File size: 22,860 Bytes
592b04b |
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 311 312 313 314 315 316 317 318 319 320 321 322 323 324 325 326 327 328 329 330 331 332 333 334 335 336 337 338 339 340 341 342 343 344 345 346 347 348 349 350 351 352 353 354 355 356 357 358 359 360 361 362 363 364 365 366 367 368 369 370 371 372 373 374 375 376 377 378 379 380 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 391 392 393 394 395 396 397 398 399 400 401 402 403 404 405 406 407 408 409 410 411 412 413 414 415 416 417 418 419 420 421 422 423 424 425 426 427 428 429 430 431 432 433 434 435 436 437 438 439 440 441 442 443 444 445 446 447 448 449 450 451 452 453 454 455 456 457 458 459 460 461 462 463 464 465 466 467 468 469 470 471 472 473 474 475 476 477 478 479 480 481 482 483 484 485 486 487 488 489 490 491 492 493 494 495 496 497 498 499 500 501 502 503 504 505 506 507 508 509 510 511 512 513 514 515 516 517 518 519 520 521 522 523 524 525 526 527 528 529 530 531 532 533 534 535 536 537 538 539 540 541 542 543 544 545 546 547 548 549 550 551 552 553 554 555 556 557 558 559 560 561 562 563 564 565 566 567 568 569 570 571 572 573 574 575 576 577 578 579 580 581 582 583 584 585 586 587 588 589 590 591 592 593 594 595 596 597 598 599 600 601 602 603 604 605 606 607 608 609 610 611 612 613 614 615 616 617 618 619 620 621 622 623 624 625 626 627 628 629 630 631 632 633 634 635 636 637 638 639 640 641 642 643 644 645 646 647 648 649 650 651 652 653 654 655 656 657 658 659 660 661 662 663 664 665 666 667 668 669 670 671 672 673 674 675 676 677 678 679 680 681 682 683 684 685 686 687 688 689 690 691 692 693 694 695 696 697 698 699 700 701 702 703 704 705 706 707 708 709 710 711 712 713 714 715 716 717 718 719 720 721 722 723 724 725 726 727 728 729 730 731 732 733 734 735 736 |
1
00:00:04,990 --> 00:00:10,350
بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد لله رب العالمين و
2
00:00:10,350 --> 00:00:15,190
أصلي و أسلم على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين
3
00:00:15,190 --> 00:00:21,810
أما بعد، يسعدني أنا الباحث و الطالب مهيب جميل محمد
4
00:00:21,810 --> 00:00:26,430
أبو الأعوار، و تحت شرفي الدكتور الفاضل وليد محمود
5
00:00:26,430 --> 00:00:32,290
أبو ندا، في كلية الأداب بقسم اللغة العربية في
6
00:00:32,290 --> 00:00:37,830
الجامعة الإسلامية بغزة، أن أقدم لكم هذا اللقاء
7
00:00:37,830 --> 00:00:43,310
المتواضع حول كتابي البصائر و الذخائر لأبي حيان
8
00:00:43,310 --> 00:00:52,980
التوحيدي، بداية نقف مع ترجمة مؤلف الكتاب وهو فيلسوف
9
00:00:52,980 --> 00:00:59,380
و متصوف و أديب بارع، ويعد من أعلام القرن الرابع
10
00:00:59,380 --> 00:01:05,410
الهجري، هو علي ابن محمد ابن العباس التوحيدي، و كنيته
11
00:01:05,410 --> 00:01:10,590
أبو حيان، فقد اختلف في نسبته إلى التوحيد، وإن رجحت
12
00:01:10,590 --> 00:01:15,350
نسبته إلى نوع من تمور العراق يطلق عليه التوحيد.
13
00:01:15,350 --> 00:01:20,530
كان والده يتاجر فيه، وقيل نسبة إلى المعتزلة الذين
14
00:01:20,530 --> 00:01:26,560
يلقبون أنفسهم بأهل العدل و التوحيد. كانت ولادته في
15
00:01:26,560 --> 00:01:32,540
عام ثلاثمائة و عشرة للهجرة في مدينة شيراز، بني ...
16
00:01:32,540 --> 00:01:39,360
أي نيسابور، و أقام أغلب حياته ببغداد. و كانت طفولته
17
00:01:39,360 --> 00:01:46,000
صعبة، فهو من عائلة فقيرة عاشت في حرمان و شظف من
18
00:01:46,000 --> 00:01:51,220
العيش، و عندما صار يتيماً بوفاة والده و انتقاله إلى
19
00:01:51,220 --> 00:01:56,680
كفالة عمه، لم يجد في كنافه إغراء المأمول، فوجد
20
00:01:56,680 --> 00:02:03,160
ملاذه بين الكتب، حيث عمل بمهنة الورّاقة، فصار موسوعياً
21
00:02:03,860 --> 00:02:08,880
حاول الاتصال بابن العميد و الصاحب ابن عباد و الوزير
22
00:02:08,880 --> 00:02:15,020
المهلبي، و لكنه كان يعود في كل مرة خائب الأمل. و لعلّ
23
00:02:15,020 --> 00:02:20,500
تكرار هذه الإحباطات على مدار حياته هو ما حداه إلى
24
00:02:20,500 --> 00:02:26,020
إحراق كتبه بعد أن قارب العمر نهايته، و لم ينج منها
25
00:02:26,020 --> 00:02:31,340
إلا ما نُسخ قبل ذلك. يبدو أبو حيان التوحيدي من خلال
26
00:02:31,340 --> 00:02:37,220
كتبه مثقفاً متنوع المصادر، واسع الاطلاع، على وعي
27
00:02:37,220 --> 00:02:43,120
بالحركة الثقافية، و اتصال ببعض رموزها في عصره، كما
28
00:02:43,120 --> 00:02:50,070
يبدو أديباً يمتاز أسلوبه بالترسل. و له من المؤلفات
29
00:02:50,070 --> 00:02:56,630
الكثير في عدة مجالات، أشهرها الإمتاع و المؤانسة
30
00:02:56,630 --> 00:03:02,210
و البصائر و الدخائر، وهو كتابنا الذي سنتحدث عنه في هذا
31
00:03:02,210 --> 00:03:07,990
اللقاء، و أيضاً كتاب الصداقة و الصديق و المقابسات و كتاب
32
00:03:07,990 --> 00:03:15,640
الهوامل و الشوامل و الإشارات الإلهية. و يعد أبو حيان من
33
00:03:15,640 --> 00:03:19,940
الشخصيات المثيرة للجدل حتى الآن، فما زال الناس فيه
34
00:03:19,940 --> 00:03:24,840
بين مادح و قاضح، و لعلّ تباين تلك المواقف يعود في
35
00:03:24,840 --> 00:03:31,380
جانب منه إلى شخصية الرجل، كما يعود في جانب آخر إلى
36
00:03:31,380 --> 00:03:40,190
ما نسب إليه أو تبناه هو من آراء و مواقف. و يعد أشهر
37
00:03:40,190 --> 00:03:45,610
من مدحه و شهد له بالإصلاح و التقوى تاج الدين السبكي
38
00:03:45,610 --> 00:03:52,210
و ياقوت الحموي، و ممن قدح فيه و اتّهمه بالضلال و الإلحاد
39
00:03:52,210 --> 00:03:57,510
و الزندقة الحافظ الذهبي و ابن الجوزي و ابن حجر
40
00:03:57,510 --> 00:04:04,380
العسقلاني. و كانت وفاته في شيراز عام أربعمائة و أربعة
41
00:04:04,380 --> 00:04:09,920
عشر للهجرة على أرجح الأقوال، و ذلك بعد هروبه من وعيد
42
00:04:09,920 --> 00:04:14,900
بالقتل من الوزير المهلبي بعد وشاية نالته من خصومه.
43
00:04:14,900 --> 00:04:21,580
و بعد أن أثرى المكتبة العربية بروائع الكتب، ننتقل
44
00:04:21,580 --> 00:04:28,610
للحديث عن كتاب البصائر و الدخائر. هذا الكتاب من أشهر
45
00:04:28,610 --> 00:04:35,490
موضوعات الاختيارات الأدبية و أجملها، و تضم النسخة
46
00:04:35,490 --> 00:04:45,210
المطبوعة بتحقيق الدكتورة وداد القاضي، و في الطبعة
47
00:04:45,210 --> 00:04:52,610
الأولى لعام ألف و تسعمائة و ثمانية و ثمانين ميلادية
48
00:04:53,220 --> 00:04:59,720
حتى تضم هذه النسخة سبعة آلاف و تسعة و سبعين قطعة
49
00:04:59,720 --> 00:05:05,460
أدبية اختارها أبو حيان من مروياته و قراءاته و
50
00:05:05,460 --> 00:05:10,380
أصدرها تباعاً في عشرة أجزاء ما بين سنة ثلاثمائة و
51
00:05:10,380 --> 00:05:15,730
خمسين للهجرة و ثلاثمائة و خمس و سبعين للهجرة. وقد
52
00:05:15,730 --> 00:05:20,410
وصلتنا تسعة منها
53
00:05:20,410 --> 00:05:25,130
في أجزاء متفرقة في مكتبات العالم في إسطنبول
54
00:05:25,130 --> 00:05:30,470
و Rambour و ميلانو و مانشستر و Cambridge. ننتقل للحديث
55
00:05:30,470 --> 00:05:35,890
عن سبب تأليف الكتاب. لقد ألف أبو حيان كتاب البصائر
56
00:05:35,890 --> 00:05:41,710
و الذخائر ليكشف لنا عن مدى غزارة علمه و وسعة ثقافته
57
00:05:41,710 --> 00:05:48,540
و رجاحة عقله، و لتزويد التراث الأدبي بأشكال نثرية
58
00:05:48,540 --> 00:05:55,560
متنوعة، كما أنه كتب ليكون مفيداً و مسلياً به تثقيف
59
00:05:55,560 --> 00:06:01,250
عميق و تعليم و متعة، فهو من الكتب النفيسة. لم يصرح أبو
60
00:06:01,250 --> 00:06:06,550
حيان باسم الأمير الذي جمع هذه الاختيارات له، و يفهم
61
00:06:06,550 --> 00:06:12,410
من مقدمة الجزء الثالث أنه جمعها لخزانة أحد متنفذي
62
00:06:12,410 --> 00:06:19,170
عصره. و من المؤكد أنه فرغ منه قبل تبيض كتابه أخلاق
63
00:06:19,170 --> 00:06:25,570
الوزيرين، وقد أتى في مقدمات أجزائه على تسجيل أصداء
64
00:06:25,570 --> 00:06:31,530
انتشار الكتاب في مختلف الأوساط، كقوله في مقدمة الجزء
65
00:06:31,530 --> 00:06:36,910
الثامن: "فمن قائل ما أحسن هذا الكتاب لو لا ما حواه
66
00:06:36,910 --> 00:06:42,850
من السخف و القادورة، و من قائل كل ما فيه ... كل ما فيه
67
00:06:42,850 --> 00:06:49,590
حسن لو خلُ من اللغة و النحو إلى آخره". وقد رأى أنه سيقع
68
00:06:49,590 --> 00:06:57,990
في أربعة آلاف صفحة. ننتقل للحديث عن منهج أبي حيان في
69
00:06:57,990 --> 00:07:04,070
الكتاب. ذكر أبو حيان في منهجه أنه توخّى أخبار
70
00:07:04,070 --> 00:07:10,230
القصارى دون الطوال، و النادرة دون الفاشية. من فقرة
71
00:07:10,230 --> 00:07:17,750
مكنونة و لمعة ثاقبة و إقناع مؤنس و عقل ملقّح و قول منقّح
72
00:07:17,750 --> 00:07:27,610
و حجة استخلصت من شوائب الشبه، و شبهة
73
00:07:27,610 --> 00:07:35,680
أنشئت من فرط الجهالة. و وصفه بأنه تذكرة لجميع ما
74
00:07:35,680 --> 00:07:40,880
حوته الأذن و حفظاه القلب، و ثبت في الكتب على طول
75
00:07:40,880 --> 00:07:48,850
العمر. آبط هزلاً و تحمل مزاحاً، و توشّح حكمة و فصاحة، و نشر
76
00:07:48,850 --> 00:07:55,750
حكم الله رواية و استخراجا، كما إن أسلوبه رائع جزل
77
00:07:55,750 --> 00:08:01,990
يلتزم المزاوجة، و لا يلتزم السجع، و لا يتفخّخ في
78
00:08:01,990 --> 00:08:08,150
الأسلوب على حساب المعنى، و لا يتذفّق في المعنى و ينسى
79
00:08:08,150 --> 00:08:13,890
الأسلوب. أهم القضايا التي يعالجها أبو حيان في كتابه
80
00:08:13,890 --> 00:08:21,830
البصائر و الذخائر، و منها علاقة الإنسان بالله الذي
81
00:08:21,830 --> 00:08:26,670
أودع العقول ما تمت به العبودية، و دفع عنها ما تعلق
82
00:08:26,670 --> 00:08:32,160
بالإلهية. قال له بعض أهل الشرف و الأدب: "لقد شقيت في
83
00:08:32,160 --> 00:08:38,020
جمعه". فقال: "لو قلت لقد ساعدت في جمعه لكان أحلى في
84
00:08:38,020 --> 00:08:45,770
عيني، و أولج في منافسي روحي". أما أهمية الكتاب فتأتي
85
00:08:45,770 --> 00:08:49,870
أهمية الكتاب من تعليقات أبي حيانة على كثير من
86
00:08:49,870 --> 00:08:54,270
اختياراته و تقيماته الأدبية لكثير من رجالات عصره،
87
00:08:54,270 --> 00:09:00,530
كقوله في الخليلي: "كان ذا لسان بليل و قلب مكوي له
88
00:09:00,530 --> 00:09:08,090
مذاهب استأثر بها و توحد فيها، و أشياء طريفة كان
89
00:09:08,090 --> 00:09:14,200
يكتمها". و قوله في أبي حامد المرور: "ذي شيخ أصحاب
90
00:09:14,200 --> 00:09:19,580
الشافعي، و أنبلوا من شاهدته في عمري، كان بحراً يتدفق
91
00:09:19,580 --> 00:09:24,620
حفظاً للسيار و قياماً بالأخبار و ثباتاً على الجدل، و كان
92
00:09:24,620 --> 00:09:30,380
من العرب من بني عامر". وقد أكثر من ذكر آرائه، حتى ذهب
93
00:09:30,380 --> 00:09:35,480
ابن أبي الحديد إلى القول: "و هذه عادته في كتابه
94
00:09:35,480 --> 00:09:40,320
البصائر، يسند إلى القاضي أبي حامد كل ما يريد أن
95
00:09:40,320 --> 00:09:48,120
يقوله هو من تلقائي نفسه". مصادر الكتاب، بين أبو حيان
96
00:09:48,120 --> 00:09:53,420
منذ البداية أنه اعتمد في هذا الكتاب على مجموعة من
97
00:09:53,420 --> 00:10:00,100
المؤلفات التي تقدّمته، و عدد بعضاً منها في مقدمته على
98
00:10:00,100 --> 00:10:06,980
الجزء الأول، فقال: "جمعت ذلك من كتب شتى، حكيت عن أبي
99
00:10:06,980 --> 00:10:14,460
عثمان عمر بن بحر الجاحظ الكِناني، و كتبه ... و كتبه هي
100
00:10:14,460 --> 00:10:20,880
الدر النثير و النور المطير و كلامه الصرف الحلال، ثم
101
00:10:20,880 --> 00:10:25,840
كتاب النوادر لأبي عبد الله بن زياد ... ابن زياد
102
00:10:25,840 --> 00:10:32,420
الأعرابي، ثم كتاب ... ثم كتابه الكامل لأبي العباس محمد
103
00:10:32,420 --> 00:10:38,060
بن يزيد الثماني، المحرّف بالمبرد، ثم كتابه عيون
104
00:10:38,060 --> 00:10:43,060
الأخبار لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الكاتب
105
00:10:43,060 --> 00:10:48,080
الدينوري، ثم مجالساته ثعلب، ثم كتابه ابن أبي طاهر
106
00:10:48,080 --> 00:10:52,880
الذي وسمّه بالمنظومي و المنثور، ثم كتاب الأوراق
107
00:10:52,880 --> 00:10:58,360
للصولي، ثم كتاب الوزراء لابن عبدوس، و الحيوانات
108
00:10:58,360 --> 00:11:05,180
لقدامة، هذا إلى غير ذلك من جوامع للناس، مضافات إلى
109
00:11:05,180 --> 00:11:09,720
حفظ ما فاهوا به، و احتجوا له، و اعتمدوا عليه في
110
00:11:09,720 --> 00:11:15,540
محاضرهم و نواديهم و حواضرهم و بواديهم، مما يطول
111
00:11:15,540 --> 00:11:23,650
إحصاؤه و يملّ استقصاؤه. ننتقل للحديث و الوقوف على قيمة
112
00:11:23,650 --> 00:11:30,770
هذا الكتاب. لهذا الكتاب قيمة أدبية كبيرة أشار إليها
113
00:11:30,770 --> 00:11:37,770
المؤلف في مقدمته، حيث قال إنه أودع كتابه جميع ما في
114
00:11:37,770 --> 00:11:43,990
ديوان السماع، و رتّب ما أحاطت الرواية به، و اجتملت
115
00:11:43,990 --> 00:11:49,970
الرؤية عليه، كما قال إن القارئ سيشرّف منه على رياض
116
00:11:49,970 --> 00:11:55,990
الأدب و قرائح العقول من لفظ مصون و كلام شريف و نثر
117
00:11:55,990 --> 00:12:03,150
مقبول و نظم لطيف و مثل سائر و بلاغة مختارة و خطب محبة.
118
00:12:03,770 --> 00:12:10,770
و يكشف الكتاب بوضوح عن غزارة علمه و ثقافته الواسعة
119
00:12:10,770 --> 00:12:18,210
و اطّلاعه الهائل و قوة ذاكرته. و من أهم ما يشير إليه
120
00:12:18,210 --> 00:12:23,250
الكاتب أمانته العلمية في النقل، فكثيراً ما تقع على
121
00:12:23,250 --> 00:12:29,350
أمثال هذه العبارات: "هكذا قالت الثقات"، أو "هذا التفسير
122
00:12:29,350 --> 00:12:35,850
حفظته سماعا"، أو "أحكمته رواية"، أو "سمعت شيخاً من النحويين
123
00:12:35,850 --> 00:12:40,910
يقول" إلى غير ذلك مما يدل على الأمانة المطلوبة. و في
124
00:12:40,910 --> 00:12:46,790
الكتاب أحداث تاريخية مهمة، ربما لا يجرؤ إلا القليل
125
00:12:46,790 --> 00:12:53,000
على ذكرها خوفاً من بطش الخلفاء و الحكام، خوفاً من بطش
126
00:12:53,000 --> 00:12:59,340
الخلفاء والحكام مثل القصة التي ذكر فيها أن عليًّا
127
00:12:59,340 --> 00:13:04,200
بن أبي طالب استعمل ابن عباس على البصرة فأخذ من بيت
128
00:13:04,200 --> 00:13:09,780
المال وخرج إلى مكة وطالبه عليّ برده فرفض وقال لأن
129
00:13:09,780 --> 00:13:13,900
ألقى الله بجميع ما في الأرض من ذهبها وفضتها أحب
130
00:13:13,900 --> 00:13:19,780
إليه من أن ألقاه بدم غئن مسلم والسلام، للكتاب قيمة
131
00:13:19,780 --> 00:13:25,640
في الكشف عن حصيلة مطالعة التوحيدي وتجاربه، وعن
132
00:13:25,640 --> 00:13:31,700
اتجاه مناحي الثقافة عنده، وفي المجالس التي كان
133
00:13:31,700 --> 00:13:39,780
يرأسها أساتذته وأرباب المعرفة في زمنه، أما بالنسبة
134
00:13:39,780 --> 00:13:45,500
لتقسيم الكتاب فقد عني التوحيدي في المقدمة بذكر
135
00:13:45,500 --> 00:13:51,660
المصادر التي قرأها واستمد منها مادة كتابه، فذكر في
136
00:13:51,660 --> 00:13:59,060
المقام الأول كتب الجاحظ الذي تأثر التوحيدي
137
00:13:59,060 --> 00:14:04,240
بخطّه واقتدى به في حياته الفكرية.
138
00:14:08,560 --> 00:14:14,440
ويبدو للمطالع للكتاب مدى تأثير طريقة الجاحظ في
139
00:14:14,440 --> 00:14:18,480
التأليف أو في التأليف من حيث حشر الموضوعات
140
00:14:18,480 --> 00:14:24,620
المتنوعة دون ترتيب أو تبويب أو تصنيف، ومزج الجد
141
00:14:24,620 --> 00:14:33,500
بالهزل والهزل بالجد ترويحًا عن القارئ، ثم بدأ
142
00:14:33,500 --> 00:14:39,580
التوحيدي كتابه بالدعاء على طريقة الجاحظ، وبه فتح
143
00:14:39,580 --> 00:14:46,440
ذلك الكتاب ليفتح مستغلقة... ليفتح مستغلقة كل... كل
144
00:14:46,440 --> 00:14:52,740
باب... كل باب في نفس القارة، وجرى فيه على نسق بديع
145
00:14:52,740 --> 00:14:58,300
... على نسق بديع ممتاز رسم أعلى طريقة... أعلى طريقة
146
00:14:58,300 --> 00:15:04,780
كتابية للجزالة والإيقاع في مختلف عصور الأدب العربي
147
00:15:04,780 --> 00:15:09,540
التي تلت القرن الرابع الهجري، ثم يوجه كلامه إلى من
148
00:15:09,540 --> 00:15:15,760
ألف لأجله الكتاب بعد ثناء على كتب الجاحظ والمبرد
149
00:15:15,760 --> 00:15:21,660
وابن قتيبة وابن الأعرابي وثعلب والصولي وقدامة، ثم
150
00:15:21,660 --> 00:15:26,820
يرجع إلى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدة...
151
00:15:26,820 --> 00:15:33,220
وعدة فضلاء من جهابذة الفكر والقلم، مازجًا النثر...
152
00:15:33,220 --> 00:15:38,060
مازجًا النثر بال... مازجًا النثر بالشعر والأدب
153
00:15:38,060 --> 00:15:43,280
بالعلم والدين بالصوفية والحكمة بالمثل والتاريخ
154
00:15:43,280 --> 00:15:44,480
بالفلسفة.
155
00:15:47,090 --> 00:15:52,810
وسأعرض هنا مختارات
156
00:15:52,810 --> 00:16:00,610
من هذا الكتاب القيم، مدح رجل هشام بن عبد الملك فقال
157
00:16:00,610 --> 00:16:05,470
له: "هشام يا هذا إنه قد نهي عن مدح الرجل في وجهه"
158
00:16:05,470 --> 00:16:11,370
فقال له: "ما مدحتك وإنما ذكرتك نعم الله عليك لتجدد
159
00:16:11,370 --> 00:16:17,290
له شكرا"، فقال له هشام: "هذا أحسن من المدح"، وأمر له
160
00:16:17,290 --> 00:16:23,940
بصلة ثانيًا. قال فليح بن سليمان: "لقيت المنصورة في
161
00:16:23,940 --> 00:16:30,100
الطريق سنة توفي فيها"، فقال: "يا فليح كم سنوك؟" قلت
162
00:16:30,100 --> 00:16:35,920
ثلاثًا وستين سنة، قال: "هذه سنو أمير المؤمنين، أتدري
163
00:16:35,920 --> 00:16:41,300
ما كانت العرب تسميها؟ كانت تسميها دقاقة الرقاب".
164
00:16:41,950 --> 00:16:48,670
ثالثًا: قيل لأعرابي: "هل تحدث نفسك بدخول الجنة؟" قال
165
00:16:48,670 --> 00:16:53,550
والله ما شككت قط أني سوف أخطو في رياضها وأشرب من
166
00:16:53,550 --> 00:16:58,630
حياضها وأستظل بأشجارها وأكل من ثمارها وأتفيأ
167
00:16:58,630 --> 00:17:03,970
بظلالها وأترشف من قلالها وأستمتع بحورها في غرفها
168
00:17:03,970 --> 00:17:11,270
وقصورها"، قيل له: "أف بحسنة قدمتها أم بصالحة أسلفتها؟"
169
00:17:11,650 --> 00:17:17,770
قال: "وأي حسنة أعلى شرفًا وأعظم خطرًا من إيماني بالله
170
00:17:17,770 --> 00:17:22,870
تعالى وجحودي لكل معبود سوى الله تبارك وتعالى؟" قيل
171
00:17:22,870 --> 00:17:27,190
له: "أفلا تخشى الذنوب؟" قال: "خلق الله المغفرة للذنوب
172
00:17:27,190 --> 00:17:32,510
ورحمة للخطأ والعفو للجرم، وهو أكرم من أن يعذب
173
00:17:32,510 --> 00:17:38,190
محبيه في نار جهنم". فكان الناس في مسجد البصرة يقولون
174
00:17:38,190 --> 00:17:43,550
لقد حسن ظن الأعرابي بربه، وكانوا لا يذكرون حديثه
175
00:17:43,550 --> 00:17:49,110
إلا انجلت غمامة اليأس عنهم وغلب سلطان الرجاء عليهم.
176
00:17:50,680 --> 00:17:56,600
وختامًا، وقبل أن ننهي هذا اللقاء، فإني سأقف أو سأذكره
177
00:17:56,600 --> 00:18:03,420
مأخذين من مآخذ هذا الكتاب، وهما: أولًا أن هذا الكتاب
178
00:18:03,420 --> 00:18:09,830
لم يكن مرتبًا على الأبواب، وربما كما ذكرنا سابقًا أن
179
00:18:09,830 --> 00:18:18,370
سبب ذلك تأثره بابن المبرد والجاحظ في كتبه عندما
180
00:18:18,370 --> 00:18:24,490
نقل عنهم هذه الاختيارات. ثانيًا: عدم اهتمام المؤلف
181
00:18:24,490 --> 00:18:30,470
بالإسناد، حيث أشار إلى سبب حدفه للإسناد وهو أن
182
00:18:30,470 --> 00:18:38,100
الغرض يقرب والمراد يسهل، والإسناد يطيل ويمّل المستفيد
183
00:18:38,100 --> 00:18:44,700
على أن الإسناد زين الحديث وعلامة السنة وسبب
184
00:18:44,700 --> 00:18:50,100
الرواية، هذا وبارك الله فيكم وجزاكم الله كل خير.
|