surah_name
stringclasses
113 values
revelation_type
stringclasses
2 values
ayah
stringlengths
2
1.15k
tafsir_book
stringclasses
84 values
tafsir_content
stringlengths
0
644k
سُورَةُ البَقَرَةِ
Medinan
ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ
* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ)
قال عامة الـمفسرين: تأويـل قول الله تعالـى: { ذَلِكَ الكِتَابُ }: هذا الكتاب. ذكر من قال ذلك: حدثنـي هارون بن إدريس الأصم الكوفـي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مـحمد الـمـحاربـي، عن ابن جريج، عن مـجاهد: { ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ } ، قال: هو هذا الكتاب. حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، قال: أخبرنا خالد الـحذاء، عن عكرمة، قال: { ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ }: هذا الكتاب. حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، قال: حدثنا الـحكم بن ظهير، عن السدّي فـي قوله: { ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ } قال: هذا الكتاب. حدثنا القاسم بن الـحسن، قال: حدثنا الـحسين بن داود، قال: حدثنـي حجاج، عن ابن جريج قوله: { ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ }: هذا الكتاب. قال: قال ابن عبـاس: { ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ }: هذا الكتاب. فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يكون «ذلك» بـمعنى «هذا»؟ و«هذا» لا شك إشارة إلـى حاضر معاين، و«ذلك» إشارة إلـى غائب غير حاضر ولا معاين؟ قـيـل: جاز ذلك لأن كل ما تقضي وقَرُب تقضيه من الأخبـار فهو وإن صار بـمعنى غير الـحاضر، فكالـحاضر عند الـمخاطب وذلك كالرجل يحدّث الرجل الـحديث، فـيقول السامع: إن ذلك والله لكما قلت، وهذا والله كما قلت، وهو والله كما ذكرت. فـيخبر عنه مرة بـمعنى الغائب إذ كان قد تقضَّى ومضى، ومرة بـمعنى الـحاضر لقرب جوابه من كلام مخبره كأنه غير منقضٍ، فكذلك ذلك فـي قوله: { ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ } لأنه جل ذكره لـما قدم قبل ذلك الكتاب**{ الۤـمۤ }** [البقرة: 1] التـي ذكرنا تصرّفها فـي وجوهها من الـمعانـي علـى ما وصفنا، قال لنبـيه صلى الله عليه وسلم: يا مـحمد هذا الذي ذكرته وبـينته لك الكتابُ. ولذلك حسن وضع «ذلك» فـي مكان «هذا»، لأنه أشير به إلـى الـخبر عما تضمنه قوله:**{ الۤـمۤ }** [البقرة: 1] من الـمعانـي بعد تقضي الـخبر عنه { بألـم } ، فصار لقرب الـخبر عنه من تقضيه كالـحاضر الـمشار إلـيه، فأخبر عنه بذلك لانقضائه ومصير الـخبر عنه كالـخبر عن الغائب. وترجمه الـمفسرون أنه بـمعنى «هذا» لقرب الـخبر عنه من انقضائه، فكان كالـمشاهد الـمشار إلـيه بهذا نـحو الذي وصفنا من الكلام الـجاري بـين الناس فـي مـحاوراتهم، وكما قال جل ذكره:**{ وَٱذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَٱلْيَسَعَ وَذَا ٱلْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ ٱلأَخْيَارِ \* هَـٰذَا ذِكْرٌ }** [ص: 48-49] فهذا ما فـي «ذلك» إذا عنى بها «هذا». وقد يحتـمل قوله جل ذكره: { ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ } أن يكون معنـيا به السور التـي نزلت قبل سورة البقرة بـمكة والـمدينة، فكأنه قال جل ثناؤه لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: يا مـحمد اعلـم أن ما تضمنته سور الكتاب التـي قد أنزلتها إلـيك هو الكتاب الذي لا ريب فـيه. ثم ترجمه الـمفسرون بأن معنى «ذلك»: «هذا الكتاب»، إذ كانت تلك السور التـي نزلت قبل سورة البقرة من جملة جميع كتابنا هذا الذي أنزله الله عز وجل علـى نبـينا مـحمد صلى الله عليه وسلم. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | وكان التأويـل الأول أولـى بـما قاله الـمفسرون لأن ذلك أظهر معانـي قولهم الذي قالوه فـي ذلك. وقد وجه معنى ذلك بعضهم إلـى نظير معنى بـيت خُفـاف بن نُدبة السلـمي: | **فإنْ تَكُ خَيْـلـي قَدْ أصِيبَ صَميـمُها** | | **فَعَمْداً علـى عَيْنٍ تَـيَـمَّـمْتُ مالكا** | | --- | --- | --- | | **أقُولُ لَهُ والرُّمْـحُ يَأطِرُ مَتْنَهُ** | | **تَأمَّلْ خُفـافـاً إنَّنـي أنا ذَلكا** | كأنه أراد: تأملنـي أنا ذلك. فرأى أن «ذلك الكتاب» بـمعنى «هذا» نظير ما أظهر خفـاف من اسمه علـى وجه الـخبر عن الغائب وهو مخبر عن نفسه، فلذلك أظهر «ذلك» بـمعنى الـخبر عن الغائب، والـمعنى فـيه الإشارة إلـى الـحاضر الـمشاهد. والقول الأول أولـى بتأويـل الكتاب لـما ذكرنا من العلل. وقد قال بعضهم: { ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ }: يعنـي به التوراة والإنـجيـل، وإذا وجه تأويـل ذلك إلـى هذا الوجه فلا مؤنة فـيه علـى متأوله كذلك لأن «ذلك» يكون حينئذٍ إخبـاراً عن غائب علـى صحة. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { لاَ رَيْبَ فِيهِ }. وتأويـل قوله: { لاَ رَيْبَ فِيهِ }: «لا شك فـيه»، كما: حدثنـي هارون بن إدريس الأصم، قال: حدثنا عبد الرحمن الـمـحاربـي، عن ابن جريج، عن مـجاهد { لاَ رَيْبَ فِيهِ } ، قال: لا شك فـيه. حدثنـي سلام بن سالـم الـخزاعي، قال: حدثنا خـلف بن ياسين الكوفـي، عن عبد العزيز بن أبـي روّاد عن عطاء: { لاَ رَيْبَ فِيهِ } قال: لا شك فـيه. حدثنـي أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، قال: حدثنا الـحكم بن ظهير، عن السدّي، قال: { لاَ رَيْبَ فِيهِ }: لا شك فـيه. حدثنـي موسى بن هارون الهمدانـي، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك، وعن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس، وعن مرة الهمدانـي، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: { لاَ رَيْبَ فِيهِ }: لا شك فـيه. حدثنا مـحمد بن حميد، قال: حدثنا سلـمة بن الفضل عن مـحمد بن إسحاق، عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس: { لاَ رَيْبَ فِيهِ } قال: لا شك فـيه. حدثنا القاسم بن الـحسن، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس: { لاَ رَيْبَ فِيهِ } يقول لا شك فـيه. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن قتادة: { لاَ رَيْبَ فِيهِ } يقول: لا شك فـيه. وحدثت عن عمار بن الـحسن، قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر، عن أبـيه عن الربـيع بن أنس قوله: { لاَ رَيْبَ فِيهِ } يقول: لا شك فـيه. وهو مصدر من قولك: رابنـي الشيء يريبنـي ريبـا. ومن ذلك قول ساعدة بن جُؤيَّة الهذلـي: | **فَقَالُوا تَرَكْنا الـحَيَّ قَدْ حَصَرُوا بهِ** | | **فَلا رَيْبَ أنْ قَدْ كانَ ثمَّ لَـحِيـمُ** | | --- | --- | --- | | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | ويروى: «حصروا»، و«حَصِروا»، والفتـح أكثر، والكسر جائز. يعنـي بقوله: «حصروا به»: أطافوا به، ويعنـي بقوله: { لاَ رَيْبَ فِيهِ } لا شك فـيه، وبقوله: «أن قد كان ثم لـحيـم»، يعنـي قتـيلاً، يقال: قد لُـحم إذا قتل. والهاء التـي فـي «فـيه» عائدة علـى الكتاب، كأنه قال: لا شك فـي ذلك الكتاب أنه من عند الله هدى للـمتقـين. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { هُدًى }. حدثنـي أحمد بن حازم الغفـاري، قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا سفـيان، عن بـيان، عن الشعبـي: هُدًى قال: هدى من الضلالة. حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط بن نصر، عن إسماعيـل السدي، فـي خبر ذكره عن أبـي مالك، وعن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس، وعن مرة الهمدانـي، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } يقول: نور للـمتقـين. والهدى فـي هذا الـموضع مصدر من قولك: هديت فلاناً الطريق إذا أرشدته إلـيه، ودللته علـيه، وبـينته له أهديه هُدًى وهداية. فإن قال لنا قائل: أو ما كتاب الله نوراً إلا للـمتقـين ولا رشاداً إلا للـمؤمنـين؟ قـيـل: ذلك كما وصفه ربنا عز وجل، ولو كان نوراً لغير الـمتقـين، ورشاداً لغير الـمؤمنـين لـم يخصص الله عز وجل الـمتقـين بأنه لهم هدى، بل كان يعم به جميع الـمنذرين ولكنه هدى للـمتقـين، وشفـاء لـما فـي صدور الـمؤمنـين، ووَقْرٌ فـي آذان الـمكذّبـين، وعمي لأبصار الـجاحدين، وحجة لله بـالغة علـى الكافرين فـالـمؤمن به مهتد، والكافر به مـحجوج. وقوله: هُدًى يحتـمل أوجها من الـمعانـي أحدها: أن يكون نصبـاً لـمعنى القطع من الكتاب لأنه نكرة والكتاب معرفة، فـيكون التأويـل حينئذٍ: الـم ذلك الكتاب هاديا للـمتقـين. و«ذلك» مرفوع ب«الـم»، و«الـم» به، و«الكتاب» نعت ل«ذلك». وقد يحتـمل أن يكون نصبـاً علـى القطع من راجع ذكر الكتاب الذي فـي «فـيه»، فـيكون معنى ذلك حينئذٍ: الـم الذي لا ريب فـيه هادياً. وقد يحتـمل أن يكون أيضا نصبـاً علـى هذين الوجهين، أعنـي علـى وجه القطع من الهاء التـي فـي «فـيه»، ومن الكتاب علـى أن «الـم» كلام تام، كما قال ابن عبـاس. إن معناه: أنا الله أعلـم. ثم يكون «ذلك الكتاب» خبراً مستأنفـاً، ويرفع حينئذٍ الكتاب ب«ذلك» و«ذلك» بـالكتاب، ويكون «هدى» قطعاً من الكتاب، وعلـى أن يرفع «ذلك» بـالهاء العائدة علـيه التـي فـي «فـيه»، والكتاب نعت له، والهدى قطع من الهاء التـي فـي «فـيه». وإن جعل الهدى فـي موضع رفع لـم يجز أن يكون «ذلك الكتاب» إلا خبرا مستأنفـا و«الـم» كلاماً تاماً مكتفـياً بنفسه إلاّ من وجه واحد وهو أن يرفع حينئذٍ «هدى» بـمعنى الـمدح كما قال الله جل وعز:**{ الۤـمۤ تِلْكَ ءايَـٰتُ ٱلْكِتَـٰبِ ٱلْحَكِيمِ هُدًى وَرَحْمَةً لّلْمُحْسِنِينَ }** [لقمان: 1-3] فـي قراءة من قرأ «رحمة» بـالرفع علـى الـمدح للآيات. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | والرفع فـي «هدى» حينئذٍ يجوز من ثلاثة أوجه، أحدها: ما ذكرنا من أنه مدح مستأنف. والآخر: علـى أن يجعل الرافع «ذلك»، والكتاب نعت ل«ذلك». والثالث: أن يجعل تابعاً لـموضع «لا ريب فـيه»، ويكون «ذلك الكتاب» مرفوعاً بـالعائد فـي «فـيه»، فـيكون كما قال تعالـى ذكره:**{ وَهَـٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ مُبَارَكٌ }** وقد زعم بعض الـمتقدمين فـي العلـم بـالعربـية من الكوفـيـين أن «الـم»مرافع «ذلك الكتاب» بـمعنى: هذه الـحروف من حروف الـمعجم، ذلك الكتاب الذي وعدتك أن أوحيه إلـيك. ثم نقض ذلك من قوله فأسرع نقضَه، وهدم ما بنى فأسرع هدمَه، فزعم أن الرفع فـي «هدى» من وجهين والنصب من وجهين، وأن أحد وجهي الرفع أن يكون «الكتاب» نعتاً لـ«ذلك»، و«الهدى» فـي موضع رفع خبر لـ«ذلك» كأنك قلت: ذلك لا شك فـيه. قال: وإن جعلت «لا ريب فـيه» خبره رفعت أيضاً «هدى» بجعله تابعاً لـموضع «لا ريب فـيه» كما قال الله جل ثناؤه:**{ وَهَـٰذَا كِتَـٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ مُبَارَكٌ }** [الأنعام: 92] كأنه قال: وهذا كتاب هدى من صفته كذا وكذا. قال: وأما أحد وجهي النصب، فأن تـجعل «الكتاب» خبراً لـ«ذلك» وتنصب «هدى» علـى القطع لأن «هدى» نكرة اتصلت بـمعرفة وقد تـمّ خبرها فتنصبها، لأن النكرة لا تكون دلـيلاً علـى معرفة، وإن شئت نصبت «هدى» علـى القطع من الهاء التـي فـي «فـيه» كأنك قلت: لا شكّ فـيه هاديا. قال أبو جعفر: فترك الأصل الذي أصّله فـي «الـم» وأنها مرفوعة ب«ذلك الكتاب» ونبذه وراء ظهره. واللازم له علـى الأصل الذي كان أصّله أن لا يجيز الرفع فـي «هدى» بحال إلا من وجه واحد، وذلك من قبل الاستئناف إذ كان مدحاً. فأما علـى وجه الـخبر لذلك، أو علـى وجه الإتبـاع لـموضع «لا ريب فـيه»، فكان اللازم له علـى قوله إن يكون خطأ، وذلك أن «الـم» إذا رفعت «ذلك الكتاب» فلا شك أن «هدى» غير جائز حينئذٍ أن يكون خبراً لـ«ذلك» بـمعنى الرافع له، أو تابعاً لـموضع لا ريب فـيه، لأن موضعه حينئذٍ نصب لتـمام الـخبر قبله وانقطاعه بـمخالفته إياه عنه.القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { لِّلْمُتَّقِينَ }. حدثنا سفـيان بن وكيع، قال: حدثنا أبـي عن سفـيان، عن رجل، عن الـحسن قوله: { لِّلْمُتَّقِينَ } قال: اتقوا ما حرم علـيهم وأدّوا ما افترض علـيهم. حدثنا مـحمد بن حميد، قال: حدثنا سلـمة بن الفضل، عن مـحمد بن إسحاق، عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس: { لِّلْمُتَّقِينَ } أي الذين يحذرون من الله عز وجل عقوبته فـي ترك ما يعرفون من الهدى، ويرجون رحمته بـالتصديق بـما جاء به. حدثنـي موسى بن هارون قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك، وعن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس، وعن مرة الهمدانـي، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } قال: هم الـمؤمنون. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، قال: سألنـي الأعمش عن الـمتقـين، قال: فأجبته، فقال لـي: سل عنها الكلبـي فسألته فقال: الذين يجتنبون كبـائر الإثم. قال: فرجعت إلـى الأعمش، فقال: نرى أنه كذلك ولـم ينكره. حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم الطبري، قال: حدثنا إسحاق بن الـحجاج عن عبد الرحمن بن عبد الله، قال: حدثنا عمر أبو حفص، عن سعيد بن أبـي عروبة، عن قتادة: { هُدًى للْـمُتَّقِـينَ } مَنْ هم نعتهم ووصفهم فأثبت صفتهم فقال:**{ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ }** [البقرة: 3] حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمار، عن أبـي روق، عن الضحاك، عن ابن عبـاس: { لِّلْمُتَّقِينَ } قال: الـمؤمنـين الذين يتقون الشرك ويعملون بطاعتـي. وأولـى التأويلات بقول الله جل ثناؤه: { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } تأويـل من وصف القوم بأنهم الذين اتقوا الله تبـارك وتعالـى فـي ركوب ما نهاهم عن ركوبه، فتـجنبوا معاصيه واتقوه فـيـما أمرهم به من فرائضه فأطاعوه بأدائها. وذلك أن الله عز وجل إنـما وصفهم بـالتقوى فلـم يحصر تقواهم إياه علـى بعضها من أهل منهم دون بعض. فلـيس لأحد من الناس أن يحصر معنى ذلك علـى وصفهم بشيء من تقوى الله عز وجل دون شيء إلا بحجة يجب التسلـيـم لها، لأن ذلك من صفة القوم لو كان مـحصوراً علـى خاصّ من معانـي التقوى دون العام منها لـم يَدَع الله جل ثناؤه بـيان ذلك لعبـاده، إما فـي كتابه، وإما علـى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم إذْ لـم يكن فـي العقل دلـيـل علـى استـحالة وصفهم بعموم التقوى. فقد تبـين إذا بذلك فساد قول من زعم أن تأويـل ذلك إنـما هو: الذين اتقوا الشرك وبرءوا من النفـاق لأنه قد يكون كذلك وهو فـاسق غير مستـحق أن يكون من الـمتقـين. إلا أن يكون عند قائل هذا القول معنى النفـاق ركوب الفواحش التـي حرمها الله جل ثناؤه وتضيـيع فرائضه التـي فرضها علـيه، فإن جماعة من أهل العلـم قد كانت تسمي من كان يفعل ذلك منافقاً، فـيكون وإن كان مخالفـاً فـي تسميته من كان كذلك بهذا الاسم مصيبـاً تأويـل قول الله عز وجل للـمتقـين. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ البَقَرَةِ
Medinan
ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ
* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ)
فإن قلت لم صحت الإشارة بذلك إلى ما ليس ببعيد؟ قلت وقعت الإشارة إلى الم بعد ما سبق التكلم به وتقضى، والمقضى في حكم المتباعد، وهذا في كل كلام. يحدّث الرجل بحديث ثم يقول وذلك ما لا شك فيه. ويحسب الحاسب ثم يقول فذلك كذا وكذا. وقال الله تعالى**{ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ }** البقرة 68. وقال**{ ذٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِى رَبّى }** يوسف 37، ولأنه لما وصل من المرسل إلى المرسل إليه، وقع في حد البعد، كما تقول لصاحبك وقد أعطيته شيئاً احتفظ بذلك. وقيل معناه ذلك الكتاب الذي وعدوا به. فإن قلت لم ذكر اسم الإشارة ـــ والمشار إليه مؤنث وهو السورة ـــ؟ قلت لا أخلو من أن أجعل الكتاب خبره أو صفته. فإن جعلته خبره، كان ذلك في معناه ومسماه مسماه، فجاز إجراء حكمه عليه في التذكير، كما أجرى عليه في التأنيث في قولهم من كانت أمّك. وإن جعلته صفته، فإنما أشير به إلى الكتاب صريحاً لأنّ اسم الإشارة مشار به إلى الجنس الواقع صفة له. تقول هند ذلك الإنسان، أو ذلك الشخص فعل كذا. وقال الذبياني | **نُبِّئْتُ نُعْمَى على الهِجْرَانِ عاتِبةً سُقْيَا ورُعْيَا لِذَاكَ العاتِبِ الزَّارِي** | | | | --- | --- | --- | فإن قلت أخبرني عن تأليف { ذٰلِكَ ٱلْكِتَابُ } مع { الم }. قلت إن جعلت { الۤمۤ } اسماً للسورة ففي التأليف وجوه أن يكون { الۤمۤ } مبتدأ، و { ذٰلِكَ }. مبتدأ ثانياً، و { ٱلْكِتَـٰبِ } خبره، والجملة خبر المبتدأ الأوّل. ومعناه أنّ ذلك الكتاب هو الكتاب الكامل، كأن ما عداه من الكتب في مقابلته ناقص، وأنه الذي يستأهل أن يسمى كتاباً، كما تقول هو الرجل، أي الكامل في الرجولية، الجامع لما يكون في الرجال من مرضيات الخصال. وكما قال | **هُمُ الْقَوْمُ كلُّ الْقَوْمِ يا أُمَّ خَالِدِ** | | | | --- | --- | --- | وأن يكون الكتاب صفة. ومعناه هو ذلك الكتاب الموعود، وأن يكون { الۤمۤ } خبر مبتدأ محذوف، أي هذه الۤمۤ، ويكون ذلك خبراً ثانياً أو بدلاً، على أن الكتاب صفة، وأن يكون هذه الۤمۤ جملة، وذلك الكتاب جملة أخرى. وإن جعلت الۤمۤ بمنزلة الصوت، كان ذلك مبتدأ خبره الكتاب، أي ذلك الكتاب المنزل هو الكتاب الكامل. أو الكتاب صفة والخبر ما بعده، أو قدّر مبتدأ محذوف، أي هو ـــ يعني المؤلف من هذه الحروف ـــ ذلك الكتاب. وقرأ عبد الله { آلم، تَنزِيلُ ٱلْكِتَـٰبِ لاَ رَيْبَ فِيهِ }. وتأليف هذا ظاهر. والريب مصدر رابني، إذا حصل فيك الريبة. وحقيقة الريبة قلق النفس واضطرابها. ومنه ما روى الحسن بن علي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول 10 **" دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الشك ريبة، وإنّ الصدق طمأنينة "** | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | | | --- | --- | --- | --- | --- | أي فإن كون الأمر مشكوكاً فيه مما تقلق له النفس ولا تستقرّ. وكونه صحيحاً صادقاً مما تطمئن له وتسكن. ومنه ريب الزمان، وهو ما يقلق النفوس ويشخص بالقلوب من نوائبه. ومنه 11 أنه مر بظبي حاقف فقال **" «لا يربه أحد بشيء ".** فإن قلت كيف نفى الريب على سبيل الاستغراق؟ وكم من مرتاب فيه؟ قلت ما نفى أنّ أحد لا يرتاب فيه وإنما المنفي كونه متعلقاً للريب ومظنة له لأنه من وضوح الدلالة وسطوع البرهان بحيث لا ينبغي لمرتاب أن يقع فيه. ألا ترى إلى قوله تعالى**{ وَإِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّن مِّثْلِهِ }** البقرة 23، فما أبعد وجود الريب منهم؟ وإنما عرفهم الطريق إلى مزيل الريب، وهو أن يحزروا أنفسهم ويروزوا قواهم في البلاغة، هل تتم للمعارضة أم تتضاءل دونها؟ فيتحققوا عند عجزهم أن ليس فيه مجال للشبهة ولا مدخل للريبة. فإن قلت فهلا قدّم الظرف على الريب، كما قدّم على الغَوْل في قوله تعالى**{ لاَ فِيهَا غَوْلٌ }** الصافات 47؟ قلت لأنّ القصد في إيلاء الريب حرف النفي، نفي الريب عنه، وإثبات أنه حق وصدق لا باطل وكذب، كما كان المشركون يدّعونه، ولو أولى الظرف لقصد إلى ما يبعد عن المراد، وهو أنّ كتاباً آخر فيه الريب فيه، كما قصد في قوله { لاَ فِيهَا غَوْلٌ } تفضيل خمر الجنة على خمور الدنيا بأنها لا تغتال العقول كما تغتالها هي، كأنه قيل ليس فيها ما في غيرها من هذا العيب والنقيصة، وقرأ أبو الشعثاء { لاَ رَيْبَ فِيهِ } بالرفع والفرق بينها وبين المشهورة، أنّ المشهورة توجب الاستغراق، وهذه تجوّزه. والوقف على { فِيهِ } هو المشهور. وعن نافع وعاصم أنهما وقفا على { لاَ رَيْبَ } ولا بد للواقف من أن ينوي خبراً. ونظيره قوله تعالى**{ قَالُواْ لاَ ضَيْرَ }** الشعراء 50، وقول العرب لا بأس، وهي كثيرة في لسان أهل الحجاز. والتقدير { لاَ رَيْبَ فِيهِ }. { فِيهِ هُدًى } الهدى مصدر على فعل، كالسرى والبكى، وهو الدلالة الموصلة إلى البغية، بدليل وقوع الضلالة في مقابلته. قال الله تعالى**{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَـٰلَةَ بِٱلْهُدَىٰ }** البقرة 16. وقال تعالى**{ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ }** سبأ 24. ويقال مهدي، في موضع المدح كمهتد ولأن اهتدى مطاوع هدى ـــ ولن يكون المطاوع في خلاف معنى أصله ـــ ألا ترى إلى نحو غمه فاغتم، وكسره فانكسر، وأشباه ذلك فإن قلت فلم قيل { هُدًى لّلْمُتَّقِينَ } والمتقون مهتدون؟ قلت هو كقولك للعزيز المكرم أعزك الله وأكرمك، تريد طلب الزيادة إلى ما هو ثابت فيه واستدامته، كقوله { ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ }. ووجه آخر، وهو أنه سماهم عند مشارفتهم لاكتساء لباس التقوى متقين، كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم 12 | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | | | --- | --- | --- | --- | --- | **" من قتل قتيلاً فله سلبه "** وعن ابن عباس 13 «إذا أراد أحدكم الحج فليعجل فإنه يمرض المريض وتضل الضالة،وتكون الحاجة» فسمى المشارف للقتل والمرض والضلال قتيلاً ومريضاً وضالاً. ومنه قوله تعالى**{ وَلاَ يَلِدُواْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً }** نوح 27، أي صائراً إلى الفجور والكفر. فإن قلت فهلا قيل هدى للضالين؟ قلت لأن الضالين فريقان فريق علم بقاؤهم على الضلالة وهم المطبوع على قلوبهم، وفريق علم أنّ مصيرهم إلى الهدى فلا يكون هدى للفريق الباقين على الضلالة، فبقى أن يكون هدى لهؤلاء، فلو جيء بالعبارة المفصحة عن ذلك لقيل هدى للصائرين إلى الهدى بعد الضلال، فاختصر الكلام بإجرائه على الطريقة التي ذكرنا، فقيل هدى للمتقين. وأيضاً فقد جعل ذلك سلماً إلى تصدير السورة التي هي أولى الزهراوين وسنام القرآن وأول المثاني، بذكر أولياء الله والمرتضين من عباده. والمتقي في اللغة اسم فاعل، من قولهم وقاه فاتقى. والوقاية فرط الصيانة. ومنه فرس واق، وهذه الدابة تقي من وجاها، إذا أصابه ضلع من غلظ الأرض ورقة الحافر، فهو يقي حافره أن يصيبه أدنى شيء يؤلمه. وهو في الشريعة الذي يقي نفسه تعاطي ما يستحق به العقوبة من فعل أو ترك. واختلف في الصغائر وقيل الصحيح أنه لا يتناولها، لأنها تقع مكفرة عن مجتنب الكبائر. وقيل يطلق على الرجل اسم المؤمن لظاهر الحال، والمتقي لا يطلق إلا عن خبرة، كما لا يجوز إطلاق لعدل إلا على المختبر. ومحل { هُدًى لّلْمُتَّقِينَ } الرفع، لأنه خبر مبتدإ محذوف، أو خبر مع { لاَ رَيْبَ فِيهِ } لذلك، أو مبتدأ إذا جعل الظرف المقدّم خبراً عنه. ويجوز أن ينصب على الحال، والعامل فيه معنى الإشارة أو الظرف. والذي هو أرسخ عرقاً في البلاغة أن يضرب عن هذه المحال صفحاً. وأن يقال إن قوله { الۤمۤ } جملة برأسها، أو طائفة من حروف المعجم مستقلة بنفسها. و { ذٰلِكَ ٱلْكِتَابُ } جملة ثانية. و { لاَ رَيْبَ فِيهِ } ثالثة. و { هُدًى لّلْمُتَّقِينَ } رابعة. وقد أصيب بترتيبها مفصل البلاغة وموجب حسن النظم، حيث جيء بها متناسقة هكذا من غير حرف نسق، وذلك لمجيئها متآخية آخذاً بعضها بعنق بعض. فالثانية متحدة بالأولى معتنقة لها، وهلم جراً إلى الثالثة والرابعة. بيان ذلك أنه نبه أولاً على أنه الكلام المتحدّى به، ثم أشير إليه بأنه الكتاب المنعوت بغاية الكمال. فكان تقريراً لجهة التحدي، وشدّاً من أعضاده. ثم نفى عنه أن يتشبث به طرف من الريب، فكان شهادة وتسجيلاً بكماله، لأنه لا كمال أكمل مما للحق واليقين، ولا نقص أنقص مما للباطل والشبهة. وقيل لبعض العلماء فيم لذتك؟ فقال في حجة تتبختر اتضاحاً، وفي شبهة تتضاءل افتضاحاً. ثم أخبر عنه بأنه هدى للمتقين، فقرّر بذلك كونه يقيناً لا يحوم الشك حوله، وحقاً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ثم لم تخل كل واحدة من الأربع، بعد أن رتبت هذا الترتيب الأنيق، ونظمت هذا النظم السري، من نكتة ذات جزالة. ففي الأولى الحذف والرمز إلى الغرض بألطف وجه وأرشقه. وفي الثانية ما في التعريف من الفخامة. وفي الثالثة ما في تقديم الريب على الظرف. وفي الرابعة الحذف. ووضع المصدر الذي هو { هُدًى } موضع الوصف الذي هو «هاد» وإيراده منكراً. والإيجاز في ذكر المتقين. زادنا الله إطلاعاً على أسرار كلامه، وتبييناً لنكت تنزيله، وتوفيقاً للعمل بما فيه. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | | | --- | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ البَقَرَةِ
Medinan
ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ
* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ)
القراءة: قرأ ابن كثير فيهي هدى بوصل الهاء بياء في اللفظ وكذلك كل هاء كتابية قبلها ياء ساكنة فإِن كان قبلها ساكن غير الياء وصلها بالواو ووافقه حفص في قولـه فيهي مهاناً وقتيبة في قولـه فملاقيه وسأصليه والباقون لا يُشبعون وإِذا تحرك ما قبل الهاء فهم مجمعون على إشباعه. الحجة: اعلم أنه يجوز في العربية في فيه أربعة أوجه فيهو وفيهي وفيهُ وفيهِ والأصل فيهو كما قيل لهو مال فمن كسر الهاء من فيه ونحوه مع أن الأصل الضم فلأجل الياء أو الكسرة قبل الهاء والهاء تشبه الألف لكونها من حروف الخلق ولما فيها من الخفاء فكما نحواً بالألف نحو الياء بالإمالة لأجل الكسرة أو الياء كذلك كسروا الهاء للكسرة أو الياء ليتجانس الصوتان ومن ترك الإشباع فلكراهة اجتماع المشابهة فإن اكتنفها ساكنان من حروف اللين كان كأنّ الساكنين التقيا لخفاء الهاء فإنهم لم يعتدوا بها حاجزاً في نحو فيهي وخُذُ وهُو كما لم يعتد بها في نحو ردّ من أتبع الضم الضم إذا وصل الفعل بضمير المؤنث فقال ردها بالفتح لا غير ولم يتبع الضم الضم وجعل الدال كأنها لازقة بالألف وأما من أشبع واتبعها الياء قال الهاء وإن كانت خفية فليس يخرجها ذلك من أن تكون كغيرها من حروف المعجم التي لا خفاء فيها فإذا كان كذلك كان حجَزها بين الساكنين كحجز غيرها من الحروف التي لا خفاء فيها. اللغة: ذلك لفظة يشار بها إلى ما بَعُدَ وهذا: إلى ما قرب والاسم من ذلك ذا والكاف زيدت للخطاب ولاحظَّ لها من الإعراب واللام تزاد للتأكيد وكسرت لالتقاء الساكنين وتسقط معها هاء تقول ذاك وذلك وهذاك ولا تقول هذا لك والكتاب مصدر وهو بمعنى المكتوب كالحساب قال الشاعر: | **بَشَرْتُ عِيالي إذ رَأَيْتُ صَحِيفَةً** | | **أَتَتْكَ مِنَ الحَجَّاجِ يُتْلى كِتَابُها** | | --- | --- | --- | أي مكتوبها وأصله الجمع من قولـهم كتبت القربة إذا خرزتها والكتبة الخرزة وكتبت البغلة إذا جمعت بين شفريها بحلقة ومنه قيل للجند كَتِيبَة لانضمام بعضهم إلى بعض والريب الشك وقيل هو أسوأ الشك وهو مصدر رابني الشيء من فلان يريبني إذا كنت مستيقناً منه بالريبة فإذا أسأت به الظن ولم تستيقن بالريبة منه قلت أرابني من فلان أمر إرابة وأراب الرجل إذا صار صاحب ريبة كما قيل ألام أي استحق أن يلام والهدى الدلالة مصدر هديته وفُعَل قليل في المصادر. قال أبو علي: يجوز أن يكون فعل مصدر اختص به المعتل وإن لم يكن في المصادر كما كان كينونة ونحوه لا يكون في الصحيح والفعل منه يتعدى إلى مفعولين يتعدى إلى الثاني منهما بأحد حرفي جر إلى أو اللام كقولـه: | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | **{ وَٱهْدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَاطِ }** [ص: 22] و**{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا }** [الأعراف: 43] وقد يحذف منه حرف الجر فيصل الفعل إلى المفعول نحو: { إهدنا الصراط المستقيم } أي دلنا عليه وأسلك بنا فيه وكأنه استنجازٌ لما وعدوا به في قولـه:**{ يَهْدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ ٱلسَّلاَمِ }** [المائدة: 16] أي سبل دار السلام والأصل في المتقين الموتقين مفتعلين من الوقاية فقبلت الواو تاء وأدغمتها في التاء التي بعدها وحذفت الكسرة من الياء استثقالاً لها ثم حذفتها لالتقاء الساكنين فبقي متقين والتقوى أصله وقوى قلبت الواو تاء كالتراث أصله وراث وأصل الاتقاء الحجز بين الشيئين يقال: أتقاه بالترس أي جعله حاجزاً بينه وبينه قال الشاعر: | **فَأَلْقَتِ قِنَاعاً دُونَها الشَّمْسُ واتَّقَتْ** | | **بِأحْسَنِ مَوْصُولَيْن كفٍّ ومِعْصَمِ** | | --- | --- | --- | ومنه الوقاية لأنها تمنع رؤية الشعر. الإعراب: ذلك في موضع رفع من وجوه: أحدها: أن تجعله خبراً عن ألم كما مضى القول فيه وثانيها: أن يكون متبدأ والكتاب خبره وثالثها: أن يكون مبتدأ والكتاب عطف بيان أو صفة له أو بدل منه ولا ريب فيه جملة في موضع الخبر ورابعها: أن يكون مبتدأ وخبره هدىً ويكون لا ريب في موضع الحال والعامل في الحال معنى الإشارة وخامسها: أن يكون لا ريب فيه وهدى جميعاً خبراً بعد كقولك هذا حلو حامض أي جمع الطعمين ومنه قول الشاعر: | **مَنْ يَكُ ذا بَتٍّ فَهذَا بَتّي** | | **مُقَيّظٌ مصَيّفٌ مُشَتّي** | | --- | --- | --- | وسادسها: أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا ذلك الكتاب وإن حملت على هذا الوجه أو على أنه مبتدأ ولا ريب فيه الخبر أو على أنه خبر ألم أو على أن الكتاب خبر عنه كان قولـه هدى في موضع نصب على الحال أي هادياً للمتقين والعامل فيه معنى الإشارة والاستقرار الذي يتعلق به فيه وقولـه: { لا ريب } قال سيبويه: لا تعمل فيما بعدها فتنصبه بغير تنوين وقال غيره من حذاق النحويين: جعل لا مع النكرة الشائعة مركباً فهو أوكد من تضمين الاسم معنى الحرف لأنه جعل جزءاً من الاسم بدلالة إنك تضيف إليه مجموعاً وتدخل عليه حرف الجر فتقول جئتك بلا مال ولا زاد فلما صار كذلك بني على الفتح وهما جميعاً في موضع الرفع على الابتداء فموضع خبره موضع خبر المبتدأ وعلى هذا فيجوز أن تجعل فيه خبر ويجوز أن تجعله صفة فإن جعلته صفة أضمرت الخبر وأن جعلته خبراً كان موضعه رفعاً في قياس قول سيبويه من حيث يرتفع خبر المبتدأ وعلى قول أبي الحسن الأخفش موضعه رفع والموضع للظرف نفسه لا لما كان يتعلق به لأن الحكم له من دون ما كان يكون الظرف منتصباً به في الأصل ألا ترى أن الضمير قد صار في الظرف. وأما قولـه: { هدى } فيجوز أن يكون في موضع رفع من ثلاثة أوجه غير الوجه الذي ذكرناه قبل وهو أن يكون خبراً عن ذلك أحدها أن يكون مبتدأ وفيه الخبر على أن تضمر للا ريب خبراً كأنك قلت لا ريب فيه فيه هدى والوقف على هذا الوجه يكون على قولـه لا ريب ويبتدئ فيه هدى للمتقين وإن شئت جعلت فيه هذه الظاهرة خبراً عن لا ريب وأضمرت لهدى خبراً كأنك قلت لا ريب فيه فيه هدى والوقف على هذا الوجه على قولـه لا ريب فيه ويبتدئ هدى للمتقين والوجه الثاني أن يكون خبراً عن ألم على قول من جعله اسما للسورة والوجه الثالث أن يكون خبراً لمبتدأ محذوف تقديره هو هدى. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | المعنى: المراد بالكتاب القرآن وقال الأخفش ذلك بمعنى هذا لأن الكتاب كان حاضراً وأنشد لخفاف بن ندبة: | **أقُولُ لَهُ والرُّمْحُ يأطِرُ متْنُهُ** | | **تأمَّل خُفَافاً إِنَّني أنا ذلِكا** | | --- | --- | --- | أي أنا هذا وهذا البيت يمكن إجراؤه على ظاهره أي إنني أنا ذلك الرجل الذي سمعت شجاعته وإذا جرى للشيء ذكر يجوز أن يقول السامع هذا كما قلت وذلك كما قلت وتقول أنفقت ثلاثة وثلاثة فهذا ستة أو فذلك ستة وإنما تقول هذا لقربه بالإخبار عنه وتقول ذلك لكونه ماضياً وقيل إن الله وعد نبيه أن ينزل عليه كتاباً لا يمحوه الماء ولا يخلق على كثرة الرد فلما أنزل القرآن قال هذا القرآن ذلك الكتاب الذي وعدتك عن الفراء وأبي علي الجبائي. وقيل معناه هذا القرآن ذلك الكتاب الذي وعدتك به في الكتب السالفة عن المبرد. ومن قال إن المراد بالكتاب التوراة والإنجيل فقولـه فاسد لأنه وصف الكتاب بأنه لا ريب فيه وأنه هدى ووصف ما في أيدي اليهود والنصارى بأنه محرّف بقولـه:**{ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ }** [النساء: 46] ومعنى قولـه لا ريب فيه أي أنه بيان وهدى وحق ومعجز فمن ههنا استحق الوصف بأنه لا شك فيه لا على جهة الإخبار بنفي الشاكين وقيل إنه على الحذف كأنه قال لا سبب شك فيه لأن الأسباب التي توجب الشك في الكلام هي التلبيس والتعقيد والتناقض والدعاوى العارية من البرهان وهذه كلها منفية عن كتاب الله تعالى وقيل إن معناه النهي وإن كان لفظه الخبر أي لا ترتابوا أو لا تشكوا فيه كقولـه تعالى:**{ لاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ }** [البقرة: 197] وأما تخصيص المتقين بأن القرآن هدى لهم وإن كان هدى لجميع الناس فلأنهم هم الذين انتفعوا به واهتدوا بهداه كما قال إنما انتفع بإنذاره من يخشى نار جهنم على أنه ليس في الإخبار بأنه هدى للمتقين ما يدل على أنه ليس بهدى لغيرهم وبيَّن في آية أخرى أنه هدى للناس. فصل في التقوى والمتقي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | **" جماع التقوى في قولـه تعالى: { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } "** [النحل: 90] وقيل: المتقي الذي اتقى ما حرم عليه وفعل ما أوجب عليه. وقيل: هو الذي يتقي بصالح أعماله عذاب الله وسأل عمر بن الخطاب كعب الأحبار عن التقوى فقال: هل أخذت طريقاً ذا شوك. فقال: نعم قال: فما عملت فيه قال حذرت وتشمرت. فقال كعب: ذلك التقوى ونظمه بعض الناس فقال: | **خلِّ الذنوبَ صغيرَها** | | **وكبيرَها فهو التُقى** | | --- | --- | --- | | **واصنع كماشٍ فوق أر** | | **ض الشَوك يحذر ما يَرى** | | **لا تحَقِرنَّ صغيرة** | | **إن الجبال من الحصى** | وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: **" إنما سمي المتقون لتركهم ما لا بأس به حذراً للوقوع فيما به بأس "** وقال عمر بن عبد العزيز: التقي ملجم كالمجرم في الحرم. وقال بعضهم: التقوى أن لا يراك الله حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | | | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ البَقَرَةِ
Medinan
ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ
* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ)
قوله تعالى: { ذٰلِكَ ٱلْكِتَابُ } وفيه مسائل: المسألة الأولى: لقائل أن يقول: المشار إليه ههنا حاضر، و «ذلك» اسم مبهم يشار به إلى البعيد، والجواب عنه من وجهين: الأول: لا نسلم أن المشار إليه حاضر، وبيانه من وجوه: أحدها: ما قاله الأصم: وهو أن الله تعالى أنزل الكتاب بعضه بعد بعض، فنزل قبل سورة البقرة سور كثيرة، وهي كل ما نزل بمكة مما فيه الدلالة على التوحيد وفساد الشرك وإثبات النبوة وإثبات المعاد، فقوله: { ذٰلِكَ } إشارة إلى تلك السور التي نزلت قبل هذه السورة، وقد يسمى بعض القرآن قرآناً، قال الله تعالى:**{ وَإِذَا قُرِىء ٱلْقُرْءانُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ }** [الأعراف: 204] وقال حاكياً عن الجن**{ إنا سمعنا قرآناً عجباً }** [الجن: 1] وقوله:**{ إِنَّا سَمِعْنَا كِتَـٰباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ }** [الأحقاف: 30] وهم ما سمعوا إلا البعض، وهو الذي كان قد نزل إلى ذلك الوقت، وثانيها: أنه تعالى وعد رسوله عند مبعثه أن ينزل عليه كتابا لا يمحوه الماحي، وهو عليه السلام أخبر أمته بذلك وروت الأمة ذلك عنه، ويؤيده قوله:**{ إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً }** [المزمل: 5] وهذا في سورة المزمل، وهي إنما نزلت في ابتداء المبعث، وثالثها: أنه تعالى خاطب بني إسرائيل، لأن سورة البقرة مدنية، وأكثرها احتجاج على بني إسرائيل، وقد كانت بنو إسرائيل أخبرهم موسى وعيسى عليهما السلام أن الله يرسل محمداً صلى الله عليه وسلم وينزل عليه كتاباً فقال تعالى: { ذٰلِكَ ٱلْكِتَابُ } أي الكتاب الذي أخبر الأنبياء المتقدمون بأن الله تعالى سينزله على النبي المبعوث من ولد إسماعيل، ورابعها: أنه تعالى لما أخبر عن القرآن بأنه في اللوح المحفوظ بقوله:**{ وَإِنَّهُ فِى أُمّ ٱلْكِتَـٰبِ لَدَيْنَا }** [الزخرف: 4] وقد كان عليه السلام أخبر أمته بذلك، فغير ممتنع أن يقول تعالى: { ذٰلِكَ ٱلْكِتَابُ } ليعلم أن هذا المنزل هو ذلك الكتاب المثبت في اللوح المحفوظ. وخامسها: أنه وقعت الإشارة بذلك إلى «ألم» بعد ما سبق التكلم به وانقضى، والمنقضى في حكم المتباعد، وسادسها: أنه لما وصل من المرسل إلى المرسل إليه وقع في حد البعد، كما تقول لصاحبك ـ وقد أعطيته شيئاً ـ احتفظ بذلك. وسابعها: أن القرآن لما اشتمل على حكم عظيمة وعلوم كثيرة يتعسر اطلاع القوة البشرية عليها بأسرها ـ والقرآن وإن كان حاضراً نظراً إلى صورته لكنه غائب نظراً إلى أسراره وحقائقه ـ فجاز أن يشار إليه كما يشار إلى البعيد الغائب.«ذلك» يشار بها للقريب والبعيد: المقام الثاني: سلمنا أن المشار إليه حاضر، لكن لا نسلم أن لفظة «ذلك» لا يشار بها إلا إلى البعيد، بيانه أن ذلك، وهذا حرفاً إشارة، وأصلهما «ذا» لأنه حرف للإشارة، قال تعالى: | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | **{ مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا }** [البقرة: 245] ومعنى «ها» تنبيه، فإذا قرب الشيء أشير إليه فقيل: هذا، أي تنبه أيها المخاطب لما أشرت إليه فإنه حاضر لك بحيث تراه، وقد تدخل الكاف على «ذا» للمخاطبة واللام لتأكيد معنى الإشارة فقيل: «ذلك» فكأن المتكلم بالغ في التنبيه لتأخر المشار إليه عنه، فهذا يدل على أن لفظة ذلك لا تفيدالبعد في أصل الوضع، بل اختص في العرف بالإشارة إلى البعيد للقرينة التي ذكرناها، فصارت كالدابة، فإنها مختصة في العرف بالفرس، وإن كانت في أصل الوضع متناولة لكل ما يدب على الأرض، وإذا ثبت هذا فنقول: إنا نحمله ههنا على مقتضى الوضع اللغوي، لا على مقتضى الوضع. العرفي وحينئذٍ لا يفيد البعد ولأجل هذه المقاربة يقام كل واحد من اللفظين مقام الآخر قال تعالى:**{ وَٱذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرٰهِيمَ وَإِسْحَـٰقَ }** [صۤ: 45] إلى قوله -**{ وَكُلٌّ مّنَ ٱلأخْيَارِ }** [صۤ: 48] ثم قال:**{ هَـٰذَا ذِكْرُ }** [الأنبياء: 24] وقال:**{ وَعِندَهُمْ قَـٰصِرٰتُ ٱلطَّرْفِ أَتْرَابٌ هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ }** [صۤ: 52 - 53] وقال:**{ وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ }** [قۤ: 19] وقال:**{ فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلأَخِرَةِ وَٱلأُوْلَىٰ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَعِبْرَةً لّمَن يَخْشَىٰ }** [النازعات: 25- 26] وقال:**{ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذّكْرِ أَنَّ ٱلأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ ٱلصَّـٰلِحُونَ }** [الأنبياء: 105] ثم قال:**{ إِنَّ فِى هَـٰذَا لَبَلَـٰغاً لّقَوْمٍ عَـٰبِدِينَ }** [الأنبياء: 106] وقال:**{ فَقُلْنَا ٱضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذٰلِكَ يَحْيَىٰ ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ }** [البقرة: 73] أي هكذا يحيـى الله الموتى، وقال:**{ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ }** [طه: 17] أي ما هذه التي بيمينك والله أعلم. المسألة الثانية: لقائل أن يقول: لم ذكر اسم الإشارة والمشار إليه مؤنث، وهو السورة، الجواب: لا نسلم أن المشار إليه مؤنث لأن المؤنث إما المسمى أو الاسم، والأول باطل، لأن المسمى هو ذلك البعض من القرآن وهو ليس بمؤنث، وأما الاسم فهو آلم وهو ليس بمؤنث، نعم ذلك المسمى له اسم آخر ـ وهو السورة ـ وهو مؤنث، لكن المذكور السابق هو الاسم الذي ليس بمؤنث وهو آلم، لا الذي هو مؤنث وهو السورة.مدلول لفظ «كتاب»: المسألة الثالثة: اعلم أن أسماء القرآن كثيرة: أحدها: الكتاب وهو مصدر كالقيام والصيام وقيل: فعال بمعنى مفعول كاللباس بمعنى الملبوس، واتفقوا على أن المراد من الكتاب القرآن قال:**{ كِتَابٌ أَنزَلْنَـٰهُ إِلَيْكَ }** [صۤ: 29] والكتاب جاء في القرآن على وجوه: أحدها: الفرض**{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ }** [البقرة: 178]**{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصّيَامُ }** [البقرة: 183]**{ إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً }** [النساء: 103] وثانيها: الحجة والبرهان**{ فَأْتُواْ بِكِتَـٰبِكُمْ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ }** [الصافات: 157] أي برهانكم. وثالثها: الأجل**{ وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَـٰبٌ مَّعْلُومٌ }** [الحجر: 4] أي أجل. ورابعها: بمعنى مكاتبة السيد عبده**{ وَٱلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَـٰبَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ }** [النور: 33] وهذا المصدر فعال بمعنى المفاعلة كالجدال والخصام والقتال بمعنى المجادلة والمخاصمة والمقاتلة، واشتقاق الكتاب من كتبت الشيء إذا جمعته، وسميت الكتيبة لاجتماعها، فسمي الكتاب كتاباً لأنه كالكتيبة على عساكر الشبهات، أو لأنه اجتمع فيه جميع العلوم، أو لأن الله تعالى ألزم فيه التكاليف على الخلق. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | اشتقاق لفظ «قرآن»: وثانيها: القرآن**{ قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانِ }** [الإسراء: 88]**{ إِنَّا جَعَلْنَـٰهُ قُرْءاناً عَرَبِيّاً }** [الزخرف: 3]**{ شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِى أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ }** [البقرة: 185].**{ إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانَ يَهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ }** [الإسراء: 9] وللمفسرين فيه قولان: أحدهما: قول ابن عباس أن القرآن والقراءة واحد، كالخسران والخسارة واحد، والدليل عليه قوله:**{ فَإِذَا قَرَأْنَـٰهُ فَٱتَّبِعْ قُرْءانَهُ }** [القيامة: 18] أي تلاوته، أي إذا تلوناه عليك فاتبع تلاوته: الثاني: وهو قول قتادة أنه مصدر من قول القائل: قرأت الماء في الحوض إذا جمعته، وقال سفيان بن عيينة: سمي القرآن قرآناً لأن الحروف جمعت فصارت كلمات، والكلمات جمعت فصارت آيات، والآيات جمعت فصارت سوراً، والسور جمعت فصارت قرآناً، ثم جمع فيه علوم الأولين والآخرين. فالحاصل أن اشتقاق لفظ القرآن إما من التلاوة أو من الجمعية.معنى الفرقان: وثالثها: الفرقان**{ تَبَارَكَ ٱلَّذِى نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ }** [الفرقان: 1].**{ وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ }** [البقرة: 185] واختلفوا في تفسيره، فقيل: سمي بذلك لأن نزوله كان متفرقاً أنزله في نيف وعشرين سنة، ودليله قوله تعالى:**{ وَقُرْءانًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَـٰهُ تَنْزِيلاً }** [الإسراء: 106] ونزلت سائر الكتب جملة واحدة، ووجه الحكمة فيه ذكرناه في سورة الفرقان في قوله تعالى:**{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْءانُ جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك }** [الفرقان: 32] وقيل: سمي بذلك لأنه يفرق بين الحق والباطل، والحلال والحرام، والمجمل والمبين، والمحكم والمؤول، وقيل: الفرقان هو النجاة، وهو قول عكرمة والسدي، وذلك لأن الخلق في ظلمات الضلالات فبالقرآن وجدوا النجاة، وعليه حمل المفسرون قوله:**{ وَإِذْ آتينا مُوسَى ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }** [البقرة: 53].معنى تسميته بالذكر: ورابعها: الذكر، والتذكرة، والذكرى، أما الذكر فقوله**{ وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَـٰهُ }** [الأنبياء: 50]**{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذّكْرَ }** [الحجر: 9].**{ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ }** [الزخرف: 44] وفيه وجهان: أحدهما: أنه ذكر من الله تعالى ذكر به عباده فعرفهم تكاليفه وأوامره. والثاني: أنه ذكر وشرف وفخر لمن آمن به، وأنه شرف لمحمد صلى الله عليه وسلم، وأمته، وأما التذكرة فقوله:**{ وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لّلْمُتَّقِينَ }** [الحاقة: 48] وأما الذكرى فقوله تعالى:**{ وَذَكّرْ فَإِنَّ ٱلذّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ }** [الذاريات: 55].تسميته تنزيلاً وحديثاً: وخامسها: التنزيل**{ وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأمِينُ }** [الشعراء: 192 - 193]. وسادسها: الحديث**{ ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَـٰباً }** [الزمر: 23] سماه حديثاً لأن وصوله إليك حديث، ولأنه تعالى شبهه بما يتحدث به، فإن الله خاطب به المكلفين. وسابعها: الموعظة**{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَاءتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مّن رَّبّكُمْ }** [يونس: 57] وهو في الحقيقة موعظة لأن القائل هو الله تعالى، والآخذ جبريل، والمستملي محمد صلى الله عليه وسلم، فكيف لا تقع به الموعظة.تسميته بالحكم والحكمة: وثامنها: الحكم، والحكمة، والحكيم، والمحكم، أما الحكم فقوله: | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | **{ وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيّا }** [الرعد: 37] وأما الحكمة فقوله:**{ حِكْمَةٌ بَـٰلِغَةٌ }** [القمر: 5]**{ وَٱذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىٰ فِى بُيُوتِكُـنَّ مِنْ ءايَـٰتِ ٱللَّهِ وَٱلْحِكْــمَةِ }** [الأحزاب: 34] وأما الحكيم فقوله:**{ يس وَٱلْقُرْءانِ ٱلْحَكِيمِ }** [يۤس: 1- 2] وأما المحكم فقوله:**{ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءايَـٰتُهُ }** [هود: 1].معنى الحكمة: واختلفوا في معنى الحكمة، فقال الخليل: هو مأخوذ من الإحكام والإلزام، وقال المؤرخ: هو مأخوذ من حكمة اللجام لأنها تضبط الدابة، والحكمة تمنع من السفه. وتاسعها: الشفاء**{ وَنُنَزّلُ مِنَ ٱلْقُرْءانِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ }** [الإسراء: 82] وقوله: { وَشِفَاء لِمَا فِى ٱلصُّدُورِ } وفيه وجهان: أحدهما: أنه شفاء من الأمراض. والثاني: أنه شفاء من مرض الكفر، لأنه تعالى وصف الكفر والشك بالمرض، فقال:**{ فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ }** [البقرة: 10] وبالقرآن يزول كل شك عن القلب، فصح وصفه بأنه شفاء.كونه هدي وهادياً: وعاشرها: الهدى، والهادي: أما الهدى فلقوله:**{ هُدًى لّلْمُتَّقِينَ }** [البقرة: 2].**{ هُدًى لّلنَّاسِ }** [آل عمران: 4، الأنعام: 91].**{ وَشِفَاء لِمَا فِى ٱلصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ }** [يونس: 57] وأما الهادي**{ إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانَ يِهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ }** [الإسراء: 9] وقالت الجن:**{ إِنا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَبَاً يَهْدِى إِلَى ٱلرُّشْدِ }** [الجن: 1، 2]. الحادي عشر: الصراط المستقيم: قال ابن عباس في تفسيره: إنه القرآن، وقال: { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ }. والثاني عشر: الحبل:**{ وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً }** [آل عمران: 103] في التفسير: إنه القرآن، وإنما سمي به لأن المعتصم به في أمور دينه يتخلص به من عقوبة الآخرة ونكال الدنيا، كما أن المتمسك بالحبل ينجو من الغرق والمهالك، ومن ذلك سماه النبي صلى الله عليه وسلم عصمة فقال: **" إن هذا القرآن عصمة لمن اعتصم به "** لأنه يعصم الناس من المعاصي. الثالث عشر: الرحمة**{ وَنُنَزّلُ مِنَ ٱلْقُرْءانِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ }** [الإسراء: 88] وأي رحمة فوق التخليص من الجهالات والضلالات.تسميته بالروح: الرابع عشر: الروح**{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مّنْ أَمْرِنَا }** [الشورى: 52].**{ يُنَزّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ }** [النحل: 2] وإنما سمي به لأنه سبب لحياة الأرواح، وسمي جبريل بالروح**{ فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا }** [مريم: 17] وعيسى بالروح**{ أَلْقَـٰهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مّنْهُ }** [النساء: 171]. الخامس عشر: القصص**{ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَص }** [يوسف: 3] سمي به لأنه يجب اتباعه**{ وَقَالَتْ لأخْتِهِ قُصّيهِ }** [القصص: 11] أي اتبعي أثره أو لأن القرآن يتتبع قصص المتقدمين، ومنه قوله تعالى:**{ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْقَصَصُ ٱلْحَقُّ }** [آل عمران: 62]. السادس عشر: البيان، والتبيان، والمبين: أما البيان فقوله:**{ هَـٰذَا بَيَانٌ لّلنَّاسِ }** [آل عمران: 138] والتبيان فهو قوله:**{ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ تِبْيَانًا لّكُلّ شَىْء }** [النحل: 89] وأما المبين فقوله:**{ تِلْكَ ءايَاتُ ٱلْكِتَـٰبِ ٱلْمُبِينِ }** [يوسف: 1]. السابع عشر: البصائر**{ هَـٰذَا بَصَائِرُ مِن رَّبّكُمْ }** [الأعراف: 203] أي هي أدلة يبصر بها الحق تشبيهاً بالبصر الذي يرى طريق الخلاص. الثامن عشر: الفصل**{ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هوَ بِٱلْهَزْل }** [الطارق: 13- 14] واختلفوا فيه، فقيل معناه القضاء، لأن الله تعالى يقضي به بين الناس بالحق قيل لأنه يفصل بين الناس يوم القيامة فيهدي قوماً إلى الجنة ويسوق آخرين إلى النار، فمن جعله إمامه في الدنيا قاده إلى الجنة، ومن جعله وراءه ساقه إلى النار. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | تسميته بالنجوم: التاسع عشر: النجوم**{ فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوٰقِعِ ٱلنُّجُوم }** [الواقعة: 75]**{ وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ }** [النجم: 1] لأنه نزل نجماً نجماً. العشرون: المثاني:**{ مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ }** [الزمر: 23] قيل لأنه ثنى فيه القصص والأخبار.تسميه القرآن نعمة وبرهانا: الحادي والعشرون: النعمة:**{ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبّكَ فَحَدّثْ }** [الضحى: 11] قال ابن عباس يعني به القرآن. الثاني والعشرون: البرهان**{ قَدْ جَاءكُمْ بُرْهَانٌ مّن رَّبّكُمْ }** [النساء: 174] وكيف لا يكون برهاناً وقد عجزت الفصحاء عن أن يأتوا بمثله. الثالث والعشرون: البشير والنذير، وبهذا الاسم وقعت المشاركة بينه وبين الأنبياء قال تعالى في صفة الرسل:**{ مُبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ }** [النساء: 165- الأنعام: 48] وقال في صفة محمد صلى الله عليه وسلم:**{ إِنَّا أَرْسَلْنَـٰكَ شَاهِداً وَمُبَشّراً وَنَذِيراً }** [الفتح: 8] وقال في صفة القرآن في حۤم السجدة**{ بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ }** [فصلت: 4] يعني مبشراً بالجنة لمن أطاع وبالنار منذراً لمن عصى، ومن ههنا نذكر الأسماء المشتركة بين الله تعالى وبين القرآن.تسميته قيماً: الرابع والعشرون: القيم**{ قِيمَاً لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً }** [الكهف: 2] والدين أيضاً قيم**{ ذٰلِكَ ٱلدّينُ ٱلْقَيّمُ }** [التوبة: 36] والله سبحانه هو القيوم**{ ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَىُّ ٱلْقَيُّومُ }** [البقرة: 255- آل عمران: 2] وإنما سمي قيماً لأنه قائم بذاته في البيان والإفادة. الخامس والعشرون: المهيمن**{ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقّ مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ }** [المائدة: 48] وهو مأخوذ من الأمين، وإنما وصف به لأنه من تمسك بالقرآن أمن الضرر في الدنيا والآخرة، والرب المهيمن أنزل الكتاب المهيمن على النبي الأمين لأجل قوم هم أمناء الله تعالى على خلقه كما قال:**{ وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاس }** [البقرة: 143]. السادس والعشرون: الهادي**{ إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانَ يِهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ }** [الإسراء: 9] وقال:**{ يَهْدِى إِلَى ٱلرُّشْدِ }** [الجن: 2] والله تعالى هو الهادي لأنه جاء في الخبر «النور الهادي».تسميته نوراً: السابع والعشرون: النور**{ ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ }** [النور: 35] وفي القرآن**{ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِى أُنزِلَ مَعَهُ }** [الأعراف: 157] يعني القرآن وسمي الرسول نورا**{ قَدْ جَاءكُمْ مّنَ ٱللَّهِ نُورٌ وَكِتَـٰبٌ مُّبِين }** [المائدة: 15] يعني محمد وسمي دينه نوراً**{ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوٰهِهِمْ }** [الصف: 8] وسمي بيانه نوراً**{ أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلَـٰمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مّن رَّبّهِ }** [الزمر: 22] وسمي التوراة نوراً**{ إِنَّا أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ }** [المائدة: 44] وسمي الإنجيل نوراً**{ وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور }** [المائدة: 46] وسمي الإيمان نوراً**{ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِم }** [الحديد: 12]. الثامن والعشرون: الحق: ورد في الأسماء «الباعث الشهيد الحق» والقرآن حق**{ وَإِنَّهُ لَحَقُّ ٱلْيَقِين }** [الحاقة: 51] فسماه الله حقاً لأنه ضد الباطل فيزيل الباطل كما قال:**{ بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقّ عَلَى ٱلْبَـٰطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ }** [الأنبياء: 18] أي ذاهب زائل. التاسع والعشرون: العزيز**{ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }** [الشعراء: 9] وفي صفة القرآن**{ وَإِنَّهُ لَكِتَـٰبٌ عَزِيزٌ }** [فصلت: 41] والنبي عزيز**{ لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ }** [التوبة: 128] والأمة عزيزة | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | **{ وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ }** [المنافقون: 8] فرب عزيز أنزل كتاباً عزيزاً على نبي عزيز لأمة عزيزة، وللعزيز معنيان: أحدهما: القاهر، والقرآن كذلك لأنه هو الذي قهر الأعداء وامتنع على من أراد معارضته. والثاني: أن لا يوجد مثله.تسمية القرآن بالكريم: الثلاثون: الكريم**{ إِنَّهُ لَقُرْءانٌ كريم فِى كِتَـٰبٍ مَّكْنُون }** [الواقعة: 77] واعلم أنه تعالى سمى سبعة أشياء بالكريم**{ مَا غَرَّكَ بِرَبّكَ ٱلْكَرِيمِ }** [الانفطار: 6] إذ لا جواد إجود منه، والقرآن بالكريم، لأنه لا يستفاد من كتاب من الحكم والعلوم ما يستفاد منه، وسمى موسى كريماً**{ وَجَاءهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ }** [الدخان: 17] وسمي ثواب الأعمال كريماً**{ فَبَشّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ }** [يۤس: 11] وسمي عرشه كريماً**{ ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْكَرِيمِ }** [النمل: 26] لأنه منزل الرحمة، وسمى جبريل كريماً**{ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ }** [التكوير: 19] ومعناه أنه عزيز، وسمى كتاب سليمان كريماً**{ إِنّى أُلْقِىَ إِلَىَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ }** [النمل: 29] فهو كتاب كريم من رب كريم نزل به ملك كريم على نبي كريم لأجل أمة كريمة، فإذا تمسكوا به نالوا ثواباً كريماً.ومن أسمائه «العظيم»: الحادي والثلاثون: العظيم:**{ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَـٰكَ سَبْعًا مّنَ ٱلْمَثَانِي وَٱلْقُرْءَانَ ٱلْعَظِيم }** [الحجر: 87] اعلم أنه تعالى سمى نفسه عظيماً فقال:**{ وَهُوَ ٱلْعَلِىُّ ٱلْعَظِيم }** [البقرة: 255] وعرشه عظيما**{ وَهُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ }** [التوبة: 129] وكتابه عظيماً**{ والقرآن العظيم }** [الحجر: 87] ويوم القيامة عظيماً**{ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ }** [المطففين: 5 - 6] والزلزلة عظيم**{ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيم }** [القلم: 4] والعلم عظيماً**{ وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً }** [النساء: 113] وكيد النساء عظيماً**{ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ }** [يوسف: 28] وسحر سحرة فرعون عظيماً**{ وَجَاءو بِسِحْرٍ عَظِيمٍ }** [الأعراف: 116] وسمي نفس الثواب عظيما**{ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }** [الفتح: 29] وسمى عقاب المنافقين عظيماً**{ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ }** [البقرة: 7].ومنها المبارك: الثاني والثلاثون: المبارك:**{ وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَك }** [الأنبياء: 50] وسمى الله تعالى به أشياء، فسمي الموضع الذي كلم فيه موسى عليه السلام مباركاً**{ فِى ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ }** [القصص: 30] وسمى شجرة الزيتون مباركة**{ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ زَيْتُونَةٍ }** [التوبة: 35] لكثرة منافعها، وسمي عيسى مباركا**{ وَجَعَلَنِى مُبَارَكاً }** [مريم: 31] وسمى المطر مباركاً**{ وَنَزَّلْنَا مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء مُّبَـٰرَكاً }** [قۤ: 9] لما فيه من المنافع، وسمي ليلة القدر مباركة**{ إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ }** [الدخان: 3] فالقرآن ذكر مبارك أنزله ملك مبارك في ليلة مباركة على نبي مبارك لأمة مباركة.اتصال «ألم» بقوله «ذلك الكتاب»: المسألة الرابعة: في بيان اتصال قوله: { ألم } بقوله: { ذٰلِكَ ٱلْكِتَابُ } قال صاحب الكشاف: إن جعلت { ألم } اسماً للسورة ففي التأليف وجوه: الأول: أن يكون { ألم } مبتدأ و { ذٰلِكَ } مبتدأ ثانياً و { ٱلْكِتَـٰبِ } خبره والجملة خبر المبتدأ الأول، ومعناه أن ذلك هو الكتاب الكامل، كأن ما عداه من الكتب في مقابلته ناقص، وإنه الذي يستأهل أن يكون كتاباً كما تقول: هو الرجل، أي الكامل في الرجولية الجامع لما يكون في الرجال من مرضيات الخصال، وأن يكون الكتاب صفة، ومعناه هو ذلك الكتاب الموعود، وأن يكون { ألم } خبر مبتدأ محذوف أي هذه { ألم } وَيَكُونَ { ذٰلِكَ ٱلْكِتَابُ } خبراً ثانياً أو بدلاً على أن الكتاب صفة، ومعناه هو ذلك، وأن تكون هذه { الم } جملة و { ذٰلِكَ ٱلْكِتَابُ } جملة أخرى وإن جعلت { الم } بمنزلة الصوت كان { ذٰلِكَ } مبتدأ وخبره { ٱلْكِتَـٰبِ } أي ذلك الكتاب المنزل هو الكتاب الكامل، أو الكتاب صفة والخبر ما بعده أو قدر مبتدأ محذوف، أي هو يعني المؤلف من هذه الحروف ذلك الكتاب وقرأ عبد الله | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | **{ الم تَنزِيلُ ٱلْكِتَـٰبِ لاَ رَيْبَ فِيهِ }** [السجدة: 2] وتأليف هذا ظاهر.تفسير قوله تعالى: { لاَ رَيْبَ فِيهِ }: قوله تعالى: { لاَ رَيْبَ فِيهِ } فيه مسألتان: المسألة الأولى: الريب قريب من الشك،. وفيه زيادة، كأنه ظن سوء تقول رابني أمر فلان إذا ظننت به سوء، ومنها قوله عليه السلام: **" دع ما يريبك إلى ما لا يريبك "** فإن قيل: قد يستعمل الريب في قولهم: «ريب الدهر» و «ريب الزمان» أي حوادثه قال الله تعالى:**{ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ }** [الطور: 30] ويستعمل أيضاً في معنى ما يختلج في القلب من أسباب الغيظ كقول الشاعر | **قضينا من تهامة كل ريب** | | **وخيبر ثم أجمعنا السيوفا** | | --- | --- | --- | قلنا: هذان قد يرجعان إلى معنى الشك، لأن ما يخاف من ريب المنون محتمل، فهو كالمشكوك فيه، وكذلك ما اختلج بالقلب فهو غير متيقن، فقوله تعالى: { لاَ رَيْبَ فِيهِ } المراد منه نفي كونه مظنة للريب بوجه من الوجوه، والمقصود أنه لا شبهة في صحته، ولا في كونه من عند الله، ولا في كونه معجزاً. ولو قلت: المراد لا ريب في كونه معجزاً على الخصوص كان أقرب لتأكيد هذا التأويل بقوله:**{ وَإِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا }** [البقرة: 23] وها هنا سؤالان: السؤال الأول: طعن بعض الملحدة فيه فقال: إن عني أنه لا شك فيه عندنا فنحن قد نشك فيه، وإن عنى أنه لا شك فيه عنده فلا فائدة فيه. الجواب: المراد أنه بلغ في الوضوح إلى حيث لا ينبغي لمرتاب أن يرتاب فيه، والأمر كذلك لأن العرب مع بلوغهم في الفصاحة إلى النهاية عجزوا عن معارضة أقصر سورة من القرآن، وذلك يشهد بأنه بلغت هذه الحجة في الظهور إلى حيث لا يجوز للعاقل أن يرتاب فيه. السؤال الثاني: لم قال ههنا: { لاَ رَيْبَ فِيهِ } وفي موضع آخر**{ لاَ فِيهَا غَوْلٌ }** [الصافات: 47]؟ الجواب: لأنهم يقدمون الأهم فالأهم، وههنا الأهم نفي الريب بالكلية عن الكتاب، ولو قلت: لا فيه ريب لأوهم أن هناك كتاباً آخر حصل الريب فيه لا ها هنا، كما قصد في قوله: { لاَ فِيهَا غَوْلٌ } تفضيل خمر الجنة على خمور الدنيا، فإنها لا تغتال العقول كما تغتالها خمرة الدنيا السؤال الثالث: من أين يدل قوله: { لاَ رَيْبَ فِيهِ } على نفي الريب بالكلية؟ الجواب: قرأ أبو الشعثاء { لاَ رَيْبَ فِيهِ } بالرفع. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | واعلم أن القراءة المشهورة توجب ارتفاع الريب بالكلية، والدليل عليه أن قوله: { لاَ رَيْبَ } نفي لماهية الريب ونفي الماهية يقتضي نفي كل فرد من أفراد الماهية، لأنه لو ثبت فرد من أفراد الماهية لثبتت الماهية، وذلك يناقض نفي الماهية، ولهذا السر كان قولنا: «لا إله إلا الله» نفياً لجميع الآلهة سوى الله تعالى. وأما قولنا: «لا ريب فيه» بالرفع فهو نقيض لقولنا: «ريب فيه» وهو يفيد ثبوت فرد واحد، فذلك النفي يوجب انتفاء جميع الأفراد ليتحقق التناقض.الوقف على «فيه»: المسألة الثانية: الوقف على { فِيهِ } هو المشهور، وعن نافع وعاصم أنهما وقفا على { لاَ رَيْبَ } ولا بدّ للواقف من أن ينوي خبراً، ونظيره قوله:**{ قَالُواْ لاَ ضَيْرَ }** [الشعراء: 50] وقول العرب: لا بأس، وهي كثيرة في لسان أهل الحجاز والتقدير: { لاَ رَيْبَ فِيهِ } { فِيهِ هُدًى }. واعلم أن القراءة الأولى أولى لأن على القراءة الأولى يكون الكتاب نفسه هدى، وفي الثانية لا يكون الكتاب نفسه هدى بل يكون فيه هدى، والأول أولى لما تكرر في القرآن من أن القرآن نور وهدى والله أعلم.حقيقة الهدى: قوله تعالى: { هُدًى لّلْمُتَّقِينَ } فيه مسائل: المسألة الأولى: في حقيقة الهدى: الهدى عبارة عن الدلالة، وقال صاحب الكشاف: الهدى هو الدلالة الموصلة إلى البغية، وقال آخرون: الهدى هو الاهتداء والعلم. والذي يدل على صحة القول الأول وفساد القول الثاني والثالث أنه لو كان كون الدلالة موصلة إلى البغية معتبراً في مسمى الهدى لامتنع حصول الهدى عند عدم الاهتداء، لأن كون الدلالة موصلة إلى الاهتداء حال عدم الاهدتاء محال، لكنه غير ممتنع بدليل قوله تعالى:**{ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَـٰهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ }** [فصلت: 17] أثبت الهدى مع عدم الاهتداء، ولأنه يصح في لغة العرب أن يقال: هديته فلم يهتد، وذلك يدل على قولنا، واحتج صاحب الكشاف بأمور ثلاثة: أولها: وقوع الضلالة في مقابلة الهدى، قال تعالى:**{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَـٰلَةَ بِٱلْهُدَىٰ }** [البقرة: 16] وقال:**{ لَعَلَىٰ هُدًى أوفِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ }** [سبأ: 24] وثانيها: يقول مهدي في موضع المدح كمهتدي، فلو لم يكن من شرط الهدى كون الدلالة موصلة إلى البغية لم يكن الوصف بكونه مهدياً مدحاً لاحتمال أنه هدى فلم يهتد وثالثها: أن اهتدى مطاوع هدى يقال: هديته فاهتدى، كما يقال: كسرته فانكسر، وقطعته فانقطع فكما أن الإنكسار والانقطاع لا زمان للكسر والقطع، وجب أن يكون الاهتداء من لوازم الهدى. والجواب عن الأول: أن الفرق بين الهدى وبين الاهتداء معلوم بالضرورة، فمقابل الهدى هو الإضلال ومقابل الاهتداء هو الضلال، فجعل الهدى في مقابلة الضلال ممتنع، وعن الثاني: أن المنتفع بالهدى سمي مهدياً، وغير منتفع به لا يسمى مهدياً ولأن الوسيلة إذا لم تفض إلى المقصود كانت نازلة منزلة المعدوم. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | وعن الثالث: أن الائتمار مطاوع الأمر يقال: أمرته فائتمر، ولم يلزم منه أن يكون من شرط كونه آمراً حصول الائتمار، فكذا هذا لا يلزم من كونه هدى أن يكون مفضياً إلى الاهتداء، على أنه معارض بقوله: هديته فلم يهتد، ومما يدل على فساد قول من قال الهدى هو العلم خاصة أن الله تعالى وصف القرآن بأنه هدى ولا شك أنه في نفسه ليس بعلم، فدل على أن الهدى هو الدلالة لا الاهتداء والعلم.معنى المتقي: المسألة الثانية: المتقي في اللغة اسم فاعل من قولهم وقاه فاتقى، والوقاية فرط الصيانة، إذا عرفت هذا فنقول: إن الله تعالى ذكر المتقي ههنا في معرض المدح، ومن يكون كذلك أولى بأن يكون متقياً في أمور الدنيا، بل بأن يكون متقياً فيما يتصل بالدين، وذلك بأن يكون آتياً بالعبادات محترزاً عن المحظورات. واختلفوا في أنه هل يدخل اجتناب الصغائر في التقوى؟ فقال بعضهم: يدخل كما يدخل الصغائر في الوعيد، وقال آخرون: لا يدخل، ولا نزاع في وجوب التوبة عن الكل، إنما النزاع في أنه إذا لم يتوق الصغائر هل يستحق هذا الاسم؟ فروي عنه عليه السلام أنه قال: **" لا يبلغ العبد درجة المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً مما به البأس "** وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنهم الذين يحذرون من الله العقوبة في ترك ما يميل الهوى إليه، ويرجون رحمته بالتصديق بما جاء منه. واعلم أن التقوى هي الخشية، قال في أول النساء:**{ يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ }** [النساء: 1] ومثله في أول الحج، وفي الشعراء**{ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ }** [هود: 106] يعني ألا تخشون الله، وكذلك قال هود وصالح، ولوط، وشعيب لقومهم، وفي العنكبوت قال إبراهيم لقومه**{ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ }** [نوح: 3] يعني اخشوه، وكذا قوله:**{ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ }** [آل عمران: 102]**{ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ }** [البقرة: 197]**{ وَٱتَّقُواْ يَوْمًا لاَّ تَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا }** [البقرة: 48] واعلم أن حقيقة التقوى وإن كانت هي التي ذكرناها إلا أنها قد جاءت في القرآن، والغرض الأصلي منها الإيمان تارة، والتوبة أخرى، والطاعة ثالثة، وترك المعصية رابعاً: والإخلاص خامساً: أما الإيمان فقوله تعالى:**{ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ }** [الفتح: 26] أي التوحيد**{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمْتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ }** [الحجرات: 3] وفي الشعراء**{ قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ }** [الشعراء: 11] أي ألا يؤمنون وأما التوبة فقوله:**{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ }** [الأعراف: 96] أي تابوا، وأما الطاعة فقوله في النحل:**{ أَنْ أَنْذِرُواْ أَنَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلا أَنَاْ فَٱتَّقُونِ }** [النحل: 2] وفيه أيضاً:**{ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَتَّقُونَ }** [النحل: 52] وفي المؤمنين**{ وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ }** | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | [المؤمنون: 52] وأما ترك المعصية فقوله:**{ وَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوٰبِهَا وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ }** [البقرة: 189] أي فلا تعصوه، وأما الإخلاص فقوله في الحج:**{ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ }** [الحج: 32] أي من إخلاص القلوب، فكذا قوله:**{ وَإِيَّـٰىَ فَٱتَّقُونِ }** [البقرة: 41] واعلم أن مقام التقوى مقام شريف قال تعالى:**{ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ }** [النحل: 128] وقال:**{ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَـٰكُمْ }** [الحجرات: 13] وعن ابن عباس قال عليه السلام: **" من أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله، ومن أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله، ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق مما في يده "** وقال علي بن أبي طالب: التقوى ترك الإصرار عل المعصية، وترك الاغترار وبالطاعة. قال الحسن: التقوى أن لا تختار عل الله سوى الله، وتعلم أن الأمور كلها بيد الله. وقال إبراهيم بن أدهم: التقوى أن لا يجد الخلق في لسانك عيباً. ولا الملائكة في أفعالك عيباً ولا ملك العرش في سرك عيباً وقال الواقدي: التقوى أن تزين سرك للحق كما زينت ظاهرك للخلق، ويقال: التقوى أن لا يراك مولاك حيث نهاك، ويقال: المتقي من سلك سبيل المصطفى، ونبذ الدنيا وراء القفا، وكلف نفسه الإخلاص والوفا، واجتنب الحرام والجفا، ولو لم يكن للمتقي فضيلة إلا ما في قوله تعالى: { هُدًى لّلْمُتَّقِينَ } كفاه، لأنه تعالى بين أن القرآن هدى للناس في قوله:**{ شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِى أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لّلنَّاسِ }** [البقرة: 185] ثم قال ههنا في القرآن: إنه هدى للمتقين، فهذا يدل على أن المتقين هم كل الناس، فمن لا يكون متقياً كأنه ليس بإنسان. المسألة الثالثة: في السؤالات: السؤال الأول: كون الشيء هدى ودليلاً لا يختلف بحسب شخص دون شخص، فلماذا جعل القرآن هدى للمتقين فقط؟ وأيضاً فالمتقي مهتدي، والمهتدي لا يهتدي ثانياً والقرآن لا يكون هدى للمتقين. الجواب: القرآن كما أنه هدى للمتقين ودلالة لهم على وجود الصانع، وعلى دينه وصدق رسوله، فهو أيضاً دلالة للكافرين. إلا أن الله تعالى ذكر المتقين مدحاً ليبين أنهم هم الذين اهتدوا وانتفعوا به كما قال:**{ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَـٰهَا }** [النازعات: 45] وقال:**{ إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِكْرَ }** [يۤس: 11] وقد كان عليه السلام منذراً لكل الناس، فذكر هؤلاء الناس لأجل أن هؤلاء هم الذين انتفعوا بإنذاره. وأما من فسر الهدى بالدلالة الموصلة إلى المقصود فهذا السؤال زائل عنه، لأن كون القرآن موصلاً إلى المقصود ليس إلا في حق المتقين. السؤال الثاني: كيف وصف القرآن كله بأنه هدى وفيه مجمل ومتشابه كثير ولولا دلالة العقل لما تميز المحكم عن المتشابه، فيكون الهدى في الحقيقة هو الدلالة العقلية لا القرآن، ومن هذا نقل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال لابن عباس حين بعثه رسولاً إلى الخوارج. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | لا تحتج عليهم بالقرآن، فإنه خصم ذو وجهين، ولو كان هدى لما قال علي بن أبي طالب ذلك فيه ولأنا نرى جميع فرق الإسلام يحتجون به، ونرى القرآن مملوءاً من آيات بعضها صريح في الجبر وبعضها صريح في القدر، فلا يمكن التوفيق بينهما إلا بالتعسف الشديد، فكيف يكون هدى؟. الجواب: أن ذلك المتشابه والمجمل لما لم ينفك عما هو المراد على التعيين ـ وهو إما دلالة العقل أو دلالة السمع ـ صار كله هدى. السؤال الثالث: كل ما يتوقف صحة كون القرآن حجة على صحته لم يكن القرآن هدى فيه، فإذن استحال كون القرآن هدى في معرفة ذات الله تعالى وصفاته، وفي معرفة النبوة، ولا شك أن هذه المطالب أشرف المطالب، فإذا لم يكن القرآن هدى فيها فكيف جعله الله تعالى هدى على الإطلاق؟. الجواب: ليس من شرط كونه هدى أن يكون هدى في كل شيء، بل يكفي فيه أن يكون هدى في بعض الأشياء، وذلك بأن يكون هدى في تعريف الشرائع، أو يكون هدى في تأكيد ما في العقول، وهذه الآية من أقوى الدلائل على أن المطلق لا يقتضي العموم، فإن الله تعالى وصفه بكونه هدى من غير تقييد في اللفظ، مع أنه يستحيل أن يكون هدى في إثبات الصانع وصفاته وإثبات النبوة، فثبت أن المطلق لا يفيد العموم. السؤال الرابع: الهدى هو الذي بلغ في البيان والوضوح إلى حيث بين غيره، والقرآن ليس كذلك، فإن المفسرين ما يذكرون آية إلا وذكروا فيها أقوالاً كثيرة متعارضة، وما يكون كذلك لا يكون مبيناً في نفسه فضلاً عن أن يكون مبيناً لغيره، فكيف يكون هدى؟ قلنا: من تكلم في التفسير بحيث يورد الأقوال المتعارضة، ولا يرجح واحداً منها على الباقي يتوجه عليه هو هذا السؤال، وأما نحن فقد رجحنا واحداً على البواقي بالدليل فلا يتوجه علينا هذا السؤال. المسألة الرابعة: قال صاحب «الكشاف»: محل { هُدًى لّلْمُتَّقِينَ } الرفع لأنه خبر مبتدأ محذوف أو خبر مع { لاَ رَيْبَ فِيهِ } { لذلك } أو مبتدأ إذا جعل الظرف المتقدم خبراً عنه، ويجوز أن ينصب على الحال، والعامل فيه الإشارة، أو الظرف، والذي هو أرسخ عرقاً في البلاغة أن يضرب عن هذا المجال صفحاً، وأن يقال: إن قوله: { الم } جملة برأسها، أو طائفة من حروف المعجم مستقلة بنفسها، و { ذٰلِكَ ٱلْكِتَابُ } جملة ثانية، و { لاَ رَيْبَ فِيهِ } ثالثة و { هُدًى لّلْمُتَّقِينَ } رابعة وقد أصيب بترتيبها مفصل البلاغة وموجب حسن النظم، حيث جيء بها متناسقة هكذا من غير حرف نسق، وذلك لمجيئها متآخية آخذاً بعضها بعنق بعض، والثانية متحدة بالأولى وهلم جراً إلى الثالثة، والرابعة. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | 10 | 11 | 12 | | | --- | --- | --- | --- | بيانه: أنه نبه أولاً على أنه الكلام المتحدى به، ثم أشير إليه بأنه الكتاب المنعوت بغاية الكمال فكان تقرير الجهة التحدي، ثم نفى عنه أن يتشبث به طرف من الريب، فكان شهادة بكماله ثم أخبر عنه بأنه هدى للمتقين، فقرر بذلك كونه يقيناً لا يحوم الشك حوله، ثم لم يخل كل واحدة من هذه الأربع بعد أن رتبت هذا الترتيب الأنيق من نكتة، ففي الأولى الحذف والرمز إلى الغرض بألطف وجه، وفي الثانية ما في التعريف من الفخامة، وفي الثالثة ما في تقديم الريب على الظرف، وفي الرابعة الحذف ووضع المصدر ـ الذي هو هدى ـ موضع الوصف الذي هو هادٍ، وإيراده منكراً. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | 10 | 11 | 12 | | | --- | --- | --- | --- | | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | 10 | 11 | 12 | | | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ البَقَرَةِ
Medinan
الۤـمۤ
* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ)
ٱختلف أهل التأويل في الحروف التي في أوائل السور فقال عامر الشَّعْبيّ وسفيان الثَّوْرِيّ وجماعةٌ من المحدّثين: هي سِرّ الله في القرآن، ولله في كل كتاب مِن كُتُبه سِرٌّ. فهي من المتشابه الذي ٱنفرد الله تعالى بعلمه، ولا يجب أن يُتكلّم فيها، ولكن نؤمن بها ونقرأ كما جاءت. وروي هذا القول عن أبي بكر الصديق وعن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما. وذكر أبو اللّيث السَّمَرْقَنْدِيّ عن عمر وعثمان وٱبن مسعود أنهم قالوا: الحروف المقطّعة من المكتوم الذي لا يُفَسَّر. وقال أبو حاتم: لم نجد الحروف المقطّعة في القرآن إلا في أوائل السُّوَر، ولا ندري ما أراد الله جلّ وعزّ بها. قلت: ومن هذا المعنى ما ذكره أبو بكر الأنباري: حدّثنا الحسن بن الحُبَاب حدّثنا أبو بكر بن أبي طالب حدّثنا أبو المنذر الواسطي عن مالك بن مِغْوَل عن سعيد بن مسروق عن الربيع بن خُثيم قال: إن الله تعالى أنزل هذا القرآن فٱستأثر منه بعلم ما شاء، وأطلعكم على ما شاء، فأما ما ٱستأثر به لنفسه فلستم بنائليه فلا تسألوا عنه، وأما الذي أطلعكم عليه فهو الذي تسألون عنه وتخبرون به، وما بكل القرآن تعلمون، ولا بكل ما تعلمون تعملون. قال أبو بكر: فهذا يوضّح أن حروفاً من القرآن سُترت معانيها عن جميع العالَم، ٱختباراً من الله عزّ وجلّ وٱمتحاناً فمن آمن بها أثيب وسعد، ومن كفر وشكّ أثِم وبَعُد. حدّثنا أبو يوسف بن يعقوب القاضي حدّثنا محمد بن أبي بكر حدّثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن الأعمش عن عمارة عن حُرَيث بن ظُهَير عن عبد اللَّه قال: ما آمن مؤمن أفضل من إيمان بغيب ثم قرأ:**{ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ }** [البقرة: 3]. قلت: هذا القول في المتشابه وحكمه، وهو الصحيح على ما يأتي بيانه في " آل عمران " إن شاء الله تعالى. وقال جمع من العلماء كبير: بل يجب أن نتكلم فيها، ونلتمس الفوائد التي تحتها، والمعاني التي تتخرّج عليها وٱختلفوا في ذلك على أقوال عديدة فروي عن ٱبن عباس وعلي أيضاً: أن الحروف المقطعة في القرآن ٱسم الله الأعظم، إلا أنَّا لا نعرف تأليفه منها. وقال قُطْرُب والفرّاء وغيرهما: هي إشارة إلى حروف الهجاء أعلم الله بها العرب حين تحدّاهم بالقرآن أنه مؤتلف من حروف هي التي منها بناء كلامهم ليكون عجزهم عنه أبلغ في الحجة عليهم إذ لم يخرج عن كلامهم. قال قُطْرُب: كانوا ينفرون عند ٱستماع القرآن، فلما سمعوا: { الۤمۤ } و { الۤمۤص } ٱستنكروا هذا اللفظ، فلما أَنْصَتوا له صلى الله عليه وسلم أقبل عليهم بالقرآن المؤتلف ليثبته في أسماعهم وآذانهم، ويقيم الحجة عليهم. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | وقال قوم: روي أن المشركين لما أعرضوا عن سماع القرآن بمكة وقالوا:**{ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ }** [ فصلت: 26] نزلت ليستغربوها فيفتحون لها أسماعهم فيسمعون القرآن بعدها فتجب عليهم الحجة. وقال جماعة: هي حروف دالة على أسماء أخذت منها وحذفت بقيّتها كقول ٱبن عباس وغيره: الألف من الله، واللام من جبريل، والميم من محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: الألف مفتاح ٱسمه الله، واللام مفتاح ٱسمه لطيف، والميم مفتاح ٱسمه مجيد. وروى أبو الضُّحَى عن ٱبن عباس في قوله. { الۤمۤ } قال: أنا الله أعلم، { الۤرۤ } أنا الله أرى، { الۤمۤص } أنا الله أَفْصل. فالألف تؤدّي عن معنى أنا، واللام تؤدّي عن ٱسم الله، والميم تؤدّي عن معنى أعلم. وٱختار هذا القول الزجاج وقال: أذهب إلى أن كل حرف منها يؤدّي عن معنًى وقد تكلمت العرب بالحروف المقطعة نظماً لها ووضعاً بدل الكلمات التي الحروف منها، كقوله: | **فقلت لها قِفِي فقالت قاف** | | | | --- | --- | --- | أراد: قالت وقفت. وقال زهير: | **بالخير خيراتٍ وإن شراً فا** | | **ولا أريد الشر إلا أنْ تَا** | | --- | --- | --- | أراد: وإن شرًّا فشرٌّ. وأراد: إلا أن تشاء. وقال آخر: | **نادوهم أَلاَ ٱلجِمُو أَلاَتَا** | | **قالوا جميعاً كلهم أَلاَفَا** | | --- | --- | --- | أراد: ألا تركبون، قالوا: ألا فاركبوا. وفي الحديث: **" من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة "** قال شقيق: هو أن يقول في ٱقتل: أقْ كما قال عليه السلام: **" كفى بالسيف شا "** معناه: شافياً. وقال زيد بن أسلم: هي أسماء للسُّوَر. وقال الكلبي: هي أقسام أقسم الله تعالى بها لشرفها وفضلها، وهي من أسمائه عن ٱبن عباس أيضاً. وردّ بعض العلماء هذا القول فقال: لا يصح أن يكون قَسَماً لأن القسم معقود على حروف مثل: إنّ وقد ولقد وما ولم يوجد ها هنا حرف من هذه الحروف، فلا يجوز أن يكون يميناً. والجواب أن يقال: موضع القَسَم قوله تعالى: { لاَ رَيْبَ فِيهِ } فلو أن إنساناً حلف فقال: والله هذا الكتاب لاَ رَيْبَ فيه لكان الكلام سديداً، وتكون { لا } جواب القَسَم. فثبت أن قول الكلبي وما رُوي عن ٱبن عباس سديد صحيح. فإن قيل: ما الحكمة في القَسَم من الله تعالى، وكان القوم في ذلك الزمان على صنفين: مصدّق، ومكذّب فالمصدق يصدق بغير قَسَم، والمكذب لا يصدق مع القَسَم؟. قيل له: القرآن نزل بلغة العرب والعرب إذا أراد بعضهم أن يؤكد كلامه أقسم على كلامه والله تعالى أراد أن يؤكد عليهم الحجة فأقسم أن القرآن من عنده. وقال بعضهم: { الۤمۤ } أي أنزلت عليك هذا الكتاب من اللوح المحفوظ. وقال قتادة في قوله: { الۤمۤ } قال ٱسم من أسماء القرآن. وروي عن محمد بن عليّ الترمذي أنه قال: إن الله تعالى أوْدع جميع ما في تلك السورة من الأحكام والقصص في الحروف التي ذكرها في أوّل السورة، ولا يعرف ذلك إلا نبيّ أو وَلِيّ، ثم بيّن ذلك في جميع السورة ليفقّه الناس. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | وقيل غير هذا من الأقوال فالله أعلم. والوقف على هذه الحروف على السكون لنقصانها إلا إذا أخبرت عنها أو عطفتها فإنك تعربها. وٱختلف: هل لها محل من الإعراب؟ فقيل: لا لأنها ليست أسماء متمكنة، ولا أفعالا مضارعة وإنما هي بمنزلة حروف التهجّي فهي مَحْكيّة. هذا مذهب الخليل وسيبويه. ومن قال: إنها أسماء السُّوَر فموضعها عنده الرفع على أنها عنده خبر ٱبتداء مضمر أي هذه { الۤمۤ } كما تقول: هذه سورة البقرة. أو تكون رفعاً على الابتداء والخبر ذلك كما تقول: زيد ذلك الرجل. وقال ٱبن كَيْسان النحوي: { الۤمۤ } في موضع نصب كما تقول: ٱقرأ { الۤمۤ } أو عليك { الۤمۤ }. وقيل: في موضع خفض بالقسم لقول ٱبن عباس: إنها أقسام أقسم الله بها. قوله تعالى: { ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ } قيل: المعنى هذا الكتاب. و { ذلك } قد تستعمل في الإشارة إلى حاضر، وإن كان موضوعاً للإشارة إلى غائب كما قال تعالى في الإخبار عن نفسه جلّ وعزّ:**{ ذٰلِكَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }** [السجدة: 6] ومنه قول خُفَاف بن نُدْبة: | **أقول له والرّمحُ يأطِرُ مَتْنَه** | | **تأمّل خُفافا إنني أنا ذلكا** | | --- | --- | --- | أي أنا هذا. فـ { ـذلك } إشارة إلى القرآن، موضوع موضع هذا، تلخيصه: الۤمۤ هذا الكتاب لا ريب فيه. وهذا قول أبي عبيدة وعكرمة وغيرهما ومنه قوله تعالى:**{ وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ آتَيْنَاهَآ إِبْرَاهِيمَ }** [الأنعام: 83]**{ تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ }** [البقرة: 252] أي هذه لكنها لما ٱنقضت صارت كأنها بَعُدَت فقيل تلك. وفي البخاريّ «وقال معمر ذلك الكتاب: هذا القرآن». { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } بيان ودلالة كقوله:**{ ذَلِكُمْ حُكْمُ ٱللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ }** [الممتحنة: 10] هذا حكم الله. قلت: وقد جاء «هذا» بمعنى «ذلك» ومنه قوله عليه السلام في حديث أُمِّ حَرَام: **" يركبون ثَبَج هذا البحر "** أي ذلك البحر والله أعلم. وقيل: هو على بابه إشارة إلى غائب. وٱختلف في ذلك الغائب على أقوال عشرة فقيل: { ذلك الكتاب } أي الكتاب الذي كتبتُ على الخلائق بالسعادة وٱلشقاوة والأجل والرزق لا رَيْب فيه أي لا مبدِّل له. وقال: ذلك الكتاب أي الذي كتبتُ على نفسي في الأزل: **" أن رحمتي سبقت غضبي "** وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" لما قضى الله الخلق كتب في كتابه على نفسه فهو موضوع عنده أنّ رحمتي تغلب غضبي "** في رواية: **" سبقت "** وقيل: إن الله تعالى قد كان وعد نبيّه عليه السلام أن ينزل عليه كتاباً لا يمحوه الماء فأشار إلى ذلك الوعد كما في صحيح مسلم من حديث عياض بن حِمَار المجاشعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | **" إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب: وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتاباً لا يغسله الماء تقرؤه نائماً ويقظانَ "** الحديث. وقيل: الإشارة إلى ما قد نزل من القرآن بمكة. وقيل: إن الله تبارك وتعالى لما أنزل على نبيّه صلى الله عليه وسلم بمكة:**{ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً }** [المزمل: 5] لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مستشرفاً لإنجاز هذا الوعد من ربّه عزّ وجلّ فلما أنزل عليه بالمدينة: { الۤمۤ ذَٰلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ } كان فيه معنى هذا القرآن الذي أنزلته عليك بالمدينة، ذلك الكتاب الذي وعدتك أن أوحيه إليك بمكة. وقيل: إن { ذلك } إشارة إلى ما في التوراة والإنجيل. و { الۤمۤ } ٱسم للقرآن والتقدير هذا القرآن ذلك الكتاب المفسر في التوراة والإنجيل يعني أن التوراة والإنجيل يشهدان بصحته ويستغرق ما فيهما ويزيد عليهما ما ليس فيهما. وقيل: إن { ذلك الكتاب } إشارة إلى التوراة والإنجيل كليهما والمعنى: الۤمۤ ذانك الكتابان أو مثل ذَيْنِك الكتابين أي هذا القرآن جامع لما في ذَيْنِك الكتابين فعبّر بـ { ـذلك } عن الاثنين بشاهد من القرآن قال الله تبارك وتعالى:**{ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ }** [البقرة: 68] أي عَوان بين تَيْنك. الفارض والبكر وسيأتي. وقيل: إن { ذلك } إشارة إلى اللَّوْح المحفوظ. وقال الكسائي: { ذلك } إشارة إلى القرآن الذي في السماء لم ينزل بعدُ. وقيل: إن الله تعالى قد كان وعد أهل الكتاب أن ينزل على محمد صلى الله عليه وسلم كتاباً فالإشارة إلى ذلك الوعد. قال المبّرد: المعنى هذا القرآن ذلك الكتاب الذي كنتم تستفتحون به على الذين كفروا. وقيل: إلى حروف المعجم في قول من قال: «الم» الحروف التي تحدّيْتُكم بالنظم منها. والكتاب مصدر مِن كَتَب يَكْتُب إذا جمع ومنه قيل: كَتِيبة لاجتماعها. وتكتَّبت الخيل صارت كتائب. وكتبْتُ البغلةَ: إذا جمعتَ بين شُفْرَيْ رَحِمِها بحلْقة أو سَيْر قال: | **لا تأمَننَّ فَزارِيًّا حَلْلتَ به** | | **على قَلُوصك وٱكتُبْها بأسيار** | | --- | --- | --- | والكُتْبة بضم الكاف: الخُرْزَةُ، والجمع كُتَبٌ. والكَتْبُ: الخَرْز. قال ذو الرُّمة: | **وَفْرَاءَ غَرْفِيّةٍ أَثْأَى خَوارِزُها** | | **مُشَلْشِلٌ ضيّعتْه بينها الكُتَبُ** | | --- | --- | --- | والكتاب: هو خط الكاتب حروف المعجم مجموعة أو متفرقة وسُمّي كتاباً وإن كان مكتوباً كما قال الشاعر: | **تُؤمِّلُ رجْعةً منِّي وفيها** | | **كتابٌ مثلَ ما لصِق الغِرَاء** | | --- | --- | --- | والكتاب: الفَرْض والحُكم والقَدَر قال الجَعْدِيّ: | **يٱبنَة عمِّي كتاب الله أخرجني** | | **عنكم وهل أمنعنّ الله ما فعلا** | | --- | --- | --- | قوله تعالى: { لاَ رَيْبَ } نفي عام، ولذلك نُصب الريب به. وفي الرّيْب ثلاثة معان: أحدها: الشك قال عبد اللَّه بن الزِّبَعْرَى: | **ليس في الحق يا أُمَيْمَةُ ريْبٌ** | | **إنما الرَّيبُ ما يقول الجهول** | | --- | --- | --- | | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | وثانيها: التُّهَمَة قال جَمِيل: | **بُثَينةُ قالت يا جَميلُ أَرَبْتَنِي** | | **فقلت كلاَنا يابثين مُريب** | | --- | --- | --- | وثالثها: الحاجة قال: | **قضينا من تِهَامةَ كلَّ ريْب** | | **وخَيْبَرَ ثم أَجْمَعْنَا السيوفا** | | --- | --- | --- | فكتاب الله تعالى لا شك فيه ولا ٱرتياب والمعنى: أنه في ذاته حق وأنه منزل من عند الله، وصفة من صفاته، غير مخلوق ولا مُحْدَث، وإن وقع ريب للكفار. وقيل: هو خبر ومعناه النهي أي لا ترتابوا، وتم الكلام كأنه قال ذلك الكتاب حقاً. وتقول: رابني هذا الأمرُ إذا أدخل عليك شكاً وخوفًا. وأراب: صار ذا رِيبة فهو مُرِيب. ورابني أمره. ورِيَبُ الدهر: صروفه. قوله تعالى: { فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } فيه ست مسائل: الأولى: قوله تعالى: { فِيهِ } الهاء في { فيه } في موضع خفض بفي، وفيه خمسة أوجه أجودها: فيهِ هُدى. ويليه فيهُ هُدى بضم الهاء بغير واو وهي قراءة الزُّهْرِي وسلاَّم أبي المنذر. ويليه فِيهِي هُدى بإثبات الياء وهي قراءة ٱبن كثير. ويجوز فيهُو هُدى بالواو. ويجوز فيه هدى مدغماً وٱرتفع { هدى } على الابتداء والخبر { فيه }. والهُدَى في كلام العرب معناه الرشد والبيان أي فيه كشف لأهل المعرفة ورشدٌ وزيادةُ بيان وهُدًى. الثانية: الهُدَى هُديان: هُدَى دلالة، وهو الذي تقدر عليه الرسل وأتباعهم قال الله تعالى:**{ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ }** [الرعد:7]. وقال:**{ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }** [الشورى: 52] فأثبت لهم الهدى الذي معناه الدلالة والدعوة والتنبيه وتفرّد هو سبحانه بالهدى الذي معناه التأييد والتوفيق، فقال لنبيّه صلى الله عليه وسلم:**{ إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ }** [القصص:56] فالهدى على هذا يجيء بمعنى خلق الإيمان في القلب ومنه قوله تعالى:**{ أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ }** [البقرة: 5] وقوله: { وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ }. والْهُدَى: الاهتداء، ومعناه راجع إلى معنى الإرشاد كيفما تصرفت. قال أبو المعالي: وقد ترد الهداية والمراد بها إرشاد المؤمنين إلى مسالك الجنان والطرق المفضية إليها من ذلك قوله تعالى في صفة المجاهدين:**{ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ. سَيَهْدِيهِمْ }** [محمد: 4-5] ومنه قوله تعالى:**{ فَٱهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْجَحِيمِ }** [الصافات: 23] معناه فٱسلكوهم إليها. الثالثة: الهدى لفظ مؤنّث. قال الفرّاء: بعض بني أسد تؤنّث الهدى فتقول: هذه هُدَى حسنة. وقال اللّحياني: هو مذكّر ولم يعرب لأنه مقصور والألف لا تتحرّك، ويتعدّى بحرف وبغير حرف وقد مضى في «الفاتحة»، تقول: هدَيْتُه الطريق وإلى الطريق، والدارَ وإلى الدار أي عرّفته. الأولى: لغة أهل الحجاز، والثانية: حكاها الأخفش. وفي التنزيل: { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } و**{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا }** [الأعراف: 43]. وقيل: إن الهُدَى ٱسم من أسماء النهار لأن الناس يهتدون فيه لمعايشهم وجميع مآربهم ومنه قول ٱبن مُقْبِل: | **حتى ٱستبَنْتُ الهُدَى والبِيدُ هاجمةٌ** | | **يَخشعْنَ في الآل غُلْفاً أو يُصلِّينا** | | --- | --- | --- | الرابعة: قوله تعالى: { لِّلْمُتَّقِينَ } خصّ الله تعالى المتقين بهدايته وإن كان هدى للخلق أجمعين تشريفاً لهم لأنهم آمنوا وصدّقوا بما فيه. وروي عن أبي رَوْقٍ أنه قال: { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } أي كرامة لهم يعني إنما أضاف إليهم إجلالاً لهم وكرامةً لهم وبياناً لفضلهم. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | وأصل { للمتقين }: للموتقيين بياءين مخففتين، حذفت الكسرة من الياء الأولى لثقلها ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين وأبدلت الواو تاء على أصلهم في ٱجتماع الواو والتاء وادغمت التاء في التاء فصار للمتقين. الخامسة: التقوى يقال: أصلها في اللغة قلّة الكلام حكاه ٱبن فارس. قلت: ومنه الحديث: **" التَّقِيُّ مُلْجَم والمتَّقِي فوق المؤمن والطائع "** وهو الذي يتقي بصالح عمله وخالص دعائه عذاب الله تعالى، مأخوذ من ٱتقاء المكروه بما تجعله حاجزاً بينك وبينه كما قال النابغة: | **سقط النَّصِيفُ ولم ترد إسقاطه** | | **فتناولته وٱتقّتنا باليد** | | --- | --- | --- | وقال آخر: | **فألقت قناعاً دونه الشمس وٱتّقت** | | **بأحسن موصولين كَفٍّ ومِعصمِ** | | --- | --- | --- | وخرّج أبو محمد عبد الغني الحافظ من حديث سعيد بن زَرْبِي أبي عبيدة عن عاصم بن بَهْدَلَة عن زِرِّ بن حُبيش عن ٱبن مسعود قال: قال يوماً لابن أخيه: يٱبن أخي ترى الناس ما أكثرهم؟ قال: نعم قال: لا خير فيهم إلا تائب أو تقي. ثم قال: يٱبن أخي ترى الناس ما أكثرهم؟ قلت: بلى قال: لا خير فيهم إلا عالم أو متعلم. وقال أبو يزيد البِسْطامي: المتّقي من إذا قال: قال الله، ومن إذا عمل عمل الله. وقال أبو سليمان الدّاراني: المتقون الذين نزع الله عن قلوبهم حبّ الشهوات. وقيل: المتقي الذي ٱتقى الشرك وبرىء من النفاق. قال ٱبن عطية: وهذا فاسد لأنه قد يكون كذلك وهو فاسق. وسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أُبَيّاً عن التقوى فقال: هل أخذت طريقاً ذا شوك؟ قال: نعم، قال: فما عملت فيه؟ قال: تشمَّرت وحذرت قال: فذاك التقوى. وأخذ هذا المعنى ٱبن المُعْتَزّ فنَظمه: | **خَلِّ الذنوب صغيرها** | | **وكبيرها ذاك التّقى** | | --- | --- | --- | | **وٱصنع كماشٍ فوق أر** | | **ض الشوك يحذر ما يرى** | | **لا تحقرنّ صغيرة** | | **إن الجبال من الحصى** | السادسة: التقوى فيها جماع الخير كله، وهي وصية الله في الأوّلين والآخرين، وهي خير ما يستفيده الإنسان كما قال أبو الدرداء وقد قيل له: إن أصحابك يقولون الشِّعر وأنت ما حُفظ عنك شيء فقال: | **يريد المرء أن يُؤْتَى مُنَاه** | | **ويأبى الله إلا ما أرادا** | | --- | --- | --- | | **يقول المرء فائدتي ومالي** | | **وتقوى الله أفضل ما ٱستفادا** | وروى ٱبن ماجه في سننه عن أبي أُمامة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: **" ما ٱستفاد المؤمن بعد تقوى الله خيراً له من زوجة صالحة إن أمرها أطاعته وإن نظر إليها سَرّته، وإن أقسم عليها أبَرَّ ته وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله "** والأصل في التقوى: وَقْوَى على وزن فَعْلى فقلبت الواو تاء من وَقَيْته أقيه أي منعته ورجلٌ تقيّ أي خائف، أصله وقى وكذلك تقاة كانت في الأصل وقاة كما قالوا: تُجاه وتُراث، والأصل وُجاه ووُراث. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ البَقَرَةِ
Medinan
ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ
* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ)
{ ذٰلِكَ ٱلْكِتَابُ } ذلك إشارة إلى { الۤمۤ } إن أول بالمؤلف من هذه الحروف أو فسر بالسورة أو القرآن فإنه لما تكلم به وتقضى، أو وصل من المرسل إلى المرسل إليه صار متباعداً أشير إليه بما يشار به إلى البعيد وتذكيره، متى أريد بـ { الم } السورة لتذكير الكتاب فإنه خبره أو صفته الذي هو هو، أو إلى الكتاب فيكون صفته والمراد به الكتاب الموعود إنزاله بنحو قوله تعالى:**{ إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً }** [المزمل: 5] أو في الكتب المتقدمة. وهو مصدر سمي به المفعول للمبالغة. وقيل فعال بمعنى المفعول كاللباس، ثم أطلق على المنظوم عبارة قبل أن يكتب لأنه مما يكتب. وأصل الكتب الجمع ومنه الكتيبة. { لاَ رَيْبَ فِيهِ } معناه أنه لوضوحه وسطوع برهانه بحيث لا يرتاب العاقل بعد النظر الصحيح في كونه وحياً بالغاً حد الإعجاز، لا أن أحداً لا يرتاب فيه، ألا ترى إلى قوله تعالى:**{ وَإِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا }** [البقرة: 23]. الآية فإنه ما أبعد عنهم الريب بل عرفهم الطريق المُريح له، وهو أن يجتهدوا في معارضة نجم من نجومه ويبذلوا فيها غاية جهدهم حتى إذا عجزوا عنها تحقق لهم أن ليس فيه مجال للشبهة ولا مدخل للريبة. وقيل: معناه لا ريب فيه للمتقين. وهدى حال من الضمير المجرور، والعامل فيه الظرف الواقع صفة للمنفي. والريب في الأصل مصدر رابني الشيء إذا حصل فيك الريبة، وهي قلق النفس واضطرابها، سمي به الشك لأنه يقلق النفس ويزيل الطمأنينة. وفي الحديث **" دع ما يريبك إلى ما لا يريبك "** فإن الشك ريبة والصدق طمأنينة، ومنه ريب الزمان لنوائبه. { هُدًى لّلْمُتَّقِينَ } يهديهم إلى الحق، والهدى في الأصل كالسرى والتقى ومعناه الدلالة. وقيل: الدلالة الموصلة إلى البغية لأنه جعل مقابل الضلالة في قوله تعالى:**{ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ }** [سبأ: 24] ولأنه لا يقال مهدي إلا لمن اهتدى إلى المطلوب. واختصاصه بالمتقين لأنهم المهتدون به والمنتفعون بنصه، وإن كانت دلالته عامة لكل ناظر من مسلم أو كافر وبهذا الاعتبار قال تعالى:**{ هُدًى لّلنَّاسِ }** [البقرة: 185] أو لأنه لا ينتفع بالتأمل فيه إلا من صقل العقل واستعمله في تدبر الآيات والنظر في المعجزات، وتعرف النبوات، لأنه كالغذاء الصالح لحفظ الصحة فإنه لا يجلب نفعاً ما لم تكن الصحة حاصلة، وإليه أشار بقوله تعالى:**{ وَنُنَزّلُ مِنَ ٱلْقُرْءانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّـٰلِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا }** [الإسراء: 82] ولا يقدح ما فيه من المجمل والمتشابه في كونه هدى لما لم ينفك عن بيان يعين المراد منه. والمتقي اسم فاعل من قولهم وقاه فاتقى. والوقاية: فرط الصيانة. وهو في عرف الشرع اسم لمن يقي نفسه مما يضره في الآخرة، وله ثلاث مراتب: الأولى: التوقي من العذاب المخلد بالتبري من الشرك وعليه قوله تعالى: | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | | | --- | --- | --- | --- | **{ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ }** [الفتح: 26] الثانية: التجنب عن كل ما يؤثم من فعل أو ترك حتى الصغائر عند قوم وهو المتعارف باسم التقوى في الشرع، وهو المعنى بقوله تعالى:**{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ }** [الأعراف: 96] الثالثة: أن يتنزه عما يشغل سره عن الحق ويتبتل إليه بشراشره وهو التقوى الحقيقي المطلوب بقوله تعالى:**{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ }** [آل عمران: 102] وقد فسر قوله: { هُدًى لّلْمُتَّقِينَ } ههنا على الأوجه الثلاثة. واعلم أن الآية تحتمل أوجهاً من الإعراب: أن يكون { الۤمۤ } مبتدأ على أنه اسم للقرآن. أو السورة. أو مقدر بالمؤلف منها، وذلك خبره وإن كان أخص من المؤلف مطلقاً، والأصل أن الأخص لا يحمل على الأعم لأن المراد به المؤلف الكامل في تأليفه البالغ أقصى درجات الفصاحة ومراتب البلاغة والكتاب صفة ذلك. وأن يكون { الۤمۤ } خبر مبتدأ محذوف وذلك خبراً ثانياً. أو بدلاً والكتاب صفته، و { لاَ رَيْب } في المشهورة مبني لتضمنه معنى من منصوب المحل على أنه اسم لا النافية للجنس العاملة عمل إنَّ، لأنها تقتضيها ولازمة للأسماء لزومها. وفي قراءة أبي الشعثاء مرفوع بلا التي بمعنى ليس وفيه خبره ولم يقدم كما قدم في قوله تعالى:**{ لا فِيهَا غَوْلٌ }** [الصافات: 47] لأنه لم يقصد تخصيص نفي الريب به من بين سائر الكتب كما قصد ثمة، أو صفته وللمتقين خبره. وهدى نصب على الحال، أو الخبر محذوف كما في { لا } ، ضمير. فلذلك وقف على { لاَ رَيْبَ } ، على أن فيه خبر هدى قدم عليه لتنكيره والتقدير: لا ريب فيه، فيه هدى، وأن يكون ذلك مبتدأ و { ٱلْكِتَـٰبِ } خبره على معنى: أنه الكتاب الكامل الذي يستأهل أن يسمى كتاباً، أو صفته وما بعده خبره والجملة خبر { الۤمۤ } والأولى أن يقال إنها جمل متناسقة تقرر اللاحقة منها السابقة ولذلك لم يدخل العاطف بينهما. فـ { الۤمۤ } ، جملة دلت على أن المتحدى به هو المؤلف من جنس ما يركبون منه كلامهم، وذلك الكتاب جملة ثانية مقررة لجهة التحدي، و { لاَ رَيْبَ فِيهِ } ، جملة ثالثة تشهد على كماله بأن الكتاب المنعوت بغاية الكمال إذ لا كمال أعلى مما للحق واليقين. و { هُدًى لّلْمُتَّقِينَ } ، بما يقدر له مبتدأ جملة رابعة تؤكد كونه حقاً لا يحوم الشك حوله بأنه { هُدًى لّلْمُتَّقِينَ } ، أو تستتبع السابقة منها اللاحقة استتباع الدليل للمدلول، وبيانه أنه لما نبه أولاً على إعجاز المتحدى به من حيث إنه من جنس كلامهم وقد عجزوا عن معارضته، استنتج منه أنه الكتاب البالغ حد الكمال واستلزم ذلك أن لا يتشبث الريب بأطرافه إذ لا أنقص مما يعتريه الشك والشبهة، وما كان كذلك كان لا محالة { هُدًى لّلْمُتَّقِينَ } ، وفي كل واحدة منها نكتة ذات جزالة ففي الأولى الحذف والرمز إلى المقصود مع التعليل، وفي الثانية فخامة التعريف، وفي الثالثة تأخير الظرف حذراً عن إيهام الباطل، وفي الرابعة الحذف والتوصيف بالمصدر للمبالغة وإيراده منكراً للتعظيم وتخصيص الهُدى بالمتقين باعتبار الغاية تسمية المشارف للتقوى متقياً إيجازاً وتفخيماً لشأنه. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | | | --- | --- | --- | --- | | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | | | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ البَقَرَةِ
Medinan
ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ
* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ)
قال ابن جريج قال ابن عباس ذلك الكتاب، أي هذا الكتاب. وكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والسدي ومقاتل بن حيان وزيد بن أسلم وابن جريج أن ذلك بمعنى هذا، والعرب تعارض بين هذين الاسمين من أسماء الإشارة، فيستعملون كلاً منهما مكان الآخر، وهذا معروف في كلامهم، وقد حكاه البخاري عن معمر بن المثنى عن أبي عبيدة. وقال الزمخشري ذلك إشارة إلى**{ الۤمۤ }** البقرة 1 كما قال تعالى**{ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ }** البقرة 68 وقال تعالى**{ ذَلِكُمْ حُكْمُ ٱللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ }** الممتحنة 10 وقال**{ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ }** يونس 3 وأمثال ذلك مما أشير به إلى ما تقدم ذكره، والله أعلم. وقد ذهب بعض المفسرين فيما حكاه القرطبي وغيره أن ذلك إشارة إلى القرآن الذي وعد الرسول صلى الله عليه وسلم بإنزاله عليه، أو التوراة، أو الإنجيل، أو نحو ذلك، في أقوال عشرة. وقد ضعف هذا المذهب كثيرون والله أعلم. والكتاب القرآن. ومن قال إن المراد بذلك الكتاب الإشارة إلى التوراة والإنجيل كما حكاه ابن جرير وغيره، فقد أبعد النجعة، وأغرق في النزع، وتكلف ما لا علم له به. والريب الشك. قال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرّة الهمداني عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم { لاَ رَيْبَ فِيهِ } لا شك فيه. وقال أبو الدرداء وابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبو مالك ونافع مولى ابن عمر وعطاء وأبو العالية والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان والسدي وقتادة وإسماعيل بن أبي خالد. وقال ابن أبي حاتم لا أعلم في هذه خلافاً. وقد يستعمل الريب في التهمة، قال جميل | **بُثَيْنَةُ قالَتْ يا جميلُ أَرَبْتَنِي فقلْتُ كِلانا يا بُثَيْنَ مُرِيبُ** | | | | --- | --- | --- | واستعمل أيضاً في الحاجة كما قال بعضهم | **قَضَيْنا مِنْ تِهامَةَ كُلَّ رَيْبٍ وخَيْبَرَ ثُمَّ أَجْمعْنا السُّيوفا** | | | | --- | --- | --- | ومعنى الكلام هنا أن هذا الكتاب هو القرآن لا شك فيه أنه نزل من عند الله كما قال تعالى في السجدة 1-2**{ الۤـمۤ تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ }** وقال بعضهم هذا خبر ومعناه النهي أي لا ترتابوا فيه. ومن القراء من يقف على قوله تعالى { لاَ رَيْبَ } ويبتدىء بقوله تعالى { فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } والوقف على قوله تعالى { لاَ رَيْبَ فِيهِ } أولى للآية التي ذكرناها ولأنه يصير قوله تعالى { هُدىً } صفة للقرآن وذلك أبلغ من كونه فيه هدى. وهدى يحتمل من حيث العربية أن يكون مرفوعاً على النعت ومنصوباً على الحال وخصت الهداية للمتقين كما قال**{ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِىۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَـٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ }** | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | | | --- | --- | --- | --- | --- | فصلت 44**{ وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّـٰلِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا }** الإسراء 82 إلى غير ذلك من الآيات الدالة على اختصاص المؤمنين بالنفع بالقرآن لأنه هو في نفسه هدى، ولكن لا يناله إلا الأبرار كما قال تعالى**{ يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مَّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِى ٱلصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ }** يونس 57 وقد قال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرّة الهمداني عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } يعني نوراً للمتقين. وقال أبو روق عن الضحاك عن ابن عباس قال هدى للمتقين، قال هم المؤمنون الذين يتقون الشرك بي، ويعملون بطاعتي. وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس { لِلْمُتَّقِينَ } قال الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى، ويرجون رحمته في التصديق بما جاء به. وقال سفيان الثوري عن رجل عن الحسن البصري قوله تعالى للمتقين، قال اتقوا ما حرم الله عليهم، وأدّوا ما افترض عليهم. وقال أبو بكر بن عياش سألني الأعمش عن المتقين، قال فأجبته، فقال لي سل عنها الكلبي، فسألته، فقال الذين يجتنبون كبائر الإثم. قال فرجعت إلى الأعمش، فقال يرى أنه كذلك، ولم ينكره. وقال قتادة للمتقين، هم الذين نعتهم الله بقوله**{ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلوٰةَ }** البقرة 3 الآية والتي بعدها، واختيار ابن جرير أن الآية تعم ذلك كله، وهو كما قال. وقد روى الترمذي وابن ماجه من رواية أبي عقيل عبد الله بن عقيل عن عبد الله بن يزيد عن ربيعة بن يزيد وعطية بن قيس عن عطية السعدي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم **" لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع مالا بأس به حذراً مما به بأس "** ثم قال الترمذي حسن غريب. وقال ابن أبي حاتم حدّثنا أبي حدّثنا عبد الله بن عمران عن إسحاق بن سليمان يعني الرازي عن المغيرة بن مسلم عن ميمون أبي حمزة قال كنت جالساً عند أبي وائل، فدخل علينا رجل يقال له أبو عفيف من أصحاب معاذ، فقال له شقيق بن سلمة يا أبا عفيف ألا تحدّثنا عن معاذ بن جبل؟ قال بلى، سمعته يقول يحبس الناس يوم القيامة في بقيع واحد، فينادي مناد أين المتقون؟ فيقومون في كنف من الرحمن، لا يحتجب الله منهم ولا يستتر. قلت من المتقون؟ قال قوم اتقوا الشرك وعبادة الأوثان، وأخلصوا لله العبادة، فيمرون إلى الجنة. ويطلق الهدى ويراد به ما يقرّ في القلب من الإيمان، وهذا لا يقدر على خلقه في قلوب العباد إلا الله عز وجل، قال الله تعالى | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | | | --- | --- | --- | --- | --- | **{ إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ }** القصص 56 وقال**{ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ }** البقرة 272 وقال**{ مَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ }** الأعراف 186 وقال**{ مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا }** الكهف 17 إلى غير ذلك من الآيات. ويطلق ويراد به بيان الحق وتوضيحه، والدلالة عليه والإرشاد إليه، قال الله تعالى**{ وَإِنَّكَ لَتَهْدِىۤ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ }** الشورى 52 وقال**{ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ }** الرعد 7 وقال تعالى**{ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَـٰهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ }** فصلت 17 وقال**{ وَهَدَيْنَـٰهُ ٱلنَّجْدَينِ }** البلد 10 على تفسير من قال المراد بهما الخير والشر، وهو الأرجح، والله أعلم. وأصل التقوى التوقي مما يكره لأن أصلها وقوى من الوقاية. قال النابغة | **سَقَطَ النَّصِيفُ ولَمْ تُرِدْ إِسْقاطَهُ فَتَناوَلَتْهُ وَاتَّقَتْنا بِاليَدِ** | | | | --- | --- | --- | وقال الآخر | **فَأَلْقَتْ قِناعاً دونَهُ الشَّمْسُ واتَّقَتْ بِأَحْسَنِ مَوْصُولَيْنِ كَفَ وَمِعْصَمِ** | | | | --- | --- | --- | وقد قيل إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبي بن كعب عن التقوى، فقال له أما سلكت طريقاً ذا شوك؟ قال بلى، قال فما عملت؟ قال شمرت، واجتهدت، قال فذلك التقوى. وقد أخذ هذا المعنى ابن المعتز فقال | **خَل الذُّنُوبَ صَغِيْرها وكَبِيْرَها ذاك التُّقَى واصْنَعْ كَماشٍ فَوْقَ أر ضِ الشَّوْكِ يَحْذَرُ ما يَرَى لا تَحْقِرَنَّ صغيرةً إِنّ الجِبالَ مِنَ الحَصَى** | | | | --- | --- | --- | وأنشد أبو الدرداء يوماً | **يريدُ المرءُ أَنْ يُؤْتَى مُناهُ ويَأْبى اللّهُ إِلاَّ ما أَرادا يقولُ المَرْءُ فائِدَتي ومَالِي وتَقْوَى اللّهِ أَفْضَلُ ما اسْتَفادا** | | | | --- | --- | --- | وفي سنن ابن ماجه عن أبي أمامة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم **" ما استفاد المرء بعد تقوى الله خيراً من زوجة صالحة، إن نظر إليها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله ".** | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | | | --- | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ البَقَرَةِ
Medinan
ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ
* تفسير تفسير الجلالين/ المحلي و السيوطي (ت المحلي 864 هـ)
{ ذٰلِكَ } أي هذا { ٱلْكِتَٰبُ } الذي يقرؤه محمد { لاَ رَيْبَ } لا شك { فِيهِ } أنه من عند الله وجملة النفي خبر مبتدؤه ذلك والإشارة به للتعظيم { هُدًى } خبر ثانٍ أي هاد { لّلْمُتَّقِينَ } الصائرين إلى التقوى بامتثال الأوامر واجتناب النواهي لاتقائهم بذلك النار. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ البَقَرَةِ
Medinan
ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ
* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ)
الإشارة بقوله { ذلك } إلى الكتاب المذكور بعده.قال ابن جرير قال ابن عباس { ذلك الكتاب } هذا الكتاب وبه قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والسدي ومقاتل وزيد بن أسلم وابن جريج، وحكاه البخاري عن أبي عبيدة. والعرب قد تستعمل الإشارة إلى البعيد الغائب مكان الإشارة إلى القريب الحاضر كما قال خفاف | **أقول له والرمحُ يأطر مَتنهُ تأمل خِفافاً أنني أنا ذلِكا** | | | | --- | --- | --- | أي أنا هذا، ومنه قوله تعالى**{ ذٰلِكَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }** السجدة 6**{ وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ آتَيْنَاهَآ إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ }** الأنعام 83 ــ**{ تِلْكَ آيَـٰتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ }** البقرة 252، وآل عمران 108، والجاثية 6**{ ذَلِكُمْ حُكْمُ ٱللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ }** الممتحنة 10 وقيل إن الإشارة إلى غائب، واختلف في ذلك الغائب، فقيل هو الكتاب الذي كتب على الخلائق بالسعادة والشقاوة، والأجل والرزق { لاَ رَيْبَ فِيهِ } أي لا مبدل له، وقيل ذلك الكتاب الذي كتبه الله على نفسه في الأزل أن رحمته سبقت غضبه، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم **" لما قضى الله الخلق كتب في كتاب على نفسه، فهو موضوع عنده إن رحمتي تغلب غضبي "** وفي رواية «سبقت». وقيل الإشارة إلى ما قد نزل بمكة، وقيل إلى ما في التوراة والإنجيل، وقيل إشارة إلى قوله قبله { آلم } ، ورجحه الزمخشري، وقد وقع الاختلاف في ذلك إلى تمام عشرة أقوال حسبما حكاه القرطبي وأرجحها ما صدَّرناه، واسم الإشارة مبتدأ، و { الكتاب } صفته، والخبر { لا ريب فيه } ، ومن جوّز الابتداء بـ { آلم } جعل { ذلك } مبتدأ ثانياً، وخبره { الكتاب } أو هو صفته، والخبر { لا ريب فيه } ، والجملة خبر المبتدأ. ويجوز أن يكون المبتدأ مقدّراً، وخبره { آلم } ، وما بعده. والريب مصدر، وهو قلق النفس واضطرابها، وقيل إن الريب الشك. قال ابن أبي حاتم لا أعلم في هذا خلافاً. وقد يستعمل الريب في التهمة والحاجة، حكى ذلك القرطبي. ومعنى هذا النفي العام، أن الكتاب ليس بمظنة للريب لوضوح دلالته وضوحاً يقوم مقام البرهان المقتضى لكونه لا ينبغي الارتياب فيه بوجه من الوجوه، والوقف على { فيه } هو المشهور. وقد روي عن نافع وعاصم الوقف على { لاَ رَيْبَ } ، قال في الكشاف ولا بدّ للواقف من أن ينوي خبراً، ونظيره قوله تعالى**{ قَالُواْ لاَ ضَيْرَ }** الشعراء 50 وقول العرب لا بأس، وهي كثيرة في لسان أهل الحجاز، والتقدير لا ريب فيه فيه هدى. والهدى مصدر. قال الزمخشري وهو الدلالة الموصلة إلى البغية بدليل وقوع الضلال في مقابلته انتهى. ومحله الرفع على الابتداء وخبره الظرف المذكور قبله على ما سبق. قال القرطبي الهدى هديان هدى دلالة وهو الذي يقدر عليه الرسل وأتباعهم، قال الله تعالى | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | | | --- | --- | --- | --- | **{ وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ }** الرعد 7 وقال**{ وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ }** الشورى 52 فأثبت لهم الهدى الذي معناه الدلالة والدعوة والتنبيه، وتفرد سبحانه بالهدى الذي معناه التأييد والتوفيق، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم**{ إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ }** القصص 56 فالهدى على هذا يجيء بمعنى خلق الإيمان في القلب، ومنه قوله تعالى ــ**{ أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مّن رَّبّهِمْ }** البقرة 5 وقوله**{ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَاء }** القصص 56 انتهى. والمتقين من ثبتت لهم التقوى. قال ابن فارس وأصلها في اللغة قلة الكلام. وقال في الكشاف المتقي في اللغة اسم فاعل من قولهم وقاه فاتقى، والوقاية الصيانة، ومنه فرس واقٍ، وهذه الدابة تقي من وجاورها إذا أصابها ضلع من غلظ الأرض ورقة الحافر، فهو يقي حافره أن يصيبه أدنى شيء يؤلمه. وهو في الشريعة الذي يقي نفسه تعاطى ما يستحق به العقوبة من فعل أو ترك. انتهى. وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه عن ابن مسعود أن { الكتاب } القرآن، { لا ريب فيه } لا شك فيه. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { لا ريب فيه } قال لا شك فيه. وأخرج أحمد في الزهد، وابن أبي حاتم، عن أبي الدرداء قال الريب الشك. وأخرج عبد ابن حميد عن قتادة مثله، وكذا ابن جرير عن مجاهد. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله { هُدًى لّلْمُتَّقِينَ } قال نور للمتقين، وهم المؤمنون. وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله { هُدًى لّلْمُتَّقِينَ } أي الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى ويرجون رحمته في التصديق بما جاء منه، وأخرج ابن أبي حاتم عن معاذ بن جبل أنه قيل له من المتقون؟ فقال قوم اتقوا الشرك وعبادة الأوثان وأخلصوا لله العبادة. وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي هريرة أن رجلاً قال له ما التقوى؟ قال هل وجدت طريقاً ذا شوك؟ قال نعم، قال فكيف صنعت؟ قال إذا رأيت الشوك عدلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه، قال ذاك التقوى. وأخرج أحمد في الزهد عن أبي الدرداء قال تمام التقوى أن يتقي الله العبدُ حتى يتقيه من مثقال ذرة حين يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراماً يكون حجاباً بينه وبين الحرام. وقد روى نحو ما قاله أبو الدرداء عن جماعة من التابعين. وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، والبيهقي في الشعب عن عطية السعدي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم **" لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً لما به البأس "** فالمصير إلى ما أفاده هذا الحديث واجب ويكون هذا معنى شرعياً للمتقي أخصّ من المعنى الذي قدمنا عن صاحب الكشاف زاعماً أنه المعنى الشرعي. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | | | --- | --- | --- | --- | | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | | | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ البَقَرَةِ
Medinan
الۤـمۤ
* تفسير تفسير القرآن/ الفيروز آبادي (ت817 هـ)
وبإسناده عن عبد الله بن المبارك قال حدثنا علي بن إسحاق السمرقندي عن محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى: { الۤمۤ } يقول ألف الله لام جبريل ميم محمد ويقال ألف آلاؤه لام لطفه ميم ملكه ويقال ألف ابتداء اسمه الله لام ابتداء اسمه لطيف ميم ابتداء اسمه مجيد ويقال أنا الله أعلم ويقال قسم أقسم به { ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ } أي هذا الكتاب الذي يقرؤه عليكم محمد صلى الله عليه وسلم { لاَ رَيْبَ فِيهِ } لا شك فيه أنه من عندي فإن آمنتم به هديتكم وإن لم تؤمنوا به عذبتكم ويقال ذلك الكتاب يعني اللوح المحفوظ ويقال ذلك الكتاب الذي وعدتك يوم الميثاق به أن أوحيه إليك ويقال ذلك الكتاب يعني التوراة أو الإنجيل لا ريب فيه لا شك فيه أن فيهما صفة محمد ونعته { هُدَى لِّلْمُتَّقِينَ } يعني القرآن بيان للمتقين الكفر والشرك والفواحش ويقال كرامة للمؤمنين ويقال رحمة للمتقين لأمة محمد صلى الله عليه وسلم { ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ } بما غاب عنهم من الجنة والنار والصراط والميزان والبعث والحساب وغير ذلك ويقال الذين يؤمنون بالغيب بما أنزل من القرآن وبما لم ينزل ويقال الغيب هو الله { وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاةَ } يتمون الصلوات الخمس بوضوئها وركوعها وسجودها وما يجب فيها من مواقيتها { وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } ومما أعطيناهم من الأموال يتصدقون ويقال يؤدون زكاة أموالهم وهو أبو بكر الصديق وأصحابه { وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ } من القرآن { وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ } على سائر الأنبياء من الكتب { وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } وبالبعث بعد الموت ونعيم الجنة هم يصدقون وهو عبد الله بن سلام وأصحابه. { أُوْلَـٰئِكَ } أهل هذه الصفة { عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ } على كرامة ورحمة وبيان نزل من ربهم { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } الناجون من السخط والعذاب ويقال أولئك الذين أدركوا ووجدوا ما طلبوا ونجوا من شر ما منه هربوا وهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ البَقَرَةِ
Medinan
الۤـمۤ
* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ)
قال الفقيه: حدثني أبي رحمه الله، قال: حدثني محمد بن حامد، قال: حدثنا علي بن إسحاق قال: حدثنا محمد بن مروان عن عطاء بن السائب عن أبي الضحى عن ابن عباس في قوله تعالى: { الۤمۤ } يعني: أنا الله أعلم. [ومعنى قول ابن عباس (أنا الله أعلم) يعني] الألف: أنا، واللام: الله، والميم: أعلم، لأن القرآن نزل بلغة العرب، والعرب قد كانت تذكر حرفاً وتريد به تمام الكلمة. ألا ترى إلى قول القائل: | **قلت لها قفي لنا قالت قاف** | | **لا تحسبي أنا نسينا الإيجاف** | | --- | --- | --- | يعني بالقاف: قد وقفت. وقال الكلبي: هذا قسم، أقسم الله تعالى بالقرآن، أن هذا الكتاب الذي أنزل على (قلب) محمد صلى الله عليه وسلم هو الكتاب الذي نزل من عند الله تعالى لا ريب فيه. وقال بعض أهل اللغة إن هذا الذي قال الكلبي لا يصح، لأن جواب القسم معقود على حروف مثل: (ان، وقد، ولقد، وما، واللام) وهنا لم نجد حرفاً من هذه الحروف فلا يجوز أن يكون يمينا. ولكن الجواب أن يقال: موضع القسم قوله { لاَ رَيْبَ فِيهِ } فلو أن إنساناً حلف فقال: والله هذا الكتاب لا ريب فيه لكان الكلام سديداً وتكون لا جوابا للقسم، فثبت أن قول الكلبي صحيح سديد. فإن قيل: ايش الحكمة في القسم من الله تعالى، وكان القوم في ذلك الزمان على صنفين، مصدق ومكذب، فالمصدق يصدق بغير قسم، والمكذب لا يصدق مع القسم. قيل له القرآن نزل بلغة العرب، والعرب إذا أراد بعضهم أن يؤكد كلامه أقسم على كلامه فالله تعالى أراد أن يؤكد عليهم الحجة فأقسم أن القرآن من عنده. وقد قيل { الۤمۤ }: الألف الله تعالى، واللام: جبريل، والميم: محمد - صلى الله عليه وسلم - ويكون معناه: الله الذي أنزل جبريل على محمد بهذا القرآن لا ريب فيه. وقال بعضهم: كل حرف هو افتتاح اسم من أسماء الله تعالى. فالألف مفتاح اسمه: الله، واللام مفتاح اسمه: اللطيف، والميم مفتاح اسمه: مجيد، ويكون معناه: الله اللطيف المجيد أنزل الكتاب. وروي عن محمد بن كعب بن علي الترمذي أنه قال: إن الله تعالى أودع جميع ما في تلك السورة من الأحكام والقصص في الحروف التي ذكرها في أول السورة، ولا يعرف ذلك إلا نبي أو ولي، ثم بين ذلك في جميع السور ليفقه الناس. وروي عن الشعبي أنه قال: إن لله تعالى سراً جعله في كتبه، وإن سره في القرآن هو الحروف المقطعة وروي عن عمر وعثمان وابن مسعود رضي الله عنهم أنهم قالوا: الحروف المقطعة من المكتوم الذي لا يفسر وعن علي رضي الله عنه: هو اسم من أسماء الله تعالى، فرقت حروفه في السور. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | | | --- | --- | --- | --- | --- | يعني أن ها هنا قد ذكر { الۤمۤ } وذكر: { الۤر } في موضع آخر وذكرٍ: { حـمۤ } في موضع آخر (نون) في موضع. فإذا جمعت يكون (الرحمن) وكذلك سائر الحروف إذا جمع يصير اسماً من أسماء الله. وذكر قطرب أن المشركين كانوا لا يستمعون القرآن كما قال الله تعالى**{ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ }** [فصلت: 26] فأراد أن يسمعهم شيئاً لم يكونوا سمعوه ليحملهم ذلك إلى الاستماع حتى تلزمهم الحجة وقال بعضهم: إن المشركين كانوا يقولون: لا نفقه هذا القرآن، لأنهم قالوا:**{ قُلُوبُنَا فِىۤ أَكِنَّةٍ }** [فصلت: 5] فأراد الله أن يبين لهم أن القرآن مركب على الحروف التي ركبت [عليها] ألسنتكم [يعني هو على لغتكم]، ما لكم لا تفقهون؟ وإنما أراد بذكر الحروف تمام الحروف، كما أن الرجل يقول: علمت ولدي: أ، ب، ت، ث، وإنما يريد جميع الحروف ولم يرد به الحروف الأربعة خاصة. وقال بعضهم: هو من شعار السور وكان اليهود أعداء الله فسروه على حروف الجمل، لأنه ذكر **" أن جماعة من اليهود منهم كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب، وأبو ياسر بن أخطب، وشعبة بن عمرو ومالك بن الصيف دخلوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالوا: بلغنا أنك قرأت: { الۤمۤ ذٰلِكَ ٱلْكِتَابُ } فإن كنت صادقا، فيكون بقاء أمتك إحدى وسبعين سنة، لأن الألف: واحد، واللام: ثلاثون، والميم: أربعون، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قالوا له: وهل غير هذا؟ قال: نعم. { الۤمۤصۤ } فقالوا: هذا أكثر لأن (ص) تسعون. فقالوا: هل غير هذا؟ قال: نعم. { الۤر } فقالوا: هذا أكثر، لأن (الراء): مائتان. ثم ذكر { الۤمۤر } فقالوا: خلطت علينا [يا محمد] لا ندري أبالقليل نأخذ أم بالكثير؟ "** وإنما أدركوا من القرآن مقدار عقولهم وكل إنسان يدرك العلم بمقدار عقله. وكل ما ذكر في القرآن من الحروف المقطعة، فتفسيره نحو ما ذكرنا ها هنا [والله أعلم بالصواب]. قوله عز وجل: { ذٰلِكَ ٱلْكِتَابُ } أي هذا الكتاب { لاَ رَيْبَ فِيهِ } أي لا شك فيه أنه مني، لم يختلقه محمد من تلقاء نفسه. وقد يوضع ذلك بمعنى هذا، كما قال القائل: | **أقول له والرمح يأْطِرُ مَتْنَهُ** | | **تأمل خفافاً أنني أنا ذلكا** | | --- | --- | --- | يعني هذا. وقال بعضهم: معناه ذلك الكتاب الذي [كنت وعدتك يوم الميثاق أن أوحيه إليك، وقال بعضهم: معناه ذلك الكتاب الذي] وعدت في التوارة والإنجيل أن أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - وروي عن زيد بن أسلم أنه قال: أراد بالكتاب اللوح المحفوظ، يعني الكتاب ثبت في اللوح المحفوظ. وقوله: { لاَ رَيْبَ فِيهِ } أي لا شك فيه أنه من الله تعالى ولم يختلقه محمد من تلقاء نفسه. فإن قيل: كيف يجوز أن يقال: لا شك فيه؟ وقد شك فيه كثير من الناس وهم الكفار والمنافقون؟ قيل له: معناه لا شك فيه عند المؤمنين وعند العقلاء. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | | | --- | --- | --- | --- | --- | وقيل: معناه لا شك فيه أي لا ينبغي أن يشك فيه، لأن القرآن معجز فلا ينبغي أن يشك فيه أنه من الله تعالى. قوله عز وجل: { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } أي بيانا لهم من الضلالة { لِّلْمُتَّقِينَ } الذين يتقون الشرك والكبائر والفواحش. فهذا القرآن بيان لهم من الضلالة وبيان لهم من الشبهات، وبيان الحلال من الحرام. فإن قيل: فيه بيان لجميع الناس. فكيف أضاف إلى المتقين خاصة؟ قيل له: لأن المتقين هم الذين ينتفعون بالبيان، ويعملون به، فإذا كانوا هم الذين ينتفعون [بالبيان]، صار في [الحقيقة حاصل] البيان لهم. روي عن أبي روق أنه قال: { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } أي كرامة لهم. يعني إنما أضاف إليهم إجلالاً وكرامة لهم، وبياناً لفضلهم. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | | | --- | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ البَقَرَةِ
Medinan
ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ
* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ)
قوله تعالى: { ذَلِكَ الكِتَابُ } فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: يعني التوراة والإنجيل، ليكون إخباراً عن ماضٍ. والثاني: يعني به ما نزل من القرآن قبل هذا بمكة والمدينة، وهذا قول الأصم. والثالث: يعني هذا الكتاب، وقد يستعمل ذلك في الإشارة إلى حاضر، وإن كان موضوعاً للإشارة إلى غائب، قال خُفاف بن ندبة: | **أَقُولُ لَهُ والرُّمْحُ يَأْطِرُ مَتْنُهُ** | | **تَأَمَّلْ خُفَافاً إِنَّنِي أَنَا ذَلِكَا** | | --- | --- | --- | ومن قال بالتأويل الأول: أن المراد به التوراة والإنجيل، اختلفوا في المخاطب به على قولين: أحدهما: أن المخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم، أي ذلك الكتاب الذي ذكرته في التوراة والإنجيل، هو الذي أنزلته عليك يا محمد. والقول الثاني: أن المخاطب به اليهود والنصارى، وتقديره: أن ذلك الذي وعدتكم به هو هذا الكتاب، الذي أنزلته على محمد عليه وعلى آله السلام. قوله عز وجل: { لاَ رَيْبَ فيهِ } وفيه تأويلان: أحدهما: أن الريب هو الشك، وهو قول ابن عباس، ومنه قول عبد الله بن الزِّبَعْرَى: | **لَيْسَ في الْحَقِّ يَا أُمَيْمَةُ رَيْبٌ** | | **إِنَّمَا الرَّيْبُ مَا يَقُولُ الْجَهُولُ** | | --- | --- | --- | والتأويل الثاني: أن الريب التهمة ومنه قول جميل: | **بُثَيْنَةُ قالتْ: يا جَمِيلُ أَرَبْتَنِيُ** | | **فَقُلْتُ: كِلاَنَا يَا بُثَيْنَ مُرِيب** | | --- | --- | --- | قوله عزَّ وجلَّ: { هُدىً لِلْمُتَّقِينَ } ، يعني به هدىً من الضلالة. وفي المتقين ثلاثة تأويلات: أحدها: أنهم الذين اتقوا ما حرم الله عليهم وأدَّوا ما افترض عليهم، وهذا قول الحسن البصري. والثاني: أنهم الذين يحذرون من الله تعالى عقوبته ويرجون رحمته وهذا قول ابن عباس. والثالث: أنهم الذين اتقوا الشرك وبرئوا من النفاق وهذا فاسد، لأنه قد يكون كذلك، وهو فاسق وإنما خص به المتقين، وإن كان هدىً لجميع الناس، لأنهم آمنوا وصدقوا بما فيه. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- |

📚 Quran Tafseer Collection

What's this all about?

This dataset is a treasure trove of Quranic interpretations (tafsir) from 84 different books! It's perfect for anyone interested in Islamic studies, natural language processing, or just curious about the Quran's meanings.

Dataset Details

  • Source: All data was collected from Altafsir.com
  • Size: 219,000 rows of insightful content
  • Language: Arabic

What's inside?

The dataset has 5 columns:

  1. surah_name: The name of the Surah (chapter) in the Quran
  2. revelation_type: Whether the Surah was revealed in Mecca or Medina
  3. ayah: The specific verse being interpreted
  4. tafsir_book: The source book for the interpretation (84 different books!)
  5. tafsir_content: The actual interpretation text

Potential Use Cases

  • Comparative analysis of different tafsir interpretations
  • Building Quran study tools or apps
  • Training language models on Islamic texts
  • Exploring the differences between Meccan and Medinan revelations

A Heartfelt Request

This dataset contains the words of Allah (SWT) and the interpretations of respected scholars. We kindly ask that it be used with the utmost respect and care.

Gratitude

I am thankful to Altafsir.com for being the source of this knowledge, and to all the scholars who've dedicated their lives to understanding and explaining the Quran.

May this small effort be of benefit to everyone.

Downloads last month
146
Edit dataset card