييل برنولي في مدينة غروننغن، هولندا لعائلة من الرياضيين البارزيين. هاجرت عائلته من أنتويرب وقت الاحتلال الأسباني لهولندا، هربا من اضطهاد الهوغونوتيين الإسبانيين. أمضت العائلة فترة قصيرة في فرانكفورت ثم انتقلت إلى بازل في سويسرا. دانيال هو ابن عالم الرياضيات الشهير يوهان بيرنولي (واحد من أبرز علماء التفاصل والتكامل)، وابن أخ ياكوب بيرنولي (أول من إكتشف نظرية الإحتمالات). كان لدى دانيال أخوين، نيكولاس ويوهان الثاني. وصف والتر ويليم روز بول (14 اغسطس 1850 - 4 إبريل 1925) دانيال برنولي قائلا «"حتى الآن يعتبر هو الأقدر في عائلة بيرنولي"». كانت علاقة دانيال مع والده سيئة. نتيجة دخول كلاهما في صراع على المركز الأول في مسابقة علمية في جامعة باريس، لم يستطع جوهان أن يتحمل حرج مقارنته بابنه، فطرده من المنزل. كما سرق بعض من أفكار ابنه من كتابه هيدروديناميكا. وبالرغم من ذلك سامح دانيال أباه ورغب في المصالحة. رفض والده المصالحة وحمل الحقد له حتى وفاته. عندما كان دانيال في سن صغيره، شجعه والده على دراسة إدارة الأعمال، ووعده بمكافآت إذا استمر في الدراسة. رفض دانيال هذا العرض وأصر على دراسة الرياضيات. ولكن بعد ذلك حقق أمنية والده ودرس إدارة أعمال. ثم طلب منه بعد ذلك دراسة الطب، الأمر الذي وافق عليه دانيال بشرط أن يعلمه والده الرياضيات. درس دانيال الطب في جامعة بازل، جامعة هايدلبرغ وجامعة ستراسبورغ. وحصل على درجة دكتوراه في علم التشريح وعلم النبات في عام 1721. كان دانيال صديقا مقربا لليونهارت أويلر. في عام 1724، أنتدب إلى سانت بطرسبرج كأستاذ رياضيات، لكنه لم يكن سعيدا هناك، في عام 1733 مرض دانيال وقدم طلب ليغادر سانت بيترسبرغ. عاد بعدها إلى جامعة بازل، وحاز على رئاسة قسم الطب والميتافيزيقا والفلسلفة الطبيعية تباعا حتى وفاته. في مايو عام 1750، تم انتخاب دانيال لزمالة الجمعية الملكية. المساهمات الرياضية. نشر دانيال أول أعماله الرياضية في عام 1724 بعنوان "Exercitationes" (التمارين الرياضية) بمساعده عالم الرياضيات الألماني كريستيان غولدباخ. بعد ذلك بعامين أشار لرغبته الملحة في تحليل الحركة المركبة إلى حركات مصاحبة والحركة الدوارة. بينما يعتبر كتابه الهيدروديناميكا هو أهم أعماله، نشر في عام 1738، التي إهتمت بتبسيط ميكانيكا جوزيف لويس لاغرانج التحليلية في محاولة منه لإيجاد قانون واحد يشمل جميع العلاقات. وهو ما يعرف الآن بقانون حفظ الطاقة. نشر بعد ذلك مذكراته عن المد والجزر تزامنا مع مذكرات أويلر وكولين ماكلورين، كرمت الأكاديمية الفرنسية الثلاث مذكرات، التي جمعت ما بين مبادئ إسحاق نيوتن وفلسفته الطبيعية وإسهامات بيير سيمون لابلاس. كما كتب بيرنولي عدداً لا بأس به من الأوراق البحثية تناقش مختلف الأسئلة الميكانيكيه، وخاصة المتعلقة باهتزاز السلاسل، وعن دور كلا من بروك تايلور ولورن دالمبير في تطوير الرياضيات. حاول كلا من بيرنولي وأويلر اكتشاف المزيد حول تدفق الموائع بشكل عام، وعن العلاقة بين سرعة تدفق المائع وضغطه بشكل خاص. وللوصول إلى تلك العلاقة، ثقب دانيال جدار أنبوب اختبار ولاحظ أن ارتفاع السائل في الأنبوبة مرتبط بضغط الغاز في الأنبوبة. لم يمر كثير من الوقت إلا واستخدم أغلب الأطباء هذا المبدأ في قياس ضغط دم المريض باستخدام أنبوبة زجاجية تتصل بالشرايين. استمر هذا الوضع حوالي 170 عاما، حتى عام 1896 عندما إكتشف طبيب إيطالي طريقة أقل إيلاما والتي لا تزال تستخدم حتى اليوم. ما زالت طريقة بيرنولي لقياس الضغط حتى الآن في الطائرات الحديثة لقياس سرعة الهواء المار بجانب الطائرة. يعد صياغة دانيال برنولي لقانون بقاء الطاقة هو أهم وأشهر أعماله. فمع ملاحظته تحول الطاقة الحركية إلى طاقة وضع عند السير لأعلى، استنتج أن السائل المتحرك يحول طاقته الحركية إلى ضغط حسب المعادلة التالية: حيث يوضح هذا القانون العلاقة العكسية بين سرعة المائع وضغطه، فإذا زادت السرعة قل الضغط والعكس صحيح. يستخدم هذا المبدأ في صناعة أجنحة الطائرات المصممة لجعل سرعة الهواء أعلى الجناح أكبر من سرعته أسفل الجناح للتحكم في الضغط الذي يتعرض له، ولاستغلال هذا الضغط في رفع الطائرة لأعلى. علم الإحصاء. في عام 1738، ألف دانيال برنولي كتاب نظرية جديدة في قياس المخاطر ("Specimen theoriae novae de mensura sortis")، كانت فيها مفارقة سانت بطرسبرغ هي أساس نظرية معدل المخاطرة وعلاوة المخاطرة المنتظمة. في عام 1766، استخدم بيرنولي هذه النظرية في تحليل بيانات إحصائية عن مرض الجدري، ومعدل الوفيات، في محاولة منه لإثبات فعالية التطعيم. الفيزياء. في كتابه الهيدروديناميكا، المنشور عام 1738 أرسى الأساس العلمي للنظرية الحركية للغازات، وطبق الفكرة في شرح قانون بويل. عمل بيرنولي مع أويلر في دراسة مرونة المواد وساهم في صياغة معادلة شعاع أويلر-بيرنولي (تعرف أيضا باسم نظرية الجائز لأويلر-بيرنولي، ونظرية الجائز الكلاسيكية) والتي تصف العلاقة بين انحراف الكمرات والحمل المسلط عليها كالتالي: حيث لمبدأ بيرنولي دور هام في تطوير وتطبيقات الديناميكا الهوائية. وفقا لليون برويون، تمت صياغة مبدأ التراكب لأول مرة في عام 1753 من قبل دانيال بيرنولي فيما يلي سرد بمشتقات بعضٍ من الدوال الرياضية. على اعتبار "formula_1"وformula_2 دالتين قابلتين للاشتقاق، من أعداد حقيقية، و"formula_3"عدد حقيقي ثابت. وهذه الصيغ تكفي لاشتقاق أي دالة أساسية. قواعد التفاضل العامة. قاعدتا الضرب والقسمة. اشتقاق دالة هي عبارة عن حاصل ضرب دالتين يساوي الأولى ضرب مشتقة الثانية + الثانية ضرب مشتقة الأولى. اشتقاق الدوال المضروبة والمقسومة لوغاريتميًّا. في حالة الضرب. إن كانت formula_13 فيمكن أخذ لوغاريتم طبيعي للجانبين: formula_14 من خصائص اللوغاريتمات أن لوغاريتم مضروبين يساوي مجموع لوغاريتم كل منهما formula_15، إذًا بتطبيق هذه الخاصية تصير الصيغة: formula_16 باشتقاق الجانبين ضمنيًّا: formula_17 بضرب الجانبين في formula_18: formula_19 ثم يعوض بقيمة formula_18 التي هي الدالة الأساسية formula_13: formula_22 بالضرب واختصار الكسور: formula_23 في حالة القسمة. ينطبق ما سبق في حالة القسمة، بيد أنه في القسمة يساوي لوغاريتم مقسوم عددين مطروح لوغاريتم كل منهما formula_24، ويمكن استخدام الطريقة السابقة لاشتقاق الدوال المكونة من مضروب و/أو مقسوم دالتين فأكثر. مشتقة الدالة المعكوسة. إذا كانت دالة f ما، تقبل دالة عكسية، فإن : لأي دالة قابلة للتفاضل "f" لها قيم حقيقية، عندما تتواجد مركباتها ومعكوساتها. اعلم بأن المقلوب هو المعكوس في كل الدوال إلا الدوال المثلثية إذ إن معكوساتها ليست مقلوباتها، فمعكوس الدالة المثلثية ينتج الزاوية من قيمة دالة مثلثية عندها. سورة عبس هي سورة مكية، من المفصل، آياتها 42، وترتيبها في المصحف 80، في الجزء الثلاثين، بدأت بفعل ماض ، ولم يُذكر فيها لفظ الجلالة، ذُكر بها قصة عبد الله بن أم مكتوم نزلت بعد سورة النجم. تسمى أيضا بسورة الصَّاخَّةُ، والسَّفَرَةُ. أسباب نزول الآيات من 1 إلى 10. وهو ابن أم مكتوم وذلك أنه أتى محمد وهو يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب وأبياً وأمية ابني خلف ويدعوهم إلى الله ويرجو إسلامهم فقام ابن أم مكتوم وقال: يا رسول الله علمني مما علمك الله وجعل يناديه ويكرر النداء ولا يدري أن رسول الله مشتغل مقبل على غيره فقد روى الترمذي في جامعه ومالك بن أنس في موطأه وغيرهما من حديث عائشة بنت أبي بكر قالت: "أنزل في ابن أم مكتوم الأعمى، أتى رسول الله فجعل يقول: يا رسول الله أرشدني، وعند رسول الله رجل من عظماء المشركين، فجعل رسول الله يعرض عنه ويقبل على الآخر، ويقول أترى بما أقول بأساً، فيقول: لا" وكان النبي إذا رأى ابن ام مكتوم يقول له: مرحباً بمن عاتبني فيه ربي. سُورَةُ النبأ هي سورة مكية، من المفصل، آياتها 40، وترتيبها في المصحف 78، وهي أول سورة في الجزء الثلاثين وسُمي الجزء بأول كلمة بها "جزء عم"، بدأت بأسلوب استفهام ، نزلت بعد سورة المعارج. موضوع السورة. هذه السورة نموذج لاتجاه هذا الجزء بموضوعاته وحقائقه وإيقاعاته ومشاهده وصوره وظلاله وموسيقاه ولمساته في الكون والنفس، والدنيا والآخرة، واختيار الألفاظ والعبارات لتوقع أشد إيقاعاتها أثراً في الحس والضمير . وهي تفتح بسؤال مثير للاستهوال والاستعظام وتضخيم الحقيقة التي يختلفون عليها، وهي أمر عظيم لاخفاء فيه، ولا شبهة، ويعقب على هذا بتهديدهم يوم يعلمون حقيقته : ﴿عَمَّ يَتَسَاۤءَلُونَ؟ عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلۡعَظِيمِ، ٱلَّذِي هُمۡ فِيهِ مُخۡتَلِفُونَ. كَلَّا سَيَعۡلَمُونَ، ثُمَّ كَلَّا سَيَعۡلَمُونَ!﴾ ومن ثم يعدل السياق عن المعنى في الحديث عن النبأ ويدعه لحينه، ويلفتهم إلى ما هو واقع بين أيديهم وحولهم، في ذوات أنفسهم وفي الكون حولهم من أمر عظيم، يدل على ما وراءه ويوحى بما سيتلوه : ﴿أَلَمۡ نَجۡعَلِ ٱلۡأَرۡضَ مِهَـٰدࣰا ۝ وَٱلۡجِبَالَ أَوۡتَادࣰا ۝ وَخَلَقۡنَـٰكُمۡ أَزۡوَ ٰ⁠جࣰا ۝ وَجَعَلۡنَا نَوۡمَكُمۡ سُبَاتࣰا ۝ وَجَعَلۡنَا ٱلَّیۡلَ لِبَاسࣰا ۝ وَجَعَلۡنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشࣰا ۝ وَبَنَیۡنَا فَوۡقَكُمۡ سَبۡعࣰا شِدَادࣰا ۝ وَجَعَلۡنَا سِرَاجࣰا وَهَّاجࣰا ۝ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡمُعۡصِرَ ٰ⁠تِ مَاۤءࣰ ثَجَّاجࣰا ۝ لِّنُخۡرِجَ بِهِۦ حَبࣰّا وَنَبَاتࣰا ۝ وَجَنَّـٰتٍ أَلۡفَافًا ۝﴾ ومن هذا الحشد من الحقائق والمشاهد والصور والإيقاعات يعود بهم إلى ذلك النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون، والذي هددهم به يوم يعلمون ! ليقول لهم ماهو ؟ وكيف يكون : ﴿إِنَّ یَوۡمَ ٱلۡفَصۡلِ كَانَ مِیقَـٰتࣰا ۝ یَوۡمَ یُنفَخُ فِی ٱلصُّورِ فَتَأۡتُونَ أَفۡوَاجࣰا ۝ وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَاۤءُ فَكَانَتۡ أَبۡوَ ٰ⁠بࣰا ۝ وَسُیِّرَتِ ٱلۡجِبَالُ فَكَانَتۡ سَرَابًا ۝﴾ .. ثم مشهد العذاب بكل قوته وعنفه : ﴿إن جهنم كانت مرصاداً، للطاغين مآبا، لابثين فيها أحقابا، لايذوقون فيها برداً ولاشراباً . إلا حميماً وغساقاً . جزاء وفاقا. إنهم كانوا لايرجون حساباً، وكذبوا بآياتنا كذاباً، وكل شيء أحصيناه كتابا فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً﴾ ..> ومشهد النعيم وهو يتدفق تدفقاً : ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا: حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا، وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا، وَكَأْسًا دِهَاقًا، لَا يَسْمَعُون فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا . جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا﴾ وتختم السورة بإيقاع جليل في حقيقته وفي المشهد الذي يعرض فيه . وبإنذار وتذكير قبل أن يجيء اليوم الذي يكون فيه هذا المشهد الجليل : ( رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا . يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لايتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً . ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخد إلى ربه مآبا .إنا أنذرناكم عذاباً قريباً يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر ياليتني كنت تراباً ) ذلك هو النبأ العظيم . الذي يتساءلون عنه . وذلك ما سيكون يوم يعلمون ذلك النبأ العظيم ! سورة المرسلات هي سورة مكية، من المفصل، آياتها 50، وترتيبها في المصحف 77، وهي آخر سورة في الجزء التاسع والعشرين، بدأت بأسلوب قسم ، والمرسلات هي رياح العذاب، نزلت بعد سورة الهمزة. مقاطع من السورة. تتوالى مقاطع السورة وفواصلها قصيرة سريعة عنيفة، متعددة القوافي . كل مقطع بقافية . ويعود السياق أحياناً إلى بعض القوافي مرة بعد مرة . ويتلقى الحس هذه المقاطع والفواصل والقوافي بلذعها الخاص، وعنفها الخاص . واحدة إثر واحدة . وما يكاد يفيق من إيقاع حتى يعاجله إيقاع آخر، بنفس العنف وبنفس الشدة . ومنذ بداية السورة والجو عاصف ثائر بمشهد الرياح أو الملائكة : ( وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا * وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا * فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا * فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا * عُذْرًا أَوْ نُذْرًا*إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ ) .. وهو افتتاح يلتئم مع جو السورة وظلها تمام الالتئام . وكل مقطع من مقاطع السورة العشرة بعد هذا المطلع، يمثل جولة أو رحلة في عالم، تتحول السورة معه إلى مساحات عريضة من التأملات والمشاعر والخواطر والتأثرات والاستجابات . أعرض بكثير جداً من مساحة العبارات والكلمات، وكأنما هذه سهام تشير إلى عالم شتى ! الجولة الأولى. تقع في مشاهد يوم الفصل . وهي تصور الانقلابات الكونية الهائلة في السماء والأرض، وهي الموعد الذي تنتهي إليه الرسل بحسابها مع البشر : ( فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ * وَإِذَا السَّمَاء فُرِجَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ * وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ * لأَيِّ يَوْمٍ أُجلَتْ * لِيَوْمِ الْفَصْلِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ الجولة الثانية. والجولة الثانية مع مصارع الغابرين، وما تشير إليه من سنن الله في المكذبين : ( أَلَمْ نُهْلِكِ الأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ * كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ) الجولة الثالثة. والجولة الثالثة مع النشأة الأولى وما توحي به من تقدير وتدبير : ( أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاء مَّهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ * فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ) الجولة الرابعة. والجولة الرابعة في الأرض التي تضم أبناءها إليها أحياء وأمواتاً، وقد جهزت لهم الاستقرار والماء المحيي : (أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاء وَأَمْوَاتًا * وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّاء فُرَاتًا * وَيْلٌ يوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ) الجولة الخامسة. والجولة الخامسة مع المكذبين وما يلقونه يوم يوم الفصل من عذاب وتأنيب : ( انطَلِقُوا إِلَى مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ * انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ * لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ * إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ) . الجولة السادسة والسابعة. والجولة السادسة والسابعة استطراد مع موقف المكذبين ومزيد من التأنيب والترذيل : الجولة الثامنة. والجولة الثامنة مع المتقين، وما أعد لهم من نعيم : ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ) .. الجولة التاسعة. والجولة التاسعة خطفة سريعة مع المكذبين في موقف التأنيب : ( كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلا إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ) الجولة العاشرة. والجولة العاشرة خطفة سريعة مع المكذبين في موقف التكذيب : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ) الخاتمة. والخاتمة بعد هذه الجولات والاستعراضات والوخزات والإيقاعات : ( فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ) وفي هذه السورة جدة في مشاهد جهنم وجدة في مواجهة المكذبين في أسلوب العرض والخطاب كله . ومن ثم تبرز شخصية خاصة للسورة . حادة الملامح . لاذعة المذاق . لاهتة الإيقاع ! سورة الواقعة هي سورة مكية، من المفصل، آياتها 96، وترتيبها في المصحف 56، في الجزء السابع والعشرين، بدأت بأسلوب شرط: ، نزلت بعد سورة طه. لم يذكر في السورة لفظ الجلالة، والواقعة اسم من أسماء يوم القيامة في الإسلام. تعالج قضية النشأة الآخرة، رداً على قول الشاكين فيها: . من تفسير في ظلال القرآن. كذلك يتناول هذا الشوط قضية القرآن الذي يحدثهم عن (الواقعة) فيشكون في وعيده، فيلوح بالقسم بمواقع النجوم، ويعظم من أمر هذا القسم لتوكيد أن هذا الكتاب هو قرآن كريم ، وأنه . ثم يواجههم في النهاية بمشهد الاحتضار. في لمسة عميقة مؤثرة. حين تبلغ الحلقوم، ويقف صاحبها على حافة العالم الآخر، ويقف الجميع مكتوفي الأيدي عاجزين، لا يملكون له شيئاً، ولا يدرون ما يجري حوله، ولا ما يجري في كيانه. ويخلص أمره كله لله، قبل أن يفارق هذه الحياة. ويرى هو طريقه المقبل، حين لا يملك أن يقول شيئاً عما يرى ولا أن يشير. ثم تختم السورة بتوكيد الخبر الصادق، وتسبيح الله الخالق: فيلتئم المطلع والختام أكمل التئام. سورة الرحمن هي سورة مدنية، من المفصل، آياتها 78، وترتيبها في المصحف 55، في الجزء السابع والعشرين، وهي بدأت وسُميت على اسم من أسماء الله الحسنى ، نزلت بعد سورة الرعد، وهي تُسمى عروس القرآن للحديث: . جاءت 31 مرة في السورة. موضوع السورة. هذه السورة المدنية ذات نسق خاص ملحوظ. إنها إعلان هام في ساحة الوجود الكبير، وإعلام بآلاء الله الباهرة الظاهرة، في جميل صنعه، إبداع خلقه، وفي فيض نعمائه، وفي تدبيره للوجود وما فيه، وتوجيه الخلائق كلها إلى وجهه الكريم وهي إشهاد عام للوجود كله على الثقلين: الأنس والجن المخاطبين بالسورة على السواء، في ساحة الوجود على مشهد من كل موجود، مع تحدياهما إن كانا يملكان التكذيب بآلاء الله، تحدياً يتكرر عقب بيان كل نعمة التي يعدها ويفصلها، ويجعل الكون كله معرضاً لها، وساحة الآخرة كذلك. ورنة الإعلان تتجلى في بناء السورة كله، وفي إيقاع فواصلها تتجلى في إطلاق الصوت إلى أعلى، وامتداد التصويت إلى بعيد، كما تتجلى في المطلع الموقظ الذي يستثير الترقب والانتظار لما يأتي بعد المطلع من أخبار الرحمن كلمة واحدة. مبتدأ مفرد الرحمن كلمة واحدة في معناها الرحمة، وفي رنتها الإعلان، والسورة بعد ذلك بيان للمسات الرحمة ومعرض لآلاء الرحمن. ويبدأ معرض الآلاء بتعليم القرآن بوصفة المنة الكبرى على الإنسان. تسبق في الذكر خلق الإنسان ذاته وتعليمه البيان ُثم يذكر خلق الإنسان، ومنحه الصفة الإنسانية الكبرى: البيان. ومن ثم يفتح صحائف الوجود الناطقة بآلاء الله الشمس والقمر والنجم والشجر والسماء المرفوعة. والميزان الموضوع. والأرض وما فيها من فاكهة ونخل وحب وريحان. والجن والإنس. والمشرقان والمغربان. والبحران . وما يخرج منهما وما يجرى فيهما. فإذا تم عرض هذه الصحائف الكبار. عرض فنائها جميعاً. مشهد المناء المطلق للخلائق، وفي ظل الوجود المطلق لوجه الله الكريم الباقي. الذي إليه تتوجه الخلائق جميعاً، ليتصرف بأمرها بما يشاء. وفي ظل الفناء المطلق والبقاء المطلق يجيء التهديد المروع والتحدي الكوني للجن والإنس : . ومن ثم يعرض مشهد النهاية. مشهد القيامة. يعرض في صورة كونية. يرتسم فيها مشهد السماء حمراء سائلة، ومشهد العذاب للمجرمين، والثواب للمتقين في تطويل وتفصيل. ثم يجيء الختام المناسب لمعرض الآلاء : وتقع هذه السورة في الجزء السابع والعشرون. سورة القمر هي سورة مكية، من المفصل، آياتها 55، وترتيبها في المصحف 54، في الجزء السابع والعشرين، بدأت بفعل ماض، وبالحديث عن حادثة انشقاق القمر: ، نزلت بعد سورة الطارق. محور مواضيع السورة. نزلت سورة القمر التي تبدأ بذكر اقتراب الساعة وانشقاق القمر، ثم تحذر من كذب وقال أن الآيات سحر واتبع الهوى. وتكرر فيها ذكر . فتحدثت عن قوم نوح وقوم عاد وقوم ثمود وقوم لوط وآل فرعون. وبعد الترهيب تختم السورة بالترغيب فالمتقين في جنات ونهر. سورة النجم هي سورة مكية من المفصل، آياتها 62، وترتيبها في المصحف 53، وبها سجدة في الآية رقم 62، في الجزء السابع والعشرين، بدأت بأسلوب قسم: ، نزلت بعد سورة الإخلاص. أسباب النزول. قال ابن عطية الأندلسي:«سبب نزولها أن المشركين قالوا، أن محمد يقول القرآن ويختلق أقواله فنزلت السورة بعد ذلك». أسباب النزول للآيات (33 - 41) قول الله تعالى: وما بعدها. عن ابن زيد: . رواه ابن جرير. في ظلال السورة. تعالج هذه السورة القرانية مسألة الايمان بالوحي وتبين الفرق الجلي بين الرسالات السماوية والأفكار التي يبتدعها عباقرة الفكر من البشر، ذلك ان الرسالات الالهية مصدرها الله وهو الأعلم بمصلحة الإنسان واحتياجاته وكذلك أن الرسالات السماوية لا تتقبل التغيير ولا تبلى بمرور الليالي والايام. وتعرج الآيات في بداية السورة إلى العلاقة بين الآيات في الآفاق وهو ما يهتدي به الإنسان في ظلمات البر والبحر وبين ما يرسله الله سبحانه وتعالى لهداية البشر من الرسل، سيدهم خاتمهم النبي المصطفى المرسل برسالة الإسلام. ثم تبدأ بالتلميح إلى مقام هذه الشخصية العظيمة ببيان قصة المعراج والذي ورد في الاثر ان من لم يؤمن بها لم يؤمن بما جاء به الرسول. ابتداء من عروجه إلى السماء من المسجد الأقصى وانتهاء بوصوله إلى العرش ومناجاته مع رب العزة والوما راه في السماوات السبع من الايات الباهرة التي تعجز العقول عن معرفة كنهها. هذه السورة القصد فيها واضحاً، وقد زيدت لفظة أو اختيرت قافية، لتضمن سلامة التنغيم ودقة إيقاعه - إلى جانب المعنى المقصود الذي تؤديه في السياق كما هي عادة التعبير القرآني - مثل ذلك قوله: .. فلو قال ومناة الأخرى ينكسر الوزن. ولو قال ومناة الثالثة فقط يتعطل إيقاع القافية ولكل كلمة قيمتها في معنى العبارة. ولكن مراعاة الوزن والقافية كذلك ملحوظة ومثلها كلمة (إذن) في وزن الآيتين بعدها: فكلمة (إذن) ضروية للوزن وإن كانت - مع هذا - تؤدى غرضاً فنياً في العبارة. الصور والظلال في المقطع الأول، تشع في المجال العلوي الذي تقع فيه الأحداث النورانية والمشاهد الربانية التي يصفها هذا المقطع. ومن الحركات الطليقة للروح الأمين وهو يتراءى للرسول الكريم..والصور والظلال والحركات والمشاهد والجو الروحي المصاحب، تستمد وتمد ذلك الإيقاع التعبيري وتمتزج به. وتتناسق معه، وتتراءى فيه، في توافق منغم عجيب. ثم يعم العبق جو السورة كله، ويترك آثاره في مقاطعها التالية، حتى تختم بإيقاع موح شديد الإيحاء، مؤثر عميق التأثير. ترتعش له كل ذرة في الكيان البشري وترف معه وتستجيب. وموضوع السورة الذي تعالجه هو موضوع السور المكية على الإطلاق: العقيدة بموضوعاتها الرئيسية: الوحي والوحدانية والآخرة. والسورة تتناول الموضوع من زاوية معينة تتجه إلى بيان صدق الوحي بهذه العقيدة ووثاقته ووهن عقيدة الشرك وتهافت أساسها الوهمي الموهون! والمقطع الأول في السورة يستهدف بيان حقيقة الوحي وطبيعته، ويصف مشهدين من مشاهده، ويثبت صحته وواقعيته في ظل هذين المشهدين، ويؤكد تلقي الرسول عن جبريل تلقي رؤية وتمكن ودقة، واطلاعه على آيات ربه الكبرى. ويتحدث المقطع الثاني عن آلهتهم المدعاة: اللات والعزى ومناة. وأواهمهم عن الملائكة. وأساطيرهم حول بنوتها لله. واعتمادهم في هذا كله على الظن الذي لا يغني من الحق شيئاً. بينما الرسول يدعوهم إلى ما دعاهم إليه عن تثبت ورؤية ويقين. والمقطع الثالث يلقن الرسول الإعراض عمن يتولى عن ذكر الله ويشغل نفسه بالدنيا وحدها، ويقف عند هذا الحد لا يعلم وراءه شيئاً. ويشير إلى الآخرة وما فيها من جزاء يقوم على عمل الخلق، وعلى علم الله بهم، منذ أنشأهم في الأرض، ومنذ كانوا آجنة في بطون أمهاتهم. فهو أعلم بهم من أنفسهم، وعلى أساس هذا العلم المستقين -لا الظن ولا الوهم يكون حسابهم وجزاؤهم، ويصير أمرهم في نهاية المطاف. والمقطع الرابع والأخير يستعرض أصول العقيدة - كما هي منذ أقدم الرسالات - من فردية التبعية، ودقة الحساب، وعدالة الجزاء. ومن انتهاء الخلق إلى ربهم المتصرف في أمرهم كله تصرف المشيئة المطلقة. ومع هذا لفتة إلى مصارع الغابرين المكذبين. تختم بالإيقاع الأخير: . حيث يلتقي المطلع والختام في الإيحاء والصور والظلال والإيقاع العام. سورة الطور هي سورة مكية، من المفصل، آياتها 49، وترتيبها في المصحف 52، في الجزء السابع والعشرين، بدأت بأسلوب قسم: ، والطور هو جبل الطور الذي كلم الله عليه موسى، نزلت بعد سورة السجدة. سبب النزول. جاء في روايةٍ أنّ قريشاً اجتمعت في دار الندوة ليفكّروا في مواجهة دعوة النّبي الإسلامية التي كانت تعدّ خطراً كبيراً على منافعهم غير المشروعة. فقال رجل من قبيلة عبد الدار ينبغي أن ننتظر حتّى يموت، لأنّه شاعر على كلّ حال، وسيمضي عنّا كما مات زهير والنابغة والأعشى ثلاثة شعراء جاهليون وطوي بساطهم وسيطوى بساط محمّد أيضاً بموته. قالوا ذلك وتفرّقوا فنزلت الآيات وردّت عليهم. سورة الذاريات هي سورة مكية، من المفصل، آياتها 60، وترتيبها في المصحف 51، في أول الجزء السابع والعشرين وآخر الجزء السادس والعشرين، بدأت بأسلوب قسم: ، والذاريات هي الرياح، نزلت بعد سورة الأحقاف. وصلات خارجية. سورة الذاريات: تجويد-تفسير - موقع Altafsir.com سورة الحجرات هي سورة مدنية نزلت في العام التاسع للهجرة، وعدد آياتها ثماني عشرة آية، وهي من المثاني، ترتيبها في المصحف التاسعة والأربعون، نزلت بعد سورة المجادلة، وبدات بأسلوب النداء . سُميت السورة بالحجرات نسبةً إلى حجرات زوجات النبي محمد؛ حيث كان لكل واحدة منهن حجرة في مؤخرة المسجد النبوي. تتحدث السورة عن عدة مواضيع تتعلق بالآداب والأخلاق، من هذه المواضيع: أدب التعامل مع الله ورسوله، والتعامل مع الفسقة والتثبت من الأخبار، وقتال الفتنة بين المسلمين والصلح بينهم وقتال الفئة الباغية، والنهي عن السخرية واللمز والتنابز بالألقاب، والنهي عن سوء الظن والتجسس والغيبة، وتذكير الناس بأصلهم وأن التقوى أساس التفاضل، التفريق بين الإسلام والإيمان وبيان معنى الإيمان وأنه منة من عند الله. مواضيع السورة. سُميت سورة الحجرات لأن كلمة الحجرات قد ذُكرت فيها، من الآية الرابعة الحجرات جمع حجرة، وهي الغرف التي كانت تسكن فيهن زوجات النبي محمد، لهذه السورة تناسبٌ مع السورة التي قبلها سورة الفتح التي كانت خاتمتها صفات المؤمنين أصحاب النبي المتراحمين فيما بينهم الذين سوف تزداد قوتهم وعددهم، والأرجح أن سورة الحجرات نزلت في السنة التاسعة الهجرية، بعد أن اتسعت أرض المسلمين ودخل في أمة الإسلام أقوام جدد من أنحاء عديدة في جزيرة العرب، ليس لهم دراية بآداب التعامل مع الرسول محمد، ثم عرضت السورة الإخوة بين المؤمنين، وفريضة العدل بينهم والإصلاح بين طوائفهم إن تنازعوا، وذُكر في هذه السورة إحدى أشهر آيات القرآن، قوله . الآدب في مخاطبة النبي. بدأت السورة بالتوقير والاحترام والتبجيل والإعظام للنبي، وعدم رفع الصوت على النبي فجاء في الآية الأولى النهي عن قضاء أي أمر من الأمور دون أمر من الله ورسوله، قال ابن كثير: ، وقال مجاهد بن جبر: . وقال الحسن البصري: أسباب النزول. 1- أسباب نزول الآية (1) : عن عبد الله بن الزبير قال : . رواه البخاري . 2- أسباب نزول الآية (2) : قال قتادة : . أخرجه ابن جرير . وعن أنس بن مالك قال : . رواه البخاري ومسلم . 3- أسباب نزول الآيتين (4- 5) : عن زيد بن أرقم قال : . رواه ابن جرير. 4- أسباب نزول الآية (6) : عن الحارث بن ضرار الخزاعي سيد يني المصطلق قال : . رواه أحمد والطبراني 5- أسباب نزول الآية (9) : عن أنس قال : . رواه البخاري ومسلم . 6- أسباب نزول الآية (11) : عن أبي جبير بن الضحاك قال : . رواه أحمد وأصحاب السنن . 7- أسباب نزول الآية (13) : . رواه ابن أبي حاتم وابن المنذر . 8- أسباب نزول الآية (17) : عن ابن عباس قال : . رواه البزار والطبراني . سورة الفتح سورة مدنية نزلت على النبيّ محمد بعد صلح الحديبية عام 6هـ وهو في طريقه من الحديبية إلى المدينة، وهي من المثاني، آياتها 29، وترتيبها في المصحف 48، في الجزء السادس والعشرين، بدأت بأسلوب قصر: ، نزلت بعد سورة الجمعة. موضوع السورة. الجو الذي نزلت فيه السورة هو الجو الذي اطمأنت فيه نفس الرسول إلى إلهام ربه، فتجرد من كل إرادة إلا ما يوحيه هذا الإلهام العلوي الصادق، ومضى يستلهم هذا الإيحاء في كل خطوة وفي كل حركة، لا يستفزه عنه مستفز، سواء من المشركين أو من أصحابه الذين لم تطمئن نفوسهم في أول الأمر لقبول استفزاز المشركين وحميتهم الجاهلية، ثم أنزل السكينة في قلوبهم، ففاءوا إلى الرضى واليقين والقبول الخالص العميق. كما جاء في الافتتاح، الامتنان على المؤمنين بالسكينة وتبشيرهم بالمغفرة والثواب، وعون السماء بجنود الله: . ذلك مع ما أعده لأعدائهم من المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات من غضب وعذاب: . ثم التنويه ببيعة رسول الله واعتبارها بيعة الله، وربط قلوب المؤمنين بربهم مباشرة عن هذا الطريق، بهذا الرباط المتصل مباشرة بالله الحي الباقي الذي لا يموت: . وتختم السورة بالصفة الكريمة التي تميز هذه المجموعة المختارة من البشر، وتفردها بسمتها الخاصة، وتنوه بها في الكتب السابقة: التوراة والإنجيل، وبوعد الله الكريم بالمغفرة والأجر العظيم: . وهكذا تصبح نصوص السورة مفهومة، تعيش في جوها الذي نزلت فيه، وتصوره أقوى تصوير، بأسلوب القرآن الخاص الذي لايفصل الحوادث بترتيبها وتسلسلها، ولكنه يأخد منها لمحات توجيهية وتربويه، ويربط الحادثة المفردة بالقاعدة الشاملة، والموقف الخاص بالأصل الكوني العام. ويخاطب النفوس والقلوب بطريقته الفذة ومنهجه الفريد. حروف الهجاء. كل حروف هجاء اللغة العربية موجودة بهذه الآية. سورة محمد سورة مدنية، اتفق العلماء على ذلك، ورأى بعضهم أنها أنزلت في أول العهد النبوي، ورُويَ أن الآية 13 نزلت في طريق هجرة النبي محمد إلى المدينة، والسورة تُعْنى بالأحكام التشريعية الخاصة بالقتال، والأسرى، والغنائم، وأحوال المنافقين، ولكنَّ المحور الذي تدور عليه السورة هو موضوع "الجهاد في سبيل الله"، وهي من المثاني، آياتها 38، وترتيبها في المصحف 47، في الجزء السادس والعشرين، بدأت باسم موصول: ، نزلت بعد سورة الحديد. أسماؤها. سُمّيت سورة محمد لأن اسم النبي محمد مذكور في الآية الثانية ، وقد ذُكر اسم النبي محمد أربع مرات في القرآن، إحداها في هذه السورة، والثانية في سورة آل عمران، والثالثة في سورة الأحزاب، والرابعة في سورة الفتح، سُميت سورةُ محمد سورةَ القتال لأن محورها الأساسي والعام لها يركز على موضوع وقضية الجهاد وأيضا ذكر فيها لفظ القتال ومشروعيته وبعض أحكامه. ففيها يقول الله تعالى: إلى غير ذلك من الآيات، وتسمى أيضا سورة: ، لأنها افتتحت بهذا اللفظ. موضوعاتها. من معالم السورة المهمة حديثها عن أمراض القلوب وأقفالها وأسباب الختم عليها، فكان ذلك مدعاة للقارئ إلى تفكير في الارتباط الشديد بين عمل الإنسان وإيمانه، أو بين أفعاله وأحوال قلبه، ذُكر في السور التفريق بين المؤمنين وغير المؤمنين، سواء في أعمال كل فريق، والعاقبة المنتظرة، كما ذُكر الاختلاف الصارخ بين شراب أهل الجنة وشراب أهل النار، في الآية الرابعة إلى السابعة تحريض على قتال الكافرين، وخُتمت السورة بالتحذير من البُخل. سورة الأحقاف سورة مكية، ما عدا الآية 10، فيرى أكثر المفسرين أنها مدنية، ويُلحِق بها بعضهم الآية 15 و35، والأحقاف هي مساكن قوم عاد الذين أهلكهم الله بالريح بعد تكذيبهم لنبيهم هود، السورة من المثاني، آياتها 35، وترتيبها في المصحف 46، في الجزء السادس والعشرين، بدأت بحروف مقطعة، وهي من مجموعة سور "الحواميم" التي تبدأ ، نزلت بعد سورة الجاثية. الاسم. ذُكرت كلمة الأحقاف في الآية 21 ، حيث كانت هناك مساكن قوم هود. محور مواضيع السورة. سورة الأحقاف هي آخر الحواميم السبع، والراجح أن الأحقاف أُنزلت في زمن مقارب لسورة، قبل الهجرة بعامين، يدور محور السورة حول العقيدة في أصولها الكبرى «الوحدانية، الرسالة، البعث والجزاء» والرسالة والرسول لإثبات صحة رسالة محمد وصدق القرآن، وحقوق الوالدين التي كثيرا ما تُعدّ أهم الحقوق بعد حق الله، ذُكر في السورة قصة قوم هود الذين كانوا أشد قوة من قريش، كذبوا برسولهم فجاءهم العذاب، وفي ذلك إنذار لأهل مكة لكيلا يكون مصيرهم مثل مصير قوم هود، وفي السورة إحالة إلى ما ذُكر سابقاً في سورة الجن، إذ حضر الجنُّ لاستماع القرآن حين كان يتلوه النبي محمد في صلاته في وادي نخلة. سورة الجاثية سورة مكية إلا الآية 14 التي قيل إنها مدنية، والجاثية أحد أسماء يوم القيامة في الإسلام، السورة من المثاني، آياتها 37، وترتيبها في المصحف 45، في الجزء الخامس والعشرين، بدأت بحروف مقطعة، وهي من مجموعة سور "الحواميم" التي تبدأ ، نزلت بعد سورة الدخان. أسماؤها. سُمّيت الجاثية، لأن هذه الكلمة ذُكرت في الآية الثامنة والعشرين ، أي ترى يوم القيامة كل الأمم باركين على ركبهم. للسورة اسم ثان أقل شيوعاً هو "الشريعة"، وهي كلمة مذكورة في الآية الثامنة عشرة ، ومعنى الشريعة هنا الطريقة والمنهاج، ثم أصبح معنى الشريعة في غير القرآن هو القانون الإسلامي، ولم تُذكر كلمة الشريعة في القرآن إلا في هذه الآية، وللسورة اسم ثالث قليل الشيوع، هو "الدهر"، وهي كلمة مذكورة في السورة نفسها في الآية الرابعة والعشرين حكاية عن قول غير المؤمنين من أهل مكة ، والدهر هو مرور الزمان، وقد أُمِرَ المؤمنون بأن لا يوافقوا غيرهم في الاعتقاد بأن الدهر هو سبب موتهم، وحُرم على المؤمنين أن يسبّوا الدهر. ما تتضمنه السورة. هي لأحد أجزاء القرآن الكريم، هذه السورة المكية تصور جانباً من استقبال المشركين للدعوة الإسلامية وطريقتهم في مواجهة ححجها وآياتها، وتعنتهم في مواجهة حقائقها وقضاياها واتباعهم للهوى اتباعاً كاملاً في غير ما تحرج من حق واضح أو برهان ذي سلطان. كذلك يصور كيف كان القرآن يعالج قلوبهم الجامحة الشاردة مع الهوى. وهو يواجهها بآيات الله القاطعة العميقة التأثير والدلالة، ويذكرهم عذابه. ويصور لهم ثوابه، ويقرر لهم سننه، ويعرفهم بنواميسه الماضية في هذا الوجود. ومن خلال آيات السورة نرى فريقاً من الناس مصراً على الضلالة، مكابراً في الحق شديد العناد ترسمه الآيات وتواجهه بما يستحقه من التهديد بعذاب الله الأليم العظيم: . وترى جماعة من الناس، ربما كانوا من أهل الكتاب سيئي التقدير، لايقيمون وزناً لحقيقة الإيمان الخالصة ولايحسون بفارق بينهم وهم يعملون السيئات وبين المؤمنين الذين يعملون الصالحات والقرآن يشعرهم بأن هناك فارقاً في ميزان الله بين الفريقين ويصور سوء حكمهم وسوء تصورهم للأمور: . ونرى فريقاً من الناس لا يعرف حكماً يرجع إليه إلا هواه، فهو إلهه الذي يتعبده، ونرى فريقاً من الناس مصوراً تصويراً فذاً في هذه الآية، وهو يعجب من أمره ويشهر بغفلته وعماه . وترى فريقاً من الناس ينكر أمر الآخرة، ويشك في قضية البعث والحساب، ويتعنت في الإنكار وفي طلب البرهان بما لاسبيل إليه في هذه الأرض. والقرآن يوجه هذا الفريق إلى الدلائل الفائمة الحاضرة على صدق هذه القضية، وهم عنها معرضون: . وقد واجهه القرآن هؤلاء الناس بصفاتهم تلك وتصرفاتهم وتحدث عنهم في هذه السورة...كذلك واجههم بآيات الله في الآفاق وفي أنفسهم، وحذرهم حساب يوم القيامة وبصرهم بما جرى لمن قبلهم ممن انحرفوا عن دين الله القويم. واجههم بآيات الله في أسلوب بسيط مؤثر عميق: . وواجههم مرة أخرى في صورة نعم من أنعم الله عليهم يغفلون عن تذكرها وتدبرها: . كذلك يواجههم بحالهم يوم القيامة الذي ينكرونه: . كذلك لم يدع أي شك في عدالة الجزاء وفردية التبعية، فبين أن هذا الأصل في تكوين الوجود كله، وعليه يقوم هذا الوجود: . ويرد على من يحسبون وهم يجترحون السيئات أنهم عند الله كالمؤمنين الذين يعملون الصالحات: . والسورة كلها وحدة في موضوعها، وتبدأ بالاحرف: ( حا. ميم ) إشارة إلى القرآن الكريم. ويسير سياق السورة في عرض موضوعها في يسر وإيضاح هادئ. وبيان دقيق عميق، يأخد القلوب تارة باللمس الناعم الرقيق، وتارة بالقرع والطرق، وتارة بالبيان الهادئ الرقيق حسب تنوع حالاتها ومواقفها. وهو اللطيف الخبير . سورة الدخان سورة مكية، والدخان هي أحد علامات الساعة في الإسلام، السورة من المثاني، آياتها 59، وترتيبها في المصحف 44، في الجزء الخامس والعشرين، بدأت بحروف مقطعة، وهي من مجموعة سور "الحواميم" التي تبدأ ، نزلت بعد سورة الزخرف. نص السورة. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7) لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9) فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16) وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18) وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (19) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21) فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22) فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24) كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29) وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ (31) وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32) وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ (33) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ (34) إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35) فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (36) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (37) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (41) إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (42) إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59) سبب التسمية. سُميت سورة الدخان لأن الله تعالى جعله آية لتخويف الكفار ، حيث أصيبوا بالقحط والمجاعة بسبب تكذيبهم الرسول ، وبعث الله عليهم الدخان حتى كادوا يهلكون ، ثم نجاهم بعد ذلك ببركة دعاء النبي . سبب النزول. عن ابن مسعود قال: . سورة الزخرف سورة مكية إلا الآية 54 فهي مدنية، السورة من المثاني، آياتها 89، وترتيبها في المصحف 43، في الجزء الخامس والعشرين، بدأت بحروف مقطعة، وهي من مجموعة سور "الحواميم" التي تبدأ ، نزلت بعد سورة الشورى. ما تتضمنه السورة. تعرض هذه السورة جانباً مما كانت الدعوة الإسلامية تلاقيه من مصاعب وعقبات، ومن جدال واعترضات. وتعرض معها كيف كان القرآن الكريم يعالجها في النفوس، وكيف يقرر في ثنايا علاجها حقائقه وقيمه في مكان الخرافات والوثنيات والقيم الجاهلية الزائفة، التي كانت قائمة في النفوس إذ ذاك، ولايزال جانب منها قائماً في النفوس في كل مكان وزمان. كانت الوثنية الجاهلية تقول: إن في هذه الأنعام التي سخرها الله للعباد، نصيباً لله ونصيباً لآلهتهم المدعاة: . وفي هذه السورة تصحيح لهذه الانحرافات الاعتقادية، ورد النفوس إلى الفطرة وإلى الحقائق الأولى، فالانعام من خلق الله، وهي طرف من آية الحياة، مرتبط بخلق السماوات والأرض جميعاً، وقد خلقها الله وسخرها للبشر ليذكروا نعمة ربهم عليها ويشكروها، لاليجعلوا له شركاء: . وكانت الوثنية الجاهلية تقول: إن الملائكة بنات الله، ومع أنهم يكرهون مولد البنات لهم، فإنهم كانوا يختارون لله البنات! ويعبدونهم من دونه ويقولون: إننا نعبدهم بمشيئة الله ولو شاء ما عبدناهم! وكانت مجرد أسطورة ناشئة من انحراف العقيدة. وفي هذه السورة يواجههم بمنطقهم هم، ويحاجهم كذلك بمنطق الفطرة الواضح حول هذه الأسطورة التي لا تستند إلى شيء على الإطلاق: . ولما قيل لهم إنكم تعبدون أصناماً وأشجاراً وإنكم وما تعبدون حصب جهنم، حرفوا الكلام واتخدوا منه مادة للجدل وقالوا: مابال عيسى وقد عبده قومه؟ أهو في النار؟ ثم قالوا إن الأصنام تماثيل الملائكة والملائكة بنات الله، فنحن في عبادتنا لهم خير من عبادة النصارى لعيسى وهو بشر له طبيعة الناس! وفي هذه السورة يكشف عن التوائهم في هذا الجدل، ويبرئ عيسى مما ارتكبه أتباعه من بعده: . وكان الوثنيون يزعمون أنهم على ملة أبيهم إبراهيم ، وأنها ملة التوحيد الخالص، وأنهم أهدي من أهل الكتاب وأفضل عقيدة، فبين لهم في هذه السورة حقيقة ملة إبراهيم ، وأنها ملة التوحيد الخالص، وأن كلمة التوحيد باقية في عقبة وأن الرسول قد جاءهم بها: ولم يدرك الوثنيون حكمة اختيار الله لرسوله ووقفت في وجوههم القيم الأرضية الزائفة، وفي هذه السورة يحكي تصوراتهم وأقوالهم، ويرد عليهم ببيان القيم الحقيقية: الآية. ثم جاء بحلقة من قصة موسى مع فرعون يبدو فيها اعتزاز فرعون بمثل تلك القيم الزائفة وهوانها وهوان فرعون على الله ونهايته التي تنتظر المعتزين بمثل ما اعتز به: . مارتن لوثر (10 نوفمبر 1483 - 18 فبراير 1546) راهب ألماني، وقسيس، وأستاذ للاهوت، ومُطلق عصر الإصلاح في أوروبا، بعد اعتراضه على صكوك الغفران. نشر في عام 1517 رسالته الشهيرة المؤلفة من خمس وتسعين نقطة تتعلق أغلبها بلاهوت التحرير وسلطة البابا في الحل من "العقاب الزمني للخطيئة"؛ رفضه التراجع عن نقاطه الخمس والتسعين بناءً على طلب البابا ليون العاشر عام 1520 وطلب الإمبراطورية الرومانية المقدسة ممثلة بالإمبراطور شارل الخامس أدى به للنفي والحرم الكنسي وإدانته مع كتاباته بوصفها مهرطقة كنسيًا وخارجة عن القوانين المرعيّة في الإمبراطوريّة. أبرز مقومات فكر لوثر اللاهوتي هي أنّ الحصول على الخلاص أو غفران الخطايا هو هديّة مجانيّة ونعمة الله من خلال الإيمان بيسوع المسيح مخلصًا، وبالتالي ليس من شروط نيل الغفران القيام بأي عمل تكفيري أو صالح؛ وثانيًا رفض «السلطة التعليمية» في الكنيسة الكاثوليكية والتي تنيط بالبابا القول الفصل فيما يتعلق بتفسير الكتاب المقدس معتبرًا أنّ لكل إمرئ الحق في التفسير؛ وثالثًا أنّ الكتاب هو المصدر الوحيد للمعرفة المختصة بأمور الإيمان؛ وعارض رابعًا سلطة الكهنوت الخاص باعتبار أن جميع المسيحيين يتمتعون بدرجة الكهنوت المقدسة، وخامسًا سمح للقسس بالزواج. ورغم أن جميع البروتستانت أو الإنجيليين في العالم يمكن ردهم إلى أفكار لوثر، إلا أن المتحلقين حول تراثه يطلق عليهم اسم الكنيسة اللوثرية. قدّم لوثر أيضًا ترجمة خاصة به للكتاب المقدس بلغته المحليّة بدلاً من اللغة اللاتينيّة التي كانت اللغة الوحيدة التي سمحت الكنيسة الرومانية باستخدامها لقراءة الكتاب المقدس، ما أثر بشكل كبير على الكنيسة وعلى الثقافة الألمانيّة عمومًا، حيث عزز الإصدار من قياس مفردات اللغة الألمانيّة وطورت بذلك أيضًا مبادئ الترجمة، وأثرت ترجمته لاحقًا على ترجمة الملك جيمس باللغة الإنكليزية للكتاب المقدس؛ كما ألّف لوثر عددًا كبيرًا من التراتيل الدينيّة التي أثرت في تطور فن الترنيم في الكنائس. في السنوات الأخيرة من حياته، تزامنًا مع مرضه وتدهور حالته الصحيّة، كتب لوثر ضد اليهود وطالب بالتضييق على حرياتهم وحرق كنسهم ومنازلهم، ما دفع إلى رشقه بمعاداة الساميّة. حياته المبكرة. الطفولة والتعليم. ولد مارتن لوثر من لودر هانز ومارغريت نيي يندمان في 10 نوفمبر 1483 في أيسلبن ضمن ألمانيا حاليًا، والتي كانت جزءًا من الإمبراطورية الرومانية المقدسة، ككاثوليكي روماني، وقد عُمّد في صباح اليوم التالي لمولده في عيد القديس مارتن. انتقلت عائلته إلى مانسفيلد في 1484، حيث استأجر والده منجمًا للنحاس وشغل منصب واحد من أربعة ممثلين للمدينة في المجلس المحلي. كان له عدد من الأخوة والأخوات، أقربهم لمارتن هو شقيقه جاكوب. عرف عن هانز لوثر كونه طموحًا، إلى جانب رغبته في أن يرى مارتن ابنه الأكبر محاميًا؛ ولتحقيق هذه الغاية بعث به إلى إحدى المدارس اللاتينيّة في مانسفيلد، ثم إلى ماغديبرغ عام 1497، حيث انضمّ إلى مدرسة يديرها مجموعة من الرهبان على أسس الحياة المشتركة، وأخيرًا إلى إيزنباخ عام 1498. كان القاسم المشترك بين المدارس الثلاث اعتمادها بشكل مُركّز على ما يدعى «الفنون الثلاثة» أي النحو والبلاغة والمنطق. في عام 1501، حين كان لوثر في سن التاسعة عشر، دخل جامعة إيرفورت - والتي وصفها في وقت لاحق بأنها حانة للجعة وبيت للدعارة -، حيث كان نظام التعليم مركزًا، وصفه لوثر بأنه يوم شاق من التعلّم عن ظهر قلب، وغالبًا ما يكون مترافقًا مع تمارين روحيّة. حصل لوثر من جامعة إيرفورت على الماجستير عام 1505. طبقًا لرغبة والده، التحق لوثر بكلية الحقوق في إيرفورت عام 1505، غير أنه بدأ بالتسرب من الدراسة بعد مدة وجيزة تقريبًا واعتبر أن القانون يمثل عدم اليقين، ملتفتًا نحو اللاهوت والفلسفة، ومعربًا عن اهتمام خاص بأرسطو وعدد من الفلاسفة القروسطيين أمثال غابرييل بيال، الذين أثروا على فكره اللاهوتي سيّما من حيث التركيز على استخدام العقل في الدين دون أن يعلو على «الله المحب» والذي لعب الدور المحوري في فكر لوثر اللاهوتي، جنبًا إلى جنب مع اعتقاده بأن البشر لا يمكن أن يتعلموا شيءًا عن الله إلا من خلال الوحي الإلهي، وبالتالي أصبح الكتاب المقدس متزايد الأهميّة بالنسبة له. قرر لوثر أن ينخرط في الرهبنة، وعزا قراره هذا في وقت لاحق إلى حدثٍ له في 2 يوليو 1505، حين نزلت صاعقة بالقرب منه حين كان على ظهر الخيل نتيجة عاصفة رعديّة أثناء عودته إلى الجامعة من منزل ذويه، فصرخ معلنًا أنه إن نجا سيغدو راهبًا، مع التعهد بعدم فسخ النذر أيًا كان. ربما تكون وفاة اثنين من أصدقائه والحزن الذي أصيب به في أعقاب وفاتهما أثر أيضًا على انخراطه في سلك الرهبنة. في 17 يوليو 1505، ترك كلية القانون، وباع كتبه الدراسية، ودخل دير الرهبنة الأوغسطينية، وقد عبّر والده عن سخطه من تصرف ابنه، بسبب ما اعتبره مضيعة لتعليم لوثر. الرهبنة والحياة الأكاديمية. خلال حياته الرهبانيّة، كرّس لوثر قسطًا طويلاً من يومه للصوم الطويل والتأمل والصلاة، والحج والاعتراف المتكرر. لوثر وصف هذه الفترة من حياته لاحقًا بأنها مرحلة من اليأس الروحي العميق، وقال أنه فقد الاتصال مع المسيح المعزي، والذي تحوّل إلى سجّان ومضطهد للفقراء، في ظل غياب العدالة والظلم الواقع في ألمانيا آنذاك. لاحقًا، قرر يوهان فون ستايبيتز، رئيس الرهبنة، أن لوثر بحاجة إلى العمل لصرفه عن التأمل المفرط، وأمره بمتابعة العمل الأكاديمي؛ بناءً على ذلك عُين عام 1507 أستاذًا للكهنوت في كان، وفي عام 1508 بدأ تدريس اللاهوت في جامعة فيتنبرغ، ثم حصل على درجة البكالوريوس في دراسات الكتاب المقدس في 9 مارس 1508، ودرجة أخرى للبكالوريوس في عام 1509، وفي 19 أكتوبر 1512 حصل على درجة دكتوراه في أصول الدين، وأخيرًا في 21 أكتوبر 1512 حصل على درجة الدكتوراه في الكتاب المقدس، وعاد إلى جامعة فيتنبرغ، حيث قضى القسط الأوفر من حياته. بدايات الإصلاح. في عام 1516 أُرسل يوهان تيتزل، الراهب الدومينيكاني والمفوض البابوي الخاص إلى ألمانيا لبيع صكوك الغفران، بغية جمع الأموال اللازمة لإعادة بناء كاتدرائية القديس بطرس في روما. كان اللاهوت الكاثوليكي الروماني يرى أن الإيمان وحده - أو التوبة وحدها - غير كافيّة للحل وغفران الخطيئة بل يجب أن تترافق مع أعمال صالحة كالأعمال الخيريّة التي من ضمنها التبرع بالمال للكنيسة. في 31 أكتوبر 1517، كتب لوثر إلى أسقفه ألبرت الماينزي، احتجاجًا على بيع صكوك الغفران، ومعتبرًا أن الإيمان وحده كافٍ لنيل التبرير، أرفق لوثر مع رسالته نسخة من أحد كتبه التي عرفت باسم الأطروحات أو القضايا الخمس والتسعين، والتي أعلن فيها لوثر أنه لا ينوي مواجهة الكنيسة أو البابوية مطلقًا، لكن الرسائل والمناظرات خلال تلك الفترة وأسلوب الكتابة، ينمّ عن وجود نوع من التحدي في العديد من الأطروحات لاسيّما الرسالة 86، والذي سأل فيها: «"لماذا يريد البابا بناء بازليك القديس بطرس من مال الفقراء، بدلاً من ماله أو مال الفاتيكان الخاص؟"». اعترض لوثر أيضًا على قول منسوب إلى الموفد البابوي يوهان بمعنى أنه حالما ترنّ العملة في قاع الصندوق، فإنّ أرواحًا تتخلص من العذاب. رغم كون هذه العبارة غير مؤكدة نسبتها تمامًا. ركّز فكر لوثر اللاهوتي، أنّ الله يمنح المغفرة بمعزل عن أي عمل صالح، وأن الغفران يحلّ من أي عمل تكفيري أو عقوبة مرتبطة به، واعتبر أنه لا يجوز على أتباع المسيح القبول بمثل هذه «الضمانات الكاذبة» المتعلقة بالعمل الصالح. في يناير 1518 قام مجموعة من أصدقاء لوثر بترجمة الأطروحات الخمسة والتسعين من اللاتينية إلى الألمانية وطبعت ثم وُزعت النسخ على نطاق واسع، ما جعلها واحدة من أول أكثر الكتب انتشارًا في التاريخ، وفي غضون أسبوعين انتشرت في مختلف أنحاء ألمانيا، وفي غضون شهرين في جميع أنحاء أوروبا؛ وتعممت في فرنسا وإنجلترا وإيطاليا عام 1519، وفي فيتنبرغ احتشد الطلاب لسماع مواعظ لوثر وأفكاره. حيث نشر، بعد القضايا الخمس والتسعين، كتيبات أشبه بالتعليق على الرسالة إلى أهل غلاطية وسفر المزامير؛ كان هذا الجزء الأول من شهادة لوثر وأعماله الإنتاجية التي لاقت بدورها قبولاً واسعًا؛ غير أن أشهر ثلاث مؤلفات للوثر نشرت عام 1520، وهي: "النبالة المسيحية والأمة الألمانيّة" وكتاب "السبي البابلي للكنيسة" وكتاب "حرية المسيحي". بالإيمان وحده. بين عامي 1510 و1520 كتب لوثر وحاضر عن سفر المزامير، والرسالة إلى أهل روما، والرسالة إلى العبرانيين والرسالة إلى أهل غلاطية؛ كما درس هذه الأجزاء وناقش استخدام مصطلحات خاصة مثل "صلاح" و"تكفير" في طريقة جديدة غير تلك التقليدية في الكنيسة الكاثوليكية. خرج نتيجة دراساته هذه بنتيجة مفادها بأنّ الفساد قد لحق بأساليب الكنيسة الرسمية في دراسة الكتب المقدسة، فقدت بنتيجتها الرؤية فيما عدّه جزءًا من الحقائق المركزيّة للمسيحيّة. وكان الأهم بالنسبة للوثر عقيدة التبرير - أي غفران الخطايا من قبل الله وتبرير الإنسان أمامه - حيث دافع لوثر عن كون التبرير يتم بنعمة من الله وحده، ولا حاجة لأي عمل كفاري يرافق أو يلي فعل التوبة لنيل الغفران. بدأ لوثر بتدريس هذه العقيدة واعتبرها إحدى صخور الإيمان، كما كتب أنها المادة الرئيسيّة للعقيدة المسيحية برمتها، والتي من خلالها يمكن فهم أسباب التقوى. أضخم أعمال لوثر مناقشة لعقيدة التبرير بالإيمان وحده، كان كتابه "عبودية الإرادة" الذي نشر عام 1525، والذي كان ردًا على كتاب الراهب ايرازموس لعام 1524 حول الإرادة الحرة. استند لوثر في تدعيم موقفه على رسالة القديس بولس إلى أفسس 8: 2-10 ليبرهن أن الأعمال الصالحة التي يقوم بها المؤمنون لا تساهم في فعل التبرير، ومن ثم فالتبرير قادم من الله دون أي فعل مشاركة من الإنسان وذلك عن طريق سر الفداء؛ فسر الفداء حسب لوثر لا يمنح البر، بل هو البر بحد ذاته. كتب لوثر أنّ التبرير والغفران هما هدية من الله، وأنه عن طريق الإيمان شعر بأنه «شخص قد ولد من جديد»، وأن اكتشافه «بر الله» لا يقل سعادة عن دخوله الجنة، وأنّ المتبرر يعيش بالإيمان ويعضده بالعمل الصالح كثمرة له دون أن يكون داخلاً في تركيب سيرورته. ومن مقالات لوثر حول الموضوع: النزاع مع البابوية. لم يقم مطران ماينز وماغديبرغ بالرد على رسالة لوثر التي طرح فيها القضايا الخمس والتسعين الخاصة به، وأعرب عن قناعاته بأنها تحوي بدعًا وهرطقات، وأرسل إشعارًا إلى روما بذلك. وجه البابا ليون العاشر أمرًا إلى سلسلة من اللاهوتيين المختصين في «إصلاح الهراطقة» لمحاججة لوثر وذلك «بقدر كبير من العناية» وكما «هو صحيح». and he responded slowly, "with great care as is proper." وعلى مدى السنوات الثلاث التالية نشر اللاهوتيون سلسلة مقالات ضد لوثر، التي لم يكن من أثارها سوى تصلّب معاداة لوثر للبابوية، حيث أشار مجددًا إلى الأموال التي تستخدم من أعمال التكفير في بناء كاتدرائية القديس بطرس. أخيرًا رفع الراهب الدومينيكاني سلفستر مازوليني دعوى قضائية على لوثر أمام محاكم العقيدة بتهمة الهرطقة، فاستدعي لوثر إثر قبول الدعوى إلى روما. غير أن القرار عدّل لاحقًا، بحيث تتم جلسات الاستماع إلى لوثر في أوغسبورغ برئاسة الموفد البابوي الكاردينال كاجيتان، في مبنى برلمان أوغسبورغ وبضمانته. عقدت الجلسة الأولى في أكتوبر 1518 حيث أعلن لوثر أنّ البابوية غير منصوص عنها في الكتاب المقدس، وتحولت الجلسة إثر إعلانه إلى مشادة كلاميّة، وطوال الجلسات ركز لوثر على مهاجمة البابا رغم كون قضية جلسات الاستماع هي مناقشته القضايا الخمس والتسعون الخاصة برسالته الشهيرة. لم يستطع الموفد البابوي اعتقال لوثر في أوغسبورغ، حيث ضمنت الحكومة الأمان للوثر، رغم أن التعليمات الصادرة عن روما للموفد البابوي تنصّ على اعتقال لوثر في حال رفض الارتداد عن معتقداته. كما أن لوثر غادر المدينة في الليل ودون إبلاغ الكاردينال أو الحصول على إذنه. في يناير 1519 عينت البابوية القاصد الرسولي كارل فون ميلتيز في ألتنبرغ في ولاية سكسونيا لإعادة الاستماع إلى لوثر. كان القاصد الرسولي ذو نهج أكثر ميلاً للمصالحة وقدم بعض التنازلات للوثر في التفاصيل. وفي شهري يونيو ويوليو 1519 نظمت مناظرات بين أنصار لوثر وأنصار التقليد الكاثوليكي، وتمت دعوة لوثر شخصيًا للمناظرة. أكد لوثر بشكل أجرأ خلال هذه الفترة أن متى 18: 16 لا يضفي على البابوات الحق الحصري في تفسير الكتاب المقدس، ومن ثم طعن في العصمة البابوية في الأمور العقائدية. في 15 يونيو 1520 أصدر البابا مرسومًا يقضي بالطرد والحرم الكنسي للوثر في حال لم يتراجع عن 41 جملة مأخوذة من كتاباته بما فيها القضايا الخمس والتسعين، وذلك ضمن مهلة ستين يومًا. حاول يوهان إيك في ميسين، وكارل فون ميلتيز والسفير البابوي التوسط في إيجاد حل؛ ولكن لوثر الذي أرسل للبابا نسخة من كتابه «حرية المسيحي» في أكتوبر، أضرم النار في المرسوم البابوي على الملأ في فيتنبرغ يوم 10 ديسمبر 1520. وانتهت هذه القضية بصدور الطرد والحرمان من قبل البابا ليون العاشر بحق لوثر في 3 يناير 1521. تصاعد نشاطه. مجلس ورمز. في 18 أبريل 1521 عُرض مارتن لوثر على مجلس ورمز. كان المجلس مجمعًا في مدينة ورمز على نهر الراين يضم قضاة من مختلف أنحاء الإمبراطورية الرومانية المقدسة، ويترأسه الإمبراطور نفسه. وكان سبب انعقاد المجمع الذي بدأ أعماله في 28 يناير وحتى 25 مايو، على مناقشة القضايا الخمس والتسعين التي طرحها لوثر، وآلية تفعيل الحرم الكنسي عليها. حضور لوثر لهذا المجلس، جاء بعد أن حصل على صكّ أمان من الأمير فريدريك الثالث. قدّم يوهان إيك، متحدثًا نيابة عن الإمبراطور، نسخًا من كتابات لوثر، وسئل بداية إذا ما كانت الكتب من وضعه، ولا يزال موافقًا على محتوياتها. أكّد لوثر أن الكتب من تأليفه، وطلب وقتًا للإجابة على السؤال الثاني. صلى لوثر، واستشار أصدقاءه، وقدّم رده في اليوم التالي، بأنه مقتنع ولديه ثقة بشهادة الكتاب المقدس وحدها، دونًا عن البابا أو المجامع، التي تخطأ وتناقض نفسها في كثير من الأحيان. واعتبر لوثر نفسه في نصّ جوابه الرسمي «أسير كلمة الله»، ورفض الارتداد عن أفكاره، وقال أنه لا يجوز أن يكره بأن يعتقد ما هو ضد ضميره. على مدى الأيام الخمسة التالية، عقدت جلسات متوالية لتحديد مصير لوثر. قدّم الإمبراطور المسوّدة النهائية التي يراها ملائمة في 25 مايو 1521، وفيها إدانة لوثر بوصفه خارجًا عن القانون، وحظر مؤلفاته، كما طالب باعتقاله بوصفه "زنديق سيء السمعة"؛ كذلك فقد نصّ القرار على تجريم كل مواطن في ألمانيا يأوي لوثر أو يقدم له مساعدة، كما أهدر دمه بمعنى أن قتله العمد لن يتسبب بأي أثر قانوني. في قلعة فرتبرغ. قام الأمير فريدريك الثالث بنقل لوثر تحت حماية فرسان ملثمين إلى قلعة فرتبرغ بعد انفضاض مجلس ورمز. وخلال إقامته في القلعة الواقعة في منطقة إيزنباخ، ترجم لوثر العهد الجديد من اليونانية إلى اللغة الألمانية، ووضع عددًا من الكتب الجدليّة، كان من ضمنها كتابًا تهجم فيه على ألبريشت رئيس أساقفة ماينز، كما ألف كتبًا أخرى في شرح مبدأ التبرير، وتفنيد لاهوت التبرير في الكنيسة الكاثولكية، وشرح عدد من الكتابات اللاهوتية. جميع هذه الأعمال، ركزت على الإيمان، وقال إنّ العمل الجيد الذي يقوم به المرء بهدف كسب أجر من الله هو خطيئة. وبيّن أنّ كل البشر خطاؤون بالطبيعة، وأنه بدون نعمة الله، لا يمكن للإنسان أن يقوم بعمل صالح. في 1 أغسطس 1521 كتب لوثر إلى ملنشثون حول الموضوع ذاته: «"كن خاطئا، بل وخطاياك قويّة، ولكن دع ثقتك في المسيح تكن أقوى، لتفرح في المسيح المنتصر على الخطيئة والموت.» في المرحلة ذاتها من مراحل تطوّر فكره، هاجم لوثر التقوى الشعبيّة، مثل الحج أو زيارة الكنائس أو سواها من الممارسات الكنسيّة. قال أن القداس الإلهي هو هدية من الإله، وأدان فكرة اعتبارها تجسيداً للتضحيّة، وذهب لحد وضع هذا التصوّر بأنه وثنية. رفض لوثر، خلال تواجده في قلعة واتبرغ، سر الاعتراف بشكل إلزامي، وقال أنه بدلاً من الاعتراف لدى قس، يجب التشجيع على الاعتراف والغفران بشكل خاص، وقال أنّ "كل مسيحي هو مُعرّف". وفي نوفمبر، اعتبر لوثر أن كسر النذور الرهبانيّة، وأهمها نذر العفّة، ليست خطيئة، لأن هذه النذور كانت محاولة غير شرعيّة وقاصرة ودون جدوى للفوز بالخلاص. أثارت هذه الكتابات الكثير من الاضطرابات، لاسيّما في أوساط الرهبنة الأوغسطينية التي تخرج منها لوثر، والتي تمرد بها الرهبان محطمين الأيقونات في الكنائس ومعلنين دعمهم لأفكار لوثر وشجبهم مجلس ورمز؛ بعد زيارة سريّة وسريعة قام بها إلى فيتنبرغ في ديسمبر 1521، كتب لوثر عتابًا لمناصريه على هذه التصرفات، ودعا كافة المسيحيين لتوقي خطر التمرد والثورة. التقلبات في فيتنبرغ استمرت إلى ما بعد عيد الميلاد، حيث دأبت عصابات صغيرة من أنصار لوثر الأكثر تعصبًا، على أعمال شغب، ووعظ حول معمودية الكبار، والعودة الوشيكة للمسيح. وقبيل نهاية العام، سمح مجلس فيتنبرغ بعودة لوثر إليها. العودة إلى فيتنبرغ وحرب الفلاحين. عاد لوثر سرًا إلى فيتنبرغ في 6 مارس 1522. وكتب "خلال غيابي، دخل الشيطان إلى حظيرة الأغنام في بلادي، جالبًا ويلات عديدة لا يمكن إصلاحها عن طريق الكتابة فقط، بل من خلال وجودي الشخصي وكلماتي المعاشة". ابتداءً من يوم الأحد 9 مارس، ولمدة ثمانية أيام لمناسبة الصوم الكبير، أعلن لوثر ثمانية خطب، أصبحت تعرف باسم "العظات"، ناقش خلال هذه الخطب أهمية سيادة «القيم المسيحية» الأساسية مثل الحب، والصبر، والإحسان، والحرية، والثقة بكلمة الله بدلاً من العنف في إحداث تغيير ولو كان ضروريًا. وعظ لوثر فيما يخصّ الموضوع الأخير: ""هل تعرف بماذا يفكر الشيطان عندما يرى الرجال يستخدمون العنف لنشر الإنجيل؟"." ليستنتج أنّ الشيطان هو من يجني الفائدة في ذلك، وأنه يخاف بالأحرى وينهزم عندما يرى الكلمة والعمل هما سلاحا الميدان في المعركة. كان تأثير عودة لوثر كبيرًا للغاية، فبعد العظة السادسة، كتب فقيه فيتبرغ جيروم سشورف: ""يا للفرحة من عودة الدكتور مارتن، تنتشر بيننا كلماته من خلال الحرمة الإلهية، وإعادة جميع المضللين اليوم، إلى سبيل الحقيقة"." أما المجموعة الثانية من عظات لوثر، فكانت حول إقرار أو تعديل ممارسات كنسيّة بعينها، كما عمل خلال تلك الفترة مع السلطات المدنية لاستعادة النظام العام؛ وقد واجه معارضة قويّة من المحافظين الذين أرادوا المحافظة على الطقوس دون مساس، وهو ما أدى إلى إثارة الاضطرابات الاجتماعية والعنف. وعلى الرغم من نبذ لوثر للعنف، فإن مساعديه من الدعاة أمثال نيكولاس ستورش وأنصار الأنبياء تسفيكا، وتوماس منتزر، قاموا بتحريض الفلاحين الألمان خلال فترة 1524-1525 للثورة، ارتكبت خلالها العديد من الفظائع، وغالبًا تحت اسم لوثر. كانت الثورات الفلاحيّة على نطاق صغير، أمرًا منتشرًا في ألمانيا خلال القرن الخامس عشر، لكن منشورات لوثر عن رفض التراتبية الهرمية في الكنيسة، وتكرار استخدام عبارات مثل حريّة وليبرالية، أجج اعتقاد الطبقات الفلاحيّة بأن لوثر سيدعم أي هجوم على الطبقات العليا بشكل عام. اندلعت ثورات في فرانكوفونيا، وشوابيا، وساكسونيا السفلى في عام 1524، وتحول الأمر إلى صدامات مسلحة أشبه بحرب. تعاطف لوثر مع شكاوى بعض الفلاحين، وأظهر ردًا مستفيضًا في مقالاته الإثني عشر التي صدرت في مايو 1525، لكنه أكّد في الوقت ذاته على وجوب طاعة السلطات الزمنيّة. وصرّح خلال جولة له في ساكسونيا السفلى، أنه غضب على نطاق واسع من حرق الأديرة ومقرات الأساقفة والمكتبات؛ وعمليات القتل والسرقة؛ التي قامت بها عصابات الفلاحين الداعمة له. بعد عودته إلى فيتنبرغ، قدّم تفسيره لرأي الإنجيل في الثورة، وأدان بشدة أعمال العنف التي وصفها بكونها أعمال إبليس، بل دعا النبلاء إلى إخماد المتمردين «مثل الكلاب المسعورة». تبريرات لوثر لمعارضته ثورة الفلاحين كانت في ثلاثة أسباب، السبب الأول أنهم اختاروا العنف في وجه حكومة زمنيّة شرعيّة، متجاهلين قول المسيح في «تقديم ما لقيصر لقيصر، وما لله لله»، واستشهد أيضًا بالرسالة إلى روما 13: 1-7 حيث أوضح القديس بولس أنّ السلطة هي من الله وبالتالي لا يمكن مقاومتها. والسبب الثاني، الأعمال المخالفة للوصايا الإلهية خلال الثورة من قتل وسرقة ونهب والتي وضعت الفلاحين خارج «شرع الله وقوانين الإمبراطورية» لذلك فهم «يستحقون الموت في الجسد والروح، إذ غدوا قطاع طرق وقتلة» والسبب الثالث هو التجديف، إذ إنهم قد قاموا بأفعالهم هذه، تحت شعار الإنجيل. ومن دون دعم لوثر للانتفاضة، ألقى العديد من المتمردين أسلحتهم، وشعر البعض الآخر بالخيانة. وبعد معركة فرانكن هوسن في 15 مايو 1525، انتهت حرب الفلاحين. ليجد بعض المتطرفين ملاذهم في جماعات أخرى نشأت على غرار اللوثرية مثل حركة تجديد العماد. زواجه. تزوج مارتن لوثر من كاترينا فون بورا، وهي واحدة من اثني عشر راهبة كاثوليكية هربنّ من دير سترسن في أبريل 1523، وساعدهنّ لوثر في الهروب. كان عمر كاترينا 26 عامًا، بينما لوثر 41 عامًا. تزوج لوثر في 13 يونيو 1525. كان بعض القسس المناصرين للوثر متزوجًا بالفعل قبلاً، مثل كرلستدت أندرياس وجوناس يطس، ولكن زفاف لوثر كان ختم الموافقة على زواج رجل الدين. ورغم أن بعض كتاباته قد أدانت عهود العفة التي برأيه لا يمكن أن تنسب إلى الكتاب المقدس، لكن قراره بالزواج قد فاجأ كثيرين، بمن فيهم مقربون منه، أمثال ملنشثون الذي وصف تصرفه بالمتهور. كتب لوثر في 30 نوفمبر 1524 مبررًا زواجه، فإلى جانب الحب، و«اكتشاف الجسد»، فإن لوثر كما اعترف كان يعيش على أبسط أنواع الطعام، ودون أدنى اهتمام، بحاجياته، كسريره مثلاً. كان لوثر ذي زواج «سعيد وناجح»، أنجب منه ستة أطفال، هانز - يونيو 1526؛ إليزابيث -ديسمبر 1527، والتي توفيت بعد شهور قليلة؛ المجدلية -1529، التي توفت عام 1542؛ مارتن - 1531؛ بول -يناير 1533؛ مارجريت - 1534. إلى جانب عمله الكنسي، فإن لوثر قد ساعد زوجته كاترينا في زراعة الأرض، وبيع منتوجاتها. صرّح لوثر في 11 أغسطس 1526، أنه يملك كل شيء، وأنه لن يبدل «فقر بلده، بثروات كرويسوس». تنظيم الكنيسة. مع عام 1526 وجد لوثر نفسه وبشكل متزايد، ينظّم كنيسة جديدة. بين عامي 1525 و1529 شكّل لوثر هيئة للإشراف على الكنيسة، لخدمة المكان ووضع الكتب والشروح وتنظيم أشكال العبادة. أراد أن تكون الكنيسة لا مركزية، بحيث لا يمكن استبدال النظام التراتبي المعمول به في الكنيسة الكاثوليكية بآخر شبيه، ولذلك فقد أوجد الكنائس المحليّة، مثل كنيسته في ولاية سكسونيا والتي لا تتدخل في شؤون الكنائس في سائر الولايات الألمانيّة، وإنما تتعامل كمستشار لكنائس المناطق الجديدة لا غير. فصل لوثر الإدارة المالية من رجال الدين، وأناطها بمسيحيين عاديين في مجالس خاصة لهذه الغاية، حسب بريشت كاتب سيرة مارتن لوثر، فإن هذه الخطوة، كانت بداية تطور غير مقصود في تاريخ البشرية، حول سيطرة السلطة الزمنيّة على ممتلكات وأموال الكنيسة. تصريحات لوثر التي أطلقها لرعاة الكنائس عام 1528 شكلّت تراجعًا عن حدة مواقفه السابقة، فالبيان الذي صاغه ملنشتون بموافقة لوثر، شدد على دور التوبة في غفران الخطايا، على الرغم من موقف لوثر أن الإيمان كافي للتبرير؛ كذلك فقد أدان تدريس كون الإيمان منفصل عن الأعمال. هذه التعليمات، في وثيقة رسمية صادرة عن لوثر، شكلت مشكلة لأولئك الذين يسعون لتطور ثابت في الفكر والممارسة عند لوثر. كان لوثر، وبناءً على طلب أتباع الكنيسة، قد كتب ونشر قداسًا ونشره في بداية عام 1526، وهو يشبه إلى حد بعيد الرتبة الرومانيّة الكاثوليكية، غير أن الفروق تميزت باللغة، فالكنيسة الرومانية كانت توجب تلاوة نصّ القدّاس باللاتينية حتى المجمع الفاتيكاني الثاني الذي انعقد في النصف الثاني من القرن العشرين، في حين أن لوثر ومنذ القرن السادس عشر وضع نصّ القداس باللغة الألمانية السائدة؛ كما أنه قام بتبسيط بعض الحركات الطقسية؛ وأغفل من النص أي عمل كفاري من قبل المشاركين في القدّاس عن خطاياهم. احتفظ لوثر بالتنظيم الكنسي التقليدي، من حيث ارتفاع الهيكل ووجوب الكأس، في حين جعل الشموع وغطاء المذبح وثياب القس المحتفل اختياريّة. بعض المصلحين البروتستانت اللاحقين أمثال زوينجلي نظر إلى قداس لوثر وتنظيمه على أنه «بابوي جدًا»؛ المؤرخون لاحظوا أن أغلب تعديلات لوثر أدخلت لاحقًا على رتبة القداس الكاثوليكي الروماني نفسها. قدّم لوثر أيضًا رتبًا عن العماد والزواج، وعيّن مواعيد يوميّة في الكنائس لتلقين التعليم للأطفال أو الشباب أو الفقراء. هذا التنظيم، الذي بدأ في العام 1527، شكل بنوع أو بآخر، أساس مدارس الأحد لدى سائر الطوائف حديثًا؛ والدافع الأساسي له، كتابات لوثر عن عدم معرفة الناس كثيرًا عن العقيدة المسيحية، وأشار إلى كون كثير من القساوسة تنقصهم المهارة والأسلوب في الوعظ والتدريس، لذلك فقد وضع لوثر نظامًا آخر، لتقوية الوعظ في الكنائس؛ كما نشر عام 1529 كتابه الشهير عن التعليم المسيحي، والذي قدّمه كدليل للرعاة والمعلمين، ويشتمل على تعاليم مسيحية سهلة الفهم مثل الوصايا العشر، والصلاة الربيّة، والعشاء الأخير. أشار لوثر أنه من غير المطلوب أن يحفظ المسيحيون فقط عن التعليم المسيحي، بل أن يفهموها أيضًا. ولا يزال، كتاب لوثر عن التعليم المسيحي مستعملاً حتى اليوم، إلى جانب العديد من الترانيم التي صاغها، وترجمته الخاصة للكتاب المقدس. ولقد أثبت التعليم الذي قدمه لوثر - لا سيّما المنشورات اللاحقة التي قدمها في كرّاسات صغيرة - فعاليّة كبيرة، في مساعدة الآباء تعليم أطفالهم، وكذلك كان فعالاً بالنسبة للقساوسة. استخدام اللغة الألمانية العاميّة وتبسيط العقيدة، كانتا النقطتان الأساسيتان في تأليف لوثر. ترجمة الكتاب المقدس. نشر لوثر ترجمته الألمانية للعهد الجديد عام 1522، ثمّ أنهى ومعاونيه ترجمة العهد القديم عام 1534، ليُتمّ بذلك ترجمة الكتاب المقدس كلّه. واستمرّ على دراسة اللغات القديمة والعمل على صقل الترجمة حتى نهاية حياته. انتُقد لوثر لإضافته كلمة "وحده" بين كلمة "الإيمان" في روما 3: 28، غير أن لوثر استفاض بتبرير عمله لكون الخلاص بالإيمان وحده حسب رأي لوثر هو العقيدة الأساسية في المسيحية، وأن القديس بولس كان يريد أن يوصل هذه الفكرة، وبالتالي فإضافة الكلمة أمر ضروري لكي يتضح بشكل ناصع فحوى العقيدة المسيحية في التبرير كما رآها لوثر. انتشرت ترجمة لوثر في جميع أنحاء ألمانيا، وقال أنه يعتزم العمل بكامل طاقاته لجعل الوصول إلى الكتاب المقدس سهلاً ويوميًا بالنسبة لجميع الألمان، وإزالة أي عائق قد يراه الشخص أمام بعض المفاهيم أو الألفاظ. حظيت ترجمة لوثر بشعبية كبيرة وتأثيرًا كبيرًا في ترجمة الكتاب المقدس، ودفعت إلى ارتفاع الطلب على المنشورات باللغة الألمانية، كما ساهمت مساهمة فعالة في تطور اللغة والأدب الألمانيين؛ وذهب البعض إلى أن انتشار اللوثرية في مختلف أصقاع ألمانيا يعود لترجمته هذه؛ ومما يذكر، هو تأثير هذه على ترجمات أخرى لاحقة مثل ترجمة الكتاب المقدس للإنجليزية عام 1525، ومن ثم ترجمة الملك جيمس الشهيرة لاحقًا. الترانيم. ترك لوثر إرثًا غزيرًا من الترانيم، التي جاء بعضها تلحينًا لمقاطع من الكتاب المقدس، أو وحيًا من مقاطع بعينها منه. قدّم لوثر ألحانًا للطبقات العليا، وكذلك استخدم الموسيقى الشعبية، بحيث تجمّع حول ترانيمه رجال الدين والرجال العاديين والنساء والأطفال. انتشرت ترانيم لوثر في العبادات، والمدارس، والمنازل، والساحات العامة. الكثير من ترانيم لوثر، كانت مرتبطة بمواقف معينة من حياته لاسيّما كفاحه في سبيل الإصلاح، فمناظراته مع الكنيسة الرومانيّة هي التي دفعت لتقديمه ترنيمة "نشيدًا جديدًا، نرفع نحن." (بالألمانية: Ein neues Lied wir heben an) والتي ترجمت لاحقًا إلى الإنجليزية ولحنتها ماريا تيدمان عام 1875. في عام 1524 قدّم لوثر ترنيمته العقائديّة التي تشرح وجهة نظره للمعتقدات المسيحية بعنوان "نحن جميعًا نؤمن بإله واحد حقيقي" (بالألمانية: Wir glauben all an einen Gott) وهي من ثلاث مقاطع تشرح إيمان الرسل، وتشكل أحد أساسات التعليم المسيحي؛ وتم توسعتها وتطويرها في مراحل لاحقة وباتت أحد أهم الاناشيد الواسعة الانتشار في الكنائس اللوثرية، كما تعتبر من أشهر الترانيم اللاهوتيّة في القرن الثامن عشر، غير أن لحنها الصعب جعل استخدامها نادرًا في القرن العشرين. وفي عام 1538 قدّم لوثر الصلاة الربية ملحنة، مع تفاسير لها تتوافق مع التعليم المسيحي كما رآه لوثر، وذلك بتعليق على كل مقطع من الطلبات السبعة التي قدمها المسيح في الصلاة، وترنّم في الكنائس اللوثرية كتهيئة للقداس، وكوسيلة لدراسة المرشحين لتولي التعليم المسيحي. عدّل لوثر ونقّح في النص مرات متعددة، مما يدلّ على رغبة لوثر في تعزيز النص واللحن لتوفير الصلاة بشكل أكثر ملائمة. في عام 1523 استوحى لوثر من المزمور 130 ترنيمته "من أعماق الويل، أبكي لك" (لغة ألمانية: Aus tiefer Not schrei ich zu dir) وأرسلها كعينة لتشجيع زملائه على تلحين المزامير أو وضع أناشيد على غرارها لاستخدامها في العبادات؛ ونشرت هذه الترنيمة مع سبع أخرى في كتاب التراتيل اللوثرية الأول. وفي العام التالي، وضع لوثر ترنيمة عقائديّة أخرى بعنوان "وحدها النعمة" والتي استخدمت على نحو واسع في الطقس اللوثري لاسيّما في الجنازات. كما أصدر لوثر لحنًا للمزمور 67 وآخر للمزمور 51، مع شرحه من كتاب التعليم المسيحي للوثر والخاص بسر الاعتراف. وعلى الغرار نفسه في وضع الترانيم العقائديّة، كتب لوثر عام 1540 ترنيمة "إلى الأردن جاء المسيح" (لغة ألمانية: Christ unser Herr zum Jordan kam) ليعكس بخلالها بصيغة الأسئلة والأجوبة متعلقات بالتعليم المسيحي عن العماد. هناك عدد كبير من الترانيم الشهيرة الأخرى التي صاغها لوثر حول عيد الميلاد وعيد الفصح والمجيء الثاني للمسيح والوصايا العشر، أثرت لاحقًا على الفن الموسيقي الديني في أوروبا، كما أثرت في كبار الموسيقيين أمثال يوهان باخ الذي أعاد تقديم عدد من ترانيم لوثر في صيغ حديثة. آراء جدالية. خلافًا لآراء العديد من المصلحين أمثال كالفن وملنشثون، كان لوثر يعتقد بأن الروح "ترقد وتنام" بعد انفصالها عن الجسم في الموت، حتى يوم القيامة. وبذلك نفى التفسيرات التقليدية لبعض مقاطع الكتاب المقدس، مثل مَثل الغني والعازر. وخلافًا للكنيسة الكاثوليكية، رفض لوثر فكرة وجود مطهر، يكفّر فيها الموتى عن الخطايا التي لم تكفّر بعد في الحياة الأرضية. وأكد لوثر أيضًا على استمرار هوية المرء الشخصية إلى ما بعد الموت. وقد لاحظ اللاهوتي اللوثري فرانز بيبر أن تعليم لوثر عن حالة الروح بعد الموت تختلف عن اللاهوتيين اللوثريين في وقت لاحق أمثال غيرهارد يوهان. في أكتوبر 1529 استدعى فيليب الأول مجموعة من علماء الدين من ألمانيا وسويسرا لعقد مجلس في ماربوغ بهدف إنشاء وحدة مذهبية في الدول البروتستانتية الناشئة؛ وبنتيجة المجلس تم التوصل لاتفاق على 14 نقطة من أصل 15 نقطة مطروحة، والخلاف الوحيد كان عن طبيعة القربان الأقدس - سر الإفخارستيا - وهي مسألة حاسمة في الفكر اللوثري. اختلف رجال الدين ولاهوتيو البروتستانتية حول تفسير الآيات المتعلقة بتقديم المسيح الخبز على أنه جسده في العشاء الأخير، فبينما ذهب أغلب لاهوتيي الكنيسة البروتستانتية إلى تأويل النص وأخذه مجازيًا، فقد أصرّ لوثر على الوجود الحقيقي وبشكل سرّي للجسد والدم في الخبز الفطير والنبيذ المكرّس، متفقًا بذلك جزئيًا مع تعليم مجمع ترنت في الكنيسة الكاثوليكية؛ في حين اعتقد خصوم هذا الرأي بأن لا تحوّل يحصل، وأنّ الأمر هو تحوّل روحي أو مجرد رمز. تحول النقاش إلى جدال ومواجهة في كثير من الحالات، خصوصًا مع زوينجلي. وعلى الرغم من هذا الخلاف حول سر القربان المقدس، فإن مجلس ماربوغ مهد الطريق للتوقيع عام 1530 على اعتراف أوغسبورغ والذي شكّل جامعة للدول البروتستانتيّة وشارك به حشد كبير ومرموق من النبلاء والأمراء البروتستانت. مع بداية العام 1537 كان يوهانس أغريكولا وهو أحد القسس الواعظين في آيسلبن مسقط رأس لوثر، يعظ بإسقاط الوصايا العشر بحجة كونها واردة في العهد القديم، وقال بأنه لا يجوز تدريسها كجزء من التعليم المسيحي. قام لوثر بالرد على أطروحات أغريكول في ستة رسائل مفتوحة، بيّن فيها لوثر قراءة جديدة للوصايا العشر، فهي برأيه تساعد في اكتشاف الخطيئة وبالتالي تحثّ على التوبة وطلب الغفران، وتبيّن بشكل جلي ما جاء المسيح ليعمله في الإنجيل. ومن ناحية ثانية، أشار لوثر إلى أن الوصايا العشر تشكل إرادة الله الأبديّة أي بمعنى آخر القانون الطبيعي، الذي يبين كيف يمكن للمسيحي أن يعيش. كذلك، فإنّ من الآراء والمواقف الجدليّة البارزة التي عُرف بها لوثر، علاقته بزواج فيليب الثاني مع احتفاظه بزوجته الأولى، أي رعايته تعدد الزوجات. كان فيليب قد التمس موافقة لوثر وملنشثون وعددًا من كبار اللاهوتيين حول تعدد الزوجات، مستندًا إلى تعدد الزوجات الذي قام به عدد من الآباء الأولين أمثال إبراهيم وإسحق ويعقوب وموسى. لم يكن لاهوتيو الكنيسة الناشئة، بمن فيهم لوثر نفسه، قادرين على مواجهة الحاكم والنفوذ السياسي، لذلك فقد رخصوا له بالزواج الثاني شرط أن يكون سريًا وغير مفضوح، ونتيجة هذا الترخيص تزوج فيليب الثاني في 4 مارس 1540 من مارغريت فون ديرسيل. لاحقًا هدد فيليب الثاني بفضح لوثر، الذي قام بدوره بإنكار أي صلة له بالزواج الثاني، أما كاتب سيرة مارتن لوثر بريخت، يرى أن الموافقة الضمنيّة التي قدمها لوثر على زواج فيليب الثاني كانت «واحدة من أسوأ الأخطاء التي قام بها لوثر»، وأنه أخطأ في حساب الآثار السياسية المترتبة على عمل كهذا، ومن ثم فإن افتضاح هذه القضيّة تسببت بأضرار بالغة على سمعة لوثر. لوثر والأديان الأخرى. موقفه من الإسلام. خلال انعقاد مجلس ماربورغ، كان سليمان القانوني يحاصر فيينا عاصمة النمسا. كان لوثر قد رفض مقاومة العثمانيين في شرح له يعود لعام 1518 للقضايا الخمس والتسعين، فاتهم بالانهزاميّة. كان لوثر يرى الأتراك آفة أرسلت لمعاقبة المسيحيين من قبل الله، وأنهم جزء من الويلات التي تحدث عنها سفر الرؤيا إلى جانب البابوية التي اعتبرها لوثر خلال تلك المرحلة ضد المسيح. لبث لوثر معارضًا أي حرب على أساس ديني، معتبرًا إياها مخالفة لعقيدة المسيح، ومن ثم عاد عام 1526 وقبل بحق الدفاع عن النفس ضد الأتراك أو سواهم، وفي أواخر حصار فيينا، كتب لوثر صلاة من أجل الخلاص من الأتراك، سائلاً الله أن «يعطي الفوز للإمبراطور، دائمًا على أعدائنا». في عام 1542 قرأ لوثر ترجمة لاتينية للقرآن، وكتب عدة تعليقات عن الإسلام الذي كان يدعوه «المحمدية» أو «الأتراك». وعلى الرغم من أن لوثر قد وجد الإسلام «أداة للشيطان»، إلا أنه عارض منع نشر القرآن في أوروبا، وعبّر عن أهمية تعرضه للتدقيق والتمحيص في الغرب، كما أبدى عدم مبالاة تجاه العبادات الإسلامية وكتب: «دعوا الترك، يؤمنون ويعيشون كما يشاؤون». معاداة اليهودية والساميّة. كتب لوثر عن اليهود في جميع مراحل نشاطه، على الرغم من العدد القليل جدًا من اليهود الذين تعامل معهم، لكن مواقفه كانت تعكس التقاليد اللاهوتية والثقافية في الغرب آنذاك والتي صنفت اليهود كشعب رفض قبول المسيح ومن ثم تورط في قتله، وعاش ضمن مجتمعات منعزلة عن المحيط العام في أوروبا. اعتبر لوثر اليهود غير مؤمنين لأنهم رفضوا الاعتراف بأن يسوع هو المسيّا، رغم أنه في الوقت نفسه، كان يعتقد بأن جميع البشر على اختلاف مللهم وأعمالهم قد اشتركوا في الذنب نفسه وفي ارتكاب الشر ضد الله. في عام 1523 نصح لوثر بالعطف تجاه اليهود، وبرر ذلك بأن يسوع نفسه قد ولد يهوديًا، لكنه أوضح أن الهدف من المعاملة الحسنة بهدف تحويلهم إلى المسيحية، وأمام فشل مثل هذه الجهود، زادت عدائية لوثر لليهود. كانت أعمال لوثر الرئيسية عن اليهود هي نحو 60,000 مقالة جمعها في كتاب "عن اليهود وأكاذيبهم" (لغة ألمانية: Von den Juden und Ihren Lügen) وكتاب "الاسم المقدس ونسب المسيح" (لغة ألمانية: Vom Schem Hamphoras und vom Geschlecht Christi) وكلاهما نشرا في عام 1543 أي قبل ثلاث سنوات من وفاته. قال لوثر، بأن اليهود لم يعودوا شعب الله المختار وإنما «أناس الشيطان»، ودعا لإحراق الكنس اليهودية وتدمير منازلهم ومنع الحاخامات من الوعظ والاستيلاء على أملاكهم، ووصفهم بأنهم "الديدان السامة" التي يجب أن "تعمل أو تطرد إلى الأبد"، وبين أنه " من الخطأ عدم قتلهم". أعمال لوثر، تركت تأثيرًا على أتباعه حتى بعد وفاته، وعلى الرغم من أن السلطات المدنية آنذاك رفضت طرد اليهود بناءً على اقتراح لوثر، فإن أعمال شغب اندلعت خلال عقد 1580 تعرض خلالها اليهود لطرد جماعي من المقاطعات الألمانية اللوثرية. وبحسب عدد كبير من المؤرخين، فإن للوثر وشعبيته أثر بالغ في تطوير معاداة السامية في ألمانيا، وخلال فترة 1930-1940 استخدم الحزب النازي كتابات لوثر، لتكون "الدعامة المثالية" لمعاداتهم الساميّة ومحاولات القضاء على اليهود، وبحسب روبرت مايكل، فإن كل كتاب مطبوع خلال عهد الرايخ الثالث يحوي اقتباسات من لوثر. وفي 10 نوفمبر 1938 تزامنًا مع عيد لوثر، أُحرقت العديد من الكنس في ألمانيا، ووفقًا لجيري ديك وهو مدرس تاريخ، فإنّ النازية حصلت على دعمها الشعبي والكم الأكبر من أصواتها من المقاطعات البروتستانتية في ألمانيا، خلافًا للمقاطعات الكاثوليكية. في المقابل، فإن بعض المؤرخين برأ لوثر من كونه أصل معاداة السامية، وقال أن تأثير كتبه عن اليهود كان محدودًا ومؤقتًا، لكنّ النازيين استغلوا اسمه بشكل انتهازي. كاتب سيرته مارتن بريخت، أشار إلى وجود فرق شاسع بين اعتقاد لوثر بأن الخلاص لن يناله اليهود، وبين الكراهية لهم على أساس عنصري. ورغم محاولات التبرير هذه، فإن صورة لوثر كمعاد للسامية، والمتسبب بالكراهية لليهود، لا تزال بارزة؛ ومن أصحاب الآراء الشهيرة في هذا الخصوص رولاند باينتون وهو مؤرخ كنسي لوثري، قال أنه يتمنى لو كان لوثر قد مات قبل أن يضع كتابه "عن اليهود وأكاذيبهم". تباعًا خلال عقد 1980 تنكرت الكنائس اللوثرية من تصريحات مارتن لوثر حول اليهود، ورفضوا استخدامها للتحريض ضد اليهود أو ضد اليهودية بأي شكل من الأشكال. تصوير لوثر. خلافًا لقديسي الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسيّة، قدُمت صور لوثر من دون رموز، يتضح من خلالها بأنه رجل قوي البنية، مع ذقن مزدوجة وفم قوي وعيون عميقة، ورقبة غليظة وقصيرة. هذه الصورة «المدنية» للوثر، كانت تهدف إلى إبراز عدم ابتعاد لوثر عن الملذات الدنيوية مثل الشرب أو الزواج، وهو ما كان يتناقض بشكل صارخ مع التقشف المأمور به في الحياة الدينية للقرون الوسطى. صدرت أغلب صور لوثر خلال مرحلة 1530 - 1540، وكانت ترفق بكتاباته، التي شكلت العامل الأبرز لانتشار البروتستانتية. السنوات الأخيرة ووفاته. لوثر كان يعاني من اعتلال صحي لسنوات عديدة، لا سيّما الدوار، والإغماء، والطنين، وانسداد إحدى عينه، بدءًا من عام 1531 وحتى 1546 حين تدهورت حالته الصحية بشكل كبير. الصراع مع روما، والانشقاقات بين زملائه الإصلاحيين، والفضيحة التي نجمت عن موافقته قيام الأمير فيليب بزوجتين، كل ذلك أدى إلى المزيد من التدهور في حالته الصحية. في عام 1536 أخذ لوثر يعاني من الحصى في الكلى والمثانة، والتهاب المفاصل، والتهاب الأذن، وتمزق طبلة الأذن. وفي ديسمبر 1544، بدأ يشعر بآثار الذبحة الصدرية. تدهور صحته البدنية، جعله سريع الغضب، وأشد قسوة في كتاباته وتعليقاته، وقد قالت زوجته كاترينا صراحة: "لقد كنت وقحًا للغاية". آخر خطبة للوثر كانت في كنيسة أيسلبن مسقط رأسه في 15 فبراير 1546، قبل ثلاث أيام من وفاته. وقد خصصها بشكل كامل، لليهود، واقترح فيها الاستعجال بطردهم من ألمانيا إن لم يصبحوا مسيحيين، لتتخلص ألمانيا من الربا والافتراء، كما برر. في 17 فبراير اختتم بنجاح مفاوضاته مع أشقائه حول إرث والده في التجارة والتعدين. وفي مساء تلك الليلة نفسها، بعد الساعة الثامنة مساءً، قال أنه شعر بآلام في الصدر. وعندما ذهب لينام، صلّى: "يا رب في يدك أستودع روحي". العبارة المقتبسة من سفر المزامير 31: 5، وهي من صلوات الاحتضار. وفي 1.00 صباحًا، استيقظ نتيجة شعوره بآلام مبرحة في الصدر، والتي خفف عنها بالمياه الساخنة. آخر سؤال كان للوثر، من قبل صديقيه جوستوس جوناس وماكيل كوليوس: "أيها القس الأب، هل أنت مستعد للموت بثقة في المسيح، وأنت متعرف بالمذهب الذي كنت قد علمت باسمه؟"، وبشكل متميز كان رد لوثر: "نعم". السكتة الدماغية اللاحقة، منعته من الكلام، وتوفي بعدها بوقت قصير في 2:45 صباحًا يوم 18 فبراير 1546 وله من العمر 62 عام، في أيسلبن مسقط رأسه، ودفن في كنيسة القلعة في فيتنبرغ تحت المنبر، وترأس صلاة الجنازة عليه عدد من أصدقاءه أمثال ملنشقون فيليب. وفي العام التالي، دخلت قوات الإمبراطور شارل الخامس - عدوّ لوثر - البلدة، لكن أمرًا من الأميز تشارلز، منع تدنيس قبره. وعُثر في وقت لاحق على قطعة من الورق التي كان لوثر قد كتبها خلافًا لعادته باللاتينية، كتب فيها، لا يمكن للمرء أن يفهم فيرجيل ما لم يكن مزارعًا لخمس سنوات على الأقل؛ ولا يمكن لمرء أن يفهم رسائل شيشرون أو حتى يدرسها ما لم يكن قد شغل نفسه في السياسة مع الدول العظمى عشرين عامًا؛ ولا يمكن لأحد أن ينغمس في الكتاب المقدس كليًا، ما لم يكن قد أدار كنائس لمائة عام، مع أنبياء مثل إيليا واليسع ويوحنا المعمدان والمسيح والتلاميذ الرسل، ""نحن متسولون" وهذا صحيح." يحتفل بعيد لوثر في 18 فبراير في الكنيسة اللوثرية وفي الولايات المتحدة؛ أما في كنيسة إنكلترا يحتفل به مع عيد جميع القديسين في 31 أكتوبر. الحزب الليبرالي السوداني حزب سوداني ليبرالي نشط في السنوات 2003 -2008، وقد اندمج في سبتمبر 2008 مع بعض التنظيمات الديمقراطية ليكون الحزب الديمقراطي الليبرالي الموحد. تأسس الحزب الليبرالي السوداني في عام 2003، وقد اسسه مجموعة من الشباب من ذوي خلفيات ديمقراطية وعلمانية ويسارية ومستقلة. - كان الحزب الليرالي يعرف نفسه انه - كان الحزب الليبرالي يعتبر من الأحزاب الراديكالية في السودان، وكان يتبني مبادئ اقتصاد السوق الاجتماعي وضمان الحريات الفردية والعامة ويدعو الي العلمانية السياسية والاجتماعية وإلى تحرير وتمكين المرأة السودانية وإلى التمثيل الواسع للشباب في قيادة الحركة السياسية. - أصدر الحزب عددا من الوثائق، من بينها إعلان التأسيس، والإعلان السياسي العام، والبرنامج السياسي العام، والنظام الأساسي؛ ووثيقة "نحو المستقبل"، وهي عبارة عنى الخطاب السياسي للمؤتمر العام الأول للحزب. كما كان يصدر نشرة فكرية ثقافية شهرية باسم ليبرو وهي. - عقد الحزب مؤتمره العام الأول (التمهيدي) في 25 ديسمبر 2006. كما عقد مؤتمره الثاني (التأسيسي) في 28 سبتمبر 2007. ومؤتمره الثالث والأخير يوم 27-9-2008. كانت قيادة الحزب تتشكل من 27 عضوا هم أعضاء اللجنة المركزية للحزب من ضمنهم 7 نساء، وكان يدير عمل الحزب اليومي 9 اعضاء يشكلون المكتب التنفيذي من ضمنهم 4 نساء. - قيادة الحزب التنفيذية كانت تتكون من الأستاذة نور تاور رئيسة اللجنة التنفيذية للحزب، ومدثر خميس الأمين العام للحزب، والعميد معاش تاج السر العطا نائب رئيس اللجنة التنفيذية للحزب، الأستاذة زهرة حيدر نائبة الأمين العام، الأستاذة أميمة الفرجوني امينة الشؤون الخارجية، والأستاذ مجاهد عبد الرحمن أمين التنظيم والقطاعات، والأستاذ عمار محمد حامد أمين الأرشيف، والأستاذ عادل عبد العاطي أمين الثقافة والأعلام، والأستاذ مهند زامل أمين العمل المدني، والأستاذة رندا مرسال (كانت امينة المال) وولاء حسين (حلت محل رندا مرسال في امانة المال). في 27-9-2008 بامدرمان انعقد المؤتمر العام الطارئ؛ الثالث والأخير؛ في مسيرة الحزب الليبرالي السوداني. حيث استمع المؤتمر لثلاث اوراق فكرية وسياسية وناقشها ؛ واستمع لتقرير الامانة العامة للحزب عن نشاط الحزب في فيالفترة من سبتمبر 2008 إلى سبتمبر 2009 في مختلف المجالات. ثم ناقش مشروع الوحدة الاندماجية وهو سبب انعقاد المؤتمر الطارئ. اقر ذلك المؤتمر خطوة الوحدة الاندماجية مع ثلاثة من التنظيمات الديمقراطية التي تم التوقيع على اعلانها يوم 4-9-2008 ؛ لتكوين الحزب الديمقراطي الليبرالي الموحد؛ واعلن حل هيكل الحزب الليبرالي السوداني وانخراط كل عضويته في صفوف الحزب الديمقراطي الليبرالي الموحد؛ وفق الهيكلة المجازة للحزب الموحد؛ كما أنتخب مندوبيه للمكتب القيادي للحزب الموحد. [[تصنيف:أحزاب السودان]] [[تصنيف:قوائم أحزاب سياسية في أفريقيا]] [[تصنيف:قوائم الأحزاب السياسية حسب البلد]] [[تصنيف:قوائم منظمات مقرها في السودان]] أيمن زيدان (1 سبتمبر 1956-)، ممثل، مخرج، منتج ومقدم برامج سوري. حياته ونشأته. ولد أيمن غالب شكري الزيداني أو أيمن زيدان في الأول من سبتمر عام 1956 في مدينة صغيرة تسمى الرحيبة تقع على بعد 50 كم شمال شرق دمشق ، نشأ في أسرة محافظة متوسطة الحال، كان والده - غالب زيدان - يعمل شرطيًا، وجده -شكري زيدان- كان مختارا لهذه البلدة، جده الأكبر ظاهر العمر الزيداني. آخر ما كانت تحلم به "الاسرة الزيدانية" ان يكون ابنها البكر فنانا، أسرته المكونة من خمسة شباب وثلاث بنات، وكان أول من عاكس رغبة الاهل، عاش في بيت متواضع لا يتجاوز الـ60 متراً، رحلته مع الدنيا كانت شاقة فيها أحلام وانكسارات، وهو من قرية ريف دمشق، نزح منها إلى المدينة للبحث عن العمل. عمل في سن الرابعة عشرة، ففي العطل الصيفية عمل سائق سيارة ميكانيكي، وفي مطعم، ومدرساً في مدرسة ابتدائية اثناء دراسته الجامعية. عمل ملقناً بغرفة جاره الفنان نزار فؤاد لمدة خمسة اعوام وكان عمره ستة عشر عاما ثم مساعد مخرج وممثل. هو الأخ الأكبر للممثلين شادي زيدان ووائل زيدان، ابن عمه أمير زيدان عالم الشريعة في الغرب. بيته هو البيت الذي مثل فيه مسلسل حنين ، عاش في قرية الرحيبة طوال فترة طفولته لأنه اضطر في مرحلة الصبا إلى الانتقال هو وأسرته إلى العاصمة دمشق لظروف عمل الوالد وهناك حدث أول احتكاك بينه وبين عالم المسرح حيث أنه كان يعمل في الإجازة الصيفية كملقن للنصوص المسرحية فكثر وتعاظم حبه لهذا المجال وظهر ولعه بالفن وعرض الأمر على أسرته التي وجد منها معارضة لهذا الموضوع في البداية فاضطر بعد انتهائه من مرحلة الثانوية العامة إلى الالتحاق بكلية الحقوق وظل بها لمدة عام دراسي واحد الا انها لم تجد صدى قبول في نفسه فالتحق في العام التالي بكلية التجارة وامضى بها عام الا انه حدث الشيء الذي غير مسار حياته وهو افتتاح معهد للفنون المسرحية في سوريا فقرر الانضمام إليه فورا وكان يبلغ من العمر آنذاك 22 عاما وضم هذا المعهد بهذا العام اشخاص صاروا نجوما في وقتنا الحالي مثل الفنان جمال سليمان ولا عجب في ذلك فقد تتلمذ هولاء النجوم على يد مبدعين في عالم الفن مثل الفنان أسعد فضة ووليد القوتلي والراحل فواز الساجر دخل معهد الفنون العالي المسرحية بدمشق عام 1978 وتخرج عام 1981 هو حامل الشهادة رقم "1" في العام 2016 خضع أيمن لعلمية قص في المعدة حيث خسر 35 كيلو غراما من وزنه حيث شعر بتحسن وقدرة على الحركة والعمل بشكل أفضل. المسيرة الفنية. عمل بعد تخرجه في المسرح حيث كان هو حبه الأول والسبب في دخوله معهد الفنون المسرحية فاشترك في عدة مسرحيات سواء كممثل أو كمخرج واعطى الكثير من ابداعه إلى المسرح القومي والمسرح الجوال حتى انه سافر إلى ألمانيا للحصول على دورة في الإخراج المسرحي ببرلين. بعدها بعدة سنوات صار مديرا للمسرح الجوال الا انه قد قرر خوض تجربة الوقوف امام كاميرا التلفزيون لاول مرة عام 1983 عندما منحه المخرج مأمون البني دور في مسلسل نساء بلا أجنحة. منحه أيضا المخرج محمد ملص فرصة كبيرة وبداية مميزة لأثبات نفسه أمام كاميرات السينما عندما أعطاه دور هام في فيلم أحلام المدينة الحائز على جائزة مهرجان كان عام 1984 وتوالت عليه الأعمال بعد ذلك. الحياة الشخصية. كانت حياته معقدة بعض الشيء فقد تزوج أكثر من مرة كانت الأولى حينما كان في مطلع الثلاثينات من عمره زوجته الأولى كانت من خارج الوسط الفني واستمر الزواج لمدة أربعة عشر عاما ولكن لم يقدر له الاستمرار فتم الانفصال رزق منها بأولاده غالب، حازم، نورة، نوار الذي توفي في يوم الأربعاء الموافق الرابع من مايو عام 2011 نتيجة إصابته بنوع نادر من داء السرطان. تزوج للمرة الثانية فجأة وبدون مقدمات من الفنانة نورمان أسعد بعد الانتهاء من تصوير مسلسل يوميات جميل و هناء و لكن تم الانفصال بالسرعة نفسها التي تم بها الزواج حيث انفصلا لأسباب غير معروفة ولكن ظلا صديقين وشاركا معا في بطولة مسلسل ألو جميل ألو هناء الجزء الثاني من مسلسل يوميات جميل و هناء تزوج بعد طلاقه الأول من نورمان أسعد من سيدة كويتية من خارج الوسط الفني ولكن كان زواجا غير ناجح فحدث الانفصال بعد عدة شهور من إتمامه رزق منها بإبنته يمنى ،تزوجا مرة أخرى بعد سنة واحدة من الانفصال من الفنانة نورمان أسعد و دام الزواج لمدة ثلاث سنوات ولكن لم يقدر لهما الاستمرار مرة أخرى وانفصلا عام 2003 بعد أن أثمر زواجهم عن ابنة وحيدة هي جودي التي بقيت في حضانة والدتها . تزوج أيمن زيدان مرة أخيرة عام 2007 عندما كان يقوم ببطولة المسلسل المصري عيون ورماد فتعرف إلى السيناريست المصرية نشوى زايد ابنة الكاتب الراحل محسن زايد في مناسبة وتم الزواج في العام نفسه وما زال الزواج مستمرا لغاية الآن. أعماله. في التلفزيون. أول دور تلفزيوني له كان في مسلسل "نساء بلا أجنحة" سنة 1983 بإدارة المخرج مأمون البني ليبدأ بعدها سلسلةً من المشاركات التلفزيونية، ليصبح أحد أبرز نجوم الدراما السورية، وصنّاعها أيضاً، ثم أتت إحدى أهم اللحظات المفصلية في تاريخ الدراما السورية والتي كانت أحد أهم انتشارها الواسع على المستوى العربي، في العام 1993 حينما تولى الفنّان أيمن زيدان الإشراف على تأسيس شركة "الشام الدولية للإنتاج السينمائي والتلفزيوني" وكان من باكورة إنتاجاتها نهاية رجل شجاع من إخراج نجدة إسماعيل أنزور عن رواية الكاتب السوري الكبير حنا مينة. جورج فؤاد قرداحي (1 مايو 1950 -)، إعلامي ووزير لبناني ولد في قرية فيطرون في قضاء كسروان في محافظة جبل لبنان. حياته. مسيرته المهنية. وُلد جورج في بلدة فيطرون قضاء كسروان في لبنان وأمضى هناك سنوات طفولته، تلقى تعليمه في كلية سيدة اللويزة في الجامعة اللبنانية، فدرس العلوم السياسية والقانون، ولكن توجهه كان مختلفًا، فبدأ العمل الإعلامي خلال دراسته الجامعية، وحصل على العديد من الشهادات في دوراتٍ تطبيقية ودبلوم في الإعلام المكتوب والمسموع والمقروء من معهد لوفر في فرنسا. بدأ خلال دراسته الجامعية بالعمل مع جريدة (لسان الحال) عام 1970، ثم انتقل إلى تلفزيون لبنان في العام 1973، ليعمل مقدمًا للأخبار والبرامج السياسية. انتقل بعد ذلك إلى إذاعة مونت كارلو في باريس، حيث عمل فيها معدًا ومقدمًا للبرامج الإذاعية السياسية واستمر في نشر الأخبار لمدة 12 عامًا (من 1979-1991)، انتقل بعد ذلك للعمل في منصب سكرتير تحرير أول ثم رئيس تحريرالإذاعة، وحقق بذلك شهرةً واسعةً ونجاحًا كبيرًا، استمر عامين بالعمل كرئيس تحرير إذاعة مونت كارلو وبعدها انتقل إلى رئاسة تحرير إذاعة الشرق في باريس، التي قضى معها عامين من مشواره الإعلامي ثم انتقل إلى إذاعة (MBC.FM) في لندن في عام 1994 التي كانت تمر حينها بظروف قاسية إلا أنه استطاع أن يعبر بها إلى بر الأمان. كانت الانطلاقة الحقيقية لجورج قرداحي في عام 2000 حين انتقل للعمل في قناة إم بي سي 1 وبدأ برنامجه العربي الشهير(من سيربح المليون)، وهو برنامجٌ للمسابقات والثقافة العامة، استمر عرض البرنامج لمدة ثلاث سنوات ونال شهرةً لا مثيل لها، انتقل قرداحي بعدها إلى قناة LBC اللبنانية عام 2004، ليقدم برنامجه الجديد (افتح قلبك)، ولكنه ما لبث أن عاد إلى محطة MBC مرة أخرى وأعاد إحياء برنامج من سيربح المليون ولكن مع جائزة مضاعفة ليصبح اسمه (من سيربح المليونين). انتقل جورج قرداحي بعد ذلك إلى برنامج آخر بعنوان (التحدي) في عام 2006. قدم جورج قرداحي برنامج (القوة العاشرة) بين عامي 2007 و2008، واستمر بالعمل في قناة MBC حتى عام 2011، حين غادرها بسبب خلافاته مع إدارة القناة، بعد أن أدلى ببيانٍ أيّد فيه الحكومة السورية. ثم انتقل للعمل في قناة الميادين التلفزيونية في عام 2012، ثم عمل في قناة الحياة في برنامج (المسامح كريم) في قناة أبو ظبي. أظهرت نتائج الاستطلاع الذي أجرته إحدى المجلات اللبنانية أن جورج قرداحي هو الشخصية الأكثر شعبيةً في العالم العربي، كما توِّج كأفضل مقدمٍ للبرامج المتنوعة على الصعيد العربي من خلال الاستطلاع الذي أجرته مجلة الصدى. وجاء قرداحي في قائمة أهم وأشهر 100 شخصية عربية التي نشرتها مجلة (أريبيان بزنس) الإماراتية. شارك جورج في العديد من الحملات الإعلانية، بسبب شعبيته الكبيرة في العالم العربي، من أشهر الحملات التي كان جزءًا منها نستله، موبينيل، كويكر الشوفان، العطور GK، شركة هيونداي موتور، نوكيا. يتقن قرداحي الإنجليزية والإيطالية والفرنسية، بالإضافة إلى اللغة العربية التي أولاها اهتمامًا خاصًا بدراسة ثقافة الأدب العربي. تعيينه وزيرًا للإعلام. في 10 سبتمبر 2021؛ أُعلن في لبنان عن تشكيل حكومة جديدة برئاسة نجيب ميقاتي بعد أكثر من عام من استقالة الحكومة السابقة إثر الانفجار المدمر الذي حدث في ميناء بيروت، وعين جورج قرداحي وزيرا للإعلام في الحكومة. جوائزه. حاز على عدة جوائز وألقاب كجائزة (الميركس دور) كأفضل إعلامي في العالم العربي لعام 2007، وحصل أيضا على لقب سفير النوايا الحسنة لمنظمة الأمم المتحدة للبيئة، كما ظهر في عدة إعلانات تلفزيونية، منها عطر باسمه "عطر جورج قرداحي" وشوفان هارفست هو وعائلته. يحمل قرداحي أيضاً "ميدالية الأرز" اللبنانية من الرئيس إميل لحود مع رتبة قائد، بالإضافة إلى العديد من الجوائز من مختلف المنظمات سواء لإنجازاته المهنية، أو لمساهماته في المجتمع. حياته الخاصة. متزوج من إيدا قرداحي ولديه ثلاثة أبناء هم غبريال، باميلا وباتريسيا. آرائه. الإسلام. في عام 2014 أجرت الإعلامية المصرية منى الشاذلي مقابلة مع جورج قرداحي الذي ردد بعضا من آيات القرآن وسط دهشة الحضور، وسألته الإعلامية المصرية إذا كان حفظ هذه الآيات يعود لأيام الدراسة فرد بالنفي، موضحا أنه يحفظ آيات من القرآن لرغبته ولاجتهاده الشخصيين. كما استرسل جورج قائلا إنه اكتشف طفلا أنه مسيحي من جانب، لكنه من جانب آخر ابن بيئته الإسلامية، معتبرا أنه لا يجوز أن يقتصر علمه على دينه فقط، وأنه يجب أن يكون ملما بالدين الإسلامي، وأضاف أن رغبته في التعرف على الإسلام نابعة من أنه يعيش بين مسلمين وبينهم أصدقاؤه، داعيا كل مسيحي إلى أن يعرف هذه البيئة. وقد نفى جورج قرداحي اعتناقه الإسلام كما تداولت سابقا مواقع إلكترونية مصرحا آنذاك بأن له الشرف أن يعتنق الإسلام، وبأنه معجب بشخصية النبي محمد الذي يكنّ له المحبة ويعتبره الإنسان الذي غيّر مجرى التاريخ، لكنه نوّه إلى أنه لا يرى فرقا بين المسيحية والإسلام وأنه لا يرى ضرورة لأن يغيّر المسيحي دينه، لأن هذان الدينان يكمل أحدهما الآخر. وفي عام 2019 حل جورج قرداحي ضيفا على حلقة برنامج (شيخ الحارة) الذي تقدمه بسمة وهبة وبسؤاله حول حقيقة اعتناقه الديانة الإسلامية في الخفاء بسبب خوفه، رد جورج قرداحي قائلا: "لا أخفي إسلامي وتحدثت كثيرا أنني رجل يهمني الإنسان، والأديان السماوية الثلاث وجدت لخدمة وحماية الإنسان وتحصين حقوقه". وقال : بالنسبة لي لا يوجد فرق كبير بين الإسلام والمسيحية، وهناك تعاليم كثيرة بين الديانتين متشابهة، والمسيحية كانت موجود وجاء بعدها الإسلام، وأوضح : إذا نظرا لجوهر الديانة الإسلامية والديانة المسيحية سنجدهما أكثر ديانتين في العالم متقاربتين، ولذلك لا أجد داعي لأغير ديانتي من المسيحية للإسلامية. الحرب الأهلية السورية. كان موقفه من الأزمة السورية سبباً في خسارته عمله في محطة "إم بي سي" السعودية الذي كان يُقدر قيمة عقده بحوالي المليون ريال سعودي، حيث دعم النظام السوري منذ بداية المظاهرات وحتى بعد تحول الأزمة إلى حرب مفتوحة. الحرب في اليمن. تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لمشاركة جورج قرداحي في برنامج برلمان شعب بينما يجيب على أسئلة تطرح عليه، إذ صرح في البرنامج وقبل تعيينه في منصب وزير الإعلام برأيه عن الحرب في اليمن قائلا: (أن الحوثيين في اليمن يدافعون عن أنفسهم أمام عدوان خارجي)، وعندما سئل عن ما إذا كان يعتقد أن ما تفعله السعودية والإمارات هو اعتداء على اليمن قال: (إن هناك اعتداء بالتأكيد وإن الحرب في اليمن حرب عبثية يجب أن تتوقف). وقد اثارت تصريحاته ردود فعل غاضبة وأزمة دبلوماسية وسياسية بين دول الخليج، واستدعت وزارة الخارجية السعودية السفير اللبناني في الرياض وسلمته مذكرة احتجاج رسمية على تصريحات قرداحي التي وصفتها بالمسيئة تجاه المملكة ودول تحالف دعم الشرعية في اليمن، كما طلبت من سفير لبنان لدى المملكة المغادرة خلال 48 ساعة القادمة، وقررت السعودية أيضا وقف كافة الواردات اللبنانية إلى المملكة، ومنع سفر المواطنين إلى لبنان، كما كشفت صحيفة عكاظ السعودية عن توجه إدارة مجموعة "MBC" لإغلاق جميع مكاتبها في لبنان بشكل نهائي وانتقالها بكامل معداتها إلى الرياض، على خلفية تصريحات جورج قرداحي، واستنكر رئيس مجلس إدارة مجموعة "MBC" وليد بن إبراهيم آل إبراهيم كلام قرداحي واصفا إياه بأنه اتهامات مغرضة بحق السعودية والإمارات. كما طالبت وزارة الخارجية البحرينية من السفير اللبناني في المنامة مغادرة المملكة خلال 48 ساعة، وقالت الخارجية في بيان إن قرارها يأتي على خلفية سلسلة التصريحات والمواقف المرفوضة والمسيئة التي صدرت عن مسؤولين لبنانيين في الآونة الأخيرة. واستنكرت الإمارات بشدة التصريحات التي أدلى بها وزير الإعلام اللبناني حول التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، وأعربت الخارجية الإماراتية عن استنكارها واستهجانها الشديدين إزاء هذه التصريحات التي وصفتها بأنها مشينة ومتحيزة ومهاترات تتنافى مع الأعراف الدبلوماسية وتاريخ علاقات لبنان مع دول التحالف العربي في اليمن، وأساءت إلى دول تحالف دعم الشرعية في اليمن، مشددة على أن التصريحات تنم عن الابتعاد المتزايد للبنان عن أشقائه العرب. وسلم سفير اليمن لدى بيروت عبد الله الدعيس أمين عام وزارة الخارجية اللبنانية هاني شميطلي رسالة احتجاج على التصريحات التي أدلى بها جورج قرداحي وأعربت الخارجية اليمنية في رسالة الاحتجاج عن استغرابها الشديد من هذه التصريحات التي تسيء للعلاقات اليمنية اللبنانية، وتتناسى جرائم الميليشيات الحوثية ضد الشعب اليمني وانقلابها على الحكومة الشرعية ومحاولاتها الاستيلاء على السلطة بالقوة المسلحة، واستمرار رفضها لكل دعوات السلام، في تحد واضح للقرارات الأممية كافة". واستدعت وزارة الخارجية الكويتية سفيرها من لبنان وطلبت من القائم بالأعمال لديها مغادرة أراضيها خلال 48 ساعة، لافتة إلى أن قرارها حول لبنان جاء بسبب استمرار التصريحات السلبية من المسؤولين اللبنانيين، واستنادا للعلاقة التاريخية والروابط بين الكويت والسعودية، وأعربت الخارجية الكويتية عن استنكار ورفض دولة الكويت الشديد للتصريحات الإعلامية الصادرة عن وزير الإعلام اللبناني تجاه المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقتين. أما على الجانب الرسمي اللبناني، فقد أصدرت وزارة الخارجية اللبنانية بيانا تقول فيه إن الكلام الشخصي الذي صدر عن وزير الإعلام جورج قرداحي قبل تعيينه وزيرا "لا يعكس موقف الحكومة اللبنانية الذي عبّر عنه رئيسها في البيان الصادر بالأمس، ولا بيانها الوزاري الذي يتمسك بروابط الأخوة مع الأشقاء العرب".وهو كلام مرفوض ولا يعبر عن موقف الحكومة إطلاقا، خاصة في ما يتعلق بالمسألة اليمنية وعلاقات لبنان مع أشقائه العرب وتحديداً الاشقاء في المملكة العربية السعودية وسائر دول مجلس التعاون الخليجي". وكان جورج قرداحي عقد نشر عبر حسابه على تويتر سلسلة تغريدات رد فيها على الجدل الذي أثارته تصريحاته، واصفا إياه بـ(الحملة التي تقف خلفها جهات أصبحت معروفة) كما كتب وقال: "لم أقصد ولا بأي شكلٍ من الأشكال، الإساءة للمملكة العربية السعودية أو الإمارات اللتين أكنّ لقيادتيهما ولشعبيهما كل الحب والوفاء"، مضيفا أن ما قاله صدر عن قناعة ليس دفاعاً عن اليمن ولكن أيضاً محبةً بالسعودية والإمارات وضناً بمصالحهما. وقد عقب جورج قرداحي بمؤتمر صحفي على الضجة المستمرة التي أثارتها تصريحاته حول الحرب في اليمن وقال: . وتابع قائلا: وعن تصوير موقفه من السعودية كأنه موقف معاد قال قرداحي: منتقدا بعض المواقع التي وصفته بانه ناكر للجميل وقال: . وأوضح قرداحي في المؤتمر الصحفي إلى أن ما قاله في هذه المقابلة سواء بالنسبة لفلسطين أو سوريا أو لبنان والخليج أو بشأن كثير من الامور كحرب اليمن من مواقف لا تلزم الحكومة بشيء قائلا . فيتري (بالفرنسية: Vitré) مدينة ووحدة إدارية فرنسية تقع مقاطعة إل إت فيليان في بريتاني. حصلت فيترى -التي كانت ولاية حتى عام 1926 م، ولبلدة الرئيسية في كانتون يقطنه ما يقارب 18,000 نسمة، والتي تقع عند التقاء النورمندي وماين وآنجو- حصلت على لقب بلدة الفن والتاريخ بسبب تراتها الغني. المناخ. يظهر الجدول التالي التغييرات المناخية على مدار السنة لفيتري: توأمة. لفيتري اتفاقيات توأمة مع كل من: مجلس شورى المجاهدين في العراق هو تجمع لعدد من الجماعات المسلحة تأسس في شهر ذي الحجة- 15 يناير 2006 وتم اختيار عبد الله رشيد البغدادي لأمارة المجلس. ويضم المجلس كلا من: وأعلن تشكيله فريق في 15 يناير 2006، في بيان نشر على شبكة الإنترنت موقع حنين الجهادي. في بيان تلاه أبو ميسرة العراقي (المتحدث الرسمي لتنظيم القاعدة في العراق) وكان الغرض المعلن للمجلس «إدارة الصراع في مواجهة المحتل الأمريكي والعملاء من المرتدين». وفي منتصف أكتوبر عام 2006 صدر بيان من قبل أبو حمزة المهاجر يفيد بحل مجلس شورى المجاهدين، لصالح دولة العراق الإسلامية والتي أعلن أنها بذرة لإعادة تأسيس الخلافة الإسلامية.