Ali-C137's picture
Migrated from GitHub
e4c29e1 verified
***********
يسري الغول
منشور فيسبوك
أجلس في حديقة منزلي، أحتسي القهوة، أستمع لفيروز والعصافير فوق رأسي تغني مع اللحن. تعود بي الذاكرة إلى مخيمات الشباب والرياضة عام 1997 وصولاً إلى 2001 حيث معسكر الشباب الدائم على الحدود الشمالية، حين كنا نعيش في مخيمات شبابية مغلقة، منها ما هو محلي وعربي ودولي.
هناك كانت صناعة القيادة الحقيقية عبر طاقم حقيقي ومؤثر في تلك الوزارة بقيادة وكيل الوزارة أحمد اليازجي (أبو همام)، وبإشراف مدراء أحببناهم كثيراً، محمد فايز الفرا، وكمال راضي، وبمتابعة الصديق عرفات أبو غالي، وأبو سماحة في الكشافة، وآخرين غابت أسماؤهم مع الزمن.
كنا نستيقظ على صوت فيروز ، ثم تبدأ دورة الحياة، تتكفل كل مجمعة بمهام يومية، ثم ننتقل لمربع صناعة القادة من خلال ورشات عمل وندوات مع شخصيات تحمل رؤى ومواقف مختلفة.
نجحت تلك المخيمات بصناعة أشخاص مؤثرين في مجالات شتى. ونجحت بصقل شخصياتنا بشكل جيد رغم الاختلافات الأيديولوجية بين المشاركين.
أيام ليتها تعود.
***********
جلال شفرور
منشور فيسبوك
أذكر عندما كنت أقطن بلجيكا أخباراً عن إدراج "حق الحصول على الماء الصالح للشرب" في قائمة حقوق الإنسان وفي الدستور أو القانون وقد تم. وكان من نتائج ذلك منع شركة الماء من قطعه عن أي مواطن لا يستطيع دفع ثمن الخدمة.
بل بعض الدول الأوروبية أدرجت في دستورها "حق الماء" مع بند يمنع من خصخصته (أو خوصصته، أي إسناد تسييره إلى شركات خاصة كما هو الحال مع الكهرباء والغاز والأنترت والهاتف وجمع النفايات). لكن في بعض بلدان أمريكا الجنوبية موارد الماء وضعت عليها المافيا العالمية يدها كما هو الحال مع آبار البترول عندنا، على الأقل هو موضوع عدة روايات علم الخيال وأفلام هوليود.
وأذكر عندما كنت أقطن باريس لافتات إشهار لشركة المياه المحلية تتباهى بصفاء ماء الحنفية ولم أكن أشرب ماءاً غيره، فما بال الشركة الفرنسية سيال عندنا!
**********
محمد عوالمية
منشور فيسبوك
هل كتبت خطبة عرفة في البيت الأبيض الأمريكي???
سؤال قد يبدو غريبا ولكنه مشروع في تقديري . فالخطبة جوفاء جدا
تجنبت كل الموضوعات التي يمكن أن تجرح شعور الولايات المتحدة ورئيسهابما في ذلك قضية فلسطين , بل إن الخطيب بخل كثيرا من شؤون المسلمين حتى من الدعاء مما جعلني أتساءل هذا السؤال وأنا أعتقد جازما أنها كتبت هناك وإن كان القلم سعوديا والخطيب من آل شيخ والمكان ـمع الأسف الشديد ـ طاهر مقدس واليوم خير يوم طلعت فيه الشمس.
فالله نسأل اللطف في مقدساتنا.
************
لموتُ للأعداء والحرية للوطن ..
حينما كان العدو واحدًا وكنا نتمنى له الموت دون تخوين من أحد..
عندما كانت مشانقنا تعرف أي الرؤوس تحمل .. ومناجلُنا تهتدي إلى الرقاب التي تستحق العناق..
ما الحبّ الا للحبيب الأوّل..
حينما كانت المحبّة مركبة صبحٍ وترنيمة إشراق، حيث التلاميذ وصغار العسكر وجميلات القرية بكامل وقارهنّ وحشمتهنّ، على مثلث قريتنا بانتظار حافلات العلم والبناء..
حين كان الرفض في مهده مُتلعثمًا، مُتوجّسًا، وخجولًا، وكنتُ أنا سيّدة للمواقيت وأميرة للطرقات.
* أعلم معنى مرور الزمن وأعلم أني أُدافع -دون جدوى- عن تلك المساحة التي لا أريد أن يستولي عليها أحد سواك.
وأعلم أني ورغم خيباتي كُلّها لازلت أبحث -في الخفاء- عن أسلحة أشدّ فتكًا بالعدو من مُجرّد نصٍّ بائس ميّت، سيحيا -حين أموت أنا وأنصار العدوّ- ووحده يبقى الوطن.
* وأعلم أن الذين يموتون لا ينهضون، لا يمرّون من هنا، لا يشتهون النساء، ولا يُشاركوننا القهوة السمراء في الأعياد وفي جاهات العُرس ولا في بيوت العزاء.
وأعلم أني لن أستعيد طفولتي و قد لا أحيا طويلًا..
و أن قريتي ما عادت كما كانت، وأن أهلها ما عاد يعنيهم من أمر مروري أو غيابي إلا نتائج تمرّدي وحكايات انحيازي للتعب.
* بالمناسبة ..
أهل قريتي لا يرفضون إلا في الدكاكين وفي قاعات الانتظار في المستشفيات الحكومية، يغضبون بهمس، ويتذمّرون على رؤوس أصابعهم، ولا يتمرّدون إلا على تمرّدي أنا وأمثالي.
يعشقون الجيش والحقل والمحراث وضجيج المزاريب ومواسم القطاف، ولا شيء يُضيء وجوه الفلاحين في قريتي كما المطر وأنباء (مُنخفضٍ) قُطبيّ او قادم من قُبرص.
– نعم .. هم كذلك.
يحبّون الملك؟
– لا أدري إن كان اسمُ ذلك حُبّا .. لكنهم (بلا شك) يخشون البديل..
يكرهون البرد وفكرة النوم في العراء، واستجداء حرس الحدود والوقوف في طوابير توزيع المؤن.
*بالمناسبة ايضا:
من قال إني أكره الملك -ملك بلدي أنا- فقد كذب.
ومن قال إني أحبّه، فقد ظلمني وظلم الحبّ.
هو شأن قلبي، قد لا أحبّك لكني لا أكرهك..
قد لا أُطيقك ولا أحترم لصوصيّتك وخُبثك وتبعيّتك لشقيقٍ أشدّ خبثًا منك
إلا أني لا أتمنى لك ولا لشقيقك أي سوء من أيّ نوع.
* قد أتمرّد عليك وأرفضك وأكشف موبقاتٍ ارتكبتَ وحماقات اقترفت، لكني معك على الموت إن أصلحت.
* قد لا أذكر خيرًا فعلت، قد لا أهتف لفوزٍ حققت.
قد لا أقول شكرًا لمنحة منك أو مكرمة هي من حقي
وأكثر مطالبنا حقوق.. يا ملوك المنّ والأذى.
* قد لا أُشير إلى حسنك؛ لأنك غارق بقُبحٍ بيّن.
قد لا أبوح بحُبّي لك؛ لأنك لا تليق بقلبي.
ولطالما قلت لك:
أصلح!
أصلح.. يا من لا دوام لعرشه، ولا قدرة لسلطانه على مُجابهة الموت.
أصلح.. ولأبحثنّ لك في بطون الكُتب عن خير فعلتَ، ولأجدنّ لتقصيرك معذرة.
لكنك، لا تراني ولا تريد أن أرى فيك حسنًا قد يقلب المُعادلة لصالحك أنت، قبل أن أحظى أنا بنتيجة تُرضيني.
وعليه؛
لن أرى خيرك الا إن أردتّ بنفسك خيرًا، ولا سقوط لمن سقط ولا مهابة لملكٍ نادت الرعيّة -بسقوطه- ولو همسًا!
** ** **
*حين أتأمّل مجاهدًا في ميدان
ثائرًا في مدينة
صامدًا في خندق
مُتمرّدًا في زمن القحط وموت الرجال، أقول في نفسي:
كأن الناس يبحثون عن حياة أكثر صدقًا في الموت الأكثر واقعية.
وأعود وأتذكّر:
أن في بلادنا ليس من داعٍ لأحدٍ أن يحيا معاناة خاصة أو عامة، ليصبح مبدعًا؛ لأنه وببساطة يولد مسحوقًا بامتياز.
ورغم أني أعرف أن تلك المسافة الفاصلة بين الأنوف التي يعبرها البحر وتلك الملأى بعفونة النهار -متوحّشة موحشة وطويلة- إلا أنها على مرمى يقين يسبقه (حب)!
نعم .. أتحدث عن الحب !
وأعلم أن القلب لَيفعلُ أشياء لا يدرك العقل منطقها، وأدرك أني أقيس الحبّ كما الرفض بأدواتٍ لا تُشبه محتويات عُلب الهندسة.
فالفرجار والإغريق وإقليدس ونظرية الخط المستقيم كما الزوايا القائمة، وبقية الثوابت والبديهيات لم تعُد إلا فصلًا في كتاب قد أعود إليه كلّ قليل لا لأنمو؛ بل لأضحك!
نعم، أعترف.
لا حسابات لديّ في التعاطي مع ما أحببت أو من أحببت وأني كما فرسان العصور الوسطى قد لا أجيدُ ( فن المسافة) إلا أني أتعامل مع خصمي بفروسية ولو لم يكن خصمًا نبيلًا.
فكيف هو حالي في التعامل مع تلك القضايا التي أُقاتل في سبيلها؟
وأعترف، أني أمتلك من الجرأة ما يكفي لاقتسام الضربة الأخيرة مع قاتلي كما (الساموراي)، لأموت بشرف كما حييت... وأمثالي لا يموتون إلا هكذا..
** ** **
*كم كرهتُ أسلوب المقارنات، فما كنتُ لأكون خفيضة الصوت، هادئة في المدرسة، مطيعة في البيت، ماهرة في حياكة الصوف، بشوشة في وجه الثرثارات من الجارات كابنة جيراننا السورية (عيّوش).
وما كنتُ لأكون ماهرة مثل الولد الذي كان يبحث عن رأس الشريط الأحمر في مثلث الجبنة قبل بلوغه الثالثة، وكان يعجب أبي كثيرًا حدّ أني صرت أمقت جبنة المثلثات في سنٍّ مبكرة، بسببه !!
* إرادتي في أن لا أكون كسواي، كانت أقوى من قدرة العصا على الترهيب، فلم تتغيّر عاداتي ولم تتبدّل قواعدي ولم أخضع يومًا لجدولة أو هيمنة.
ومع كلّ ذلك وجدتّ نفسي أقارن بين صغيري وولدٍ إنجليزي يبحث عن الشريط الأحمر في مثلث الجبنة وفي سنّ مبكرة، وحين تذكّرت أني تورّطت مع ولدي، بما كرهتُ من أبي -يومًا- ضحكتُ على نفسي وبحثتُ عن رقم هاتف أبي لأخبره أني في طريقي إليه.
===
*في عُرف الحقيقة والجغرافيا والتاريخ وبقية ما تيسّر من علوم الأرض والأحياء الدقيقة والمجرّات البعيدة، وبكلّ ثقة وبلا أدنى غرور، أمثالي لا يموتون أبدًا، ولو أردتّم وسعيتم،
فمن يرتدي الأساطير قد يتحوّل إلى فراشة وربما عصفور، نملة، أو حبّة قمح، أو قد يتحوّل إلى قنديل ولله الحكمة فيما خلق..
من ترتديه أصوات البرد قد تُحيلُه إلى درويش أو ربما إلى يدٍ تحمل لافتة مكتوب عليها:
(لم أبتكر أبجديتي بعد، وكلّ مافات عاث في أجزائكم موتًا بمُسميات مُختلفة -سيعرفها الذين يأتون بعدكم- فموتوا بجهلكم على مهلكم، فالمجد لي ولوجوه المُتعبين).
* من خصائص الطبيعة، أنها لا تُصاب بشيخوخة دائمة ومن خصائصي الكُبرى أنني لا أنسى وجهًا أحببته يومًا، ولو لم يبتسم لي -ذات اندفاعة غبية مني وسذاجة- غفرتُها لي.. فيما بعد..
*التفاصيل أحيانًا مُرهقة، مؤذية، مُملّة، مُحبطة، فماذا عليكم أن تعرفوا أكثر عن هذه التي تكتب؟ عن أي شيء وكل شيء بمعزل عن رضا قوم وسخط سواهم؟
أأحدّثكم عن الفقدان؟
عن الحرمان؟ عن الفقر؟ البرد؟ الجوع؟
عن البدايات المُهينة؟ أم عن زواجي قبل بلوغ الخامسة عشرة رغمًا عن رأي مديرة المدرسة التي لن أنسى مواقفها المُشرّفة معي ما حييت، عن حُلمي بأن تُنقل بذوري لمدرسة اليوبيل الخاصة بقادة المستقبل كما اقترح مُشرف تربوي أم عن جوائز مؤسسة شومان الأولى بالشعر والقصة أم عن وعن وعن ؟!
*هل صحيح أن الذي يشقى زمنًا، ينسى حين تحنو عليه الحياة؟
أم يتناسى و لاتغيب عن أنفه رائحة كل مكان قصده -سابقًا- وهو على هيئة لا تُشبه الهيئة التي هو عليها الآن؟!
لا أدري إن كنتُ على صواب بإعادة نصّ قديم غير مترابطٍ كهذا؟!
كل عام وأنتم تتذكّرون وتصفحون عمّن أساء وتكبُرون وأنتم في أحسن حال
=====
الكاتبة الأردنية التركية احسان الفقيه
كُتبت عام
قطر وتركيا: حين تنحني السياسة أمام الحق
========
يقولون إن هتلر كان ينام وتحت وسادته كتاب «الأمير» لمكيافيلي، وشاركه في الفعل كذلك موسوليني وغيره، وكأنهم ينشدون نومًا هانئًا عندما يتذكرون وصايا ذلك الفيلسوف والسياسي الإيطالي في كتابه، الذي يتنكر للقيم والفضائل ويرى وجوب فصل الأخلاق عن السياسة، ليصبح الطريق مفتوحًا أمام الحكام لاستباحة كل شيء من أجل المصلحة السياسية، ولو دُهست الفضائل والقيم والمبادئ بالنعال.
لقد كان للنظرية المكيافيلية أثرها القوي في توجُّهات الأنظمة الحاكمة، تعمّقت أكثر بشكل أقوى في عالمنا العربي، رغم وجود نظريات فلسفية أخرى تحضّ على رعاية الأخلاق في ممارسة السياسة، ومنها ما قاله إيمانويل كانط: «لا يمكن للسياسة الحقيقية أن تتقدم من دون أن تُكرم الأخلاق، إذ على السياسة أن تنحني أمام الحق».
ونظرًا لسيطرة نظرية ميكافيلي في الفصل بين السياسة والأخلاق، رأينا بعضهم يتهكمون على مصطلح أكاديمي ناشئ وهو «الأخلاق السياسية» زعمًا منهم أنه لا مكان للأخلاق في عالم السياسة، ولو أنصفوا لقالوا إن السياسة في الأصل قيادة المجموع أو الجماعة إلى ما فيه نفعهم ومصالحهم، والأخلاق كذلك تقود الناس إلى ما فيه نفعهم ومصالحهم، لكن الناس آثروا الفصل بين السياسة والأخلاق.
ورغم أن المبدأ المكيافيلي «الغاية تبرر الوسيلة» كان يركز على السياسة الداخلية، بمعنى أدوات الحاكم في الإبقاء على عرشه بأي وسيلة، إلا أن هذا المبدأ شاع بين الدول في سياساتها الخارجية، فلا تجد مكانًا لمنظومة القيم والأخلاقيات في تلك السياسات.
مواقف الأخلاق السياسية المتبادلة بين قطر وتركيا تعد نموذجًا حيًا لإمكانية تطبيق المزج بين تحقيق المصالح السياسة ورعاية المبادئ والقيم والأخلاق في آن.
أبرز المحطات التي شهدت مواقف أخلاقية راقية بين الدولتين، كانت ليلة الانقلاب الفاشل الذي كاد يعصف بتركيا قبل عامين، فمنذ الساعات الأولى، وفي الوقت الذي كان الجميع يتحدثون عن نهاية أردوغان وفريقه، أعلنت قطر دعمها للشرعية، ولم تنتظر كغيرها أن تترجّح إحدى الكفتين.
في حال التغليب البحت للمصالح السياسية، ربما كان على قطر التريث حتى تتضح الرؤية، ذلك لأن نجاح الانقلاب كان سيضع قطر موضوع الخصومة مع النظام الجديد لتركيا، إلا أن القيادة القطرية اختارت منذ اللحظة الأولى موقفًا عادلًا، ربما كان فيه شيء من المجازفة السياسية. ثم كانت محطة الأزمة الخليجية التي فرضت خلالها السعودية والإمارات والبحرين حصارها على قطر للضغط عليها، ودفعها إلى الرضوخ للشروط المجحفة، التي تنال من السيادة القطرية، وصَفَها جيمس دورسي الباحث في السياسات الدولية في جامعة راجاراتنام، بأنها مصممة بشكل واضح ليس للتوصل إلى حل سلمي، بل لإلحاق عقاب وأضرار لا حدود لها بدولة قطر. وقتها تحركت تركيا في عدة اتجاهات، فمن ناحية بذلت جهودًا دبلوماسية لاحتواء البيت الخليجي للأزمة، وهو ما ظهر أن الطريق إليه مسدود، ومن ناحية أخرى صرح أردوغان بدعمه قطر في محنتها مُذكرًا بموقفها النبيل من الانقلاب التركي، ومن ثَمّ تمّ فتح خطوط نقل جوي لتوفير البدائل الغذائية والمواد الأولية، لكسر الاعتماد على دول الحصار، فأفادت تركيا واستفادت من إغراق الأسواق القطرية بمنتجاتها القطرية.
ومن ناحية أخرى وهي الأهم، صادق البرلمان التركي على إرسال قوات عسكرية إلى قطر، فتم إحباط التدخل العسكري الذي كان مخططا له، وهو ما أظهره تصريح أمير الكويت عندما قال، «نجحنا في تجنب التصعيد العسكري».
فمرة أخرى ظهرت مراعاة القيم والمبادئ، وهذه المرة لدى الجانب التركي، والذي تحرص قيادته على صبغة أخلاقية ثابتة في التعاملات الدولية، وينبغي الأخذ في الاعتبار أن الأتراك كانوا يعلمون قطعا، أن هذا الانحياز إلى قطر سيترتب عليه تعكير صفو العلاقات مع السعودية، التي كانت تركيا تسعى للتقارب معها بتحالف استراتيجي، وتحرص على ذلك ربما أكثر من حرصها على التحالف مع قطر، نظرًا لمكانة السعودية في العالم الإسلامي والعربي.
ومع أزمة الليرة التركية التي كانت صنيعة أمريكية تورطت فيها جهات عربية لكسر الإرادة التركية، توجّه أمير قطر إلى أنقرة مُعلنًا عن استثمارات قيمتها 15 مليار دولار لدعم الاقتصاد التركي في المحنة، وهو ما لم تفعله دولة عربية، ولم يكن هذا الدعم القطري قاصرًا على الموقف الحكومي، بل امتد ليشمل حراكًا شعبيا قويا داخل قطر لدعم الليرة التركية، مع التذكير بأن موقف القطريين هذا يأتي في ظل الحصار الاقتصادي، ومع التذكير كذلك بأن هذا الموقف لا يصب في صالح العلاقات التي توصف بالقوية بين قطر والولايات المتحدة.
قطعًا أنا لا أزعم أن المواقف الأخلاقية المتبادلة بين الدولتين، بعيدة عن الحسابات السياسية وتحقيق المصلحة، فهذا من السخف بمكان، ولكن اللافت للنظر في تلك المواقف هو تحقيق المنفعة في إطار مراعاة المبادئ، وهو أمر له نظائر كثيرة في التاريخ بمختلف حقبه، وليس فلسفة سياسية جديدة. قيم الوفاء ورد الجميل ونصرة المظلوم، وغيرها من مفردات المنظومة الأخلاقية والقيمية، من الممكن دمجها مع السياسة في إطار تفاعلي، وداخل علاقة صحية ونظام مشترك، بعيدًا عن طغيان المكيافيلية والنظر إلى المصلحة السياسية، على أنه لا مكان فيها للقيم والمبادئ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
===
الكاتبة الاردنية التركية احسان الفقيه
25 يناير.. المدينة الفاضلة ليست مستحيلة،
-- عبد الله كمال
أي شابّ عربيّ يتذكّر الوضع السياسيّ في السنوات القليلة التي سبقت انطلاق الثورات العربية في نهاية 2010/ بداية 2011 سيتّفق معي على أنها كانت سنوات الإحباط العظيم. فقد سبقتها الحرب على غزّة في نهاية 2008 التي ترافقت مع موقف عربيّ مخزٍ من الأنظمة السياسيّة، بالإضافة إلى صمت دوليّ مطبق على الجريمة التي رآها العالم أجمع على المباشر، بالإضافة إلى ذلك، كان الإحباط على المستوى السياسيّ قد بلغ أشدّه في بلدي الجزائر، ففي سنة 2008، قاد الرئيس بوتفليقة مسرحيّة هزليّة رديئة عدّل خلالها الدستور الذي كان ينصّ على تحديد العهدات الرئاسيّة بعُهدتين فقط إلى عدد مفتوح للعهدات، وسط صمت مطبق من الطبقة السياسيّة وحساسيّات المجتمع المدنيّ، وانعدام أي شكل من أشكال المعارضة، لقد كان العرض الكوميديّ الوحيد في العالم الذي تشاهده فتبكي بدلًا عن أن تضحك.
الموقف الآخر الذي جعل الإحباطَ عنوان مرحلة ما قبل ثورات الربيع العربيّ هو المباراة الشهيرة بين الجزائر ومصر، وكل ذلك الفجور في الخصومة التي اتّسم به إعلام الطرفين، حتى راح ضحيّة تلك المشاحنات التافهة قطاعات واسعة من الشعوب العربيّة التي رأت نفسها «مرغمة» على الاصطفاف في هذه الحرب التي تذكّرك بحروب الجاهليّة (إياها)، لكن وسط كل هذا السباب والشتائم المتبادلة والتحريض على القتل بين أبناء الدين الواحد والوطن الواحد والمصير الواحد؛ كان صوت خافت يتردد في أذهان عدد قليل من شباب العالم العربيّ، اكتشفنا فيما بعد بأنهم ليسوا قليلين أبدًا: إني بريء من كلّ هذا العبث، أو كما قال تعالى: إني بريء مما تعملون.
لكن لنكن عقلانيين؛ فالأحداث المؤسفة، والحروب والمصائب تحدث في كل أنحاء العالم، فما الذي جعل وطأتها على النفوس أشدّ في تلك السنوات؟ إنّه الشعور بالوحدة، وحدة فكريّة وغربة نفسيّة، الشعور بأنّك ترفض هذا العبث كلّه؛ لكنك ترفضه وحدك، وسط حشود مليونيّة من المنغمسين فيه، المؤمنين حدّ النخاع بالدعاية الحكوميّة، الأعداد الغفيرة التي تُملي عليها السلطة من ينبغي أن تحبّ وتكره ومن تصادق أو تُعادي، والفئات الكبيرة التي تؤمن أن ختم الوطنيّة والخيانة تحتكره السلطة وحدها، لكن كل هذا كان سيتغيّر بعد أن دخل لاعب جديد في الساحة، إنه الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعيّ، والمدوّنات، وغيرها من الوسائط الحديثة.
لقد أصبحت هذه الوسائل الحديثة نافذة الكثيرين نحو فضاء إلكتروني يسمح لهم بالالتقاء بمن يشاركونهم هذه الوِحدة والاغتراب، فخفّف عنهم ذلك الكثير من وطأة سنوات الإحباط الكبير، وأيقن الكثير منهم «أنّنا لسنا قليلين أبدًا»، فقط لم نكن نعرف بعضنا بعضًا، ولم تتح وسيلة للتواصل والتنسيق فيما بيننا كما يحدث الآن.
أجزم أن أحجار (الدومينو) التي سقطت بشكل متسارع أدهشت العالم في سنة 2011، كانت بدايتها قبلها بسنوات حين انتشرت شبكة الإنترنت عند عدد أوسع من الناس، فسمح بذلك للنشطاء بالتعارف والتواصل والحديث في القضايا المختلفة التي تهمّ الشباب آنذاك، سواء في المنتديات أو في المدوّنات، ثم تويتر، وفيسبوك.
لم أكن أعرف أي شخص من مصر على وجه التحديد، ولم يربطني بهذا البلد أيّ اهتمام خاصّ بأيّ شكل من الأشكال، كل ما كنت أعرفه عنه هو أنه يملك كتّابًا كبارًا استفدت منهم، بالإضافة إلى مجموعة محدودة من المدوّنين غير المعروفين الذين كنت أقرأ لهم قبل 2011 خلال موجة انتشار المدوّنات.
اندلعت ثورة تونس بشكل مفاجئ وصادم، وتوقّعت أن تكون كغيرها من الاحتجاجات التي سريعًا ما تنطفئ، وتابعتها بالخصوص على موقع تويتر آنذاك؛ لأن أغلب وسائل الإعلام العربيّة لم تعر هذا البلد الذي لا يحضر كثيرًا في نشرات الأخبار، ولم تسمع الشعوب العربيّة عن حجم القمع الممارس عليه من قبل.
كان وسم #sidiBouzid على تويتر هو نافذتي على ما يحدث فعلًا، إذ كان الناشطون التونسيون يتنقّلون إلى المدن المختلفة لينقلوا للعالم حقيقة الأوضاع المتصاعدة هناك، وسرعان ما اكتشفت أنها ثورة شعب بأكلمه، لا مجرّد احتجاجات محدودة، سألت والدي حينها «ما هو المطلب النهائي لكلّ هذه الجموع؟ ففي النهاية لنكن واقعيين، لن يستقيل الرئيس مثلًا!»
مباشرة بعد سقوط بن علي في تونس، بدأ النشطاء المصريون يتحدّثون في وسائل التواصل الاجتماعيّ عن تكرار التجربة التونسية في مصر، بينما كان يجمع المحلّلون و«الخبراء الاستراتيجيون» الذين تستضيفهم القنوات على أن «مصر ليست تونس».
لم أتابع تلك النقاشات عن قرب، لكنني أتذكّر حين أعلن وائل غنيم على تويتر أن يوم الخامس والعشرين من يناير سيكون بداية الاحتجاج، تابعت بداية الاحتجاجات بشكل متقطّع؛ لأن التغطية لم تكن كثيفة من جهة، كما أن يوم الخامس والعشرين لم يشهد توافد أعداد ضخمة كما حدث في جمعة الغضب بعدها بثلاثة أيّام.
تجمّع الناس في ميدان التحرير هاتفين «للعيش والحرية والعدالة الاجتماعية» كان من أعظم المشاهد التي رأيتها في حياتي، وقد تخيّلته مشهدًا من مشاهد ثورة نوفمبر المباركة التي طالما تمنيّت أن أعيش ولو لحظة منها، وهو جزء من الحلم يتحقّق.
لقد مثّل ميدان التحرير «عالمي الموازي» الذي أهرب إليه ولا أحدّث أحدًا عنه، فلن تجد في ذلك السن من يهتم بالسياسة عمومًا، ناهيك عن سياسة تقع على بعد آلاف الكيلومترات من بلده. ميدان التحرير كان تجسيدًا للمدينة الفاضلة التي نسعى جميعنا لتحقيقها على أرضنا يومًا، المدينة التي يقتسم فيها الغنيّ والفقير قطعة خُبز، ويؤثر فيها الواحد أخاه على نفسه فيهديه رداءه أو وشاحه حتى لا يبرد، مدينة يحرس فيها المسيحي المسلم أثناء صلاته. برهنت ثورة مصر، ولو على مدار أيام معدودات، أن هذه اليوتوبيا الخياليّة، ليست خياليّة لتلك الدرجة.
لا أنكر أنه مرّ عليّ يوم أو يومان صدّقت فيه تمامًا أن هذا المنظر الأسطوري الذي يحدث في ميدان التحرير هو مؤامرة صهيو-أمريكيّة أو قوى خفيّة غير معروفة أخرى؛ ليس لأنّني شكّكت في وطنيّة الموجودين هناك، بل على العكس تمامًا؛ لقد كان حجم الفرحة أكبر من أن أستطيع استيعابه، لذلك لجأت إلى التفسيرات الأخرى، لا بد أن هنالك خطأ ما في كل هذا، كأن تحصل في الامتحان على نتيجة أكبر مما تستحقها، فتلجأ إلى تفسير ذلك بأن هذا ليس إنجازك، وإنما هو خطأ الأستاذ المصحّح!
عندما خرج عمر سليمان ليعلن ما كان يعلمه كلّ من في الميدان؛ صرخت «الله أكبر!»، وخرجت أجري إلى الشارع، كنت أظن في مخيّلتي أن هناك مسيرة ما ستندلع فرحًا تحت بيتي، أو أن الجميع متسمّرون أمام تلفازهم يتابعون أخبار الميدان مثلي، لكني وجدت الدنيا تسير كأن لا شيء حدث أصلًا، وجدت شخصًا أعرفه جالسًا عند ناصية، وبشكل لا إرادي قلت له بانفعال بادٍ في وجهي لا استطيع حبسه، قلت له: «مبارك سقط»، فأجابني: «شكون مبارك؟» (من مبارك).
الكثير من شباب مصر يرون أن الثورة قد ماتت للأبد، ويتأسفون على تلك الفرصة الثمينة الضائعة، ويمكن بكلّ تأكيد تفهّم هذه الانطباع بعد كل الدم الذي سال في الشارع ومع آلاف المعتقلين في سجون الاستبداد، لكن يبقى من المهم توثيق تلك الأيام والحديث عنها وتلاوة قصصها ويوميّاتها، كما ينبغي تذكير الجميع بحجم التأثير العالمي الذي تجاوز حدود مصر، حتى تبقى روحها حاضرة في أذهان الأجيال القادمة، ليس من أجل إعادة إنتاجها مستقبلًا فحسب، ولكن من أجل الذاكرة، وعلى الخصوص من أجل الشهداء الذين سقطوا في تلك الأيام المباركة وما بعدها.
الجزائر والقضية الفلسطينية: مباراة كرة قدم لا تكفي
--- عبد الله كمال
حدثان متعلقان بالقضية الفلسطينية شغلا الرأي العام الجزائري في الأسبوع الماضي، الأول هو المباراة الودية التي جمعت المنتخب الجزائري بنظيره الفلسطيني، حيث تناقلت وسائل الإعلام العربية والعالمية الاستقبال الحافل الذي خصّت به الجماهير الجزائرية منتخب «الفدائي» كما يلقّب، بل وتجاوزت ذلك إلى حد تشجيعه ضد منتخب بلادها في سابقة في كرة القدم، فاهتزت مدرجات ملعب 5 جويلية الذي امتلأ عن آخره – بفضل سياسة السلطات الجزائرية التي جعلت الدخول مجانيا – عندما سجّل الفلسطينيون في مرمى الحارس الجزائري.
والثاني كان حملة لمقاطعة شركة خطوط الهاتف النقال «djezzy» التي تشترك فيها السلطات الجزائرية مع شركة «Vimpelcom» متعددة الجنسيات، بسبب جنسية مديرها الروسي الإسرائيلي «MIKHAIL FRIDMAN»، بدأت الحملة عندما فجر صحفيا قناة «beur tv» الخاصة القضية وسط مؤتمر صحفي لشركة جازي متهمين مدير الشركة ميخائيل فريدمان باستغلال أموال الجزائريين لدعم الاحتلال الإسرائيلي، حيث انتشر فيديو احتجاجهما داخل مؤتمر الشركة على شبكات التواصل الاجتماعي بشكل كبير. وبدأت مطالبات لتكسير خطوط شركة جازي ومقاطعة منتجاتها احتجاجًا على دعمها للاحتلال كما يقول أصحابها. فيما شكك آخرون في نوايا أصحاب الحملة وما إن كانت شركات الهاتف المنافسة خلف الستار. وتنبغي الإشارة هنا إلى أن مدير الشركة الأم المساهمة في «جازي» الميلياردير الروسي ميخائيل فريدمان فعلا حاصل على الجنسية الإسرائيلية. لكن ما إن كان ذلك يرتقي لأن يجعل شركة جازي – التي تشترك الدولة الجزائرية في أسهمها – ذاتها مدانة باستعمال أموال الجزائريين في دعم الاحتلال الإسرائيلي محل شك وينبغي التدقيق فيه من قبل المختصين في هذه القضايا.
وتتخذ هذه القضية حساسية مفرطة في الأوساط الجزائرية على المستوى الرسمي؛ فالجزائر رسميًّا لا تمتلك أي علاقات دبلوماسية مع سلطة الاحتلال، وإن كان الدعم الرسمي لفلسطين بصورة محتشمة لا تتجاوز التصريحات والخطب دون عمل جاد داعم للقضية على أرض الواقع، لكنه يبقى ثمينًا في ظل واقع عربي صامت أو متواطئ في كثير من الحالات. كما أن التضامن مع القضية الفلسطينية يلقى رواجا كبيرًا على المستوى الشعبي. يبرز ذلك في كثير من الأحداث، كالمشاركة المميزة للجزائريين في حملات كسر الحصار على غزة من خلال وفد أسطول الحرية سنة 2010 [المصدر]، وحملات الإغاثة وجمع التبرعات التي تقوم بها عدة جمعيات أهلية، والانسحابات المتكررة للرياضيين الجزائرين من مواجهة إسرائيليين. [المصدر]
لكن يؤخذ على الجزائر أن هذا الدعم الشعبي والرسمي لا يوجد له انعكاس كبير في المجال الاقتصادي،
فإن صحت هذه الادعاءات الموجهة ضد شركة جازي، فإن هذه الشركة لن تكون الوحيدة في هذا المجال، فحملة المقاطعة الاقتصادية العالمية للشركات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي «BDS» بينما تزدهر في أوروبا وأمريكا ويزداد الوعي والمشاركة الشعبيان بها، لا نسمع لها صدى قويا في الجزائر. ففرع حركة «BDS «boycott,divest,sanctions الذي تأسس في صائفة 2015 لا نكاد نلحظ له نشاطًا حقيقيًا لا في العالم الافتراضي ولا على أرض الواقع. والدولة التي قدّمت فلسطين لأول مرة إلى الأمم المتحدة سنة 1974، تتعاقد مع عدة شركات متورطة بشكل فظيع في انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني وفي خدمة الاحتلال الإسرائيلي.
شركات العار
نذكر هنا أمثلة لهذه الشركات التي تعمل في السوق الجزائرية منذ سنوات رغم مشاريعها المعلنة في التعاون مع سلطات الاحتلال، مع معلومات عن المناطق التي تنشط فيها والمشاريع التي تسلمتها.
1. «Veolia»
هذه الشركة الفرنسية متعددة الجنسيات المتخصصة في مجالات إدارة المياه والصرف الصحي والطاقة، متهمة بتهويد القدس الشريف، حيث تقوم بإدارة الطرقات وخطوط الترام في الأراضي المحتلة وتشغّل طرقات معروفة بـ«طرقات الأبارتايد» بسبب منع الفلسطينيين من عبورها، كما تقوم بمعالجة النفايات المجموعة من 21 مستوطنة في مكب توفلان (Tovlan) الواقع في أراضي 67، مما ترك آثارًا سلبية، صحيًا وبيئيًا، على السكان الفلسطينيين. رغم ذلك نجد أن لها وجودًا قويًا في السوق الجزائرية، ففي تاريخ 4/11/2012 أعلن المكتب الوطني للصرف الصحي توقيع عقد مع هذه الشركة بقيمة 2,7 مليار دينار جزائري، أي ما يعادل 25 مليون دولار أمريكي، من أجل تشغيل بمحطة الصرف الصحي ببني مراد بولاية البليدة، غير البعيدة عن الجزائر العاصمة التي احتضنت سنة 1988 إعلان الاستقلال الفلسطيني. [مصدر].
2. ألستوم
تعاني الشركة الفرنسية متعددة الجنسيات التي تعمل في توليد الطاقة وقطاع المواصلات، من شدّة حملات المقاطعة التي تطالها في أوروبا بسبب تورطها في دعم الاحتلال الإسرائيلي، من خلال إنشاء ترام القدس الذي يربط بين الجانب الغربي للمدينة والمستوطنات المقامة في القدس وحولها في انتهاك صارخ للقوانين الدولية [مصدر]، ففي حين نجحت الحملة ضد هذه الشركة في السويد من منعها من الحصول على مشروع تشغيل ميترو ستوكهولم، ومن الحصول على صفقة تشغيل قطار الحرمين في السعودية، نجد أنها تحظى بغنائم هائلة في السوق الجزائرية، فنجد أنها حازت في 2016 صفقة إنشاء ترام سطيف بتكلفة تقدر بخمسة وثمانين مليون يورو [مصدر]، كما وقعت عقدا مع شركة العمومية لسكك الحديد
SNTF قدر بتكلفة 200 مليون يورو، وكذلك إنشاؤها لمصنع CITAL الضخم لتجميع وصيانة الترام [مصدر]. بالإضافة إلى حصولها سنة 2012 على صفقة ضخمة لإنشاء محطة توليد الكهرباء بمنطقة ترقة بولاية عين تيموشنت بقيمة 1,35 مليار يورو [مصدر].
3. شركة جي فور أس «Group 4 Securicor»
شركة G4S الأمنية متعددة الجنسيات متهمة بارتكاب خروقات فادحة في حق الشعب الفلسطيني، عن طريق التواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي في تطوير أنظمة السجون التي يُحتَجَزُ فيها قصّرٌ ومعتقلون سياسيون فلسطينيون دون محاكمة، كما وفرت معدات لسجون تم توثيق استعمال التعذيب المنهجي فيها والمعاملة السيئة للفلسطينيين داخل أسوارها. هذه الشركة طالتها حملات مقاطعة ناجحة في إسكتلندا وبريطانيا وجنوب إفريقيا ودول أوروبية أخرى، وتتصاعد الأصوات المطالبة بطردها من البلدان العربية كلبنان والأردن ومصر، لكنها في الجزائر تنعم بعقود ثمينة مقابل حراسة أنابيب النفط والمنشآت الغازية الموجودة في الصحراء عن طريق فرعها ArmorGroup [مصدر].
4. شركة «Caterpillar»
الشركة الأمريكية العالمية المختصة في تصنيع الجرافات وآليات البناء، تعاونت مع الاحتلال الإسرائيلي في هدم بيوت الفلسطينيين وتدمير مزارعهم. كما قامت بتطوير جرافات خاصة للجيش الإسرائيلي حسب احتياجاته. وبينما تعاني الشركة من حملات المقاطعة التي تطالها في أمريكا نجدها تواصل التوسع في السوق الجزائرية بشدة عبر وكيلها المعتمد في الجزائر BERGERAT MONNOYEUR ALGERIE.
آمال كبيرة
آمال كبيرة تعلّق على الجزائريين سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي في تبني حركة المقاطعة الاقتصادية للاحتلال التي تكسب مساحات ومعارك جديدة كل يوم. تمتلك الجزائر العديد من أوراق الضغط الاقتصادية من خلال الفرص الاستثمارية المتوفرة فيها، التي يمكن أن توظفها في خدمة القضية الفلسطينية عن طريق استبعاد الشركات التي يثبت تورّطها في مساندة الاحتلال الإسرائيلي من المشاريع الاقتصادية. وعلى المستوى الشعبي، فمطلوب من مكتب حركة «BDS» التواجد بصفة أكبر على أرض الواقع وعلى الشبكات الاجتماعية من أجل إيصال رسالته إلى أكبر عدد ممكن من الناس. المباراة التي أقيمت بين الجزائر وفلسطين بيّنت أن هنالك احتفاءً ودعمًا شعبيًا حقيقيًا بالقضية الفلسطينية، لكن من المؤكد أن مباراة في كرة القدم لن تحمل الشركات الضالعة في انتهاكات للحقوق الفلسطينية على إيقاف مشاريعها هناك، بل إقصاؤها من الفرص الاستثمارية هو ما يؤثر فعلا كما رأينا في البلدان التي حققت حركة «BDS» فيها انتصارات ملموسة.
***************
لالة فاطمة نسومر.. ابنة الزاوية التي قادت المقاومة الجزائرية ضد الفرنسيين
--عبد لله كمال
وَتَذْكُرُ ثَوْرَتُنَا العَارِمَة***بُطُولَةَ سَيّدَتِي فَاطِمَة
يُفَجِّرُ بُرْكَانَها جُرجُرَة***فَتَرْجِفُ بَارِيسُ والعَاصِمَة
وأَلْهَبْتِ نارًا تُذِيبُ الثلوجَ***وتعصف بالفئة الظالمة
*مفدي زكريَّا – إلياذة الجزائر
بعد حوالي عقدين من دخول القوّات الفرنسية للجزائر سنة 1830، كانت المقاومة الشعبية الجزائريّة تعرف تحوّلات خطيرة، فثورة الأمير عبد القادر التي انطلقت سنة 1832 واستمرّت لما يزيد عن 15 سنة قد هُزمت بعد وقوع الأمير في الأسر، لكن ذلك لم يكن يعني انتهاء الثورة، بل إنّ نهاية مقاومة الأمير كانت موعدًا لولادة عدّة بؤر مقاومات محليّة في مختلف الأقطار الجزائريّة، إذ اشتعلت في منطقة الظهرة والزعاطشة ببسكرة في الصحراء الجزئريّة، إلى جانب بلاد القبائل في جبال جرجرة.
من جبال جرجرة.. الشابة صغيرة السنّ في موعد مع التاريخ
كان هنالك إلحاح من الجنرالات الفرنسيين على القادة السياسيّين من أجل أخذ الإذن للهجوم على منطقة جبال جرجرة، التي بقيت مستقلّة حتى سنة 1947، وذلك بسبب موقعها الجغرافي الفريد والمحصّن طبيعيًّا ضد أيّ غزو أجنبي، وقد مهّد الفراغ الثوريّ الذي نتج عن انكسار مقاومة الأمير عبد القادر لظهور قيادات ثوريّة في منطقة زواوة المعروفة بمنطقة القبائل، بضواحي جبال جرجرة، إذ شهدت تلك المنطقة بعد سنة 1849 موجة ثوريّة ضد الاستعمار الفرنسيّ التفّ حولها السكّان وطلبة الزوايا الصوفيّة، وبرزت شخصيّات قياديّة تولّت قيادة العمليّات العسكريّة ضد الاستعمار.
لالة فاطمة نسومر
لعلّ قيادة الرجال لمثل هذه المواجهات العنيفة أمر معهود في التاريخ، لكن أن تقود امرأة صفوف الرجال من أجل الجهاد ضد الاستعمار، في مجتمع قبليّ ومحافظ، فهذه قصّة تستحقّ أن تُحكى، إنّها قصّة لالّة فاطمة نسومر، راعية زاوية ورجة الرحمانية، وزعيمة الجهاد ضد الاستعمار في منطقة زواوة.
وُلدت لالة فاطمة نسومر، سنة 1830 -نفس السنة التي دخلت فيها قوّات الاحتلال الفرنسيّ الجزائر- أبوها الشيخ الطيب، شيخ زاوية ورجة الرحمانية. وقد تزوّجت وهي بنت 16 سنة، لكن زواجها لم يوفّق فعادت إلى أهلها وقد رفض زوجها تطليقها، فبقيت تحت عصمته، الأمر الذي سيجعلها ترفض زيجات مهمّة لاحقًا.
بعد أن توفي والدها، تكفّلت بالزاوية وأصبحت مع أخيها راعيتها والمسؤولة عن شؤونها وطلاّبها. وفي أواخر سنوات الأربعينيات من القرن التاسع عشر، شهدت منطقة زواوة توافد العديد ممّن يُدعوْن بالأشراف، وهم رجال متصوّفون كان بعضهم في جيش الأمير عبدالقادر، وقد عزموا على تفجير الثورة من جديد في منطقة زواوة، كان أبرزهم الشريف محمّد الهاشمي الملقّب بـ«بومعزة» والشريف محمد الأمجد بن عبدالملك الملقّب بـ«بوبغلة» وغيرهم.
عندما جاء الهاشمي «بومعزة» إلى منطقة زواوة سنة 1949 من أجل إشعال الثورة بعد أن كان في جيش الأمير عبدالقادر، أراد حشد الجهود الشعبيّة في المنطقة، فاتّصل بقياداتها المحليّة من أجل جمع المال والرجال والعتاد، وقد كانت زاوية لالّة فاطمة نسومر إحدى وجهاته من أجل حشد الدعم، وتشير كتب تاريخيّة إلى أنّه عرض على فاطمة زواجًا سياسيًّا من أجل تقوية روابطه مع السكان المحليّين، إلاّ أنّ كونها تحت عصمة زوجها الأوّل -الذي رفض تطليقها رغم انتهاء زواجهما فعليًّا- حال دون هذا الزواج.
الأمجد ابن عبد الملك الملقّب بـ«بوبغلة» كان أيضًا ممّن تعاونت معهم لالة فاطمة نسومر عسكريًّا، ففي السابع من أبريل (نيسان) سنة 1854، شاركت فاطمة نسومر مع بوبغلة في معركة قادها الجنرال وولف من الجانب الفرنسيّ في وادي سيباو، وتشير بعض المصادر التاريخيّة إلى أن الشريف بوبغلة قد أصيب بجراح بليغة وكاد يقع تحت الأسر، إلاّ أن فاطمة نسومر استطاعت إنقاذه بأعجوبة، لتنتهي المعركة بانتصار المقاومين الجزائريين.
حين قادت فاطمة المجاهدين في وجه الجيوش الفرنسيّة
وَأرعَفتِ «راندون» في كِبرِه***ودُستِ على أنفه الراغمة
وصَعَّرتِ للجنرالات خدًّا***فخابت نواياهم الآثمة
تتحلّى منطقة زواوة -الواقعة في محافظة تيزي وزو حاليًّا- بصفات جغرافيّة وسكّانية فريدة جعلتها بعد 20 سنة من احتلال القوّات الفرنسيّة للعاصمة الجزائريّة تبقى دون أن تدخلها قوّات الاحتلال الفرنسيّ، إذ تُعرف بجبال جرجرة العالية ووديانها ومسالكها الوعرة، بالإضافة إلى الثلوج الكثيفة التي تكسوها في فصل الشتاء، فيقطع عنها الطرق والرؤية، بالإضافة إلى قراها ومداشرها وقبائلها المتنوّعة وغطائها النباتي الكثيف، ممّا يجعلها المنطقة المثاليّة لأيّ عمل مسلّح وحرب العصابات.
الشريف «بوبغلة» ولالة فاطمة نسومر
بينما تجد فيها القوّات النظاميّة صعوبة شديدة في التحكّم في جغرافيّتها أو سكّانها. لكن مع نهاية سنوات الأربعينيات، ورغم أنّ يد الاحتلال الفرنسي لم تسيطر عليها بعد؛ إلاّ أن جرجرة صارت محاصرة تقريبًا من كل الجهات، خصوصًا بعد احتلال بجاية والحصار البحريّ من الشمال، ممّا عنى أن جميع النشاطات الاقتصادية والمبادلات التجارية أصبحت متوقّفة.
في السابع عشر من يونيو (حزيران) سنة 1854، وقعت معركة تاشكيرت بين الفرنسيين بقيادة الجنرال راندون في محاولة للسيطرة على قرى منطقة وادي سيباو، وبين فاطمة نسومر التي قادت قوّات المجاهدين لمواجهة الجيش الفرنسيّ، ورغم تفوّق الفرنسيين في العدّة والعتاد إلاّ أنّ المجاهدين استغلّوا معرفتهم بالتضاريس الجبليّة الوعرة؛ واستطاعوا ردّ العدوان الفرنسيّ، إذ سقط في تلك المعركة 800 جندي فرنسيّ و25 ضابطًا وأكثر من 300 جريح.
وفي مايو (أيّار) سنة 1957 قاد الجنرال راندون حملة عسكريّة كبيرة من أجل اقتحام جبال جرجرة والسيطرة عليها، فاحتلّ قرى منطقة الأربعاء ناثيراثن وارتكبت القوات الفرنسيّة مجازر في حقّ السكان المحليّين، وبسقوط هذه المنطقة، أصبحت السيطرة على جرجرة مسألة وقت فقط.
جمعت لالة فاطمة نسومر المجاهدين من مختلف العشائر والقبائل للهجوم على الفرنسيين، واندلعت معركة إيشريضن التي قادتها لالة فاطمة من جهة، والجنرالات الفرنسيّون راندون، وماكماهون من الجانب الفرنسيّ، ورغم أن جيش أهالي جرجرة بقيادة فاطمة نسومر استبسل في المعركة وحاول ردّ العدوان الفرنسيّ، إلاّ أنه فشل في ذلك وأجبر على الخضوع للمفاوضات من أجل وقف القتال.
جبال جرجرة
بدأ وفد المجاهدين بقيادة السي الطاهر شقيق لالة فاطمة نسومر، مفاوضات إيقاف القتال مع الطرف الفرنسيّ بقيادة الجنرال راندون، واتّفق الطرفان على الهدنة مقابل الشروط التالية: أن تنتشر القوات الفرنسيّة خارج التجمعات السكنيّة، وأن لا يدفع سكّان المنطقة الضرائب، وأن لا يُحاكم قادة الثورة، والالتزام بحماية الأشخاص والممتلكات. وقد وافق الجانب الفرنسيّ على هذه الشروط، لكن وما إن غادر الوفد مكان الاجتماع حتّى أمر راندون بإلقاء القبض عليهم، ثم وقعت فاطمة نسومر في الأَسر هي ومجموعة من النسوة.
نقلت لالة فاطمة نسومر إلى زاوية في منطقة تابلاط هي وبعض النسوة المرافقات لها، وبقيت في الحراسة المشدّدة هناك إلى أن توفيت بعدها بستّ سنوات في سنة 1863، وقد دُفنت هناك، ليتمّ بعد الاستقلال نقل رفاتها إلى مقبرة العالية بالجزائر العاصمة.
أعادت تعريف دور المرأة في المجتمع القبليّ المحافظ
ينتشر عند الكثيرين عند الحديث عن المقاومات الشعبيّة والثورات ضد الاحتلال الفرنسيّ في الجزائر فكرة تفيد بأن الزوايا الصوفيّة كانت مؤيّة للاحتلال، وأن الفرنسيين استخدموا مكانتها الدينية عند السكّان من أجل شرعنة وجوده دينيًّا، من خلال استصدار فتاوى تفيد بتحريم الخروج على الحاكم الفرنسيّ أو تصوير الاحتلال الفرنسيّ باعتباره قضاء وقدرًا لا يجوز الاعتراض عليه.
وهذه فكرة بعيدة عن الدقّة، وتقع في الاختصار المخلّ الذي يتجاهل تعقيد التاريخ، فالزوايا الصوفيّة، كما في حالة لالة فاطمة نسومر -التي كان والدها شيخ زاوية- كانت هي أبرز مؤسسات المجتمع التقليدي من أجل حشد الشباب والطلبة لدعم الانتفاضات ضد الاستعمار الفرنسي.
بالإضافة إلى ذلك فإن نموذج لالة فاطمة نسومر، يتحدّى الأفكار المسبقة عن المجتمع الإسلامي التقليديّ في المخيال الغربي قبل 300 سنة، الذي تُضطهد فيه المرأة، والتي لا مكان لها في القرارات الحاسمة كقرار الحرب والسلم الذي يعتبر حكرًا للرجال، فنجد أن لالة فاطمة كانت تقود عشرات الرجال جنبًا إلى جنب من أجل صدّ قوّات الغزاة، حتّى صار اسمها يضرب به المثل في الشجاعة والقيادة.
***************
«موندافريك»: الجيش ورجال الأعمال كلمتا السر في إقالة الوزير الأول الجزائري
--عبد الله كمال
نشر موقع «موندافريك» الفرنسي المتخصص في الشؤون الأفريقية تقريرًا صحافيًا حول أسباب إقالة الوزير الأول الجزائري عبد المجيد تبون، وأشار التقرير إلى أن تضييق الوزير الأول على رجال الأعمال القريبين من شقيق رئيس الجمهورية كان من بين أهم أسباب إقالته، كما أن التقرير تطرّق لتأثيرات المؤسسة العسكرية في اختيار الرئيس القادم.
ثلاثة أشهر فقط مرت منذ تنصيبه، أقيل الوزير الأول الجزائري عبد المجيد تبون من الوزارة الأولى. يأتي هذا في سياق سياسي مأزوم، في بلد مشغول بقضية خلافة الرئيس المغيّب بفعل المرض.
اقرأ أيضًا: هل يترشح بوتفليقة لعهدة خامسة؟ 5 أسرار عن الجزائر يكشفها تقرير برلماني فرنسي
لماذا أقيل تبون من منصبه بهذه السرعة؟
يجيب التقرير بأن هنالك الكثير من التفسيرات التي أعطيت حول هذه الإقالة القاسية. ويضيف أن الوزير الأول لعب بالنار، حيث فرض نفسه كـ«فارس أبيض» يتصدى للفساد. «كان الخطأ الذي أطاح بتبون صرامته القوية في مواجهة رجال الأعمال على رأسهم علي حداد رئيس منتدى رؤساء المؤسسات» حسبما أشار مصدر مقرّب من الوزير الأول السابق. ويضيف المصدر:
فور مجيئه، أراد تبون أن يثبت أنه المسؤول الفعلي في الحكومة بإزاحته الأوليغارشيين المؤثرين بشدة سابقًا. لم يرد حتى تغييرهم جذريًا أو إزاحة أفراد معدودين أو التحالف مع مجموعة منهم ضد أخرى. لقد أعلن بكل بساطة الحرب ضد الجميع.
حرب دونكيشوتية خطيرة
وأكد التقرير أن الوزير الأول لم يرد التراجع، فبعد إحساسه ببدايات بروز تأييد شعبي لقراراته، زاد تبّون من وتيرة هجومه على رجال المال الذين يتدخلون في أعمال الحكومة.
وأراد تبون تجميد نشاط علي حداد، أحد أقوى رجال الأعمال في البلد بإرساله «إخطارات قانونية» في الصحافة العمومية بسبب تأخر مشاريعه العمومية. ويضيف التقرير أن تبون باشر بمسح إرث وزير الصناعة السابق عبد السلام بشوارب المقرّب من حداد، وقد قام بإيقاف عدة مشاريع لمصانع تركيب السيارات التي وصفها وزير الصناعة الجديد في حكومته بأنها «وسيلة للاستيراد المقنّع». بعد ذلك وجّه تبون اهتمامه صوب مجموعة «عمر بن عمر» المتخصصة في الصناعات الغذائية، فقام بتقليم أظفارها بإلغائه امتيازات اقتصادية كانت قد مُنحت لهذه المجموعة في عهد الحكومة السابقة.
إن قساوة تبون تجاه رجال الأعمال أكسبته زخمًا شعبيًا، لكنها استدعت بطريقة غير مباشرة اتحاد جميع رجال الأعمال الذين بسطوا نفوذهم في دواليب السلطة.
«وراء كل أوليغارشي هنالك قوة سياسية تقف خلفه. رجال الأعمال هؤلاء يقسمون الكعكة مع حلفائهم من السياسيين الذين يحمونهم ويدعمونهم. تبون استخف بهذه القوى السياسية وبشبكتها داخل الدولة ومقدرتها على إفشاله»، يشير عضو المكتب السياسي لأحد أكبر الأحزاب السياسية في البلد.
وهنالك أيضا سعيد بوتفليقة الذي يصرّح بشكل علني بمخالفته لسياسات «الفارس الوحيد» تبّون، ويطمئن شقيق الرئيس مقربيه من رجال الأعمال بأنه صُدِم من «قرارات تبون الاقتصادية التي تتسم بالشعبوية».
«أوقفت السلع في الموانئ جراء قرارات جذرية أخذت دون إجراء أيّة مشاورات، البنوك لم تعد تعرف إلى أين تتجه أو مع من تتعامل، الشركاء الأجانب انتابهم الخوف والقنصليات الأجنبية طالبت الرئاسة بتوضيحات»، يصرّح للموقع رجلُ أعمال وصديق مقرّب من الرئاسة.
اقرأ أيضًا: الجزائر والأردن من أكثر 10 دول أمانًا حول العالم.. مؤشر الأمان العالمي 2017
ضغوطات كبيرة
انتهى الأوليغارشيون بإقناع سعيد بوتفليقة بالتدخل في اللعبة. ارتكب تبون خطأً استراتيجيًا بتجاهل سعيد بوتفليقة. وأكثر من ذلك، يصرّح لمقربيه بأنه ليس مطالبًا بأي توضحيات ليقدمها لشقيق الرئيس. ويضيف التقرير أن الدبلوماسيين الفرنسيين لا يتفهمون سبب اختيار تبّون وزيرًا أول، في حين أن سابقه عبد المالك سلال – الذي أحسن معاملة الفرنسيين – كان يبدو مُناسبًا ويمكن الاعتماد عليه.
وبعد إحساسه بالخطر اتّخذ تبون إجراءً احتياطيًا بمقابلته رئيس الوزراء الفرنسي إدوارد فيليب في 7 أغسطس (آب) الجاري، من أجل طمأنة الفرنسيين على مصالحهم والتأكيد على التعاون المشترك.
لكن ذلك اللقاء لم يكن كافيًا من أجل طمأنة الفرنسيين وإنهاء شكوكهم. حتى إن الصينيين خرجوا عن صمتهم بمقابلتهم وزراء جزائريين بالإضافة إلى مستشارين في الرئاسة من أجل الحصول على توضيحات حول سياسة تبون الاقتصادية الجديدة.
من الخارج، يحاول تبون تقليل خطر الإطاحة به. حيث اعتقد أن المؤسسة العسكرية بقيادة أحمد قايد صالح «ستحميه من التحركات غير الشرعية لأعدائه»، حسب اعتقاد أحد المسؤولين في الحزب الحاكم (جبهة التحرير الوطني). ويشير التقرير إلى أن «قايد صالح» قائد أركان الجيش الجزائري لا يطيق علي حدّاد ولا باقي المجموعة الأوليغارشية من الأثرياء الجدد.
اقرأ أيضًا: كيف تأثرت الجزائر بالأزمة الخليجية؟
حرب الخلافة
بشكل عام، يبدي قائد الجيش الجزائري اعتراضه على شركاء سعيد بوتفليقة. فالجنرال لا يريد خلافة على الطريقة الملكية بحيث تنتقل السلطة من الرئيس إلى أخيه.
ومثلما فعل عمّار سعداني، الأمين العام السابق لجبهة التحرير الوطني، اعتقد تبون أن قُربه من نائب وزير الدفاع أحمد قايد صالح سيسمح له بمقاومة ضربات خصمه سعيد بوتفليقة، لكن سعيدًا بمساعدة حلفائه من رجال المال أنهوا المهمة بإقالة تبون حتى قبل الدخول الاجتماعي الذي يبدو ساخنًا منذ الآن، حتى يتجنبوا أي فرصة لحدوث اضطرابات اجتماعية حسب التقرير.
ولكي تحيّد الرئاسة الجزائرية جزءًا من القوى العسكرية، عيّنت أحمد أويحيى القريب من جهاز المخابرات السابق وزيرًا أول، الرجل الذي يملك مهارة فريدة في إيجاد توافق مع الجميع. وهكذا أُقفل قوس تبّون، بينما تبقى مسألة خلافة بوتفليقة تتصدر المشهد أكثر من أي وقت مضى، كما يضيف التقرير.
**************
أصغر مليارديرة في التاريخ.. كيف استطاعت مراهقة أن تحقق ذلك من مطبخ بيتها؟
عبد الله كمال
منذ 3 أسابيع، 7 أغسطس,2018
في أقل من ثلاث سنوات، استطاعت شابّة تبلغ من العمر 20 سنة، تُدعى كايلي جينر، وتنتمي إلى عائلة «كارداشيان» الشهيرة ببرامج الواقع التلفزيوني، أن تبني ثروة وصلت إلى 900 مليون دولار أمريكي، وبذلك فإنها ستصبح حسب مجلّة فوربس، أصغر مليارديرة في التاريخ. هذه الثورة الطائلة التي تعادل ميزانيّة عدّة دول، استطاعت هذه المراهقة تحصيلها من مطبخ بيتها باستخدام هاتفها النقّال، وبالاستعانة بعشرات الملايين من متابعيها على وسائل التواصل الاجتماعي.
الإنجاز الاستثنائي الذي حقّقته هذه المليارديرة الشابّة يثير الانتباه إلى الآفاق الجديدة التي فتحتها وسائل التواصل الاجتماعي، كما طرح انتقادات واسعة لمجلّة فوربس بعد أن وصفتها بأنّها «بَنَت ثروتها بنفسها».
كيف صنعت هذه الثروة كلها؟
إنّه عصر وسائل التواصل الاجتماعي بامتياز؛ الملايين من الناس تفتح هاتفها يوميًّا خلال المشي أو الأكل أو الاجتماع مع العائلة، ليقوموا بتفقّد موقعهم المفضّل. لكن ماذا لو استخدم أحدهم هذا «الهوس» الذي يعيشه البشر من أجل أن يخلق لنفسه ثروة تقدّر بمليارات الدولارات دون أن يفعل شيئًا ملموسًا؟
كايلي جينر على غلاف مجلة فوربس الأمريكية
بدأت ثروة كايلي جينر في التشكّل بسرعة صاروخيّة بعد تأسيسها شركة «كايلي كوسمتكس»، المتخصصة في مستحضرات التجميل، والتي أصبحت سريعًا أشهر علامة تجارية في مجال صناعة أحمر الشفاه، من خلال منتجها الأشهر «kylie lip kit» الذي يباع بـ29 دولارًا، استطاعت شركتها أن تبيع بأكثر من 630 مليون دولار منذ تأسيسها، لتصبح في زمن قياسي ظاهرةً عالميةً في هذا المجال، وتزاحم بذلك كبريات الشركات العالمية.
تدير كايلي شركتها المليونية من مطبخ بيتها، وتتواصل مع موظّفيها الذين لا يتجاوز عددهم 13 موظفًا من خلال هاتفها. كايلي في الحقيقة لا تقوم عمليًّا بأيّ شيء، فأغلبية المهام والعمليّات التي تديرها شركتها يتم توكيلها إلى جهات خارجيّة، التصنيع والتغليف الذي تقوم به إحدى الشركات في كاليفورنيا والصين، بينما المبيعات تتم عن طريق موقع شوبيفاي (shopify) المتخصّص في التجارة الإلكترونية، فيما تتكفّل أمّها بالحسابات المالية والعلاقات العامة، لتتفرّغ كايلي جينر لما هو أهمّ؛ التقاط صور السيلفي طوال اليوم ونشرها عن طريق إنستجرام وتويتر من أجل التسويق لعلامتها التجارية، وبما أنّها تمتلك 100% من أسهم الشركة، فإن كل الأرباح تتّجه إلى حسابها البنكيّ الذي يتضخّم يومًا بعد يوم.
من أين حصلت على ملايين المتابعين؟
لكن من أين حصلت كايلي جينر على ملايين المتابعين، الذين يتابعونها على مواقع التواصل، والذين سيشترون منتجاتها لاحقًا؟ استطاعت كايلي جينر التسويق لهذه المنتجات بفضل انتمائها لعائلة «كارداشيان» الشهيرة في عالم التلفزيون، وظهورها في عدّة حلقات من هذه البرامج، مما جعلها معروفة عند المتابعين، واستطاعت صناعة قاعدة جماهيرية في صفوف المراهقين منذ حداثة سنّها. فقد تكون صادفت صورة أو منشورًا لكيم كارداشيان، الشخصية المعروفة بأنها مشهورة، والتي لا يعرف أحد ما وظيفتها بالضبط سوى الوجود على أغلفة الصحف ومجلّات المشاهير، بالإضافة إلى حالة الهوس التي تعيشها المراهقات بمتابعة تفاصيل يوميّاتها، التي ربما تخلو من أيّ قيمة حقيقية، من خلال برامج الواقع التلفزيوني (Reality tv).
ترعرعت كايلي جينر في عائلة أدمنت أضواء الشهرة لسنوات طويلة، فوالدها بروس جينر كان بطلاً أولمبيًّا حاز الميدالية الذهبية في رياضة الديكثالون، كما أنّ عائلتها اشتهرت ببرامج الواقع التلفزيونيّ منذ أن كانت في سن العاشرة، وبالتالي فإن الأموال والشهرة لم تكن أمورًا جديدة عليها منذ طفولتها.
وقد شهد عالم التلفاز مثل هذه الظواهر التي تبرز وتخفت سريعًا، لكن كايلي جينر، التي استطاعت الوصول إلى حاجز المليار دولار لتصبح أصغر مليارديرة في العالم، هي ظاهرة فريدة تستحقّ الدراسة حول حجم تأثير مواقع التواصل الاجتماعي والآفاق التي تفتحها. التأثير الذي تمتلكه جينر في وسائل التواصل الاجتماعي بلغ درجة استثنائيّة، إذ كتبت تغريدة على تويتر تشتكي فيها من تحديث موقع «سناب شات» الجديد، وقالت إنّها «لن تستخدمه مجدّدًا»، ممّا أدّى بأسهم الموقع إلى خسارة أكثر من مليار دولار من قيمته بسبب تغريدة واحدة.
شركة مستحضرات التجميل ليست مصدر دخل كايلي جينر الوحيد، إذ إنها تشارك في عدّة برامج تلفزيونيّة، وتسوق لعدّة شركات ملابس ومنتجات متنوّعة، أشهرها أحذية شركة «puma»، فعدد متابعيها في مواقع التواصل الاجتماعي الذي يبلغ أكثر من 112 مليون متابع، جعلها من الحسابات العشرة الأكثر متابعة في العالم، وهو ما يسيل له لُعاب الشركات الكبرى التي تسعى لاكتساب هذا العدد الضخم من الجمهور، وتسويق منتجاتها له.
يعدّ حاجز المليار دولار، حتى بمعاير دولة غنيّة كالولايات المتحدة الأمريكية، ثروة جنونية، إذ إن العديد من المشاهير من رياضيين، ومغنين، وممثّلين يمتدّ مسارهم المهنيّ لعدّة سنوات، مثل ليوناردو ديكابريو أو توم كروز، لم يقتربوا من نصف هذا المبلغ حتّى. بل إنّ ميزانية عدة دول أفريقية مثل جيبوتي وليبيريا لا تتجاوز هذا المبلغ، وبينما استغرق أغنى رجل في العالم، وصاحب شركة أمازون جيف بيزوس، 35 عامًا ليصل إلى عتبة المليار دولار بعد أن شغل عدّة وظائف في كبرى الشركات والمؤسسات الماليّة، لكن كايلي جينر استطاعت أن تفعلها من مطبخ منزلها، باستخدام كاميرا الهاتف، وبفضل وسائل التواصل الاجتماعيّ، في سنّ 21 سنة.
دونالد ترامب.. الشهرة وسيلة لدخول البيت الأبيض
قد تكون كايلي جينر أغنى شخص استطاع تحقيق ثروته من خلال وجوده على وسائل التواصل الاجتماعيّ، لكنها ليست الوحيدة، بل هي جزء من ظاهرة أشمل برزت في السنوات الأخيرة، إذ يلجأ الكثيرون إلى وسائل التواصل الاجتماعيّ من أجل بناء قاعدة من المتابعين والمعجبين، وتحويل هذه الشهرة إلى وسيلة لكسب الأموال، من خلال التعاقد مع شركات للدعاية لمنتجاتها على صفحاتهم الشخصية. استطاعت كايلي جينر تحويل شهرتها إلى مكسب يدرّ مئات ملايين الدولارات، وذلك باستهدافها شريحة الشابّات ما بين سنّ 18 إلى 24، وهي الشريحة الأكثر استهلاكًا للمنتجات التي تعرضها كايلي جينر، وتسوّقها من خلال ملايين المعجبين بها والمتابعين لها على مواقع التواصل الاجتماعي.
قاعدتها الجماهيرية المتكوّنة غالبًا من المراهقين، الذين يتابعونها في برامج الواقع التلفزيوني، ومواقع التواصل الاجتماعي تعدّ ظاهرة استثنائيّة في حجم الهوس بنجمتهم التي يرتبطون بأدقّ تفاصيل حياتها، فبعد تقرير مجلّة فوربس الذي أشار إلى أنّها قريبة من تخطّي عتبة المليار دولار بثروة تقدّر بـ900 مليون دولار، بدأ هؤلاء المعجبون في حملة للتبرّع لها من أجل إيصالها إلى رقم المليار دولار! وهي الحملة التي رغم إثارتها للسخرية على مواقع التواصل الاجتماعيّ، نجحت في جمع بضع آلاف الدولارات بالفعل.
مجلّة فوربس في تقريرها عن ظاهرة كايلي جينر كانت قد شبّهت تجربتها بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إذ استطاع تحويل شهرته الكبيرة التي اكتسبها من برنامجه التلفزيونيّ «the apprentice»، الذي استمرّ لعدّة سنوات، علاوة على بناياته الشاهقة التي تنتشر في مختلف أنحاء العالم، ويضع عليها اسمه باللون ذهبي، وتصريحاته المثيرة للجدل، وصراعاته التي لا تنتهي مع المشاهير؛ ممّا جعله محلّ اهتمام الإعلام بشكل مستمرّ؛ إلى قاطرة وصلت به إلى البيت الأبيض.
هل صنعت ثروتها بنفسها حقًّا؟
وقد أثارت مجلة فوربس للأعمال الكثير من الجدل حين وصفتها بأنها قامت ببناء ثروتها «بنفسها»، إذ رأى الكثير من المتابعين أن هذا التوصيف غير دقيق، واعتبروا أنّها ولدت وفي فمها ملعقة من ذهب، بفضل عائلتها الثريّة والمشهورة في عالم التلفزيون، وقد بدأت شركتها لمستحضرات التجميل بفضل رأس مال بلغت قيمته ربع مليون دولار، كانت قد جمعته بفضل اسم العائلة المعروف في أوساط المال والأعمال.
كما أن توصيفها بأنّها صنعت ثروتها بنفسها يتجاهل المشاكل العميقة التي يعانيها الاقتصاد الأمريكي بتركّز الثروة عند عدد قليل من الأشخاص، الذين يورّثون ثروتهم لأبنائهم في كثير من الأحيان، أو على الأقل يعطونهم دفعة قويّة إلى الأمام من خلال توفير التعليم في المدارس الخاصة، وتوفير العلاقات الاجتماعيّة اللازمة لدخول عالم الثروة؛ كل هذا من الرفاهيّات التي لا تتوفّر للطبقات الفقيرة والمتوسّطة، في بلد يسيطر فيها 1% من عدد السكّان على ثُلث الثروة.
***********
فرنسا«ليبيراسيون»: اتهام الداعية طارق رمضان بالاغتصاب.. هل هو محاكمة للإسلام في فرنسا؟
حجم الخطسسس
«ليبيراسيون»: اتهام الداعية طارق رمضان بالاغتصاب.. هل هو محاكمة للإسلام في فرنسا؟
مترجم عنAffaire Tariq Ramadan : éviter l’effet O.J. Simpson للكاتب Abdelkrim Branine
منذ 9 شهور، 15 نوفمبر,2017
نشرت صحيفة «ليبيراسيون» الفرنسية مقالًا للصحافي والمفكر عبد الكرم برانين، حول الاتهامات المزعومة بالاغتصاب الموجّهة إلى أستاذ العلوم الإسلامية بجامعة أوكسفورد والداعية الإسلامي، طارق رمضان وأشارت الصحيفة إلى أن هذه المحاكمة قد تتحوّل إلى «محاكمة للإسلام أو للإسلام السياسي» كما حدث في محاكمة النجم الرياضي الأمريكي الشهير «أو. جاي سيمبسون» ذي الأصول الإفريقية، إذ انقسمت الآراء حول المحاكمة على أساس العِرق كما يرى الكثيرون.
تُذكّر الصحيفة بالمحاكمة الشهيرة لنجم كرة القدم الأمريكية الشهير «أو. جاي سيمبسون» (O.J Simpson) التي جرت سنة 1995، حين تحوّلت محاكمته إلى استفتاء وطنيّ حول المسألة العرقيّة في الولايات المتحدة الأمريكية. وترى الجريدة أن المسائل القانونية الخاصة بالسيد طارق رمضان المتّهم بالاغتصاب، لا ينبغي أن تُؤدّي إلى حالة مشابهة لما حدث في أمريكا.
طارق رمضان، أستاذ العلوم الإسلامية بجامعة أوكسفورد، وداعية إسلامي.
وتُعتبر محاكمة «أو. جي سيمبسون» هي المحاكمة التي قسمت الولايات المتحدة الأمريكية. عندما وقف سيمبسون أمام محكمة جنائية في لوس أنجلوس متهَمًا بقتل كل من زوجته السابقة وصديقها. وقبل تلك المحاكمة بأشهر قليلة وقعت مدينة لوس أنجلوس تحت الصدمة من جرّاء المظاهرات العرقيّة التي انطلقت سنة 1992 بعد حكم البراءة «العجيب» الذي خرج به ضبّاط الشرطة المسؤولون عن شنق «رودني كينغ»، المواطن الأمريكي من أصل إفريقي، إذ أثّر حكم البراءة بشدّة في مجتمع السّود الأمريكيين، فبعد هذه المحاكمة لا شيء سيبقى كالسابق.
في هذا السياق الساخن استطاع المتّهم «سيمبسون» أن يلعب دورًا غير متوقّع؛ فقد أصبح رمزًا للأمريكي الأسود المضطهد. والغريب هو أنّ «سيبمسون» بعد سطوع نجمه في الرياضة التي يعشقها مجتمع السود الأمريكيين –كرة القدم الأمريكية-، فإن اللاعب الأكثر شهرة في أمريكا كلها كان قد أدار ظهره لبني جلدته وأبناء طبقته وأصوله العرقيّة، واندمج تمامًا في دور «البرجوازي الأبيض الأنجلوسكسوني»، فقد صار الرّجل الأسود المفضّل بالنسبة للأمريكيين البيض: الشخصية المضادّة تمامًا للملاكم الشهير «محمّد علي».
وأضافت الصحيفة الفرنسية أنّ الأخطاء التي حدثت في تحقيقات الشرطة، والعنصرية الفادحة لأحد المحقّقين، والتغطية الصحافية الشهيرة لمجلّة «التايم» مع صورة لسيمبسون بملامح مسودّة والرقم التسلسليّ الخاص بالسجناء أكّدت بشكل نهائي ورقة العِرق التي لعبت دورًا رئيسيًّا في المحاكمة، والتي استغلّها المحامون أحسن استغلال؛ فزبونهم مُتّهم فقط بسبب لون بشرته لا غير. هذه الاستراتيجية قلبت تمامًا مجرى النقاشات، رغم الأدلة الكثيرة التي تجمّعت ضدّه.
غلاف مجلّة «تايم» يظهر عليه صورة لاعب كرة اقدم الأمريكية أو. جاي سيمبسون.
وأكّدت صحيفة ليبراسيون إن أغلبية مجتمع السود الأمريكيين الساحقة قد تبنّوا قضيّة النجم الرياضي، وطرحوا بذلك مسألة شائكة أو مفارقة بمعنى آخر؛ فالملايين من الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية الذين يعيشون في ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة، استقبلوا بالفرح وحتى بالدموع حُكمَ البراءة على رجل يملك 11 مليون دولار في ذلك الوقت، الرجل الذي صرّح حين كان في أوجّ مجده الرياضي: «أنا لست أسود، أنا أو. جاي».
وتضيف الجريدة أن حكم البراءة قد سمح بحفظ السلم الاجتماعي، لكن الثمن كان انقسامًا عرقيًّا يتضخّم باستمرار. ففي سبر للآراء قبل 10 سنوات تقريبًا عبر قناة «NBC» تأكّدت الآثار السلبية التي خلّفتها المحاكمة: 87% من الأمريكيين البيض يعتقدون أن «سيمبسون» مُذنب، أمّا السود 82% منهم قالوا إنهم يعتقدون أنه بريء.
وتساءلت الصحيفة: هل من الممكن أن يصبح طارق رمضان هو «أو. جاي سيمبسون» الخاص بمسلمي فرنسا؟ التشابهات مثيرة للاهتمام على عدّة مستويات. في البداية من المهم التذكير أنه حتى يثبت العكس؛ فإن طارق رمضان يعتبر بريئًا. الفقيه الإسلامي «الأكثر إثارة للجدل» في فرنسا متّهم باغتصاب عدّة نساء. في هذه الفترة المفيدة لحرية التعبير من أجل إدانة مثل هذه التصرّفات، الأنظار مصوّبة نحو فرنسا، وهذا المثقّف المعروف عالميًّا يمتلك جزءًا مهمًّا من تأييد جمهوره.
هذه القاعدة الجماهيرية، وهي إحدى نقاط قوّته التي جاهد من أجل إقناعها منذ سنوات التسعينات الأولى، عبر تنقلاته في القطر الأوروبي مدينةً مدينةً وحيًّا حيًّا، ليصبح بعد ذلك المُحاضرَ الرئيسيَّ الأكثر ظهورًا إعلاميًّا للتجمّع السنوي لمسلمي فرنسا، وبلوغه مقام «النّجم الإسلامي». صعود استثنائي إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الفرق الذي يفصله عن قاعدته الشعبية؛ فطارق رمضان لم يكبر في حيّ شعبيّ، ولم يكن أحد أبناء المهاجرين إلى أوروبا بعد نهاية الاستعمار، كما أنه ليس فرنسيًّا.
إن النخبة الفرنسية إذا كانت مستعدّة لتحديد القادة الجيّدين من السيّئين، فعليها طرح السؤال التالي: كيف استطاع رجل سويسري ابن البورجوازية المصريّة أن يأخذ مكانًا بهذه الأهميّة بالنسبة لملايين المواطنين ذوي الأصول الإفريقية والمغاربية؟
وبعد أسبوع من الاتهامات بالاغتصاب المُنكرة من طرفه، انطلقت الآلة الإعلامية بالحماسة، فبعد ساعات قليلة من الاتهامات، خرجت «الفزّاعة» المفضّلة بالنسبة لجزء من الطبقة السياسيّة؛ فربطت بين هذه الاتهامات وبين جميع مسلمي فرنسا. مرّة أخرى المسلمون الفرنسيون مطالبون بتوضيح موقفهم من الاتهامات الموجّهة لطارق رمضان ومن التهديدات المخزية الموجّهة نحو متّهمته الأساسية «هندا آياري» (Henda Ayari).
وترى الصحيفة أن الحوارات التلفزيونية التي ناقشت الاغتصاب المزعوم قد انحرفت بسرعة إلى نقاش آخر: مكانة المرأة في الإسلام.
وفي الختام ترى الصحيفة أن القضيّة الوحيدة الذي ينبغي أن تثير اهتمامنا هي إجابة السؤال البسيط: هل اغتصب هذا الرّجل أولئك النساء أم لا؟ لا أكثر ولا أقلّ. فمحاكمة طارق رمضان، إذا جرت أصلًا، لا ينبغي أن تصبح محاكمة للإسلام السياسي نفسه، ولا للإسلام كلّه. ففي حالة تمّت محاكمة الإسلام السياسي أو الإسلام بدل طارق رمضان في هذه القضيّة، فإن جزءًا من المسلمين سيشعر أن هنالك تفرقة وتمييزًا يجري ضدّهم بطريقة خفيّة. بهذه الطريقة هنالك احتمال لتعرّض فرنسا إلى خطر حدوث مشاحنات مجتمعيّة يمكن مقارنتها بتلك التي حدثت بسبب محاكمة «أو. جاي سيمبسون» في أمريكا.
في النهاية بعيدًا عن أحكام القضاء ومرافعاته –كما ترى الصحيفة- فإنّ على طارق رمضان أن يضرب موعدًا حاسمًا لمستقبله مع جمهوره ومؤيّديه. ففي حالة الإدانة، هنالك الكثير على المحكّ بالنسبة له، ستحصل قطيعة جذريّة من قبل أنصاره للرّجُل الذي تغنّى في خطابه عبر السنين بالأسس، والقيم الأخلاقية الإسلامية.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».
***************
أن يشاهد «جيجز» المونديال من التلفاز.. 7 أساطير كروية تحطمت على صخرة كأس العالم
عبد الله كمال
أضف هذا المقال إلى المفضلة
إحذف هذا المقال من المفضلة
شارك بتعليق على هذا المقال
أن يشاهد «جيجز» المونديال من التلفاز.. 7 أساطير كروية تحطمت على صخرة كأس العالم
أضف هذا المقال إلى المفضلة
إحذف هذا المقال من المفضلة
شارك بتعليق على هذا المقال
5,593
منذ شهر واحد، 16 يوليو,2018
بعد خروج كلّ من كريستيانو رونالدو، وليونيل ميسي في ثُمن نهائي كأس العالم 2018 بروسيا، بدأ نقاش بين مشجّعي الكرة عن أهميّة الفوز بالمونديال بالنسبة لمشوار اللاعبين الأفضل في العالم، وفي حين أنّ كلًّا من رونالدو وميسي لم يتغيّبا عن أيّ نسخة لكأس العالم منذ بداية مشوارهما الاحترافيّ، فإن هنالك نجومًا لامعة في تاريخ كرة القدم لم تستطع حتى التأهّل لكأس العالم، ناهيك عن الفوز بها.
في هذا التقرير سنتطرّق إلى أبرز سبعة لاعبين عالميين صنعوا مشوارًا كرويًّا استثنائيًّا، ورغم ذلك، لم يستطيعوا الوصول إلى نهائيّات كأس العالم.
كيف تستغل إسرائيل مباريات كأس العالم لتحقيق أهدافها السياسية؟
1- دي ستيفانو.. «لعنة» المونديال التي طاردته
لعلّ أغلب النجوم الكرويّة الذين حرموا من المشاركة في كأس العالم، وترجمة نجاحاتهم مع أنديتهم إلى نجاح مع المنتخب الوطنيّ، كانوا ضحايا لفرقهم الوطنيّة الضعيفة؛ لكن هذا لم يكن السبب الرئيسي بالنسبة لأحد أساطير نادي ريال مدريد، دي ستيفانو. أفريدو دي ستيفانو أحد أيقونات النادي الملكي في الفترة التي سيطر فيها على الكرة الأوروبية سنوات الخمسينات، بفوزه بخمس بطولات أوروبية على التوالي. المهاجم الأرجنتيني الذي فاز مع ريال مدريد بـ18 لقبًا، وسجّل معه 308 هدفًا، والذي يملك تمثالًا خاصًّا به أمام الملعب الذي يحمل اسمه، ويستخدمه نادي ريال مدريد في مباريات الفريق الثاني.
المسار الكروي لدي ستيفانو في المنتخبات الوطنيّة التي لعب لها كان مزيجًا من سوء الحظ، والمشاكل السياسية، والإصابات؛ فمهاجم ريال مدريد لعب لمنتخبين وطنيين مختلفين: الأول منتخب الأرجنتين، حيث وُلد، والذي تأهل معه إلى مونديال البرازيل سنة 1950، لكن الأرجنتين قرّرت الانسحاب من البطولة بعد خلافات مع الاتحادية البرازيلية لكرة القدم، لتضيع أوّل فرصة لدي ستيفانو للمشاركة في الحدث الكروي الأبرز في العالم.
الفرصة الثانية لدي ستيفانو للمشاركة في كأس العالم ضاعت مرّة أخرى؛ بسبب رفض المسؤولين المشاركة في نهائيات سويسرا 1954. وفي سنة 1956، غيّر دي ستيفانو جنسيّته إلى الإسبانيّة، وبذلك استطاع الالتحاق بالمنتخب الاسبانيّ، لكنّ حظّه فيما يتعلق بكأس العالم لم يتغيّر، فرغم مشاركته في العديد من المباريات مع المنتخب الاسبانيّ، فإن إسبانيا لم تستطع التأهل إلى مونديال سنة 1958، ليستمرّ غياب النجم الأبرز في تلك المرحلة عن البطولة الأبرز.
آخر فرصة لدي ستيفانو كانت مونديال 1962، لكن «لعنة كأس العالم» سترافق النجم الأرجنتيني الإسبانيّ، هذه المرة بإصابة عضليّة تحرمه من لعب النهائيات مباشرة قبل بدء البطولة في الشيلي، لتخرج إسبانيا من الدور الأوّل بعد خسارتها مباراتين، وفوزها بواحدة.
تُغني الفقراء وتسعد المحرومين.. كيف تنتشل كرة القدم أقوامًا من الرماد؟
2- إيان راش.. أن تكون ضحية لجنسيتك
من المؤكّد أن المتابعين للدوري الإنجليزي في سنوات الثمانينات وأوائل التسعينات يتذكّرون اسمه جيّدًا. إيان راش هو الهداف التاريخي لنادي ليفربول الإنجليزي بـ257 هدفًا على مدار سنوات الثمانينات والتسعينات، إذ فاز مع النادي الإنجليزي بعدّة ألقاب أبرزها الكأسان أوروبيتان في سنوات 1981 و1984، بالإضافة إلى خمس بطولات الدوري الإنجليزي، مما جعله بلا شكّ واحدًا من أفضل من حملوا ألوان نادي ليفربول.
لكن رغم هذه المسيرة الاستثنائية لإيان راش مع ليفربول، لم يشارك راش في كأس العالم قط، إذ لم يتأهّل اللاعب الويلزي مع منتخب بلاده إلى نهائيات كأس العالم طوال مسيرته الكرويّة.
3- ريان جيجز.. العالمي الذي شاهد المونديال من التلفاز
إيان راش ليس الويلزيّ الوحيد الذي كان ضحيّة لجنسيّته فيما يتعلّق بمساره الكروي غير المحظوظ في كأس العالم، فمُواطنه، نجم نادي مانشستر يونايتد ريان جيجز كان كذلك من بين النجوم الكرويّة العالمية التي لم يبتسم لها الحظ مع كأس العالم، فرغم كونه أكثر لاعب تتويجًا بالألقاب في تاريخ الكرة الإنجليزية، فإن الحظ لم يبتسم له للمشاركة في المونديال.
رايان جيجز فاز بكل شيء ممكن حرفيًّا مع مانشستر يونايتد، 13 بطولة دوري، كأسين أوروبيتين، أربع كؤوس اتحاد إنجليزي، والعديد من الألقاب الأخرى الفردية والجماعيّة التي جعلته أكثر لاعب تتويجًا بالألقاب في تاريخ كرة القدم.
لكن رغم هذه القائمة المبهرة من الإنجازات على مستوى النادي الذي لعب له طوال مسيرته الاحترافيّة؛ فإن مسيرته مع المنتخب الوطنيّ الويلزي لم تبتسم له، ولم يرافقه نجاحه في النادي الإنجليزي إلى المنتخب الويلزي الذي فشل في التأهل لكأس العالم منذ آخر مشاركة له في سنة 1958. الحظّ الكروي الذي ابتسم لمنتخب دولة بها مليون نسمة فقط مثل توباغو وترينيداد في سنة 2006 بمشاركتها لأول وآخر مرة في تاريخها في كأس العالم، لم يبتسم لأحد أفضل اللاعبين في تاريخ الدوري الإنجليزي.
4- جورج بست.. «البالون دور» لا تغني عن كأس العالم
يعدّ جورج بَست إحدى أيقونات نادي مانشستر يونايتد، كما لا يغيب عن قائمة أفضل اللاعبين في التاريخ، لكن رغم ذلك، فإن هذه الأيقونة لم تلعب ولو دقيقة واحدة في بطولة كأس العالم مع منتخب أيرلندا الشمالية.
جناح مانشستر يونايتد من سنة 1963 إلى 1974، فاز مع ناديه الإنجليزي بعدّة ألقاب، أهمها البطولة الأوروبية سنة 1968، وبطولة الدوري في سنتي 1965 و1967. اللاعب الأيرلندي المشهور بمراوغاته المهاريّة ورغم فوزه بـ«البالون دور» كأفضل لاعب في العالم سنة 1968، فإنه لم يشارك في أي بطولة عالمية مع منتخب بلاده إيرلندا الشماليّة.
فبينما كانت سنوات الستينات هي الأبرز في مسيرته الكرويّة، فشل منتخب أيرلندا الشمالية في الوصول إلى كأس العالم منذ سنة 1958 – إذ كان بَست لا يتجاوز 12 سنة- إلى مشاركته في مونديال 1982، والذي لم يشارك فيه جورج بَست الذي كان يبلغ 36 سنة بسبب انخفاض مستواه، وتراجع أدائه الجسديّ والفنيّ، تراجعًا كان قد بدأ منذ سنوات طويلة في مانشستر يونايتد؛ بسبب مشاكل شرب الخمر، وإدمان لعب القمار، ممّا أثّر على مردوده في الملعب، وأدى إلى خروجه من ناديه مبكّرًا في سن السابعة والعشرين.
من بينوشيه إلى الأسد.. كيف توظف الأنظمة الشمولية كأس العالم سياسيًّا؟
5- إيريك كانتونا.. ضحية العنفوان وسوء الحظ
لعب النجم الفرنسيّ إيريك كانتونا في العديد من النوادي الأوروبية، لكن مسيرته الأبرز كانت مع مانشستر يونايتد تحت قيادة السير أليكس فيرجسون، إذ فاز مع النادي بأربع بطولات دوري في خمسة مواسم، بالإضافة إلى العديد من الكؤوس والألقاب الفرديّة. رغم ذلك فإن الحظ لم يبتسم له في مسيرته مع المنتخب الفرنسيّ، التي شابتها المشاكل والأزمات بسبب تصريحات كانتونا الطائشة التي ينتقد فيها مدرّبيه بطريقة عنيفة، بالإضافة إلى تصرّفاته وسلوكياته التي أبعدته عن الملاعب لعدّة أشهر.
أولى أزمات كانتونا في المنتخب الفرنسي كانت سنة 1988 حين خرج إلى الإعلام وشتم مدرّب المنتخب الفرنسي هنري ميشال؛ بسبب عدم استدعائه للّعب، وهو ما جعل المدرّب يبعده تمامًا من حساباته المستقبليّة، لكن ذلك لم يكن السبب الرئيس في عدم مشاركته في كأس العالم، ففرنسا لم تتأهّل أصلًا في نسختي 1990 و1994.
عندما تم تعيين المدرّب إيمي جاكي مدرّبًا جديدًا بعد 1994، عاد كانتونا إلى المنتخب شرط أن يحافظ على مستواه الكرويّ، لكن حادثة ضربه أحد المشجّعين في الدوري الإنجليزي فيما عُرف بـ«حادثة الكونغ فو» سنة 1995، جعلته يفقد مكانته في المنتخب الفرنسيّ لشاب يشغل المركز ذاته في وسط الميدان، كان قد بدأ نجمه في السطوع، إنه زين الدين زيدان.
وبذلك لم يشارك كانتونا في مونديال 1998 الذي انتهى بتتويج فرنسا في أرضها بعد أن خسر شارة الكابتن بسبب العقوبة، وبروز مواهب جديدة في المنتخب استطاعت أخذ مكانه، ليدفع ثمن تصريحاته وسلوكياته المثيرة للجدل، رغم موهبته الاستثنائية.
«نيويوركر»:«الديوك» الهجينة.. كيف يمثل منتخب فرنسا نموذجًا لاستيعاب المهاجرين؟
6- جورج ويا.. «سيادة الرئيس» لم يشهد المونديال
جورج ويا، رئيس ليبيريا الحالي، هو اللاعب الأفريقي الوحيد الذي فاز بلقب أحسن لاعب في العالم لسنة 1995. المهاجم ذو المسيرة الحافلة في كل من موناكو باريس سان جيرمان، وميلان، سجّل اسمه في الكثير من قوائم أحسن اللاعبين بلا شك، وهنالك حتى من يصنّفه كأحسن لاعب أفريقيّ في التاريخ.
لكن بغضّ النظر عن هذه الألقاب، فإن اللاعب الليبيري لم يستطع المشاركة في أي دورة من دورات كأس العالم، ويُرجع الكثير من المراقبين السبب لضعف مستوى المنتخب الليبيري، بالإضافة إلى صعوبة التأهل في القارة الأفريقية التي تضمّ منتخبات قويّة، بينما يتأهّل خمسة منتخبات فقط. رغم ذلك فقد اقترب جورج ويا من الوصول بليبيريا إلى مونديال 2002، إلاّ أنّه أقصي من المشاركة بفارق نقطة واحدة.
صحيح أن المشاركة في كأس العالم تعني الكثير لللاعبين بحجم جورج ويا الذين يريدون تسجيل أسماءهم في تاريخ الكرة العالمية، لكن لعلّ أكثر ما يواسي الرئيس الليبيري الحالي، هي الجوائز المتنوّعة التي نالها، أبرزها: أحسن لاعب في العالم في سنة 1995، بالإضافة إلى البطولة والكؤوس المختلفة التي نالها مع أنديته الأوروبيّة. بالإضافة إلى أن الكثير من اللاعبين يستطيعون الافتخار بكونهم شاركوا في كأس العالم أو حتى فازوا بالبطولة، لكن كم عدد اللاعبين الذين يناديهم الناس بـ«سيادة الرئيس»؟
قصة تطوّر كأس العالم.. من 13 منتخبًا فقط إلى تقنية التحكيم بالفيديو
7- محمد أبو تريكة.. مسيرة حافلة بالألقاب.. ولكن
محمد أبو تريكة نجم المنتخب المصري، يُعدّ ظاهرة كرويّة فريدة، سواء في طريقة لعبه البديعة، أو في شعبيّته الجارفة داخل مصر وخارجها. إنجازات أبو تريكة الكرويّة تتحدّث عن نفسها، فقد فاز أبو تريكة مع النادي الأهلي بدوري أبطال أفريقيا خمس مرّات، كما فاز ببطولة كأس الأمم الأفريقية مع المنتخب المصري مرّتين في 2006 و2008، بالإضافة إلى العديد من الألقاب والتتويجات التي حازها، سواء مع ناديه، أو على المستوى الشخصي، كفوزه ببطولة الدوري المصري سبع مرّات، وكأس مصر مرّتين، ليكون مجموع ما فاز به مع ناديه فقط 24 تتويجًا.
لكن بعيدًا عن لغة الأرقام والتتويجات؛ يرى الكثير من المراقبين والمحللين الكرويّين محمد أبو تريكة من بين أفضل اللاعبين في تاريخ مصر وأفريقيا؛ بسبب طريقة لعبه الأنيقة والفعالة في وسط الملعب، بالإضافة إلى تمريراته الدقيقة، ومراوغاته الحاسمة، وأسلوبه الهادئ في الميدان، ممّا جعل محبّيه يلقّبونه بـ«الماجيكو».
لكن مسيرة «المايسترو» الحافلة بالألقاب والإنجازات كان ينقصها شيء واحد يشترك فيه مع جميع اللاعبين العظماء المذكورين في هذه القائمة: مشاركة في كأس العالم. لم يشارك محمد أبو تريكة في نهائيات كأس العالم في تاريخه، ورغم اقتراب المنتخب المصريّ في عدّة مناسبات من ذلك، خصوصًا في نسخة 2010 في جنوب أفريقيا؛ فإن الحظ لم يبتسم له طوال فترة لعب أبو تريكة الذي اعتزل في سنة 2013 بعد مشوار كرويّ حافل، وعشق جماهيري استثنائيّ لهذا اللاعب الذي يثير الإعجاب داخل الملعب وخارجه.
ملف مغاربي مشترك لمونديال 2030.. هل سيجمع كأس العالم الفرقاء في المغرب العربي؟
**************
عاش طفولة دموية.. مسيرة مودريتش الملهمة للوصول إلى أحسن لاعب في كأس العالم
10,165
منذ شهر واحد، 17 يوليو,2018
فازت فرنسا بالمباراة النهائيّة لبطولة كأس العالم لسنة 2018 أمام كرواتيا بنتيجة أربعة أهداف مقابل هدفين، ورغم تتويجها باللقب، إلا أن جائزة أحسن لاعب في الدورة ذهبت لقائد المنتخب الكرواتي لوكا مودريتش على مردوده الكبير خلال مسار كرواتيا للوصول لأول مرة لنهائي كأس العالم، لكن هذا الإنجاز لم يكن طريقه مفروشًا بالورود بالنسبة لنجم ريال مدريد، فوراءه توجد قصّة ملهمة للاعب عاش طفولة دمويّة وسط الحرب والدمار، واستطاع بموهبته تجاوز هذه الصعاب لتحقيق إنجازات كرويّة استثنائيّة سيتذكرها جمهور كرة القدم طويلًا.
سر انتهاء معظم أسمائهم بـ«إيتش».. 8 أشياء قد لا تعرفها عن كرواتيا
طفولة دمويّة..أُعدم جدّه في الحرب واضطر للجوء بعيدًا
من يشاهد لوكا مودريتش اليوم بسيارته الفارهة وهو محاط بالمعجبين والمعجبات الذين يتسابقون للحصول على توقيعه، لن يستطيع غالبًا التصديق أنّ هذا النجم قد عاش طفولة مرعبة في جحيم الحرب التي دارت في كرواتيا؛ فقد كبر في أجواء الانفجارات والدماء والموت الذي طال حتى أفرادًا من عائلته، فأثناء حرب الاستقلال التي دارت في كرواتيا بداية سنوات التسعينات التحق والده بجيش التحرير الكرواتيّ، كما أنّ جدّه قد تم إعدامه من طرف المتمرّدين الصرب. اضطرّ الطفل لوكا وعائلته بسبب تهديدات القتل التي كانت تصلهم لمغادرة بيتهم الذي يقع في إحدى القُرى التي تُدعى «مودريتشي» في كرواتيا، وكان عليهم اللجوء إلى منطقة أخرى بعيدة عن الاشتباكات اليوميّة.
كانت منطقة زادار القريبة من مناطق الصراع هي الوجهة؛ إذ أقامت العائلة في إحدى الفنادق هناك، ورغم أن أصوات القنابل والانفجار يمكن سماعها بشكل يوميّ من ذلك الفندق؛ إلا أن ذلك لم يمنع لوكا مودريتش من مواصلة شغفه الكبير في لعب الكرة. وفي تصريح لـ«الدايلي ميل» البريطانية، قال أحد مالكي الفندق الذي كان يقيم فيه مودريش وعائلته: إن زجاج الفندق الذي كسره مودريتش وزملاؤه خلال لعبهم الكرة «أكثر من ذلك الذي تحطّم بفعل الحرب كلّها» في إشارة إلى شغفه الكبير بالكرة.
مودريتش في صغره لم يكن مثالًا للاعب الواعد الذي يتوقّع له الجميع مسارًا كرويًّا ناجحًا، فبعد التحاقه بإحدى أكاديميات الكرة، اعتبره بعض المدرّبين «ضعيفًا جسديًا وخجولًا»؛ مما لا يسمح له بالتألّق في عالم كرة القدم. من المؤكد أن صاحب هذا الرأي سيراجع رأيه بعد أن شاهد العالم أجمع لوكا مودريتش وهو يصل بمنتخب بلاده إلى نهائي البطولة الكروية الأكبر في العالم.
لقطات مؤثرة وثقتها عدسات المونديال.. لهذا نعتبر كرة القدم «أكثر من مجرد لعبة»
الانتقال إلى مدريد.. مودريتش يقود النادي الإسباني لأربعة ألقاب أوروبية
بدأ مودريتش مسيرته الكرويّة مع نادي دينامو زغرب الكرواتيّ بعد أن رفضه ناديه المفضّل الذي شجّعه منذ الصغر «هاجدوك سبليت»، وبعد سلسلة من الإعارات إلى أندية مختلفة في البوسنة والهرسك، ثم كرواتيا، حيث أثبت مودريتش قدراته الاستثنائية في وسط الميدان الهجومي، جاءت الفرصة للاحتراف في الدوري الإنجليزيّ سنة 2008 من بوابة النادي اللندنيّ توتنهام، وهناك قدّم مودريتش أداءً مبهرًا في أربعة مواسم؛ مما حفّز مسؤولي نادي ريال مدريد لجلبه في عام 2012 بصفقة قدّرت بـ30 مليون جنيه استرليني.
في ريال مدريد كان مودريتش مع موعد لتحقيق إنجازات كرويّة استثنائيّة، بفوزه بأربعة بطولات أوروبية، ثلاثة منها على التوالي تحت قيادة المدرّب الفرنسي ذي الأصول الجزائرية زين الدين زيدان، بالإضافة إلى بطولة الدوري الإسباني سنة 2017 وعدّة ألقاب أخرى، كما أصبح أحد أعمدة ريال مدريد الذين لا يستغنى عنهم في وسط الميدان بتمريراته الدقيقة ومراوغاته الحاسمة؛ إذ نال مكانه في تشكيلة «الفيفا» المثالية في منصبه لثلاثة سنوات متتالية من 2015 إلى 2017.
بدأ لوكا مودريتش مشواره الدولي مع المنتخب الكرواتي مبكّرًا، فقد كان يلعب بشكل دوري مع المنتخب الوطني لأقل من 17 سنة، ثم أقل من 21؛ ليبدأ بشكل أساسي في سنة 2006. وقد ساهم لوكا مودريتش في تأهل منتخب بلاده لنهائيات كأس أمم أوروبا سنة 2008، كما وصلت كرواتيا حينها إلى غاية الربع النهائي لتخرج بعد خسارتها مع تركيا بركلات الترجيح.
شارك مودريتش في بطولة اليورو سنة 2012 ومونديال البرازيل سنة 2014، ورغم مردوده المميّز في كلتا البطولتين، إلا أن المنتخب فشل في تخطي دور المجموعات.
يُزيد من قسوة الحكام.. كيف أثّرت تقنية «الفار» في كأس العالم؟
كيف كادت قضيّة فساد تعصف بشعبيّته في كرواتيا
المتاعب التي عاشها نجم ريال مدريد في طفولته لم تكن الأخيرة، ورغم لعبه في أكبر الأندية في العالم، إلا أنه وجد نفسه في ورطة أخرى قد لا تهدّد حياته، لكنها أثّرت على شعبيّته في بلاده بلا شك. قد يظن الكثيرون أنّ الجماهير الكرويّة في كرواتيا كانت كلّها خلف نجمها الأبرز في مونديال روسيا 2018، لكن هذا لم يكن دقيقًا، فقد وجد لوكا مودريتش نفسه متورّطًا مع العدالة الكرواتيّة في قضيّة متعلّقة برئيس ناديه السابق دينامو زاغرب، ماميتش؛ وهو الرجل المسؤول عن عدّة قضايا فساد واحتيال بسبب انتقالات اللاعبين، وقد كان انتقال مودريتش من نادي دينامو زغرب إلى توتنهام سنة 2008 إحدى هذه القضايا.
الكثير من الجماهير الكرويّة، وبالأخص جمهور دينامو زغرب كانوا مستائين من الطريقة التي كان ماميتش – الذي هرب إلى البوسنة خوفًا من العدالة الكرواتية بعد أن حكمت عليه بست سنوات سجنًا – يدير بها نادي دينامو زغرب؛ إذ يرون أنه حوّله إلى ملكيّة شخصية وجعله مرتعًا للفساد، بينما النادي ترجع ملكيته قانونًا إلى جميع الأعضاء المشتركين فيه.
جماهير النادي الأكبر في كرواتيا أصبحوا يقاطعون المباريات احتجاجًا على طريقة تسييره والفساد الكبير على مستوى إدارته، وبالإضافة إلى تجاوزاته المالية في النادي، فإن فساده – حسب بعض الأنصار – قد وصل إلى المنتخب الكرواتي نفسه، الذي عانى من تدخلات ماميتش بحكم كونه نائب رئيس اتحادية الكرة؛ إذ يقول الأنصار إنه كان يتدخّل في تشكيلة المنتخب لإشراك بعض اللاعبين من أجل رفع قيمتهم السوقية والاستفادة المادية منهم بعد انتقالهم للاحتراف في الخارج.
لعلّ متابعي الكرة يتذكّرون أعمال العنف الكبيرة التي قام بها مشجعو المنتخب الكرواتي في يورو 2016، التي تضمّنت احتلال الملعب ورمي الشماريخ داخل العشب الأخضر، الحقيقة أن تلك كان طريقتهم في الاحتجاج ضد اتحادية كرة القدم والفساد الذي يشوب الكرة الكرواتية، وبالذات ضدّ الرئيس السابق لدينامو زغرب.
مودريتش كان قد أخبر لجنة مكافحة الفساد أن ماميتش كان يزوّر أوراق انتقالات اللاعبين من أجل حصد الملايين إلى حساباته البنكية الشخصية، لكن حين جاءت لحظة المحاكمة التي انتظرها الأنصار الكرواتيون طويلًا، ووقف مودريتش كشاهد في هذه القضيّة، ورفض أن يعطي أي تفاصيل، وتمسّك بقوله بأنه «لا يستطيع التذكّر». هذا ما جعل مودريتش في ورطة حقيقية أمام العدالة التي تطالب بسجنه خمس سنوات بسبب حنث اليمين، بالإضافة إلى الانتقادات الساخطة من طرف الكثير من متابعي الكرة الكروات.
الكثير من هذه الانتقادات ستخفت بعد أن قاد مودريتش كرواتيا لإنجاز استثنائيّ في كأس العالم؛ فلأول مرة في تاريخه، وصل المنتخب إلى نهائي كأس العالم بعد أداء قويّ، تضمّن الفوز على الأرجنتين في دور المجموعات بثلاثة أهداف كاملة دون ردّ، في مباراة تاريخية كان مودريتش أحسن لاعب فيها.
لوكا مودريتش يتوّج بجائزة أحسن لاعب في دورة كأس العالم 2018
قليلون هم من توقّعوا أن تصل كرواتيا إلى النهائيّ، لكن المفاجآت كانت هي السمة الأبرز في مونديال روسيا 2018. مشوار البلد الذي لا يتجاوز سكّانه 4 ملايين نسمة لم يكن سهلًا؛ إذ اضطرّ للعب الأشواط الإضافية في الثلاث مباريات التي تلت دور المجموعات ضد كل من الدنمارك وروسيا وإنجلترا، لتلعب ضد فرنسا في النهائي، وتخسر بنتيجة أربعة أهداف مقابل اثنين، ورغم الخسارة، فإن وصول كرواتيا للنهائي لأول مرة في تاريخها مع جيل قويّ من اللاعبين بقيادة مودريتش، سيبقى إنجازًا فريدًا يسجّل في تاريخ كرة القدم.
************
كرة القدم أكثر من مجرّد «لعبة».. 4 مباريات تاريخيّة مشحونة بالرسائل السياسية
3,834
منذ شهرين، 5 يوليو,2018
لطالما حضرت السياسة في مدرّجات ملاعب كرة القدم، سواء من خلال الهتافات والأهازيج ذات الطابع السياسيّ التي يغنّيها آلاف الجماهير نقدًا للسلطة، أو في الرّايات والأعلام وحتّى اللغات التي تستخدمها هذه الجماهير لتمرير رسائل سياسيّة.
كرة القدم هي الرياضة الأكثر شعبيّة في العالم، وهو ما يجعلها وسيلة للاستغلال السياسيّ مِن قبل السلطة في كثير من الأحيان، خصوصًا في المباريات التي تجمع البلدان التي بينها خلافات سياسيّة وتاريخيّة، ممّا يجعل رمزيّة مبارياتها ودلالاتها أكبر من مجرّد 90 دقيقة يفوز فيها من يفوز.
في هذا التقرير، نضع بين يديك أربع مباريات بطعم السياسة خاضتها منتخبات وطنيّة معروف عنها توتّر العلاقات بين بلدانها، ممّا جعل العالم أجمع يتّجه صوب التلفاز لمتابعة مجرياتها بسبب السياق التاريخي والسياسي الذي أحاط بتفاصيلها.
1-مباراة الجزائر – فرنسا 1975.. نشيد «قسمًا» بدل «لامارساياز»
كانت الشاشة العملاقة في الملعب تشير إلى الدقيقة 89، فرنسا متقدّمة بهدفين لهدف أمام الجزائر، الرئيس الجزائريّ هواري بومدين يشاهد المباراة في المنصّة الشرفيّة منزعجًا من تأخّر المنتخب الوطنيّ الذي يلعب في أرضه وأمام جمهوره. ليس هذا فحسب، فالمباراة أكبر من مجرّد 90 دقيقة يفوز فيها من يفوز وينتهي الأمر؛ فقد كانت هذه المباراة بالذات مليئة بالدلالات السياسية والتاريخية التي لا تخطئها العين.
المباراة تُلعب في ملعب «5 يوليو»، وهو الملعب الذي سُمي على التاريخ الذي أعلنت فيه الجزائر استقلالها من المستعمر الفرنسيّ، كما أنّ هذه المباراة هي النهائيّة في دورة الألعاب المتوسّطية، أول دورة كرويّة دوليّة تنظّمها الجزائر التي نالت استقلالها من فرنسا قبل 13 سنة فقط، وبالتالي فإن الأنظار متّجهة نحوها، والتكهنات حول إمكانيّة تنظيم هذه الدولة «الفتيّة» لدورة بهذا الحجم.
المنتخب الجزائري سنوات السبعينيات – المصدر
بدا الرئيس الجزائريّ منزعجًا من هذه النتيجة، التي ستعني أنّه سيقوم ويحيّي النشيد الفرنسيّ «لامارساياز» الذي سيُعزف إن استمرّت النتيجة على حالها وفاز المنتخب الفرنسيّ، أطفأ بومدين سيجاره الكوبيّ الذي أرسله صديقه فيديل كاسترو خصّيصًا من أجله، وغادر المنصّة الشرفيّة بعد أن تيقّن أن النتيجة ستبقى على حالها، لكن تسديدة من طرف عُمر بطروني الذي عدّل النتيجة في الدقيقة التسعين أعادت الرئيس الذي همّ بالمغادرة إلى المنصّة الشرفيّة. في الأشواط الإضافية، سجّل اللاعب منقلّاتي هدف الفوز للمنتخب الجزائري، ليهدي بذلك التتويج للجزائر، ويُرفع نشيد «قسمًا» بدل «لامارساياز».
كانت هذه هي المباراة النهائيّة لدورة ألعاب البحر الأبيض المتوسّط التي جرت في العاصمة الجزائر في السادس من سبتمبر (أيلول) سنة 1975، أي بعد 13 سنة فقط من انتهاء الثورة الجزائرية ضد المستعمر الفرنسيّ ونيل الجزائر لاستقلالها سنة 1962، ولعلها كانت أوّل مواجهة بين عدوّي الماضي القريب، لكن هذه المرة في المستطيل الأخضر بدل الجبال وساحات الحرب.
2-«الشيطان الأعظم» ضد «محور الشرّ».. إيران تواجه أمريكا في كأس العالم 98
هذه الليلة، الخصم المتكبّر والمتعجرف تجرّع مرّة أخرى طعم الهزيمة على أيديكم
*علي خامنئي مرشد الثورة الإيرانيّة مخاطبًا الفريق الإيراني
دخل لاعبو المنتخب الإيراني ملعب ليون، وهم يحملون ورودًا بيضاء تعبيرًا عن السلام، سلام لم يتحقّق طوال 20 سنة مضت مع خصمهم الذي سيواجهونه لمّدة 90 دقيقة داخل الملعب، إيران ستواجه لأوّل مرّة الولايات المتحّدة الأمريكية في نهائيات كأس العالم سنة 1998 بفرنسا.
عندما وضعت القُرعة الولايات المتحدة وإيران في نفس المجموعة في كأس العالم سنة 1998، حبس جميع المتابعين أنفاسهم، فبعد القطيعة التي دامت 20 سنة تقريبًا منذ الثورة الإيرانية سنة 1979 التي أطاحت شاه إيران المدعوم من طرف الولايات المتحدة، وبعد حادثة حصار السفارة الأمريكية في إيران، كان من المؤكد أن مباراة كهذه لن تكون مقابلة كرويّة كغيرها من مقابلات كأس العالم، فالسياسة والتصريحات الناريّة المتبادلة والاحتجاجات كلها ستحضر في مقابلة كهذه.
صورة جماعية للمنتخب الأمريكي والإيراني
بعد أن دخل الفريقان إلى أرضيّة الملعب، التقط اللاعبون صورة جماعيّة مبادرة حسن نيّة بين الطرفين، لكن ما إن صفّر الحكم معلنًا بداية المقابلة حتى تحوّلت المباراة إلى منافسة ساخنة يحاول الطرفان بكل قوتهما الفوز بها، وهو ما تحقّق في النهاية للإيرانيين الذين تفوّقوا بهدفين لهدف، ليرسّموا بذلك أوّل فوز لهم في نهائيات كأس العالم، ويُخرجوا الولايات المتّحدة من البطولة. بعد هذه المقابلة التاريخية بكل المقاييس بـ18 شهرًا، التقى الطرفان مرّة أخرى في مباراة وديّة جرت في كاليفورنيا الأمريكيّة، تعادلا فيها بنتيجة هدف مقابل هدف.
3-الأرجنتين-إنجلترا.. حرب الفوكلاند تنتقل إلى الملعب
من المؤكّد أن جميع عُشّاق كرة القدم قد شاهدوا الهدفين الشهيرين لمارادونا في مباراة الربع النهائي من كأس العالم بمكسيكو سنة 1986. الهدف الأول الذي جاء بعد أن راوغ مارادونا أغلب لاعبي المنتخب الإنجليزي وتلاعب بهم كالأطفال، بينما كان الثاني هدفًا دخلت به يدُ مارادونا التاريخ بدل رجله، إذ استطاع مُخادعة حكم المباراة الذي لم يلحظ أن مارادونا قد سجّل الهدف بيده، لتفوز الأرجنتين على إنجلترا وتتأهّل إلى النصف النهائي، لتصبح بطلة العالم في تلك الدورة.
لكن ما قد لا يعرفه الكثيرون، هو السياق السياسي الملتهب الذي لُعبت فيه تلك المباراة، فقبلها بأربع سنوات فقط، كانت الحرب تدوّي بين بريطانيا والأرجنتين بسبب احتلال الأخيرة لجزر الفوكلاند التابعة لبريطانيا، والتي تبعد عن الأراضي الأرجنتينية حوالي 500 كم، ممّا أشعل صراعًا عسكريًّا بين الطرفين سقط على إثره 900 قتيل، وبالتالي فإن المباراة التي دارت بينهما كانت بطعم «الانتقام» لمن قُتلوا على أيدي الطرف الآخر. وقد كان النجم الأرجنتيني دييغو مارادونا قد أعلن أنّه وزملاءه قد دخلوا المباراة «وهم يفكّرون في مواطنيهم الذين سقطوا جراء الحرب كالعصافير الصغيرة».
صحيح أن المباراة والحرب انتهتا منذ أكثر من 30 سنة، إلاّ أن الصراع على الجزر بين الأرجنتين وبريطانيا لم يحسم بعد، فقبل شهور قليلة فقط اعتبر وزير الدفاع الأرجنتينيّ أن الجزر أرجنتينيّة بالفعل، مما أثار ردود فعل غاضبة في بريطانيا، كما زادت الجزيرة -المسيطر عليها من طرف بريطانيا- من قوّاتها الجويّة الدفاعية تحسّبًا لأي هجوم أرجنتينيّ عليها.
4-الحرب الباردة تنتقل إلى العشب الأخضر.. ألمانيا الشرقية ضد ألمانيا الغربية
بعد الحرب العالمية الثانية، خرجت ألمانيا منهزمة ومنقسمة بين شرقية وغربيّة، وأصبحت ساحةً للحرب الباردة بين المعسكرين الشرقيّ بقيادة الاتحاد السوفياتي والغربي بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيّين، وقد فازت ألمانيا الغربيّة بشرف تنظيم كأس العالم في سنة 1974، لتضعها القرعة ضد الجارة، والعدوّة اللدودة ألمانيا الغربيّة.
كلّ شيء في تلك الدورة كان ينذر بأجواء سياسيّة متوتّرة، فالاتحاد السوفياتيّ لم يشارك بسبب رفضه اللعب أمام منتخب تشيلي، بسبب الانقلاب الذي قاده الجنرال بينوشيه بدعم من الولايات المتحدة، كما أنّ التخوّف من أعمال عنف من طرف جماعات مسلّحة كان على أشدّه، فقبلها بسنتين فقط، عندما نظّمت مدينة ميونخ دورة الألعاب الأولمبيّة، شهدت هجومًا مسلّحًا قادته مجموعة فلسطينيّة مسلّحة تُدعى «أيلول الأسود»، -نِسبة إلى أحداث سبتمبر 1971 حين اشتبك الجيش الأردنيّ مع قوّات منظمة التحرير الفلسطينيّة ووقع بسبب ذلك عدّة قتلى-. وقد استهدف الهجوم الفلسطينيّ البعثة الرياضيّة الإسرائيليّة، وقُتل على أثر ذلك 11 رياضيًّا إسرائيليًّا.
مباريات تاريخيّةمباريات تاريخيّة
هذا ما جعل دورة كأس العالم بعدها بسنتين تحظى بحراسة أمنيّة مشدّدة. رغم أنّ المباراة على المستوى الكرويّ لم تكن مصيريّة، فقد ضمن التأهّل فريق ألمانيا الغربيّة بعد فوزه على تشيلي وأستراليا، بينما فاز منتخب ألمانيا الشرقية على أستراليا وتعادل مع الشيلي؛ إلاّ أن الرمزية السياسيّة للمباراة كانت طاغية، فقد لفتت أنظار العالم أجمع.
ورغم أنّ كفّة التوقّعات كانت ترشّح منتخب ألمانيا الغربيّة بقيادة النجم فراتز بينكنباور، وباقي لاعبي بايرن ميونخ الذين فازوا قبلها بأسابيع البطولة الأوروبيّة، انتهت المباراة بتعادل سلبيّ، وبقيت هذه المقابلة خالدةً في التاريخ كإحدى أبرز المباريات ذات الطابع السياسيّ التي شهدتها ملاعب الكرة المستديرة.
*****************
أفريقيا التي لا نعرفها.. 6 تجارب أفريقيّة لإنتاج السيارات تستحق التأمل
13,017
منذ شهرين، 3 يوليو,2018
بعيدًا عن الأفكار المسبقة المنتشرة عن أفريقيا، والتي تتضمّن صور الفقر والمجاعات والحروب الأهليّة، يبدو وجه آخر لبلدان أفريقيّة تحاول المنافسة في الاقتصاد العالمي من خلال الابتكار. يبلغ عدد سكّان أفريقيا أكثر من مليار و200 مليون نسمة، ممّا يجعلها سوقًا كبيرة للسيّارات؛ وتتسابق الشركات العالمية على أخذ حصّتها في هذه السوق عبر تصدير سياراتها وقطع الغيار للبلدان الأفريقية، فيما يبقى الإنتاج المحليّ في كثير من هذه البلدان الأفريقيّة منعدمًا أو في بداياته.
رغم ذلك، فهنالك تجارب واعدة لبعض الشركات الجديدة التي تطمح لدخول سوق إنتاج السيّارات، ورغم الصعوبات التقنية والبيروقراطية التي قد تعيق مثل هذه المبادرات، إلا أن بعضها حقّق نجاحات ملموسة، وبدأ في دخول هذا السوق الواسع شيئًا فشيئًا. في هذا التقرير نستعرض ستّ تجارب لبلدان أفريقية دخلت صناعة السيارات.
1-غانا.. سيارات «كانتانكا»
تسعى شركة «kantanka» للسيارات لصناعة مركبات ملائمة لطبيعة غانا وطقسها، ونوعية طرقاتها، وهو ما تحاول أن تتفوّق فيه على العلامات التجارية العالمية المستوردة. الشركة التي تأسست سنة 2004 واستطاعت أن تحقّق أرباحًا في السنة الماضية، لها قدرة إنتاج تصل إلى 100 سيارة شهريًا، وتحاول رفع هذه القدرة تدريجيًّا.
تنتج الشركة حتى الآن ثلاث نوعيّات من السيارات، أقلها ثمنًا تقدّر بـ20 ألف دولار، وهو سعر أقل من نظيراتها المستوردة بـ30%، كما تطمح الشركة لتصدير سياراتها مستقبلًا إلى باقي أنحاء العالم. تعاني حاليًّا هذه الشركة الغانيّة من مشاكل في إيجاد العمالة المؤهّلة، إذ يشغّل المصنع الموجود في العاصمة أكرا حاليًّا حوالي 100 عامل، وتعمل الشركة على إرسال مجموعة من الطلاب والعمّال للتكوين في البلدان الصناعيّة المتقدمّة كاليابان وألمانيا والولايات المتحدة من أجل رفع مستواهم والحصول على تدريب في المجالات المتقدّمة كالسيّارات الكهربائيّة وغيرها.
ليس من الغريب أن تشاهد سيّارات الشرطة ذات العلامة التجاريّة «كانتانكا» وهي تجوب شوارع غانا، فالشركة صارت تزوّد أجهزة الأمن بسيّاراتها أيضًا. وتستخدم سيارة «كانتانكا» قطعًا مستوردة من الصين، كما تصنّع محليًّا بعض أجزاء السيارة بشكل يدويّ.
رحلة غانا من الفقر إلى الاقتصاد الأسرع نموًا في العالم
2-كينيا.. إنتاج محليّ لسيّارات دفع رباعي
شركة «Mobius motors» المتواجدة في نايروبي – عاصمة كينيا – بدأت في صنع سيارات تلائم الطرقات الوعرة غير المعبدة في كينيا، بالإضافة إلى كونها مريحة وذات سعر مناسب.
تأسّست شركة Mobius motors على يد رجل الأعمال البريطاني جويل جاكسون، الذي يقول إن فكرة هذه السيارة جاءت بعد أن شاهد طرقات كينيا ومسالكها الوعرة، وكيف أنّ السيارات المستوردة ليست متوائمة مع حاجيات السوق المحليّة. يقول جاكسون لـ«سي إن إن»: «الملايين يعانون من ضعف في الإنتاجيّة بسبب الوقت الذي يهدرونه في التنقّل من مكان إلى مكان آخر، ويمكن حلّ هذا المشكل من خلال منتوج جديد».
يضيف جاكسون أن الشركات الكبرى ما زالت تحاول التوسّع في الأسواق النامية المعروفة، كالبرازيل والهند وروسيا، بينما يتم تجاهل السوق الأفريقية الواعدة. سيارة Mobius تباع حاليًّا ابتداءً من 12500 دولار، ورغم أن هذا السعر قد يعتبر منخفضًا بالنسبة لسيارة جديدة، إلا أن انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين في كينيا ما زال يشكّل تحديًا لهذه الشركة الناشئة. أمّا عن تصنيع القطع، كباقي تجارب مصانع السيارات في أفريقيا، فإن الشركة ما زالت تصنّع بعض القطع محليًّا بينما تستورد القطع الأكثر تقدّمًا من الخارج.
3-«واليس كار».. تجربة تونسيّة حديثة
برزت إلى الأضواء شركة «واليس كار» بعد حصولها على جائزة الابتكار لعام 2017 من قبل صندوق النقد الدولي. «واليس كار» هي شركة تونسيّة لتصنيع السيّارات، تأسست سنة 2006 من طرف زياد قيقة، وتشير التقارير الصحافية إلى أنّ تصميمها والكثير من مكوّناتها الميكانيكيّة تصنّع في داخل تونس.
يوظّف مصنع واليس 30 عاملًا، وهو رقم منخفض مقارنة بمصانع السيارات الكبرى، ويؤكد مؤسس المشروع زياد قيقة أنّ الطلب يتزايد على هذه السيارة ممّا يعني أنّ المصنع سيسعى إلى توظيف المزيد من العمّال. وتبلغ حاليًا طاقة استيعاب المصنع 100 سيارة يوميًّا، لكن هذا الرقم سيتضاعف – حسب زياد – كلّ سنة. ويبلغ سعر هذه السيارة 13500 دولار، وقد تم البدء في تسويقها في فرنسا سنة 2008، لتدخل السوق التونسية سنة 2012. ورغم أن السيارة تستخدم محرّك شركة بيجو الفرنسيّة؛ إلا أنها تصنّع محليًّا عدّة قطع من السيارة، كالكراسي والهياكل والزجاج وغيرها.
وتشتهر الشركة بسيارتها «إيريس» رباعيّة الدفع التي يستخدمها السيّاح الغربيّون القادمون إلى تونس بفضل هيكلها الأنيق. ورغم أن الشركة لم تبع أكثر من 800 سيّارة منذ نشأتها، إلا أنّ طموحاتها تبقى كبيرة في أن تنافس يومًا الشركات الكبرى، وتنشر علامتها التجارية في كل أنحاء العالم. حاليًّا تعتبر «واليس كار» الشركة التونسيّة الوحيدة التي تعمل داخل البلاد في إنتاج السيارات، وتحاول منافسة السيارات المستوردة من الخارج من خلال منتوجها المحليّ.
4-أوغندا.. مسابقة طلابية تتحوّل إلى مشروع وطني
في أوغندا يبرز مشروع سيارة «kiira smack» التي تشتغل بالمحروقات بالإضافة إلى الطاقة الشمسيّة، والتي يتم تطويرها من قبل شركة kiira motors. وقد تلقى هذا المشروع دعمًا حكوميًّا سخيًّا باعتباره أوّل مشروع من نوعه لإنتاج السيارات في أوغندا، والذي من شأنه أن ينافس في السوق المحليّة التي تسيطر عليها السيارات المستوردة. وتأمل الشركة في إنتاج 7 آلاف سيّارة في السنة. وتعمل هذه السيارات من خلال بطاريات الليثيوم التي تشغّل السيارة لمسافة 50 كم، وتستطيع الوصول إلى سرعة قصوى بالغة 180 كم في الساعة.
بدأ المشروع مع مجموعة من طلبة جامعة makerere أكبر جامعة في أوغندا، الذين شاركوا في سنة 2006 في مسابقة من تنظيم معهد «MITt» الأمريكي من أجل صنع سيارة كهربائية. بعدها بخمس سنوات وُلدت سيارة kiira smack. وتطمح الشركة حاليًّا لجمع المزيد من الاستثمارات من أجل توسيع عمليّاتها والدخول في مرحلة إنتاج مستمر، ويتوقّع أن يبلغ سعر السيارة 20 ألف دولار.
5-نيجيريا.. شركة «innoson» تصنع السيارات وقطع غيار الطائرات المقاتلة
نيجيريا هي البلد الأوّل في أفريقيا والسابعة عالميًّا من ناحية عدد السكّان الذي يبلغ 190 مليون نسمة، وهو ما يعني وجود سوق ضخمة للسيارات وقطع الغيار. تحاول شركة «innoson» لإنتاج السيارات استغلال هذه السوق الكبيرة لإنتاج سيّارات محليّة الصنع.تأسّست شركة innoson من طرف إينوسونت شوكوما، رجل الأعمال النيجيري الذي كان يتاجر في مجال قطع الغيار، ليؤسّس شركة إنتاج السيارات innoson car manifacturing أو «ICN».
وتشير مصادر صحافية إلى أن 70% من قطع السيارة مصنّعة محليًّا، بينما يتم استيراد الباقي. ومن خلال الشراكة مع الحكومة النيجيريّة، أنتجت الشركة عدّة أصناف مختلفة من السيارات، إحداها تستخدمها شرطة المرور في مهامها اليومية.
وبعد شراكتها مع الجيش النيجيري لإنتاج قطع غيار للطائرات المقاتلة، تطمح شركة innoson لمواصلة التوسّع، من أجل رفع طاقتها الإنتاجيّة من 10 آلاف مركبة إلى 50 ألف مركبة سنويًّا. هذه الشراكة مع الجيش ستسمح للشركة بفرض اسمها في سوق السيارات النيجيريّ الذي يعاني – كباقي الدول الأفريقيّة – من سيطرة الشركات الأجنبية والسيارات المستوردة على السوق.
6- مصر.. هل تنجح محاولة بعث «نصر» مجدّدًا؟
في الستينيات شهدت مصر تجربة صناعة سيّارات فريدة من نوعها، إذ تعتبر شركة نصر للسيّارات أول شركة في العالم العربي في هذا المجال، وقد أنشئت سنة 1960 بالتعاون مع شركة فيات الإيطالية وشركة nsu الألمانية، وانتشرت في السوق المصري بشكل كبير من خلال أصناف سياراتها المتنوّعة مثل نصر 1100، ونصر 1300، ونصر 2300، وقد كانت الشركة تنتج بالإضافة إلى ذلك الجرّارات والحافلات وأنواعًا أخرى من المركبات، كما كانت توظّف في فترات سابقة 12 ألف عامل.
وفي التسعينيات ومع موجة الانفتاح ودخول الشركات العالمية السوق المصريّة وافتتاح مصانع لها داخل مصر، مما جعل شركة نصر في أزمة ماليّة جعلت الديون تتراكم، وتم تسريح العمّال منها، وتصفيتها. وحاليًّا تبحث الحكومة عن سبل لإعادة تشغيل المصنع من خلال التعاون مع شركات سيّارات أجنبيّة.
****************
«ابن نكتة وذكي».. كيف غيَّر الشعب السعودي نظرة العرب له بعد كأس العالم؟
3,263
منذ شهرين، 21 يونيو,2018
شهدت هذه الدورة من كأس العالم 2018 بروسيا مشاركات كرويّة متواضعة للمنتخبات العربيّة، ولم يكن المنتخب السعوديّ استثناءً من هذه القاعدة، لكن مشاركته في هذه الدورة كان لها جانبٌ آخر مثير للاهتمام، تمثّل في إبراز وجه مغاير للجمهور السعوديّ عن الصورة النمطية التي تتصورها أغلب الشعوب العربية؛ تمثّل الوجه المغاير في روح الدعابة التي يتمتّع بها، وقدرته على السخرية بشكل فيه حس كوميدي عال أدهش باقي الجماهير العربيّة.
في المباراة الافتتاحيّة لكأس العالم 2018 التي جرت بين روسيا والمنتخب السعودي، مُني هذا الأخير بهزيمة قاسية: بخمسة أهداف مقابل صفر، كأكبر هزيمة في مباراة افتتاحيّة في تاريخ كؤوس العالم. وقد أُقصي «الأخضر السعودي» رسميًّا من البطولة بعد خسارته الثانية على التوالي مع منتخب الأوروغواي بهدف لصفر. هذا الخروج المبكّر من كأس العالم دون إحراز أيّ هدف في مباراتين سلّط الأضواء على المشاركة السعوديّة في كأس العالم، وما أثارته من آراء مختلفة حول المنتخب السعوديّ؛ إذ رأى البعض أن المنتخب كان ضحيّة لمسؤولي الرياضة في السعوديّة، وعلى رأسهم تركي آل الشيخ، وزير الرياضة السعوديّ.
وزير الرياضة تركي آل الشيخ، دائمًا ما يثير جدلًا بمواقفه وتصريحاته؛ ممّا جعل السعوديّة في نظر الكثيرين تدفع إلى حدّ كبير ثمن هذه المواقف، من خلال تأليب جزء كبير من الرأي العام العربي ضدها وضد منتخبها الذي يلعب في نهائيات كأس العالم للمرّة الخامسة، وبدلًا عن وقوف الجمهور العربيّ معه إلى جانب باقي المنتخبات العربيّة، كان المنتخب السعوديّ محلّ سخط، وحتى سخريّة بشكل أوسع من العديد من الجماهير العربية على مواقع التواصل الاجتماعي، فما سبب ذلك؟
كله من الـ ١٠٠ مليون مصري فضحونا حتى سواريز عرف اننا كبسه
#السعوديه_الاوروغواي pic.twitter.com/Z3rduWYfhU
— محمد .. (@moha_1416_) June 20, 2018
تركي آل الشيخ.. كيف دمر المستشار شعبية السعودية في العالم العربي؟
لعلّ أكثر المواقف إثارة للجدل، كان تصويت السعوديّة لصالح ملفّ الولايات المتحدّة وكندا والمكسيك لتنظيم كأس العالم 2026، مُقابل الملفّ المغربيّ الذي التفّت حوله الكثير من البلدان العربيّة. وقد جاء توقيت هذا التصويت يومًا واحدًا قبل مباراة السعوديّة أمام روسيا؛ ليمثل عاصفة مثاليّة ضربت شعبيّة السعوديّة في أوساط الجماهير المغربيّة والكثير من الجماهير العربيّة؛ إذ ذهب الكثير منهم لدرجة تشجيع المنتخب الروسي مقابل السعوديّ بعد هذا الموقف الذي اعتبره البعض منهم «خيانة» للعرب في المحافل الدوليّة، ولعلّه يعيد إلى الأذهان المحاولات السعوديّة لإفشال تنظيم قطر لنهائيّات كأس العالم 2022.
#بالتوفيق_لمنتخبنا_السعودى#كأس_العالم_2026#المغرب كامغربي و بإسم العروبة و بعيدا عن السياسة و المشاكل انا وبصفتي مغربي حر سأشجع المنتخب الروسي الشقيق ❤
— _*🇲🇦مغربي حر🇲🇦*_ (@yoyos76) June 14, 2018
الوجه الباهت الذي ظهر به المنتخب السعوديّ أمام المنتخب الروسيّ جعل بعض المناصرين السعوديّين أنفسهم بعد تلقّي ذلك الكمّ من الأهداف يشجّعون المنتخب الروسيّ في الدقائق الأخيرة، في موقف طريف قد يعكس سخطهم من المستوى الذي ظهر به منتخبهم، وقد انتشر ذلك الفيديو في وسائل التواصل الاجتماعيّ وسط سخرية وضحك الجماهير العربيّة من هذا الموقف، وإشادة بروح الفكاهة عند الجمهور السعودي.
الهدف الخامس لروسيا من مدرجات الجماهير السعودية، وردة فعلهم. pic.twitter.com/s8fQFXHlaa
— WorldCup2018™️ (@EPLworld) June 14, 2018
وقد شهدت شعبيّة تركي آل الشيخ تراجعًا كبيرًا في الأوساط المصريّة بعد الجدل الذي أُثير بعد رئاسته الشرفيّة للنادي الأهلي المصريّ، والانتقادات التي تعرّض لها من أنصاره؛ لتنتهي القضيّة بخروجه من النادي وسط صراع مفتوح مع إدارة النادي وسخط من طرف الجمهور على طريقة تعامله وتدخّلاته بالأموال، بطريقة مسيئة لمكانة النادي حسبهم. وبعد خروجه من النادي الأهلي نشر تركي آل الشيخ على مواقع التواصل الاجتماعيّ تفاصيل اللقاءات التي كانت تجمعه بأعضاء إدارة النادي ولاعبيه، فيما لم يردّ النادي على اتهامات تركي.
القضيّة الأخرى التي زادت من سخط الجماهير العربيّة على تركي آل الشيخ كانت تدخلاته في المنتخب الفلسطينيّ الذي كان يبلي بلاءً ممتازًا تحت قيادة مدرّبه عبد الناصر بركات، والذي استطاع تأهيل المنتخب إلى نهائيات بطولة آسيا للأمم، وأدائه الرائع في كأس آسيا 2015 بالإمارات، ورفع من تصنيف فلسطين إلى المرتبة 73 عالميًّا، وهي أعلى مرتبة يصلها على الإطلاق، لكن ظهور آل الشيخ بكيس الأموال الذي لا ينتهي وضع نهاية لهذا التألّق؛ إذ فرض تركي على جبريل الرجوب، رئيس اتحاد الكرة الفلسطيني، باستخدام الأموال والضغط، المدرب البوليفي خوليو سيزار بالديفييزو، الذي لا يملك مؤهلات تدريبيّة متميّزة؛ ممّا جعل المنتخب الفلسطيني يعاني من تراجع مستواه بعد الأداء البارز الذي شهده في السنوات الأخيرة تحت قيادة بركات.
«هآرتس»: بمساعدة مدرب بوليفي.. هكذا دمر تركي آل الشيخ منتخب فلسطين لكرة القدم!
ليس هذا فحسب، فلم يتورّع آل الشيخ في التعليق على إصابة النجم المصري محمّد صلاح بطريقة اعتبرها الجمهور المصري مسيئة ومهينة للنجم العالميّ، بقوله: «لازم يوحشنا قبل المونديال»، ثم حديثه عن أن نادي ليفربول لن يسمح لمحمد صلاح بأخذ الحقن العلاجيّة خوفًا عليه؛ مما اعتبر محاولة بداية حرب نفسيّة قبل مواجهة المنتخبين السعودي والمصري.
*****************
علمّ أولادك كما يتعلّم «أذكى شعب في العالم».. طريقة سنغافورة في تعليم الرياضيات
18,264
منذ شهرين، 19 يونيو,2018
داغستان ليست «داعشية».. أرض التصوف والجمال والمقاتلين الأشاوس التي استغلتها روسيا
6,443
منذ 3 شهور، 7 يونيو,2018
حين يُعاقب طفل لهفوة اقترفها، يسمح حسب التقاليد الجبلية بضربه في أيّ مكان إلا على وجهه. فالوجه البشري لا يمسّ، وهذا قانون بالنسبة لأي جبلي. أنتِ وجهي يا داغستان، وإني لا أسمح بأن يمسّكِ أحد. *الشاعر الداغستانيّ رسول حمزتوف
بين جبال القوقاز الساحرة، حيث ترسم الجبال الخضراء الشاهقة لوحة طبيعيّة ساحرة، تبرز منطقة ذات أغلبية مسلمة في جنوب روسيا الاتحاديّة، تعرف بثوراتها وتمرّداتها التي لا تنتهي، وبمقاتليها الأشداء الذين يحترفون الرياضات القتاليّة منذ سنّ صغيرة، وبذلك اشتهروا في كل أنحاء العالم بقوّتهم الجسديّة وبراعتهم في فنون القتال، إنها جمهوريّة داغستان.
إذا كنت من متابعي رياضة الفنون القتاليّة المختلطة (mma) فإنّك بلا شكّ سمعت ببطل العالم حبيب نور محمّدوف الذي صار اسمه على لسان الإعلام الرياضي في مختلف أنحاء العالم، وجعل الكثيرين يبحثون عن المنطقة غير المعروفة التي ينحدر منها، والتي صارت مؤخّرًا مصنعًا لإنتاج المقاتلين الأقوياء.
حبيب نور محمّدوف في آخر مباراة له
«حبيب» ليس البطل الرياضيّ الوحيد الذي خرج من داغستان ووصل إلى العالميّة، إذ تبرز عدّة أسماء في الرياضات القتاليّة الأخرى، بالذات في رياضة المصارعة التي يتخصّص فيها الداغستانيّون. يُذكر في هذا السياق اسم عبد الرشيد سعد الله اف، الذي رغم سنّه الصغير البالغ من العمر 22 سنة، قد حاز على الميداليّة الذهبيّة في المصارعة في أولمبياد ريو 2016، بالإضافة إلى العديد من البطولة العالميّة والقاريّة.
تريد أن تسافر في العام الجديد؟ هذه هي أفضل الأماكن السياحية لعام 2017
لماذا تخرّج داغستان المقاتلين الأشدّاء؟
لا تُعرف داغستان بالمقاتلين الأشدّاء فقط، فهذه المنطقة ذات طبيعة خلاّبة بجبالها وأراضيها الساحرة، فنتيجة لتضاريسها الجغرافية الوعرة وطبيعتها الديموغرافيّة القبليّة شديدة التنوّع؛ وقد كانت طوال مئات السنين ساحة للحروب والتقلبات السياسيّة بين مختلف الأطراف التي سعت لبسط نفوذها عليها، بينما تواصل داغستان المقاومة من أجل سيادتها، ضد أي تأثير أجنبي يسعى لبسط نفوذه على السكان المحلّيين المتمسّكين بنظم حكم قبلية تقليدية سائدة منذ عشرات القرون، متمثّلة في النظام التقليديّ المسمّى «عادات»، وقيم إسلاميّة صوفيّة شديدة الرسوخ في نفوس الداغستانيين، تُورثت من الأجداد إلى الأحفاد، جيلاً بعد جيل منذ الطفولة.
وتعيش في داغستان أعراق شديدة التنوّع، من آفار ودارجين وأذربيجان وشيشان وغيرها الكثير، كما تعرف تنوّعًا شديدًا في اللغات التي تصل إلى 30 لغة، يتحدّث بها السكّان الذين لا يتجاوزون الثلاثة ملايين نسمة؛ أشهرها الروسيّة والآفاريّة والأذربيجانيّة والآغول وغيرها، حتى العربيّة التي كان لها حضور بارز في داغستان بفضل عامل الدين الإسلاميّ الذي يدين به أغلبية الداغستانيّين.
أطفال يدرسون القرآن في داغستان
لكن لماذا تُعرف هذه المنطقة دون غيرها بالمقاتلين الأشدّاء، وبتخريجها لأبطال العالم في المصارعة والرياضات القتاليّة المختلفة؟ منذ سنّ مبكّرة، يُدرج الكثير من الآباء أبناءهم في مدارس خاصّة بالفنون القتاليّة، فبالإضافة إلى تدريس هذه المدارس لمختلف العلوم الأساسيّة كالرياضيات واللغة وغيرها؛ تركّز على الفنون القتاليّة بنظام صارم، إذ لا يُسمح في بعض المدارس للطالب بالعودة إلى بيته إلاّ يومًا واحدًا كلّ شهر.
وتعمل الطبيعة الريفيّة الجبليّة الوعرة دورًا هامًّا في تخريج هؤلاء المقاتلين، إذ إنّ المهام التي تتطلّب قوّة جسديّة وبنية رياضيّة في هذه المنطقة أكثر انتشارًا في الحياة اليوميّة، عكس حياة المدن والمناطق الحضاريّة حيث تغيب هذه المهام، وتعرف بالسهولة النسبية وانعدام النشاطات التي تتطلّب جهدًا بدنيًّا.
ومع زيادة شعبيّة الرياضات القتاليّة حول العالم، بالخصوص رياضة الفنون القتاليّة المختلطة (mma) أو «نزال القفص»، وبروز بطولات رياضيّة عالميّة بلغ متابعوها الملايين كبطولة UFC الأمريكيّة؛ فإن ذلك زاد من أسهم المقاتلين الداغستانيين الذين يُعرفون بتفوّقهم في هذه المنافسة، وقد أصبح اسم الداغستاني حبيب نور محمّدوف، أحد أبرز نجوم هذه الرياضة في العالم.
يقول علي كايتوكوف، الرياضيّ السابق في بطولة UFC؛ إنّ هؤلاء المقاتلين يشاركون في مثل هذه المنافسات بسبب الأوضاع المعيشيّة الصعبة وانعدام فرص العمل، خصوصًا أنّ النجاح في هذه المنافسات وتحقيق الفوز في أمريكا يتيح لهم الحصول على مبالغ خياليّة، وبالتالي دخلاً ماديًّا يكفي ليُعيل أسرهم وأصدقاءهم وجيرانهم الفقراء في القرى الداغستانيّة.
في تقرير للنيويورك تايمز، أوضح أهمية هذه الرياضات القتاليّة في جذب الشباب وتجنيبهم الانضمام إلى الجماعات المسلّحة التي تنشط في منطقة القوقاز (في داغستان والشيشان بشكل أكبر) منذ التسعينيات، وقد عرفت هذه الجماعات دفعات جديدة من المجنّدين بعد الحرب السوريّة التي شاركت فيها مجموعات قتاليّة من داغستان والشيشان، انضمّ بعضها للدولة الإسلاميّة (داعش).
بعضهم يتجسس لصالح روسيا والآخرون يقاتلونها بضراوة.. قصة الشيشانيين في سوريا
«وطنٌ حنون».. تاريخ داغستان الحافل بالمقاومة ضدّ الهيمنة الأجنبيّة
شيئان في هذه الحياة يستحقان الصراع، وطن حنون وامرأة رائعة!
الاقتباس السّابق كان من الكاتب والشاعر الداغستانيّ رسول حمزتوف؛ وهو يعبّر بشكل عميق عن تعلّق الداغستانيين بأراضيهم الشاهقة واستعدادهم الدائم للصراع من أجلها كما أثبتوا ذلك على مرّ التاريخ.
وصل الفتح الإسلاميّ إلى داغستان في وقت مبكّر؛ إذ كان الصحابيّ سُراقة بن عمرو عند مشارف مدينة «دربند» أو «باب الأبواب» كما سمّاها العرب، كبرى المدن الداغستانيّة، منذ سنة 20 للهجرة (641 للميلاد)، وقد عرفت داغستان نوعًا من الاستقلاليّة والحكم المحليّ في جبالها نتيجة الطبيعة الجغرافيّة الصعبة التي تعرف بها، بالإضافة إلى التنوع الشديد في أعراقها ولغاتها، حتّى سمّاها العرب «جبل اللّغات» بسبب هذا التنوّع في اللغات المستعملة بين سكّانها، فتمتّعت بفضل ذلك باستقلال مُعتبر عن أبرز الإمبراطوريّات القريبة منها، التي كانت تحاول بسط نفوذها عليها، كالروس وفارس.
بتموقعها شمال جبال القوقاز، 1300 كم عن العاصمة الروسيّة موسكو، بالإضافة إلى تركيبتها الجغرافية الوعرة من جبال وأنهار، وتشكيلة سكّانية فسيفسائيّة، متكوّنة من عدّة أعراق ولغات مختلفة؛ فإنّ داغستان الخيار الأمثل لأي نشاط عسكريّ يتّخذ أسلوب حرب العصابات. هذا ما ما سمح لسكّانها منذ القدم بالحصول على استقلاليّة معتبرة عن أيّ قوى خارجيّة أخرى تريد السيطرة عليها.
جبال داغستان
في القرن السادس عشر، حاول القياصرة الروس السيطرة على داغستان في عهد القيصر «إيفان الفضيع» من خلال بناء القلاع العسكريّة حولها، وفي سنة 1722، بدأ القيصر «بيتر الأوّل» أولى محاولات التدخل العسكريّ الروسيّ في داغستان، فاحتلّ مدينة دربند وما يحيط بها، ثم تخّلى عنها لمملكة فارس بسبب التهديدات العسكرية التي كانت تهدّد روسيا من جهات أخرى.
هذا التدخّل العسكري الروسيّ في داغستان صاحبه تدفّق لعدّة قبائل وأعراق روسيّة إلى داغستان، وقد كانوا بدرجة أولى من المسيحيين الأورثوذوكس، ممّا عنى أنّ عاداتهم وطقوسهم مختلفة جذريًّا عن العادات الإسلاميّة التي يتّصف بها السكان المحليّون في داغستان، وذلك ما حفّز القبائل الداغستانيّة المسلمة على التوحّد تحت راية الشيخ منصور أوشورما، من أجل إنهاء الوجود الروسيّ في داغستان، وقد شاركت في هذه المقاومة المسلّحة الشبكات الصوفيّة التقليديّة، وألحقت عدّة هزائم بالروس، من خلال حرب العصابات الملائمة تمامًا للطبيعة الجغرافيّة الصعبة التي تُعرف بها جبال داغستان.
استمرّت مقاومة الداغستانيين للهيمنة الروسيّة عدّة سنوات، كانت الطريقة الصوفيّة المعروفة بـ«النقشبنديّة» – وهي الأكثر انتشارًا في داغستان – المحرّك الرئيس لها، من خلال مرشدها المُلاّ محمد يرافكسي، الذي خلفه عدّة قادة كان أبرزهم زعيم المقاومة المعروف «شامل»، إذ استمرّت مقاومته لنظام القياصرة الروس 25 سنة.
الإمام شامل
أثناء وصول البلاشفة الروس إلى السلطة والإطاحة بنظام القياصرة في بدايات القرن العشرين؛ كانت داغستان أشبه بساحة الحرب بين الطرفين، وقد قام السكان بقيادة الطرق الصوفيّة بثورة من أجل تحرير داغستان من بقايا الحكم القيصريّ، وانضمّ إلى الثورة بعض البلاشفة الماركسيون أيضًا.
في بدايات الاتحاد السوفيتي عرفت داغستان انقسامات قبليّة بسبب تنوّع الأعراق واللغات، كما تواصلت الانتفاضات ضدّ الحكم السوفيتي الذي رأى فيه الداغستانيون مجرّد امتداد للقمع القيصريّ، لكن بشعارات أخرى في ظلّ الحكم الشيوعيّ، ونتيجة لذلكّ ولتجنّب استمرار الانتفاضة أقرّ الاتحاد السوفياتيّ شكلاً من أشكال الحكم المحليّ في داغستان من خلال الاعتراف بمجالس محليّة منتخبة، كما أنّ علاقة السوفيت مع الإسلام في البداية عرفت اعترافًا صريحًا واحترامًا لحقّ الداغستانيين في الاحتكام إلى قوانين الشريعة الإسلاميّة، من خلال تصريح جوزيف ستالين سنة 1920 بكلّ وضوح:
«لقد تمّ إعلامنا أن الشريعة لها معنى قويّ جدًّا بين شعوب داغستان، وقد علمنا أيضًا أن أعداء الاتحاد السوفياتي ينشرون شائعات مفادها أن السوفيت سيمنعون الشريعة. أنا هنا لأؤكد لكم، باسم الاتحاد السوفيتي، أن هذه الشائعات خاطئة. الحكومة الروسية تسمح لكل أمّة بأن تحكم بالاستناد إلى القوانين والعادات المحلية. الاتحاد السوفيتي يعترف بالشريعة باعتبارها شرعيّة، وقانونًا خاصًّا مطبقًا في أمم أخرى في روسيا، إذا أراد الداغستانيون أن يحافظوا على قوانينهم وعاداتهم، فَلَهُم ذلك».
وقد فهم الداغستانيون هذا الموقف الروسيّ من الشريعة باعتباره استقلالاً ضمنيًّا. لكن هذه النبرة الإيجابيّة تجاه الإسلام البارزة في كلام ستالين لم تدم طويلاً، فبعدها بسنوات، ومع انتشار المساجد والمدارس القرآنيّة والقضاة الشرعيّين، اعتبرت الحكومة السوفياتيّة أن الإسلام خطر يهدّد الاتحاد، فبدأت بحملة قمعيّة شملت إغلاق المساجد وقمع الأئمة، ونفي العلماء الشرعيين إلى السجون ومعسكرات الاعتقال، وقد استمرّت هذه الحملة طوال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي في ربوع داغستان.
مؤتمر الشيشان.. إخراج «السلفية والوهابية» من نطاق أهل السنة
الحرب السوريّة.. كيف سهلت روسيا انضمام الداغستانيين إلى «داعش»
بعد أن حاربتهم روسيا لسنوات، وجدت موسكو في الجماعات الإسلاميّة المسلّحة ورقة للّعب في المستقنع السوريّ، فقد نشرت وكالة رويترز تحقيقًا استقصائيًّا خلصت فيه إلى أنّ الحكومة الروسيّة سعت إلى تسهيل انتقال مقاتلين من داغستان وباقي المناطق الروسيّة، للمشاركة في الحرب السوريّة. إذ أكّد عدد من الشهود في حديثهم لرويترز أنّ الاستخبارات الروسيّة وفّرت لهم جوازات سفر وتذاكر طيران للانتقال إلى تركيا ومن ثمّ إلى سوريا للمشاركة في الحرب.
وعن الهدف من ذلك، أشار التحقيق إلى أنّ موسكو سعت للتخلّص من خطر هذه الجماعات التي تؤرقها منذ التسعينيات، كما أنّها استخدمت هذه الورقة لتبرير تدخّلها العسكري في سوريا من أجل «منع هؤلاء المسلّحين من العودة إلى الأراضي الروسيّة» كما كان قد صرّح الرئيس الروسي بوتين.
وقد أشار التحقيق إلى أنّ الفترة التي عرفت النشاط الأكبر في «تفريغ» روسيا من هذه الجماعات المسلّحة تزامن مع التحضير لحدث الألعاب الأولمبية بمدينة سوشي، إذ خافت الحكومة الروسيّة من احتماليّة استهداف هذا الحدث الرياضيّ العالميّ من قبلهم، خصوصًا إذا علمنا أنّ للجماعات المسلّحة في تلك المنطقة تاريخًا في استغلال الأحداث الرياضيّة لتنفيذ عمليّاتها، ففي سنة 2004 جرى اغتيال الرئيس شيشانيّ أحمد قاديروف – المُنصّب من قبل روسيا ووالد الرئيس الحاليّ رمضان قديروف – خلال مشاهدته لمباراة كرة قدم، من خلال تفجير المقعد الذي كان يجلس عليه في الملعب.
وقد نقلت صحيفة واشنطن بوست شهادات لشباب داغستانيّين تحدّثوا عن موجة الهجرة إلى سوريا التي اجتاحت العديد من القُرى من أجل «الجهاد» هناك، لينتهي المطاف بالبعض منهم في شراك تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أما أولئك الذين عادوا إلى روسيا فقد قوبلوا بالسجن.
الرياضيات هي وسيلة ممتازة من أجل تطوير وتنمية قدرات الإنسان الفكرية. *كتاب الرياضيات المدرسي- سنغافورة
تشير عدّة أبحاث وإحصائيات إلى أنّ سنغافورة تملك «أذكى شعب في العالم»، ويقصد بذلك أنّ أداء طلّابها في الرياضيات والمواد العلمية عمومًا، بالإضافة إلى مستوى مدارسها وجامعاتها يعدّ الأحسن من بين كلّ البلدان الأخرى، حتى من أمريكا وأوروبا وباقي الدول الصناعية الكبرى. ليس هذا فحسب، بل إن هذه الدول الكبرى نفسها صارت تتسارع إلى الاستفادة من النموذج السنغافوري في تعليم الرياضيات. إذن ما السرّ وراء تفوّق الطالب السنغافوريّ في الرياضيات على نظيره في البلدان الأخرى؟ وكيف يمكن الاستفادة من التجربة السنغافورية في عالمنا العربي، أو حتى على طريقة تعليمك لأبنائك في البيت من أجل رفع مستوى تدريس هذه المادّة التي تعدّ محوريّة في عصر العلوم والتكنولوجيا الذي نعيشه؟
مادة الرياضيّات هي مصدر رعب للكثير من طلاب المدارس حول العالم، بالإضافة إلى الآباء الذين يطمحون لتوفير ما في استطاعتهم من أجل ضمان تفوّق أبنائهم في جميع المواد الدراسية. لذلك سعت سنغافورة من أجل تصميم برنامج تعليمي استثنائي في هذه المادّة من أجل ضمان تفوّق الطالب السنغافوريّ فيها، خصوصًا إذا عرفنا أنّ البلد منذ استقلاله لا يملك أيّ موارد طبيعية ليعتمد عليها، «ما عدا الإنسان» كما يقول رئيسه السابق.
طريقة سنغافورة في تعليم الرياضيات أضحت اليوم علامة دولية مسجّلة، إذ تتسارع لتبني هذه الطريقة كبرى المدارس الخاصة في العالم، بالإضافة إلى وزارات التعليم في عدّة بلدان، من بينها البلدان المتقدّمة.
وقد أعلنت بريطانيا أن نصف المدارس الابتدائية ستشرع في تطبيق الطريقة السنغافورية في تدريس الرياضيات، كما وفّرت الحكومة الميزانية والإمكانات اللازمة للبدء في هذه التجربة.
فرنسا من جهتها أيضًا قرّرت الاستفادة من الطريقة السنغافورية، فقد أوصى سيدريك فيلاني، العالم الرياضي الفرنسي المتحصّل على جائزة «فيلدز» في الرياضيات (المُقابلة لجائزة نوبل) بأن تشرع فرنسا في تطبيق هذه الطريقة، وذلك بعد النتائج الكارثيّة التي سجّلتها الحكومة الفرنسية في ما يتعلّق بمستوى الطلبة الفرنسيين في الرياضيات.
الولايات المتحدة الأمريكية نفسُها لم تخجل من الاستفادة من تجربة هذا البلد الآسيوي الصغير، وبدأت الكثير من المدارس باعتماد الطريقة السنغافورية في تدريس الرياضيّات، كما أنّ أغنى رجل في العالم، جيف بيزوس، صاحب شركة أمازون العملاقة يعلّم أبناءه باستخدام هذه الطريقة.
إذن فالطريقة السنغافوريّة في تعليم الرياضيّات تنتشر في العالم بسرعة فائقة، وتتسابق الدول من أجل الاستفادة منها ودمجها في أنظمتها التعليمية، فما هي أساسيّات هذه الطريقة؟ وكيف يمكننا تطبيقها في تعليم الأبناء الرياضيّات؟
حل إحدى أعقد مسائل الرياضيات المستعصية وهو ينظف أسنانه وسط تجاهل المجتمع العلمي!
ما هي طريقة سنغافورة في تعليم الرياضيات؟
طريقة سنغافورة في تعليم الرياضيات طورها مجموعة من الأساتذة في سنغافورة خلال فترة الثمانينات، بأمر من وزارة التربية من أجل صُنع برنامج تعليمي بأعلى جودة ممكنة، وقد سافر هؤلاء الأساتذة إلى عدّة بلدان كاليابان وكندا، وزاروا مدارس هذه البلدان من أجل الاستفادة من تجاربها التعليمية، كما أنّ هذه الطريقة قد استفادت من أبحاث علم النفس الأمريكيّة التي تشير إلى أنّ الإنسان يتعلّم من خلال ثلاث مراحل أساسية:
1- استعمال أجسام حقيقيّة.
2- صُور لهذه الأجسام.
3- رموز.
لذلك تركّز الطريقة على استخدام مكعّبات ملوّنة في عمليات الجمع والطرح والضرب والقسمة.
إذن فطريقة سنغافورة تعتمد على الأمثلة الحيّة التي يراها الطالب في حياته اليومية، كالأجسام والمكعّبات الملوّنة التي تسبق الانتقال إلى العمليّات والمعادلات المجرّدة في اللوح الأبيض، ممّا يساعد الأطفال على تخيّل المشكلة التي يُراد حلها بشكل أسهل من مجرّد الحديث عن مفاهيم مجرّدة.
إذا فتحت الصفحة الأولى من كتاب الرياضيّات في المنهج الدراسيّ الحكومي في سنغافورة، ستجد في المقدّمة أنّ الكتاب يعتمد على منهج الخطوات الثلاث:
1. المفاهيم الملموسة (Concrete): والتي تُستخدم فيها المكعّبات الملوّنة وغيرها من الأشكال التي يجدها التلميذ في حياته اليومية، حتى تكون الفكرة أقرب إليه وأكثر قابلية للتذكّر. على سبيل المثال في درس جمع الأعداد، يأتي المعلّم بمجموعة من الأجسام بعدد الأرقام التي يريد جمعها، ويُري الطالب كيف أنّ الجمع هو مجرّد دمج مجموعة منفصلة من الأشكال.
*****************
حرب المال والدَّم والسلطة.. هل شنَّ ساركوزي حربًا ضد القذافي ليخفي آثار جريمته؟
2,241
منذ 3 شهور، 1 يونيو,2018
بالاتفاق مع شركائنا؛ قواتنا الجوية ستتصدى لأيّ اعتداء من طائرات القذافي على سكان بن غازي. طائرات فرنسيّة أخرى مستعدّة للتدخل ضد الدبّابات التي تهدّد المدنيين السلميين. *الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي
هذه الكلمات التي يُمكن اعتبارها بمثابة «إعلان حرب» ترجع للرئيس الفرنسيّ السابق نيكولا ساركوزي بتاريخ 19 مارس (آذار) سنة 2011؛ بعد شهر واحد من اندلاع مظاهرات في مدينة بن غازي التي تقع في شرق البلاد، في نفس السنة التي شهدت اندلاع عدّة احتجاجات في الكثير من البلدان العربيّة، اصطُلح عليها بالربيع العربيّ. لكن ما سرّ حماسة الرئيس الفرنسيّ الشديد للتدخّل العسكريّ في ليبيا؟ خصوصًا إذا علمنا أنّ حكومته لم تكن بنفس الحماسة تجاه الانتفاضة في تونس، فإحدى أعضاء حكومته، ممثّلة في وزيرة الخارجيّة الفرنسيّة كانت قبل ذلك بأسابيع قليلة قد عرضت على نظام بن علي، أثناء المواجهات بين أجهزة الأمن والمتظاهرين السلميّين في تونس، مساعدة الحكومة بـ«الخبرة الفرنسيّة» للنظام التونسيّ من أجل قمع هذه المظاهرات. فلماذا أصرّ ساركوزي على شنّ الحرب ضدّ نظام القذّافي؟
العقيد القذّافي ونيكولا ساركوزي
كل شيء بدأ بين ساركوزي والقذّافي أثناء اجتماع جرى في ليبيا سنة 2005، داخل خيمة القذّافي الشهيرة في باب العزيزية، حيث حكم العقيد معمّر القذافي ليبيا لـ40 سنة. في تلك الأثناء كان ساركوزي وزيرًا للدّاخليّة، ورغم أنّه لم يصرّح للإعلام بنيّته في الترشّح للرئاسة التي سيفوز بها بعدها بسنتين؛ إلاّ أنّ ساركوزي معروف بنشاطه وحركاته الاستعراضيّة التي لا تتوقف على الساحة السياسيّة، فقد كان ساركوزي بطلًا لإحدى حوادث الاختطافات التي وقعت سنة 1993 في إحدى الحضانات أثناء رئاسته لإحدى البلديّات الفرنسيّة، إذ اقتحم ساركوزي الصفّ الدراسي الُمحاصر من قبل أحد المختطفين وقام بإنقاذ طفل، أمام أضواء الكاميرات ووسائل الإعلام. هذا الرجل السياسيّ ذو الطموح اللاّ محدود، وفي سنة 2005، بدأ في التحضير للترشّح للمنصب الأعظم في فرنسا، لكن شيئًا واحدًا ينقص في المعادلة التي ستنتج رئيسًا مستقبليًّا: المال.
بإنجليزيّة ركيكة.. المحادثة التي ستشعل لاحقًا حربًا بين العقيد وساركوزي
في السادس من أكتوبر (تشرين الثاني) سنة 2005، الذي وافق شهر رمضان، حطّت طائرة وزير الخارجيّة الفرنسيّ – آنذاك – نيكولا ساركوزي في العاصمة الليبيّة طرابلس، ليستقبله في خيمته الشهيرة العقيد معمّر القذّافي. يذكر مفتاح ميسوري، مترجم القذّافي الشخصي تفاصيل اللقاء بين الرجلين، ويقول إنّ الحوار بينهما في البداية كان رسميًّا، ثم طلبا اللقاء على انفراد بعيدًا عن وسائل الإعلام، والمثير للاهتمام، أن اللقاء كان بدون مترجمين أيضًا.
تحدّث ساركوزي والقذّافي على انفراد بالإنجليزية التي كان العقيد يتقن أساسيّاتها، وبعد أن انتهى اللّقاء المنفرد، تم استدعاء المترجم الشخصيّ للقذافي من أجل تفريغ الحوار الذي جرى بين الرجلين على هيئة كتابة؛ إذ إنّ كل الحوارات التي تجري في خيمة القذّافي كان يتم تسجيلها وحفظها في أقراص مرنة.
يقول مترجم القذّافي أنّ ساركوزي في هذا اللقاء المنفرد أخبر القذافي بأنّه ينوي الترشّح للانتخابات الرئاسيّة، وهي المعلومة التي لم يصرّح بها لوسائل الإعلام بعد في ذلك الوقت، وطلب منه دعمًا ماديًّا لحملته، وقد وافق القذّافي على ذلك. لكن القذّافي لم يكن ليدعم ساركوزي بالأموال بدون مقابل، فقد كانت له عدّة مطالب مقابل هذا الدّعم، كان أبرزها قضيّة عبدالله السنوسي.
ساركوزي في خيمة القذّافي سنة 2005
عبدالله سنوسي كان رئيس الأجهزة الأمنية الليبية وأحد أكثر المقرّبين من القذافي على المستوى الوظيفي وحتى العائلي، وقد كان متورّطًا في قضيّة تحطّم الطائرة التابعة لشركة (UTA) الفرنسيّة سنة 1989 في صحراء النيجر، والتي راح ضحيّتها 170 شخصًا كانوا على متنها، من بينهم 54 فرنسيًّا، وقد حكم القضاء الفرنسيّ على السنوسي غيابيًّا بالسجن مدى الحياة لتورّطه فيها. القذّافي من جانبه طالب ساركوزي بتخليص السنوسي من هذه القضيّة مقابل الدعم الماليّ، حسب المترجم ميسوري.
قضيّة السنوسي لم تكن المُقابل الوحيد لهذه الصفقة، فبعد فوز ساركوزي في الانتخابات الرئاسيّة سنة 2007، وبعد وصوله إلى قصر الإيليزيه بخمسة أشهر، حطّت طائرة كانت تحمل العقيد القذّافي إلى مطار شارل ديغول؛ الزعيم الليبيّ أخيرًا يتجوّل في شوارع باريس الجميلة، ويزور متحف اللوفر الشهير وقصر فيرساي والإيليزيه، بعد قطيعة دامت 30 سنة مع الغرب. تروي إحدى حارسات القذّافي لصحافيين كيف أنّها سألت القذّافي مندهشة من استقبال الفرنسيين المذهل للقذّافي وترحيبهم به، ليجيبها: «ساركوزي يردّ الجميل للشعب الليبي».
القذّافي في قصر اللوفر الفرنسي يشاهد لوحة «الموناليزا»
وقد أفادت التحقيقات الصحافيّة أنّ الأموال التي كان يرسلها القذافي لساركوزي جرى نقلها من ليبيا إلى فرنسا عبر شخصيّة وسيطة تُدعى زياد تقيّ الدين، رجل أعمال فرنسيّ من أصل لبناني، كان يسافر إلى ليبيا ليحصل على الأموال ثم يعود إلى فرنسا ويتّجه إلى مكتب ساركوزي في وزارة الداخليّة ليسلّم له تلك المبالغ، وقد صرّح للإعلام بهذه الوقائع، إلاّ أنّ ساركوزي أثناء سؤاله عن صحّتها قد أنكرها تمامًا، واستخدم حقيقة أنّ زياد تقيّ الدين كان قد دخل السجن سابقًا من أجل الطعن في شهادته.
القذّافي يلعب بآخر ورقة ضد ساركوزي.. والإعلام الفرنسي يتجاهل
لعل التحقيقات مع الرئيس الفرنسيّ السابق في قضيّة تلقّي حملته الانتخابيّة أموالًا من القذّافي قد بدأت مؤخّرًا فقط، بعد أن أوقفته الشرطة للتحقيق في مارس الماضي، لكن القذّافي كان قد فجّر هذه المعلومة قبلها بسنوات، بالتحديد في مارس 2011. آخر لقاء صحافيّ أجراه القذّافي مع الإعلام الأجنبيّ كان من نصيب الصحافيّة الفرنسية دلفين مينوي التي تعمل في جريدة «لوفيغارو»، والذي قال فيه القذّافي صراحة: «بعد نشر هذه المقابلة، ساركوزي سيسقط، خاصةً أنني من أوصله للرئاسة، نحن أعطيناه الأموال التي نجح بها».
لكن هذا التصريح الذي نشرته الصحافية في جريدة لوفيغارو، أثناء وجود ساركوزي في سدّة الحكم، لم ينل اهتمامًا إعلاميًّا كافيًا بعد نشره، إذ نشرته الصحيفة في ركن صغير، ونشرت معه تكذيبًا من الرئاسة الفرنسيّة، فمرّ دون أن يحدث أيّ ردود أفعال معتبرة على الصعيد السياسي أو القضائي.
إحدى الشخصيات المحوريّة الليبيّة في هذه القضيّة كما كشفت التحقيقات الصحافيّة هي بشير صالح، رئيس مكتب القذّافي ومدير أحد الصناديق السياديّة الموجّهة لتنمية أفريقيا، المسمّى «محفظة ليبيا للاستثمارات الأفريقيةّ»، شخصيّة تملك علاقات متشعّبة في القارّة الأفريقية وفرنسا. كشف التحقيق عن وثيقة صادرة من مكتب بشير صالح كان قد نشرها موقع «mediapart» وهو أحد أكبر المواقع الإخباريّة الفرنسيّة، تشير إلى الموافقة على دعم حملة المرشّح الفرنسيّ نيكولا ساركوزي بمبلغ قدره 50 مليون يورو.
وقد غادر بشير صالح ليبيا أثناء اشتداد الحملة العسكريّة على نظام القذّافي في ديسمبر (كانون الأول) 2011، إذ قطع الحدود إلى تونس مباشرة نحو سفارة الدولة التي شنّت الحرب على النظام الذي يخدمه؛ السفارة الفرنسيّة في العاصمة تونس. بعدها بأيّام استقلّ طائرة خاصّة إلى باريس أين أقام هناك بعيدًا عن ضجيج الحرب القائمة في ليبيا ودمارها، لكن الإقامة في باريس لن تكون أبديّة وبدون منغّصات. فقد شهدت فرنسا في سنة 2012 انتخابات رئاسيّة، كان من الواضح أنّ حظوظ ساركوزي فيها منخفضة، وبالتالي فإنّ إقامة بشير صالح في فرنسا صارت غير آمنة كون الرجل الذي يوفّر له الحماية السياسيّة والملجأ الآمن قد شارف على مغادرة قصر الإيليزيه.
بعد خسمة أشهر من الإقامة في شوارع باريس الجميلة، حان وقت مغادرة بشير صالح، أحد الرجال الأساسيّين في إتمام الصفقة بين القذافي وساركوزي من فرنسا باتجاه جنوب أفريقيا، وقد نقلت الصحافة أخبارًا عن محاولة اغتيال تعرّض لها بشير صالح.
طائرات الرافال الفرنسيّة تستعدّ للهجوم على ليبيا – مارس 2011
استمرّت الحرب الأهليّة الليبيّة بين المعارضة المسلّحة المدعومة من قوّات الناتو الجويّة، وبين قوّات معمّر القذافي ما بين شهر فبراير (شباط) 2011 إلى غاية مقتل القذّافي على يد مقاتلين من المعارضة في 20 أكتوبر من ذات السنة وسقوط نظامه إثر ذلك، وقد قدّر عدد ضحايا الحرب والمختلفين بسببها بالآلاف.
قضيّة تلقّي ساركوزي أمولاً من قبل القذّافي من أجل حملته الانتخابيّة ومسارعة الرئيس الفرنسيّ السابق لشنّ الحرب على نظام القذّافي تفتح عدّة تساؤلات حول السبب الحقيقيّ وراء حملة الناتو ضدّ النظام الليبي سنة 2011؛ فبعيدًا عن خطابات الدفاع عن المتظاهرين السلميّين وحقوق الإنسان والديموقراطيّة، يتساءل مراقبون عمّا إذا كان التدخّل العسكريّ لحلف الناتو بقيادة فرنسا في ليبيا، مجرّد محاولة من قبل ساركوزي لمسح آثار جريمته التي يحقّق معه القضاء الفرنسيّ فيها، والتخلّص من جميع الشهود الذين من المحتمل إفشائهم لهذا السرّ الذي من شأنه إنهاء مسيرته السياسيّة، وربّما الزجّ به وراء القضبان.
*****************
«إيفان الرهيب» يقتل ابنه.. لوحات «إيليا ريبين» عن الثورة والكوميديا والموت
2,655
منذ 8 شهور، 24 ديسمبر,2017
تحتاج اللوحة الفنيّة إلى معرفة القصّة التي تحكيها؛ حتى يستطيع المتلقّي إعطاءها قيمتها، واهتمامها الذي تستحقّه، كما يحتاج غير المتابع لكرة القدم مثلًا من يخبره بخلفيّة عن المباراة التي يشاهدها، وإلاّ فإنه لن يفرّق بين مباراة وديّة لناديين من الهواة، ومباراة نهائيّة في بطولة كأس العالم.
«إيليا ريبين» (Ilya Repin) كان من بين الفنّانين التشكيليّين الأكثر اهتمامًا وإحساسًا بأحوال الفقراء والمعدمين، بالرغم من خلفيته الميسورة، وقد عاش شبابه في وقتٍ حاسم من تاريخ روسيا الثائرة على القيصريّة، والتي ستنتصر ثورتها البلشفيّة بعد سنواتٍ معدودة. في خضمّ كل هذا الحراك الثوري والثقافيّ، أبدع إيليا لوحاتٍ من أروع اللوحات الفنيّة التي مازالت قيمتها الفنيّة والفلسفيّة حاضرة ومقدّرة إلى الآن. في هذا التقرير، نأخذك في رحلة بين أعمال هذا العبقريّ الروسيّ، وكيف حكت فرشاته وألوانه عن التاريخ والكوميديا والثورة.
«إيفان الرهيب» يقتل ابنه
كان «إيفان الرهيب» أحد أكبر قياصرة الرّوس وأكثرهم شراسة ودمويّة، ويُقال إنه فقأ أعين المهندسين الذين صمّموا التحفة الفنيّة المتمثّلة في كاتيدرائيّة باسيل في موسكو حتى لا يكرّرون صنع مثل هذا المبنى في أي مكان في العالم، وقد خاض عدّة حروب، وتوسّعت في عهده الإمبراطورية لتضمّ أقاليم كثيرة أخرى. وبالرغم من أن كتب التاريخ تذكر له إنجازات حضاريّة مهمّة خدم بها أمّته، إلاّ أنها أيضًا تذكر عيبه الذي أفنى كلّ ما عمل من أجله طوال حياته: فقد كان سريع الغضب، لا يتحكّم في أعصابه.
إيليا ريبين
في أحد الأيّام التي لن ينساها «إيفان» ولا ابنه، بدأ جدال بينهما حول زوجة الابن التي ضربها القيصر بسبب لباسها غير المحتشم، فثارت ثائرة الابن الذي احتجّ عند والده على هذا التصرّف، فقد أبعد القيصر من قبل زوجتين لابنه، وها هي الثالثة تُسقط حملها بسبب ضرب القيصر «إيفان» لها، هذا الحمل منتظر منذ وقت طويل، ليتولّى العرش بعد جدّه «إيفان الرهيب» وأبيه. وبسبب الجدال السّاخن وفورة الغضب التي لحقت به فأعمت بصيرته، أمسك إيفان الرهيب أداة قريبة من يده، وضرب بها رأسه ابنه؛ ليخرّ صريعًا، ويصبح جثّة هامدة بعد لحظات. هذا الابن كان هو الوريث الوحيد القادر على الحفاظ على مُلك والده، فالابن الثاني كان ضعيف الشخصيّة، أو مريضًا، وبالتّالي فإن «إيفان» دمّر مُلكه في لحظة غضب دون أن يشعر.
إيليا ريبينإيليا ريبين
وتصوّر اللّوحة – بعبقريّة – الرّعب يمتلك «إيفان الرّهيب»، الذي لطالما أثار هو نفسه الهلع في نفوس أتباعه وأعدائه، ملامح أب قتل ابنه، وملامح مَلِك أضاع مُلكه، وهدم كلّ ما بناه بعد سنين طويلة بيديْه في لحظة غضب. وتختلف تفسيرات النّاس عن يد الابن، هل تُمسك الأب، وتحتضنه لآخر مرّة؟ أم هي تدفعه بعيدًا بعد الجُرم الفظيع الذي ارتكبه؟ البعض ذهب حتى إلى القول إن وجه الابن مستلهم من صورة المسيح في الديانة المسيحيّة. هذه اللّوحة هي أشهر لوحات الفنّان الروسي ريبين، ولها جمهور يسافر إلى روسيا كل سنة خصّيصا حتى يراها.
الثورة بالفرشاة والألوان
يدخل قسّيس إلى زنزانة مظلمة كئيبة، بها من الرطوبة والقذارة الشيء الكثير، حاملًا صليبًا وكتابًا مقدّسًا، يتوسّط الزنزانة معتقل سياسيّ، لعلّ أكبر جرائمه هو الحلم بغدٍ أفضل لبني قومه. القسّيس يقف أمام المعتقل الذي سينفّذ حكم الإعدام في حقّه فجر الليلة التّالية، فيعرض عليه الاعتراف بذنوبه كاملة، لعلّ رحمة وغفران السماء تحلّ عليه في الحياة الأخرى. ينظر السجين إلى القسّيس نظرة ملؤها التحدّي والصّفاء والصّدق، فهو رجل ميّت بالفعل، ولا حاجة للمراوغة أو المداهنة، ولا وقت لها أصلًا؛ لأن لحظات حياته باتت معدودة.
تريدني أن أعترف يا أبتاه؟ تريدني أن أعترف بذنوبي وخطاياي قبل إعدامي، إذًا ها أنا ذا أعترف، وليسمع العالم أجمع:
سامحني يا رباه، لأنني أحببت
الفقير والجائع، كإخوتي
سامحني يا مولاي
لأنني لم أعتبر الصفاء الأبدي
خرافة أسطوريّة مستحيلة الحدوث
سامحني يا ربّاه، لأنّني خدمت الخير
ليس فقط بكلماتي المُطربة
لكن بكلّ ذاتي، بعقلي، بروحي وبيداي
سامحني لأنّني خلطت بين وليمة المُنافقين الجشعة
وبين بكاء الانتقام المسعور
سامحني لأنّني أعدمتُ القتلة، عقابًا على قتلهم
هذه الأبيات الشعريّة للكاتب الرّوسي نيكولاي مينسكي، وقد استلهمها من رواية «الإخوة كارامازوف» للروائي الكبير دوستويفسكي.
إيليا ريبين
رسم ريبين هذه اللّوحة سنة 1885 مستلهمًا إياها من أبيات نيكولاي مينسكي، في الوقت الذي كانت الحركات الثورية الروسيّة تملأ الساحة ضدّ حكم القياصرة الجبّارين، إذ إنّ كلَّ من يُشتبه في انتمائه إلى مثل هذه الحركات؛ يُسجن، ويُحكم عليه بالإعدام. أبرز هذه الحركات الثوريّة، والّتي كان صاحب الأبيات الشعريّة عضوًا فيها، وكاتبًا في صحيفتها، هي حركة «نرودنايا فوليا»، التي كانت مسؤولة عن اغتيال القيصر الروسيّ أليكساندر الثاني.
الفنّان الرّوسي كان داعمًا للثورة ضد ظُلم نظام القياصرة، مُنحازًا للفقراء والجوعى الفلاّحين، وقد حارب استبداد القياصرة وطغيانهم بفرشاته ولوحاته، وخلّد هذا النضال الإنسانيّ التاريخيّ المتجاوز للزمان والمكان بأعمال فنيّة ضد الظلم والاستبداد، فإن تأمّلت وجه الشخص المعتقل في اللّوحة بدقّة: من الممكن أن ترى وجوه المعتقلين في بلدان العالم العربي، وتحسّ بمعاناتهم والقهر الذي يعيشونه، كما يبدو في ملامح السجين في الصورة. ثمّ لدينا رجل الدّين الذي يفتي حسب أهواء السّلطة، وكيف يردّ عليه الثائر بكلّ شجاعة وجسارة، بأن ليس لديه أي شيء يعترف به، وأنّه لن يعتذر على انحيازه للجائع والفقير والمظلوم، وهو ردّ ملحميّ جرى اقتباسه في الكثير من الأعمال الفنيّة والتلفزيونية.
وإلى جانب لوحة «رفض الاعتراف» في نفس السياق، رسم «ريبين» لوحة أخرى لا تقلّ ثوريّة أو بهاءً ولا قوة ورمزيًّة عنها، وهي لوحة «القبض على أحد المحرّضين»، حيث تصوّر اللّوحة لحظة اقتحام أفراد من الشرطة لمنزل أحد نشطاء الثورة. واستخدم اللّون الأحمر في ملابسه كرمز للتحرّر والثورة، ونرى كيف يقلّب أفراد الأمن في دفاتره وأوراقه؛ لعلّهم يجدون ما يشير إلى تحريضه ضد الحكومة أو حيازته لكتابات تنتقد القيصر، بينما يقف الثائر شامخًا رافعًا رأسه، متوسّطًا اللّوحة دون أي خجل من الطريق الذي اختار خوضه.
إيليا ريبين
الكوميديا من خلال لوحة فنيّة
ريبين كان يقدّر الكوميديا أيضًا، وقد خلّد إحدى لطائف التاريخ في لوحة فنيّة قد تكون أشهر أعماله إلى جانب لوحة «إيفان الرهيب». قصّة اللّوحة تعود إلى سنة 1676؛ إذ هزمت مجموعة عسكريّة من قبائل القوزاق في نواحي أوكرانيا جيش الدولة العثمانيّة التي كانت من أكبر الامبراطوريّات في ذلك العصر، فأرسل إليهم السلطان العثمانيّ محمّد الرابع يأمرهم بالاستسلام والخضوع لسلطانه، وقد أكثر في رسالته من الثناء على نفسه، ووصفها بشتى الألقاب كما كان يفعل السلاطين العثمانيّون آنذاك، ونرى مثالًا لهذا الإطناب في المديح والتقديم الذي عُرفت به رسائل السلاطين العثمانيّين في رسالة سليمان القانونيّ إلى أحد ملوك فرنسا، حيث يقول: «أنا سلطان السلاطين، وبرهان الخواقين، متوج الملوك، ظل الله في الأرضين، سلطان البحر الأبيض والبحر الأسود والبحر الأحمر والأناضول والروملي، وقرمان الروم، وولاية ذي القدرية، وديار بكر وكردستان وأذربيجان ودمشق وحلب ومصر ومكة والمدينة والقدس وجميع ديار العرب واليمن، وإن هذه الأراضي الشاسعة قد فتحها آبائي الكرام، وأجدادي العظام بقوتهم القاهرة رحمهم الله، وكم من البلاد افتتحتها بسيفي الظافر المنصور»!
إيليا ريبين
لكن المقاتلين القوزاق ذوي البأس الشديد الذين أقست الحرب قلوبهم، والمنتشين بانتصارهم على أعظم الإمبراطوريات في وقتها، وبدون أي اعتبار للأعراف الدبلوماسيّة والتقاليد التي ينبغي احترامها عند مراسلة الملوك والسلاطين، كتبوا رسالة مهينة ملأوها بالشتائم البذيئة والتشبيهات القذرة والسخرية من السلطان العثمانيّ ومن أوصافه الفخمة التي وصف بها نفسه، واعتبروا هذه الأوصاف كلها تكبّرًا وعجرفة، فشتموه هو وأهله، ووصفوه بأبشع الأوصاف في رسالة تحدٍّ لسلطانه، غير آبهين لأية نتائج مترتّبة عن هذه الرسالة.
تخيّل الفنان ريبين ملامح وضحكات القوزاق وقائدهم، بينما يؤلّفون النكات على السلطان العثمانيّ، وهو يُملي على كاتبه كلمات هذه الرسالة الساخرة البذيئة، في مشهد كوميديّ تاريخيّ ينقلنا إلى تلك الحقبة بشكل بديع. ويوجد نصّ مزعوم للرسالة التي أرسلها القوزاق إلى السلطان العثمانيّ، ولكن لم يتمّ التأكّد منه فعليًّا، يمكن الاطّلاع عليه من هنا، كما أنّ أحد الأفلام استلهم من هذه اللّوحة الفنيّة لقطات مشابهة.
الشهيد الحيّ
كما رأينا في لوحات «إيفان الرهيب» ورسالة القوزاق إلى السلطان العثمانيّ ولوحة «رفض الاعتراف»، فإن الفنّان «إيليا ريبين» مولع برسم الوجوه وتفاصيلها، والتعبيرات التي قد تحملها ملامح الإنسان دون أن ينبس ببنت شفة. وفي هذه اللّوحة العبقريّة يتجسّد إبداع الرسّام مرّة أخرى، إنّه يصوّر لنا رجلًا ميّتًا قبل دفنه.
إيليا ريبين
في هذا البورتريه الذي رسمه «ريبين» لصديقه المقرّب، والكاتب «سيفولود غارشين»، الذي يعاني من اكتئاب عميق بسبب انتحار أفراد من أسرته، نرى عينيه المثقلتين بالهمّ والحزن تخبر بأنّ أيّامه صارت معدودة في هذه الدّنيا. وتمامًا كما صوّره «ريبين»، كميّت يمشي بين الناس؛ فإنّ صديقه «غارشين» انتحر بعد رسم هذا البورتريه بأربع سنوات فقط، وتحقّقت نبوءة اللوحة الفنيّة، وبقيت خالدة في تاريخ الفنّ ككثير من أعمال «ريبين».
*****************
لعبة الموت.. كيف يقتل «الحوت الأزرق» أطفال الجزائر؟
14,097
منذ 8 شهور، 18 ديسمبر,2017
لا توجد أمّ في الدنيا تستحقّ أن تعيش ما عاشته «أمُّ خولة»؛ حين استيقظت على الساعة الرابعة فجرًا لتتفقّد ضجيجًا غير مألوف قادمًا من غرفة ابنتها الصغرى، فما إن دخلت غرفة ابنتها حتّى وجدتها جثّة هامدة معلّقة بمشنقة مربوطة في السّطح، وعلى ذراعها رسم حوت، ليس بقلم سيّال، ولكن بالدّم. فوق الطاولة المجاورة كان جهاز الهاتف الذكيّ يصدر موسيقى غريبة، ويشغّل تطبيقًا سيكون مسؤولًا عن وفاة خولة، وعدّة أطفال مثل خولة في الجزائر وخارجها. ربّما بدأت الطفلة البريئة هذا التحدّي كـ«لعبة»، لكن المصير الذي انتهت إليه وحجم الفاجعة التي ألمّت بقلب أمّها كان بعيدًا عن اللعب والهزل، بُعد السماء والأرض.
ليست الأوبئة القاتلة، أو سوء التغذية، ما يودي بحياة الأطفال في الجزائر هذه الأيّام؛ بل مجرّد «لعبة» على الهواتف النقّالة، يتبادلها الأطفال والمراهقون فيما بينهم، وقد اشتهرت باسم «الحوت الأزرق». وبلغت خطورة هذه «اللعبة الشيطانيّة» حدّ التسبب في وفاة 10 أطفال في مختلف أنحاء البلاد. صنعت الطفلة «خولة» – التي توفيت قبل أيّام قليلة – موجة من الهلع في صفوف الآباء بعد تركها وصيّة مكتوبة لوالديها تطلب منهم فيها مُسامحتهم على ما سترتكبه؛ لتُقدم بعدها على إنهاء حياتها.
يرجّح أن تكون لعبة «الحوت الأزرق» السبب الرئيس في هذه الوفاة. وقد انتشرت موجة الانتحار كالنّار في الهشيم بين الأطفال الجزائريين، وفي مناطق جغرافيّة وأزمنة متقاربة، فقد شهدنا وفاة ثلاثة أطفال من منطقة سطيف، شرق البلاد، في أقل من أسبوعين، ثم ضحايا من منطقة بجاية وشلف والجلفة بعدها بأيّام معدودة؛ ممّا يعطي انطباعًا أن هذه اللّعبة تنتشر أكثر فأكثر كلّما حذّر منها الإعلام أو تناولها بأي شكل.
لعبة الحوت الأزرق تستهدف الأطفال والمراهقين
وقد ذكرت صحيفة الشروق الجزائريّة أن أحد الضحايا من مدينة باتنة (شرق البلاد) كاد يدركه الموت بسبب هذه اللّعبة، وقد رآه الجيران وهو يحمل حبل مشنقة ويجري هاربًا، وحين أمسكه الجيران؛ قال الطفل صارخًا، إنه يريد الانتحار «من أجل أن يفدي أرواح والديه»؛ ممّا يدلّ على حجم التهديد والوعيد الذي تلقّاه الطفل من طرف القائمين على اللعبة.
ويجد الأساتذة في المدارس انتشارًا رهيبًا لهذا «التحدّي» بين التلاميذ، فمع حملات مراقبة الأذرع من أجل إيجاد جروح أو رسوم للحوت الأزرق، يظهر أن هنالك مجموعة معتبرة من القصّر دخلت بالفعل في أجواء اللعبة، فقد اكتشف أحد أساتذة التربية الرياضيّة وجود رسم للحوت على ذراع الطلاب بعد أن طلب منهم القيام بحركات رياضية، كما أن إحدى الطالبات أصيبت بهيستيريا داخل مدرستها بعد وصولها إلى مراحل متقدّمة من اللعبة، في مدينة تيزي وزو (شرق العاصمة).
ما هي لعبة الحوت الأزرق؟ ولماذا لا تستطيع تحميلها على هاتفك؟
«الحوت الأزرق» هي لعبة تحدّيات انتشرت على مواقع الدردشة والتواصل الاجتماعي بين الأطفال والمراهقين في العالم، وتشير تقارير صحافيّة إلى أنّ منشأها روسيا، عن طريق أشهر مواقع التواصل الاجتماعي الروسيّة «VK» سنة 2013، ثم انتشرت إلى باقي المنصّات الاجتماعيّة كـ«فيسبوك» و«إنستجرام» وغيرهما، كما اتّسعت اللّعبة لتبلغ الكثير من البلدان الغربيّة والعربيّة، فقد نُسب إليها وفاة 130 ضحيّة في روسيا (بلد المنشأ)، بالإضافة لإنجلترا. حتى الكويت والسعوديّة شهدتا حالات وفاة يرجّح أن تكون اللّعبة سببها، ليأتي الدور في الأيّام الأخيرة على الجزائر التي كانت حصّتها من الضحايا أثقل.
عكس ما قد يظنّه الكثيرون، فإنّ لعبة الحوت الأزرق ليست تطبيقًا مستقلّا على الهاتف الذكيّ تستطيع تنزيله من متجر التطبيقات، أو تبادله مع هواتف أخرى، بل هي مجرّد «لعبة اجتماعيّة» بين مجرم وضحيّة.
يقتنص المجرم عادة الأطفال والمراهقين، ويضيفهم على موقع فيسبوك، أو إلى مجموعات سريّة من أجل الدردشة، ثم يبدأ في جمع معلومات شخصيّة عنهم، من خلال ما ينشرونه في فيسبوك، أو استدراجهم في الحديث، ثم يعرض المجرم تحدّيات خطيرة على الضحيّة، عادة ما تبدأ بطلب رسم حوت بآلة حادة على ذراع الضحيّة، وتتقدّم مراحل التحدّيات لتشمل الاستيقاظ باكرًا قبل الفجر دون شعور الأبوين، أو الوقوف على حافة سطح من ارتفاع عالٍ، ومشاهدة أفلام شديدة الرّعب بها الكثير من مظاهر الدماء والصّراخ، وكل ما يثير الهلع والاضطراب، والاستماع وحيدًا إلى موسيقى كئيبة في مكان مظلم؛ ممّا يهزّ شخصيّة الضحيّة ويربك نفسيّته، خصوصًا وأن أغلب الضحايا من الأطفال والمراهقين.
تمتدّ مراحل اللّعبة إلى 50 مرحلة، وفي آخر المراحل يخيّر المجرم الضحيّة التي تعرّضت لهزّات نفسيّة عنيفة طوال المراحل الماضية، بين أن يقتل المجرم والديه أو أن تنتحر الضحية. ويُوحي المجرم للضحيّة معرفته بعنوان منزله ومعلومات عنه – جمعها غالبًا من معلومات منشورة على حساب فيسبوك، أو من استدراجه في الحديث – فيرغمه على الانتحار من خلال التهديد واللعب على العواطف واستخدام قوّة الإيحاء.
إذًا فالأمر لا يتعلّق بتطبيق أو لعبة تستطيع الحكومات تعقّبها وحجبها، بل بمجموعة من المجرمين الذين يستخدمون الهندسة الاجتماعيّة والإيحاء النفسيّ للإيقاع بضحايا أغلبهم من القصّر وضعاف الشخصيّة، فيتحكمون في مصائرهم باستخدام التهديد والوعيد والتخويف. وينتشر التطبيق بين أطفال ومراهقين يغريهم هذا العالم المجهول الذي يتّسم بالخطورة والغرابة لاكتشاف أسراره؛ ليقعوا ضحيّة في شراك أشخاص ليس هدفهم المال أو الشهرة، إنّما الإيذاء فحسب.
الحكومة مستنفرة.. لكنها عاجزة
استنفار حكوميّ، وحملة إعلاميّة مكثّفة في الجزائر؛ لإيقاف نزيف الدّم الذي تسبّبت به هذه اللّعبة، فبعد أن تعالت أصوات شعبيّة تطالب الحكومة بحجب هذه اللعبة، واتّخاذ إجراءات حازمة لحماية الأطفال، صرّحت وزيرة البريد وتكنولوجيات الاتصال الجزائرية هدى فرعون: إن حجب هذه اللعبة «مستحيل»، لأن حجبها يستلزم حجب مواقع التواصل الاجتماعي نفسها، فاللّعبة ليست موقعًا مستقلّا بذاته، أو تطبيقًا يمكن تعقّبه على الهواتف المحمولة، وبالتّالي فإن التعامل مع هذه الظاهرة المرعبة التي تسبّبت لحدّ الآن في وفاة عشرة أطفال على الأقل، بالإضافة إلى عشرات الضحايا الآخرين الذين أُنقذوا بأعجوبة في آخر لحظة، ينبغي أن يكون أمنيًّا في الأساس، عن طريق تعقّب الحسابات التي تتّصل بالضحايا، وتطلب منهم الخضوع لسيطرتهم، ولألعاب العقل التي يمارسونها في حقّ ضحاياهم.
وقد أعلن وزير العدل الجزائري «الطيّب لوح» عن فتح تحقيق شامل في هذه اللّعبة بالتنسيق مع «الهيئة الوطنيّة للوقاية من جرائم تكنولوجيات الاتّصال» من أجل المتابعة القضائية للأشخاص الواقفين خلف هذا التحدّي والمتسبّبين في هذه الوفيات.
وزير التعليم والتربية الوطنيّة «نوريّة بن غبريط» – من جانبها – صرّحت بأنه على الأولياء مراقبة أبنائهم واستخدامهم للهواتف المحمولة، وأن المسؤوليّة الأولى تقع على عاتق الآباء، وليس المدارس أو الوزارة.
إشراف عائليّ مطلوب أكثر من أي وقتٍ مضى
انتشار الأجهزة الالكترونيّة في حياتنا اليوميّة، من هواتف، وحواسيب، ولوحات إلكترونيّة، صار في كثير من الأحيان ضروريّا. لكن مع هذا الانتشار، فإنّ مسؤوليّة الآباء على طريقة استخدام هذه التكنولوجيا، وسهولة الوصول إليها من طرف أبنائهم، صارت ملحّة أكثر من أيّ وقت آخر. ولعلّ الكثير من الآباء قد لا يجد في استخدام أبنائه لتطبيقات مشهورة تبدو «مسالمة» كـ«فيسبوك وتويتر وإنستغرام»، وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعيّ، خطرًا في حدّ ذاته، لكن تواصل القصّر مع أشخاص مجهولين عبر هذه الوسائط قد يشكّل خطرًا يهدّد حياتهم حرفيًّا، كما رأينا مع لعبة الحوت الأزرق. ومن أجل ذلك ينبغي تفادي وقوع الأطفال في شراك هذه اللّعبة وغيرها؛ ينبغي على الآباء تفقّد المواقع التي يزورونها، والأشخاص الذين يدردشون معهم في الهاتف الذكي، كما يجب عليهم الحذر من بعض الأعراض الخطيرة بعينها: كالاستيقاظ في الصباح الباكر، أو الحديث عن أفكار انتحاريّة، أو العزلة والاكتئاب، أو مشاهدة أفلام رعب وموسيقى غريبة.
أفكار حرة تقرأ العالم والأحداث عبر عيون الإنسان العربي
(+)
*****************